أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
70623 82974

العودة   {منتديات كل السلفيين} > ركن الإمام المحدث الألباني -رحمه الله- > أشرطة الإمام الألباني -رحمه الله-

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 09-11-2014, 12:01 AM
معز النيجيري معز النيجيري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2013
الدولة: دمام-سعودية || لاغوس-نيجيريا
المشاركات: 129
افتراضي محاضرةٌ قديمةٌ في التَّوحيد والسُّنَّة للعلامة محمد ناصر الدين الألباني -رحمه الله تع

كلمة
العلامة الامام محدث العصر
محمد ناصر الدين الألباني
تغمّده الله برحمته
وأدخله فسيح جنّته

العلّامة محمد ناصر الدين الألباني :
الواقع أيُّها الإخوان أنَّ الأمرَ كما ذكر الأستاذالكريم أنَّنِي حضرتُ هنا لِكي أَسْتَمِعَ الكريمة ، أستفيدها من إخوتي في المذهب السَّلفيالنَّقي الطَّاهر . ولم أُزَاوِدْ في نفسي كلاماً أقدِّمُهُ إلى السُّوَّال ، فما وقديُحرِج فَلنَنْظُرَ ماذا يُلْهِمُنَا الله -عزَّ وجلَّ- به من الكلامِ .
وخير ما أُقدِّمُ به ما قد تَتَقَدَّم به من الكلامبين يَدَيْكُم . وهو أن أَفتَتِحَهُ بِخُطْبَةِ الحَاجَةِ التي كان رسول الله -صلىالله عليه وعلى آله وسلم- يُعَلِّمُها أَصْحَابَه . هذه الخطبةُ الجليلةُ التي -معالأسف الشَّديد- يَجْهَلُهَا أكثَرُ الناسِ ولا أعنِي بِهِم العَامَة فَحَسِبْ ! ،بَل الخَاصَةُ . كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُعَلِّمُها أَصْحَابَه لِيَتَقَدَّمَبِهَا بَيْنَ أيدي كلِّ خطبةٍ وكلامٍ دينيٍّ لِيَتَقَدَّمُونَ به بين إخوانهم .فأقولاِتِّبَاعاً لِسنةِ رسول -عليه الصَّلاة والسَّلام- بين يدي هذه الكلمة :
إنَّ الحمدَ للهِ ، نَحمدُهُ ونَستعينُهُ ونَستغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ من شُرور أَنْفُسِنَا ومن سَيِّئات أعمالِنا ، من يَهْدِهِ اللهُ فلامُضِلَّ له ، و من يضلل فلا هاديَ له ، وأشهدأن لا إله الا الله وحده لا شريكَ لهُ ، وأشهد أن محمَّداً عبده ورسوله .
﴿يَاأَيها الذين آمَنُوا اتقُوا اللهَحَق تُقَاته ولاتموتن إلا وأنتم مُسلمُون[آل عمران : 102]
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْالَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَارِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء : 1]
﴿يَا أيُّها الذين آمنوا اتقوا الله وقولواقَو لاً سَديداً يُصلح لَكُم أَعمالكم وَيَغفر لَكُم ذُنُوبَكُم وَمَن يُطع الله وَرَسُولَهُ فَقَد فَازَ فَوزاً عَظيماً[الأحزاب : 70 ، 71]
ثمَّ أُتْبِعَ هذه الخطبةُ المباركةُ بالجُملةالطَّيِّبة التي كان رسول الله -صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم- كثيراً ما يُقَدِّمُهَابين يدي خُطَبِهِ ، خَاصَةً يومَ الجُمْعَةِ ،
فكان -عليه الصَّلاة والسَّلام- يقول بعد الحَمْدَلَةِ:
أمَّا بعد :
فإنَّ خيرَ الكلامِ كلامُ الله ، وخيرَ الهديِهديُ محمَّدٍ -صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم- ، وشرُّ الأمورِ محدثَاتُها ، وكلُّمحدثةٍ بدعةٌ ، و كلُّ بدعةٍ ضلالةٌ ، وكلُّ ضلالةٍ في النار [1] .
هذه الكلمةُ أَعتقدُ أنَّ هي الفصلُ الحاكمُ بينإخوانِنَا في سائرِ العَلَمِ الإِسلامي ، أَنصارِ السَّنَّة أو السَّلفيِيْن أو المحمَّدِيِيْن، وبين الآخرِيْن مِمَّن يَنْتَمُوْنَ إلى الإسلامِ قَوْلاً أو فِعْلاً مَهْمَا فيذلك مِن الخطاءِ والبُعْدِ عَنْ التَّحقِيْقِ العَمَلِي لِلْقَولِ الصَّادِقِ ؛ لأنَّالرَّسولَ -عليه الصَّلاة والسَّلام- يَقولُ في هذه الكلمةِ : ((كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلُّ ضَلَالَةً فِي النَّارِ)) .
ولقد كان رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم كأنَّهعلى علمٍ -طبعاً مِن اللهِ -عزَّ وجلَّ- ؛ لأنَّنَا كلُّنَا نَعْلَم أنَّ الرَّسولَ-عليه الصَّلاة والسَّلام- مِن حَيْثُ العِلْمِ بالغيبِ ، هو كسائرِ البشرِ ﴿... وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُالْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ...[الأعراف : 188] إلى آخر الآية الواردةِ في نَفسِ العِلْمِ أنَّ الرَّسولَ-عليه الصَّلاة والسَّلام- عَلِمَ الغَيْبَ .
ولكنَّنَا نَعْلَمُ أيضاً في الوقث نفسه أنَّاللهَ -عزَّ وجلَّ- كان يُطْمِعُ نَبِيَّهُ -عليه الصَّلاة والسَّلام- على بعضِ المُغَيَبَاتَالتي تَتَحَقَق مَصْلَحَةُ المسلمين في أَذْهَانِ رسولِ اللهِ -عليه الصَّلاة والسَّلام-بِهَا إيَّاهم .
فكأنَّ الرَّسول -عليه الصَّلاة والسَّلام- أُريدأنْ أَقول كان يَعلم ما سَيَقَعُ فيه المسلمون من الإِحداثِ في الدِّين والإبتداعِفيه ، سواءً كان هذا الإبتداع في العقائدِ أو كان في العباداتِ . ولذلك ، كان تحقيقاًلما وصفه الله -تبارك الله وتعالى- به من أنَّه ﴿... بِالْمُؤْمِنِينَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ[التَّوبة : 128] ، كان يُنَبِهُهم في كلِّ المناسبة وخاصةً المناسبةالتي يَجْتَمِعُ فيها أكبر العَدَدِ منَ المسلمين ، وهي مُنَاسبةُ خطبةِ الجمعةِ .فكان يَخْطُبُ -عليه الصَّلاة والسَّلام- بهذه الجملة الكريمة :
أمَّا بعد :
فإنَّ خيرَ الكلامِ كلامُ الله ، وخيرَ الهديِهديُ محمدٍ -صلى الله تبارك وتعالى عليه وعلى آله وسلم- ، وشرُّ الأمورِ محدثَاتُها، وكلُّ محدثةٍ بدعةٌ ، و كلُّ بدعةٍ ضلالةٌ ، وكلُّ ضلالةٍ في النار .
مع هذا -والأسف الشَّديد- ، نَجِدُ المسلمين قدغَفِلُوا أو جَهِلُوا هذه الحقيقة . بل ، قَدَّمُوهَا وعَكَسُوهَا فالرَّسول -عليهالصَّلاة والسَّلام- يقول : ((كلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ)) . وهذه كما هو معلوم في الأصولمن عامِّ صِيَّغِ العُمومِ والشُّمولِ ((كلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ)) ، مع ذلك هم يَأْتُوْنَإلى هذه الكليَّة فيُعَاطِلُوْنَها بقولهم : ((ليس كلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ)) . هذهمُشَاقَة في الحقيقة لله والرَّسول .
فنحن يَجِبُ أن نَظَلَّ ونَتَمَسَّكَ بهذا المبدأ، ففيه تَحْقِيْق الأصلِ الثَّاني هو المُتَمِمُ للأصلِ الأولِ ، والأصلُ الأولُ والثَّانييُسَاوِي في مَفهومِنَا - هو- الإسلام . هذان الأصلان ممّا يشرحُهُمَا ويُقَرِرُهُمَاشيخُ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- ، يقول أنَّ : ((الإِسْلَامَ يَقُوْمُ عَلَى عِبَادَةِاللهِ -تبارك وتعالى- وَحْدَهُ -)) .
وبالطَّبعِ كما تعلمون ، المقصود بالعبادة : هوتوحيد الله -عزَّ وجلَّ- في عِبَادَتِهِ وفي أُلُوْهِيَّتِهِ ، وليس المقسود : الإعتقادأنَّ الله هو الخالق وَحْدَهُ لا شَرِيْكَ له في ذَاتِهِ ، فإنَّ هذا كما تعلمون شَيْئٌيَشْتَرِكُ فيه المشركون . المشركون كانوا يعتقدون أنَّ الخالقَ وَاحِدٌ ﴿وَلَئِنسَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ[الزُّمر : 38] ، ولكنهم ما كفروا ولا أشركوا إلَّا لأنَّهم جَحَدُوا عُبُودِيَّةَاللهِ وَحْدَهُ ، عبدوا غَيْرَ الله مع اعتقادهم بأنَّ اللهَ هو الخَالِقُ الرَّازِقُالمُحْي المُمِيْتُ . كما يَزْعُمون عمَّن ينتمي إلى الإسلام ، يقولون : هؤلاء لا يعتقدونأنَّهم يخلقون ويرزقون وإلى آخره فيشهدون هذه الحقيقة . هم إذا قالوا عن بعض الجُهَّالمن المسلمين ، إنَّهم لا يعتقدون أنَّ هذا المَيِّت الذي يستغثون به هو يَضُرُّ ويَنْفَعُ، فما يصفونهم بأكثر مِمَّا يَصِفُ المسلمُ العَالِمُ أيَّ مشركٍ ، المشرك كان يعتقدأنَّ الضَّارَّ والنَّافِعَ والرَّازق والمُحْي والمُمِيْتُ هو الله -عزَّ وجلَّ-. إذاً لما كفر هؤلاء المشركون ، لجَحْدِهم لتَوحيد العبوديَّة وتوحيد الأُلوهيَّة.
القصد أنَّ ابنَ تَيْمِيَةَ -رحمه الله- يُقَرِرُأنَّ الأصلَ الأول الذي يقوم عليه الإسلام : هو توحيدُ اللهِ في عِبَادَتِهِ والأصلَالثَّاني : هو عِبَادَةُ اللهِ -تبارك وتعالى- بما شَرَعَ لا بما اِبْتَدَعَ المُنْتَمُوْنَللإسلام . فهذان الأصلان عظيمان جداً ، من فَهِمَهُمَا ثُمَّ حَقَقَهُمَا عملياً فهومسلم ، ومن أَخَلَّ بحديث النَّاسِ فقد أَخَلَّ بأصلٍ من الإسلام بإعتبار أنَّه لايكون مسلماً في دينه .
وأنتم تعلمون أنَّ كلَّ ذَنْبٍ لأنصار السُّنَّةفي جَمِيْعِ بلادِ الإسلامِ عند المُخَالِفين لهم ، هو تَمَسُّكُهم بهذين الأصلين ،هو دَعْوَتُهم بِصَرَاحَةٍ وبِقُوَّةٍ النَّاسَ جَمِيْعاً مُسْلِمِيْهم المنتمين –طبعاً-إلى الإسلام وكافريهم إلى أنْ يوحدوا اللهَ -تبارك وتعالى- في أُلوهيَّتِه وفي عِبَادَتِه.
ونحن لَسْنَا بِحَاجَةٍ كما أنَّ قُدْوَتَنَامحمَّد -صلى الله عليه وسلم- لم يكن بِحَاجَةٍ إلى أن يَدْعُوَ النَّاس إلى توحيدِاللهِ -عزَّ وجلَّ- في ذاته . فالبشريَّة باعتبار أنَّ الله -عزَّ وجلَّ- خلقهم علىالفطرة وخلقهم على أَنَّهم لا يُمْكِنُهم أن يَعْقِلَ وجود ذَاتَيْن تَتَصَرَّفَانفي الكون ؛ لذلك كان من قَبِيْل كما يقول بعض الفقهاء : «تحصيل الحاصل» . أن يدعوَرسول الله -صلى الله عليه وسلم- النَّاسَ خَاصَةً الذين أريدُ بينهم مِن المشركين ،أن يدعوَهم إلى أن يوَحِّدُوا اللهَ في ذَاتِهِ . هذا الأمر «تحصيل الحاصل» ، لأنَّالمشركين كانوا كما ذكرنا آنفاً يعتقدون بأنَّ اللهَ كذاتٍ خالصةٍ ، هي واحدةٌ لا شريكَلها .
وأنتم تعلمون ولستم بِحَاجَةٍ إلى أن يُطِيْلَفي مثلِ هذه الأُمُوْرُ الإِعْتِقَادِيَّة ؛ لأنَّكم والحمدُ للهِ أَفْلَحْتُم -مِنعَالِمِكُم إلى طالبِكُم العِلْمِ- دُعَاتاً في مثلِ هذه المواضع والحمد لله . ولكن، هي قبل كلِّ شيئٍ تَبَادُلُ الآراءِ والأفكارِ ، وثانياً قد يكون هناك في بعض النَّاسمِمَّنْ يسمعون كلامَنَا الآن مَنْ هم بِحَاجَةٍ إلى ذكرى و﴿... الذِّكْرَىتَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ[الذَّاريات : 55] إن شاء الله .
فالرَّسول -صلى الله عليه وسلم- لم يكن لِيَدْعُوَالنَّاسَ إلى أن يُوَحِّدُوا اللهَ في ذاتِهِ لأنَّهم بالواقع كانوا يُوَحِّدُون الله-تبارك وتعالى- في ذاتِهِ ، إنَّما دَعَاهُم إلى توحيدِ اللهِ-عزَّ وجلَّ- في ألُوْهِيَّتِهِ-أيُّ أنَّهُ ليس هناك ذاتٌ أُخرى تَسْتَحَقُ الخُضُوْعُ والخُشُوْعُ- ، وإلى توحيدِاللِه في عِبَادَتِهِ -بِحَيْثُ لا يُعْبَدُ سِوَاهُ- . وفي الحقيقةِ ، كلٌّ من التَّوحيدينالذَيْنِ مسميان بتوحيد الألوهيَّة وتوحيد الرُبُوبيَّة ينفذان إلى معنى واحدٍ ؛ لأنَّالألوهيَّة -وهي الخضوع لله -عزَّ وجلَّ- ليس شيئاً قلبياً فقط ، وإنَّما هو شيئٌ عمليٌ، يَظْهَرُ ما كَمَنَ في القلبِ من التَّوحيدِ أو من الشِّركِ . فهذه العِبَادات يَجِبُأن تُصْرَفَ ويُخَافَ بها الله -عزَّ وجلَّ- .
فدُعَاة السُّنَّةِ في كلِّ البلاد كما قلنا ،هذا هو ذنبهم الأول عند الآخرين . أنَّهم -هم- تركوا شيئاً في أَنْفُسِهِم لا يَسْمَحُونَمطلقاً أن يَعْبُدَ غيرَ اللهِ ، إنَّما يعبدون الله وحده لا شريك له . والمشركون ،هذا الذي كانوا يُنْكِرُوْنَهُ ويَشْهَدُوْنَهُ ، وهذا ما هو صريحٌ في الكتابِ والسُّنَّةِ. وإذا قيل ((لَا إِلَهَ إِلَّا اللهَ)) يَسْتَكْبِرُوْنَ ، وكان أحدهم إذا طاف البيتيقول : ((اللَّهُمَ لَبَيْكَ اللَّهُمَ لَبَيْكَ ، لَا شَرِيْكَ لَكَ لَبَيْكَ ، إنَّالحمدَ والملكَ لَكَ ، لَا شَرِيْكَ لَكَ إلَّا شَرِيْكٌ تَمْلُكُهُ وَمَا مَلَكَ))، فما هذا الشَّرِيْكُ الذي يَمْلُكُهُ وَمَا مَلَكَ ، هذه عقيدة المشركين ، ... يعتقدون[أنَّ] المالك الحقيقي هو الله -تبارك وتعالى- . وهذا صريحٌ في الآية الكريمة ﴿... وَالَّذِينَاتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَىاللَّهِ زُلْفَى ...[الزُّمر : 3] ، فهذه الآية نصٌّ صريحٌ بأنَّ المشركين كانَتْغَايَتُهم هي الله -عزَّ وجلَّ- ، وأنَّ الذين يَعْبُدُوْنَهُم من دون الله -عزَّ وجلَّ-، كانوا يَأْتَخِّذُوْنَهم وَسَائِط لا غَايَات . الغاية حتى عند المشركين هو أنْ يَصِلَإلى مَرْضَاتِ اللهِ -عزَّ وجلَّ- ولكنَّهم ضَلُوا الطَّريق حِيْنَمَا إِتَخَّذُواهذه الوَسَائِط تُوصِلُهم [و]تُقَرَّبُهم إلى الله .
لا يزال كثيرٌ من النَّاس اليوم -والأسف الشَّديد-لا يفقهون معنى العبادة ولا يَدْرُوْنَ كيف أَشْرَكَ المشركون ، هذه لا يزال لا يفقهونلها معنى . ﴿... مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِزُلْفَى ...[الزُّمر : 3] ، إيش معنى هذه العبادةِ التي أَثْبَتُوهَا لأَنفُسِهِم للغايةِأنَّه تُوْصِلُهُم إلى الله -إلى مرضاةِ اللهِ -عزَّ وجلَّ- ؟ أكثر المسلمين لا يَعْرِفُوْنَهَا، مع أنَّهُ من الثَّابِتِ في الكتاب والسُّنَّة - . كما تعلمون- أنَّ هذه العبادةهي دعوةُ غير الله -عزَّ وجلَّ- خاصةً في الشَّدائِدِ والمضايق ، هذه العبادة مُخِلَةبعبادة توحيد الله -عزَّ وجلَّ- .
وكذلك النَّذر لهؤلاء ، فالعبادة التي عبدها المشركونلعظماءهم وأولياءهم هي هذه الأشياء ، خَصُّوهم بِالاِسْتِغَاثَةِ بغير الله وخَصُّوهمبالنَّذْرِ لهم وخَصُّوهم بالذَّبْحِ عندهم ، وهكذا إلى ما هو معلوم إليكم .
هذا هو الأصل الأول الذي يدعو إليه أنصار السُّنَّة: أن يُعْبَدَ اللهَ وَحْدَهُ وأن يبطلَ ما سواء ذلك من الوسائط .
والأصل الثَّاني ، وهو مهمٌّ -أيضاً- جداً ، وكثيرٌمن النَّاس تَعْرِفُوْنَهُ ، هو أن لا يُعْبَدَ الله إلَّا بما شَرَعَ الله . وهذهالجملة قصيرة لكنَّها تحمل شَطْرَ الإسلام كما عَلِمْتُم .
ويُعْجِبُنِي بهذه المناسبة كلمة للشَّيخ المقريزيفي رسالته «تجريد التَّوحيد المفيد» -ولَعَلَّه استفادها من كتب شيخ الإسلام ابن تَيْمِيَةَ-رحمه الله- أو تلميذه ابن القيِّم- . يقول حِيْنَمَا يَتَكَلَّمُ عن توحيد الأُلُوْهِيَّةِوتوحيد الرُّبُوْبِيَّةِ وتوحيد الصِّفات -ثمَّ يقسِمُ النَّاس إلى أقسامٍ بنسبةِ لموقفِهِمفي توحيد العبادةِ- ، يقول في أثناء ذلك : ((ليس الشَّأن أنْ يُعْبَدَ الله وحده فقط، ولكنَّ الشَّأن أن يُعْبَدَ الله بما شرع الله)) . هذه الجملة عَظِيْمَةٌ جِدًّا، يعني ليس المقسود فقط أنْ يُعْبَدَ الله وحده ، نحن ندعو إلى عِبَادَةِ الله وحدهلكنَّ هذا لا يكفي ، لا يكفي للتَّوحيد الصَّحيح إلَّا بأنْ نَعْبُدَ اللهَ بما شرعالله .
ولذلك ، تَجِدُوْنَ الله -عزَّ وجلَّ- يَصِفُالمشركين بقوله -تبارك وتعالى- : ﴿اتَّخَذُواأَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ...[التَّوبة : 31] . وتعلمون القصَّة التي حَدَثَتْ عند نزول هذه الآية ، وهيأنَّ الرَّسول -صلى الله عليه وسلم- لما نَزَلَتْ هذه الآية وتلاها على سمعِ الصَّحابةكان فيهم عدي ابن حاتم الطائي وقد كان نَصْرَنِيًّا ، وهو من النَّصارى القليلين الذينأسلموا وكانوا مُتَعَلِّمِيْن أو عُلَمَاءُ ؛ لأنَّكم تَعْلَمُوْن أنَّ العَرَبَ كانواأُمِيِيْنَ وكان قليل منهم من يَحْسِنُ القِرَاءة والكتابة .
وهذا عدي ابن حاتم -من هؤلاء القليل- الذي تَعَلَّمَالقِرَاءة والكتابة ثم وَجَدَ المشركين على الضَّلال المُبِيْن فرَأَى أنَّ النَّصْرَنِيَّةخير من الشِّرك فَتَنَصَّرَ .
ثُمَّ لما جاء الله بالإسلامِ على يَدَيِّ محمَّد-عليه الصَّلاة والسَّلام- ، آمَنَ بِمُحَمَّدٍ رسولاً نَبِيًّا ، وكان حِيْنَ نَزَلَتْالآية السَّابِقَة في مَجْلِسِ الرَّسول -عليه الصَّلاة والسَّلام- ، فلما سَمِعَهَااِسْتَغْرَبَ ما فيها .
طبعاً ، لا يَسْتَنْكِرُ لأنَّه مسلم ، فقال: ((يا رسولَ اللهِ ، كيف اتَّخَذْنَاهم أربَاباً من دون الله)) قال : ((ألَسْتُم كُنْتُمْإذا حَرَّمُوا لَكُم حَلَالاً حَرَّمْتُمُوْهُ وإذا حَلَّلُوا لَكُمْ حَرَاماً حَلَّلْتُمُوْهُ))قال : ((بَلَى)) قال : ((فَذَاكَ اتِّخَاذُكُمْ إيَّاهُمْ أربَاباً من دون الله))[2]، -في هذا معنى- . هذا تَأْيِيْدٌلِلأَصْلِ الثَّانِي ، وهو أنْ لا نَعْبُدَ اللهَ إلَّا بِمَا شَرَعَ الله .
فأيُّ مسلمٍ يُحَرِّمُ مِن عِنْدِهِ بِدُوْنِنَصٍّ من كتاب الله ورسوله أو يُحَلَّلُ مِن عِنْدِهِ بِدُوْنِ نَصٍّ من كتاب اللهورسوله ، أو يُحَسَّنُ كَمَا يَقُولُ الإمامُ الشَّافِعِي -رضي الله عنه- في أَوَلِرِسَالَتِهِ المَعْرُوْفُ بــ «الرِّسَالَةُ : رسالة الإِمَامِ الشَّافِعِي» ، يقول: ((مَنْ اِسْتَحْسَنَ فَقَدْ شَرَعَ)) ، هذا المعنى عظيمٌ ومَأْخُوْذٌ مِن الآية السَّابِقَةِ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّندُونِ اللَّهِ...[التَّوبة : 31] .
فهذا الأصل الثَّاني هو الذي يُتَمِمُ الأصل الأولوبِمَجْمُوْعِ ما يَتَحَقَقُ إسلام المُسْلِمِ . ولذلك ، نَجِدُ -مع الأسَفِ الشَّدِيْدِ-أنَّ كثيراً من المُنْتَمِيْنَ إلى الإسلامِ اليَوْم ، هم بَاعِدُوْنَ كُلَّ بُعْدِعَن الإسلام ، في الأصل الأول وفي الأصل الثَّاني .
لَيْتَالأمر وَقَف في الخِلَافِ في أصلٍ من هَذَيْنِ الأصلَيْنِ ، ولكن -مع الأسف الشَّديد-الخِلَافُ في الأصلَيْنِ مَعاً . فَهُمْ يُسَمُّوْنَ -مثلاً- التَّوَسُّلَ بالاِسْتِغَاثَةِبغير الله ، يُسَمُّوْنَه تَوَسُّلاً -أيّ تَقَرُّباً إلى الله -عزَّ وجلَّ- . ونحنوأنْتُم من رجلاً علميًّا نُفَرِّقُ بين ما يُسَمَّى بالاِسْتِغَاثَةِ -وهو طَلَبُالغَوْثِ من غير الله -عزَّ وجلَّ- وبين التَّوَسُّلَ بمعنى العِلْمِ الذي وُجِدَ فِيْهِبَعْضُ الإخْتِلَاف ، وهو إِيْصَالُ الوَاسِطَةِ بَيْنَكَ وبين الله ولكنَّك في الوقتنفسه تَطْلُبُ من الله ، لا تَطْلُبُ من الوَسِيْطِ . نُفَرِّقُ بين هذا وذاك ولكنَّنَانَعْتَقِدُ أنَّ هذه الوَسِيْلَة علميَّة ، لا الوَسِيْلَة التي هم يَفْهَمُوْنَهَابِمَعْنَى الإسْتِغَاثَة ، تُؤَدِي إلى الإِسْتِغَاثَةِ التي هي شركٌ صغير .
فَخُلَاصَةُ القَوْلِ أنَّ النَّاسَ اليوم فيجَاهِلِيَّةٍ جَهْلَة ، لِزَجْرِهِم عن الإسلام كلَّ البُعْدِ . وهذا تَصْوِيْرُهُ: أنَّهُم يَجْهَلُوْنَ الأصل الأول والأصل الثَّاني . ولو أنَّ الأمَر -أيضاً- وَقَفَعند الجَهْلِ لَهَانَ الخَطَبُ بَعْضَ الشيئ ، ولكنَّه يَقِفُوْنَ في صفِّ المحاربينوالمعادين لمن يَدْعُو إلى عبادةِ اللهِ وحده ولمن يَدْعُو إلى عبادةِ اللهِ بِمَاشَرَعَ الله . يَقِفُوْنَ مَوْقِفَ الإلَهِ وليس هذا الإله يَقِفُ كما يَقِفُ كلُّعَدُوٍّ تُجَاهَ عَدُوٍّ آخر ، ولكنَّهم يُعَادُوْنَ دعاة السَّنَّة ودعاة التَّوْحِيْدِودعاة مُهَارِبَةِ البِدَعِ ، يُعَادُوْنَهُم أَشَدَّ مُعَادَاتِ عند المَلَاحِدَةوالكُفَّارِ وإلى آخر ما هنالك من الأحذاب والفِرَقِ .
فهذا ممَّا يُجَنِي وَضْعَ المُسْلِمِيْنَ اليَوْمويَحْمِلُ دعاة السُّنَّة على أن يُجَنِّدَ أنفسَهُم ليَكُوْنَ صفًّا واحداً وعوناًويَدًّا واحداً لتَوْجِيْهِ هؤلاء الضَّالين إلى مَعْرِفَةِ ما دَعَاهُم إليه رسولُاللهِ -صلى الله عليه وسلم- ، الذي يَتَظَاهَرُوْنَ بِتَعْظِيْمِهِ لإِقَامَةِ حَفَلَاتٍما يَرْضَاهَا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وهي في الواقعِ تَدْخُلُ فِيْمَا يُنَافِيالأصل الثَّاني ، أيُّ : عِبَادَةُ اللهِ بِمَا شَرَعَ اللهُ ، فهم يَعْبُدُوْنَ اللهبِغَيْرِ مَا شَرَعَ اللهُ .
ونحن والحمد لله لا نَزَالُ نَدْعُوا وسَنَظَلُّنَدْعُوا إلى آخر النَّفَسِ من حَيَاتِنَا بِإِذْنِ الله -تبارك وتعالى- .
وإن كنَّا نحن نُضِيفُكم أنَّكم تَجِدُون الحريَّةالمطلقة في دعوةِ الحقِ بَيْنَما نحن لا نجد مجالاً إلا مع الاقتياد الشديد على مايُسَمَّونَه بالقوانين وبالأوامر الإدارية وما يشبه ذلك .
وأنا شَخْصِياً -نظراً لأني أعلم بالجور الذيأعيش فيه- ، لا أَسْتَطِيعُ حتى اليَوْم أن أَتَحَدَّثَ بكلمةٍ قد تَصِلُ إلى خَارِجِهذه الدَّارِ -هناك في الدِّمَشْق- ، لا أستَطِيعُ أن أَفْعَلَ هذا . ولا أستَطِيعُأن أَتَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ في المَسْجِدِ ، وقد فَعَلْنَا مِرَاراً ، تَكَلَّمْنَافي المَسَاجِدِ . مش خَوْفاً ولكِن دَرْئًا للمَفْسَدِ وللفِتْنَةِ ، وتَحْقِيْقاً-فِيْمَا نَظُنُّ- لحديث السَّيِّدَةِ عَائِشَة -رضي الله عنها- التي تَقُولُ أنَّالرَّسُولَ -عليه الصَّلاة والسَّلام- لما رآها تَعْزِم على أن تَسْكُنَ جَوْفَ الكعبةلِتُصَلِيَ فيه ، قال لها : ((صَلِي في الحِجْرِ فإنه من الكعبة))[3] -والحِجْرِ تعلمون هو مكان خارجمن الكعبة- ، ((...ولَوْلا أَنَّ قَوْمَكِ حديث عهد بالشِّركِ ، لَهَدَمْتُ الكعبةولَبَنَيْتُهَا على أسَاسِ إبراهيم -عليه السَّلام- ولَجَعَلْتُ لها بابين ، بَاباًيَدْخُلُوْنَ منه وبَاباً يَخْرُجُوْنَ منه))[4] إلى آخر الحديث .
فنحن لا نَسْتَطِيعُ اليَوْمُ أن نَتَكَّلَمَبِكَلِمَةِ الحَقِ مع أنَّنَا نتعاصر كُلَّ الوَسَائِلِ التي تَدْخُلُ في عُمُوْمِقَوْلِ اللهِ -عزَّ وجلَّ- : ﴿ادْعُ إِلَىٰسَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ... [النحل : 125] ، ما نَسْتَطِيعُ أن نَتَكَلَّمَ بِكَلِمَةِ الحَقِ في مَسْجِدٍمن المساجد .
وإن كنَّا حَاوَلْنَا كَمَا قُلْنَا ولَكِن كَانَفِي جدالك أن صُدِرَتِ المَسَاجِدَ من أيْدِيْنَا وصُدِرَتِ الأوقاف ، وبعضها جعلتمثل التَّكِيَة لِيَقُوْمَ بعض النَّاس فِيْهَا بِمَا يُسَمُّوْنَه بالذِّكر ونُسَمِّينحن بِالرَّفَثِ -أيُّ نَعَمْ- . وكان نَتِيْجَة الأمرِ أن لم يُجْعَلْ ، لا داراًللتَّوحِيدِ ولا داراً للصَّلاة -الصَّلاة الخمسة على الأقل- ، أُغْلِقَ وخُتِمَ بالشَّمعِالأحمر .
ومَسْجِدٌ آخر أكبر من ذلك صُدر بِطَرِيْق مايُسَمُّونَه بِالمُقَاوَمَة الشَّعْبِيَّة ؛ لما حَصَلَت بعض الحَوَادِث ... استمروافي بعض المساجد فصَدَرُوه منَّا ، هذا في الحلب ، وبَقِيْنَا نَضْطَرُّ إلى أن نَتَدارَسَالكِتَابَ والسُّنَّةَ في بُيُوتِنَا الخَاصَة .
لم يَكْتَفِي الأمر عند هذه الحَدِّ أَيُّها الإخْوَان، إنَّمَا مُنِعْنَا أيضا حتى الإِجْتِمَاعَ في الدارِ الخَاصة .
وأنا شَخْصِيًّا أَسْكُن الدِّمَشق ولي إجْتِمَاعٍفي كلِّ أُسْبُوْعٍ ، في يومِ الخَمِيْسِ ويومِ الجُمْعَةِ وأُدَرِّسُ في يَوْمِ الاثنينالكتاب «التَّرْغِيْبُ والتَّرْهِيْبُ» . وهذا [الكتاب] أَعْتَقِدُه كتابٌ مُفِيْدٌومُوَجِّهٌ ، وبِحَاجَةِ لِجَمَاعَةِ أَنْصَارِ السُّنَّةِ كُلِّهِم أن يَتَفَقَّهَبهذا الكتاب لأنَّكُم تَشْعُرُوْنَ بِمَعْنَاهَا : «التَّرْغِيْبُ والتَّرْهِيْبُ». ولكن ، هذا الكتاب فِيْهِ سَيِّئَة ، وهو أنَّه مُمْتَلِئٌ بأحاديث الضَّعِيْفَةوبعض المَوْضُوْعَة ، ولكنَّ الله -عزَّ وجلَّ- اِمْتَنَّ علينا وفَضَّلَنَا -والحَمْدُلله- على كَثِيْرٍ مِن العَلَمِيْن حَيْثُ مَكَّنَنَا مِن مَعْرِفَةِ الحَدِيْثِ الضَّعِيْفِوالمَوْضُوْعِ وتَمْيِيْزُهما مِنَ الصَّحِيْحٌ . ولذلك ، قبل أن أُلْقِيَ الدَّرْسَهَنَاك من «التَّرْغِيْبُ والتَّرْهِيْبُ» أخَرِّجُ الأَحَادِيْثَ التي أنا أَعْزِمُعلى إِلْقَائِهَا وشَرْحِهَا شَرْحاً مُخْتَصَراً لِإِخْوَانِنَا . فَأَقْرَأُ عَلَيْهِمفَقَطْ الأَحَادِيْثَ الصَّحِيْحَةَ والحَسَنَةَ ، أمَّا الأَحَادِيْثُ الضَّعِيْفَةُفأصلي أنا أوقف عنه وأَقُوْلُ لِلْقَارِئِ يُشِيْرُ إِلَيْهَا بِحَرْفِ الضَّادِعَلَى الهَامِشِ حَتَى فِي المُسْتَقْبَلِ يَكُوْنُ هذا كَمُذَكِرٍ لَهُمْ . هذا يومُالإثْنَيْنِ ، ويَوْمُ الجُمْعَةِ نَقْرَأ لَهُمْ حَسْبُ المُنَاسَبَةِ والظُرُوْفِ.
ثُمَّ نَقْرَأُ لَهُمْ فِي المُدَةِ الأخيرة «الرَّوْضَةُالنَّدِيَّةُ شرح الدُّرَرِ البَهِيَّةِ» للشَّيْخِ حَسن صِدِيْق خان ، واِنْتَهَيْنَامِنْهُ . فالآن نَقْرَأُ لَهُمْ -بَدَل هذا الكِتَابِ- الرِّسَالَةَ التي سَبَقَ ذِكْرُهَا«التَّجْرِيْدُ التَّوْحِيْدُ» للمَقْرِيْزِي .
ونَقْرَأُ لَهُمْ -بَعْد- دَرْساً في مُصْطَلَحِالحَدِيْثِ ولَكِنَّهُ دَرْسٌ غَيْرُ الدُرُوْسِ التي يَقْرَأُهَا أو يَسْمَعُهَا طُلَابُالعُلُوْمِ الشَّرْعيَّة في المَدَارِسِ الرَّسْمِيَّة -أعني المَدَارِسِ الرَّسْمِيَّة، أعني الشَّرعيَّة ، مش الحَلَقَات- . درس في مصطلح الحديث يَقْتَرِنُ معه التَّطْبِيْقُالعَمَلِيُّ ، يَسْتَخْرِجُ له حَدِيْثاً من أيِّ كتابٍ من كتب السُّنة ونُسَجِّلُهفي اللَّوْحِ بسَنَدِه ونُطَبِّقُ ما قَرَأْنَاه من التَّعْرِيْفِ للحديثِ الصَّحيحِوالحَسَنِ والضَّعِيْفِ على هذا الحديث الذي أَمَامَنَا ، ونَتْبَعُ له كتاباً من كتبِالتَّرَاجِمِ ونُسْتَخْرِجُ له تَرْجِمَةُ كُلِّ رَجُلٍ وما قِيْلَ فيه من التَّوْثِيْقِأو التَّجْرِيْحِ أو التَّضْعِيْفِ . وبذلك ، يكون الدَّرْسُ قَبْلَ كلِّ شَّيْئٍ أَقْبَلُ-أشدُّ قُبُوْلاً- في نفوسِهِم وأشدُّ رُسُوْخاً في قُلُوْبِهِم ، هذا الدَّرْسُ الثَّانِييكون دَرْسَيْنِ في يومِ الجمعةِ : درسٌ من «التَّجريدِ التَّوحيدِ المُفِيْدِ» والدَّرسُالثَّانِي في مُصْطَلَحِ الحَدِيْثِ ، هذا في الدمشق .
لي كلُّ الشَّهْرِ تَقْرَأُ سَاتِرُهاإلى «المنطقة الشَّماليَّة» من سُوْرِيا إلى «حلب» و«إدلب» و«الحفة» و«اللاذقية» .هنا الشَّاهد : بَدَأَتِ الدَّعوة بِصُوْرَةٍ خاصةٍ تَنْتَشِرُ بَعْدَ «حلب» في «إدلب»، وهي تَبْعُدُ عن «حلب» نحو 60 كلم .
وكما تعلمون ، يُقَسَّمُ النَّاسَ إلى طائِفَتَيْنِ- سنَّةُ اللهِ في خَلقهِ ﴿...فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا[الفتح : 23] - ، فأخذ بعض الغَوْغَاء -يُدَاعِنُهُم بعضُ من يَتَزَيَّ بِزَيِّالعلماء- ، أخذوا يُشَيَّعُون ويُوَزَّعُون أمثال الإِفْتِرَاءَات التي سَبَقَ أن تَحَدَّثَ[عنه] الأستاذ الكريم آنَذَاكَ : فلان وَهَّابِي ، فلان يُنْكَرُ الرَّسُول ، فلانيُنْكَرُ الكَرَمَات ، فلان يُنْكَرُ الأَئِمَة إلى آخر ما هنالك من الإِفْتِرَاءَات.
وكانت نتيجة ذلك أن تَقَدَّمَ مفتي «منطقة إدلب» بالمَضَابِطِ العَدِيْدَةإلى المُحَافِظِ في «حلب» ، ثمَّ إلى العَاصِمَة -وهي «الدِّمشق»- ، وهو يَعُود... إلا في المرَّة الأخيرة نجح ، وذلك من طريق مفتي «الجُمهورية السورية» . هذا المفتي–هو قَبْلَ كلِّ شيئٍ- ، حَنَفِيٌ مذهباً مُتَعَصِبٌ جِدًّا ، ومن هنا يَظْهَرُ لكمأنَّه لا يمكن أن يَلْتَقِيَ مَعِي ولا يُمْكِنُنِي البتة أن ألتَقِيَ مَعَهُ . فمُجَرَدما جَائَتْ [من] المنطقة إليه أنَّ فلاناً يَأتِي إلى «إدلب» كلُّ شَهْرٍ ويَقْضِيفِيْها اللَّيْلَة ثمَّ يَنْتَقِلُ إلى منطقةِ كذا وكذا ، كتب أمراً إلى الوِزَارَةِالدَّاخِلِيَّة يَطْلُبُ بِمَنْعِ الرَّجُل من التَّدْرِيْسِ . وبفعل أنا اِسْتَجِهْتُإلى الوِزَارَةِ ، يعني إلى مديرِ الشُّرطةِ ، وقرأ على لِسَانِهِ المَضْبَطَة ومافِيْهَا من الإفتراءات والأكاذيب وشهادة المفتي بذلك وهو يَطْلُبُ أُموراً غَرِيْباًجِدًّا ، ويطلب -قبل كلِّ شيئٍ- منعي من التَّدريس ، ويكتفي بذلك منعي من القسمة العلميَّة، وهذه القسمة العلميَّة .
(المداخلة) : ((كذَّابين يا شيخنا))
لا ،
ضعيف المفتي هذه ، إذ مش هذا هو ذو علمٍ عندنا، هذا وظيف تكريم -تقريبا- عندنا .
وشيئٌ أغرب من هذا ، [أنَّه] يَطْلُبُ من الوِزَارَةِالدَّاخِلِيَّة نَفْيِي من البَلَدِ إلى المنطقة داعياً . ويَظْهَرُ أنَّ المَسْؤُوْلِيْنَهناك عُقَلَاءُ ، وهم فَوْقَ من يَطلُبُ مثلَ هذا الطلب في عَقْلِهِم ، فاكْتَفَوابِتَنْفِيْذِ الأمرِ الأولِ من هذا النصف -وهو المنعُ من التَّدْرِيس- . فلبحثناالطالب الموظَّف الجدير : القضية هذه تَمْنَعَنِي من التَّدريس ، أنا لَسْتُ موظَّفاًفي الدولة ، ولَسْتُ موظَّفاً في الأوقاف ، حتى أُمنعَ من التَّدريس وحتى يكون للمُفتيصوتاً عليَّ .
قالوا : ((المفتي له الأمر وهو الموظَّف الرَّسميوله أن يمنعَ من شاء ويمنعَ ما شاء)) . طيب ، لو آمر الدُّروسَ في المساجدِ ، قد يُقال((والله هذا معقول)) ، لكن أنا آمر الدُّروسَ في الدار ، لأني أعرف إذا آمرتُ الدُّروسَفي المساجد ، سوف أمنع بالكليَّة من الإسلام .
خلاصة القول : بالفعل مُنِعْثُ من التَّدريس لكن-واللحمد لله- ما مُنِعْثُ من السَّفر -يعني هذا غض النَّظر عليّ يعني- . ولذلك ، أنا-مع الأسفِ الشَّديد- أقول لكم- مُضْطَرٌّ أن أسافرَ شهراً وأدعَ شَهْرَيْنِ ، لأنَّهإذا سافرتُ ، الغاية هو الإجتماع ، وإذا إجتمعت فالعيون ، وعيون الجماعة -طبعاً- حاضراً، فأريد أن نَتَحَاشَ الإنتظام مع الأمر القَنُوْنِي وحتى أَتَمَكَّنَ من خِفِّ هذه الدَّار .
وجرَّ بالأخير أنِّي ذهبت في شهرٍ منذ شهرين ،ففي «الحفة» جَائَتِ الشُّرْطَةُ تطلب أسماء الحاضرين ، كانوا من المجرمين . وفي «إدلب»جاء رئيس المَحْفَظِ يَطْلُبُ قَبْضَ المجلس -وفيه نحوُ نِصْفِ هذا الحلق المبارك-. ولكن -الحمد لله- ، المجلس مُنْقَدٌ واستمَرَّ في البحث فيه ونصرة للشَّعب حتى ساعة12.00 تقريباً ، ولكن لا أزال بالثيقة القنونية ممنوعاً من التَّدريس في البيوت ، مشفي المساجد ، مش في الحفل العام كهذا الحلق المبارك .
ولذلك ، نحن في الحقيقة -أقول مرة أخرى- نَوضِيفُكمعلى أنَّكم تَسْتَطِيعُون أن تجتمعوا بِصَرَاحَةٍ وتُوْزِيعُ الحق إلى أبعد المكانممكن أن يصلَ إليه صوتُ الحقِّ وأسأل الله -عزَّ زجلَّ- أن يرفعَ عنَّا ذلك القيد ،حتى نَسْتَطِيعَ أن نَحْذُوَ حَذْوَكُم ونَسِيْرَ سَيْرَتَكم .
ولعلَّ في هذا القدر الكفاية ، واللَّيل -طبعاًاللَّيل والنَّهار- شديد الحرِّ ، فحسبي أنَّنِي ألتَقِي بكم ونحن على عقيدةٍ واحدةٍ، وعلى مشربٍ واحد . وإخواننا -طبعاً- هناك جميعاً يُبَلِغُونَكم السَّلام للمُسْلِمالسَّلفي النَّقِي الطَّاهر .
وسلام الله ورحمته وبركاته عليكم .

[1] ثمَّ كتب الشيخ رسالةً المسمَّى بـــ «خطبةالحاجة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلها أصحابه» ، مكتبة المعارفللنشر والتوزيع ط1 ، الرياض / المملكة العربية السعودية . ذكر فيها طرق هذه الخطبةوألفاظها من مُختلف كتب السنة المطهرة . فليراجع .

[2] كان الشيخ يذكر هذا الحديث بهذا اللفظ في غيرموضعٍ –كما هو في «سلسلة الهدى والنور : ش / 060» مثلا- ، فبحثت عن الحديث بهذااللفظ ولم أفلح . ورواه الترمذي (5 / 278 : رقم 3095) : عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ : أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي عُنُقِيصَلِيبٌ مِنْ ذَهَبٍ . فَقَالَ : «يَا عَدِيُّ اطْرَحْ عَنْكَ هَذَا الوَثَنَ» ،وَسَمِعْتُهُ يَقْرَأُ فِي سُورَةِ بَرَاءَةٌ: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْوَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [التوبة : 31] ، قَالَ : «أَمَاإِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْبُدُونَهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا أَحَلُّوالَهُمْ شَيْئًا اسْتَحَلُّوهُ، وَإِذَا حَرَّمُوا عَلَيْهِمْ شَيْئًا حَرَّمُوهُ» :قال الترمذي : «هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِالسَّلَامِ بْنِ حَرْبٍ، وَغُطَيْفُ بْنُ أَعْيَنَ لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ فِيالحَدِيثِ» ، لكن حسنه العلامة الألباني –رخمه الله- .


[3] رواه أبو داود الطيالسي في «مسنده» (3 / 141 : رفم 1666) ، ذكر الحافظ البوصيري فيكتابه «إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة» (3 / 193 : رقم 2529) أنَّاسناده صحيح .




رد مع اقتباس
  #2  
قديم 09-11-2014, 11:58 PM
ابوخزيمة الفضلي ابوخزيمة الفضلي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: May 2012
المشاركات: 1,952
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة معز النيجيري مشاهدة المشاركة
كلمة
العلامة الامام محدث العصر
محمد ناصر الدين الألباني
تغمّده الله برحمته
وأدخله فسيح جنّته

العلّامة محمد ناصر الدين الألباني :
الواقع أيُّها الإخوان أنَّ الأمرَ كما ذكر الأستاذالكريم أنَّنِي حضرتُ هنا لِكي أَسْتَمِعَ الكريمة ، أستفيدها من إخوتي في المذهب السَّلفيالنَّقي الطَّاهر . ولم أُزَاوِدْ في نفسي كلاماً أقدِّمُهُ إلى السُّوَّال ، فما وقديُحرِج فَلنَنْظُرَ ماذا يُلْهِمُنَا الله -عزَّ وجلَّ- به من الكلامِ .
وخير ما أُقدِّمُ به ما قد تَتَقَدَّم به من الكلامبين يَدَيْكُم . وهو أن أَفتَتِحَهُ بِخُطْبَةِ الحَاجَةِ التي كان رسول الله -صلىالله عليه وعلى آله وسلم- يُعَلِّمُها أَصْحَابَه . هذه الخطبةُ الجليلةُ التي -معالأسف الشَّديد- يَجْهَلُهَا أكثَرُ الناسِ ولا أعنِي بِهِم العَامَة فَحَسِبْ ! ،بَل الخَاصَةُ . كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُعَلِّمُها أَصْحَابَه لِيَتَقَدَّمَبِهَا بَيْنَ أيدي كلِّ خطبةٍ وكلامٍ دينيٍّ لِيَتَقَدَّمُونَ به بين إخوانهم .فأقولاِتِّبَاعاً لِسنةِ رسول -عليه الصَّلاة والسَّلام- بين يدي هذه الكلمة :
إنَّ الحمدَ للهِ ، نَحمدُهُ ونَستعينُهُ ونَستغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ من شُرور أَنْفُسِنَا ومن سَيِّئات أعمالِنا ، من يَهْدِهِ اللهُ فلامُضِلَّ له ، و من يضلل فلا هاديَ له ، وأشهدأن لا إله الا الله وحده لا شريكَ لهُ ، وأشهد أن محمَّداً عبده ورسوله .
﴿يَاأَيها الذين آمَنُوا اتقُوا اللهَحَق تُقَاته ولاتموتن إلا وأنتم مُسلمُون[آل عمران : 102]
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْالَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَارِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء : 1]
﴿يَا أيُّها الذين آمنوا اتقوا الله وقولواقَو لاً سَديداً يُصلح لَكُم أَعمالكم وَيَغفر لَكُم ذُنُوبَكُم وَمَن يُطع الله وَرَسُولَهُ فَقَد فَازَ فَوزاً عَظيماً[الأحزاب : 70 ، 71]
ثمَّ أُتْبِعَ هذه الخطبةُ المباركةُ بالجُملةالطَّيِّبة التي كان رسول الله -صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم- كثيراً ما يُقَدِّمُهَابين يدي خُطَبِهِ ، خَاصَةً يومَ الجُمْعَةِ ،
فكان -عليه الصَّلاة والسَّلام- يقول بعد الحَمْدَلَةِ:
أمَّا بعد :
فإنَّ خيرَ الكلامِ كلامُ الله ، وخيرَ الهديِهديُ محمَّدٍ -صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم- ، وشرُّ الأمورِ محدثَاتُها ، وكلُّمحدثةٍ بدعةٌ ، و كلُّ بدعةٍ ضلالةٌ ، وكلُّ ضلالةٍ في النار [1] .
هذه الكلمةُ أَعتقدُ أنَّ هي الفصلُ الحاكمُ بينإخوانِنَا في سائرِ العَلَمِ الإِسلامي ، أَنصارِ السَّنَّة أو السَّلفيِيْن أو المحمَّدِيِيْن، وبين الآخرِيْن مِمَّن يَنْتَمُوْنَ إلى الإسلامِ قَوْلاً أو فِعْلاً مَهْمَا فيذلك مِن الخطاءِ والبُعْدِ عَنْ التَّحقِيْقِ العَمَلِي لِلْقَولِ الصَّادِقِ ؛ لأنَّالرَّسولَ -عليه الصَّلاة والسَّلام- يَقولُ في هذه الكلمةِ : ((كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلُّ ضَلَالَةً فِي النَّارِ)) .
ولقد كان رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم كأنَّهعلى علمٍ -طبعاً مِن اللهِ -عزَّ وجلَّ- ؛ لأنَّنَا كلُّنَا نَعْلَم أنَّ الرَّسولَ-عليه الصَّلاة والسَّلام- مِن حَيْثُ العِلْمِ بالغيبِ ، هو كسائرِ البشرِ ﴿... وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُالْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ...[الأعراف : 188] إلى آخر الآية الواردةِ في نَفسِ العِلْمِ أنَّ الرَّسولَ-عليه الصَّلاة والسَّلام- عَلِمَ الغَيْبَ .
ولكنَّنَا نَعْلَمُ أيضاً في الوقث نفسه أنَّاللهَ -عزَّ وجلَّ- كان يُطْمِعُ نَبِيَّهُ -عليه الصَّلاة والسَّلام- على بعضِ المُغَيَبَاتَالتي تَتَحَقَق مَصْلَحَةُ المسلمين في أَذْهَانِ رسولِ اللهِ -عليه الصَّلاة والسَّلام-بِهَا إيَّاهم .
فكأنَّ الرَّسول -عليه الصَّلاة والسَّلام- أُريدأنْ أَقول كان يَعلم ما سَيَقَعُ فيه المسلمون من الإِحداثِ في الدِّين والإبتداعِفيه ، سواءً كان هذا الإبتداع في العقائدِ أو كان في العباداتِ . ولذلك ، كان تحقيقاًلما وصفه الله -تبارك الله وتعالى- به من أنَّه ﴿... بِالْمُؤْمِنِينَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ[التَّوبة : 128] ، كان يُنَبِهُهم في كلِّ المناسبة وخاصةً المناسبةالتي يَجْتَمِعُ فيها أكبر العَدَدِ منَ المسلمين ، وهي مُنَاسبةُ خطبةِ الجمعةِ .فكان يَخْطُبُ -عليه الصَّلاة والسَّلام- بهذه الجملة الكريمة :
أمَّا بعد :
فإنَّ خيرَ الكلامِ كلامُ الله ، وخيرَ الهديِهديُ محمدٍ -صلى الله تبارك وتعالى عليه وعلى آله وسلم- ، وشرُّ الأمورِ محدثَاتُها، وكلُّ محدثةٍ بدعةٌ ، و كلُّ بدعةٍ ضلالةٌ ، وكلُّ ضلالةٍ في النار .
مع هذا -والأسف الشَّديد- ، نَجِدُ المسلمين قدغَفِلُوا أو جَهِلُوا هذه الحقيقة . بل ، قَدَّمُوهَا وعَكَسُوهَا فالرَّسول -عليهالصَّلاة والسَّلام- يقول : ((كلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ)) . وهذه كما هو معلوم في الأصولمن عامِّ صِيَّغِ العُمومِ والشُّمولِ ((كلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ)) ، مع ذلك هم يَأْتُوْنَإلى هذه الكليَّة فيُعَاطِلُوْنَها بقولهم : ((ليس كلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ)) . هذهمُشَاقَة في الحقيقة لله والرَّسول .
فنحن يَجِبُ أن نَظَلَّ ونَتَمَسَّكَ بهذا المبدأ، ففيه تَحْقِيْق الأصلِ الثَّاني هو المُتَمِمُ للأصلِ الأولِ ، والأصلُ الأولُ والثَّانييُسَاوِي في مَفهومِنَا - هو- الإسلام . هذان الأصلان ممّا يشرحُهُمَا ويُقَرِرُهُمَاشيخُ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- ، يقول أنَّ : ((الإِسْلَامَ يَقُوْمُ عَلَى عِبَادَةِاللهِ -تبارك وتعالى- وَحْدَهُ -)) .
وبالطَّبعِ كما تعلمون ، المقصود بالعبادة : هوتوحيد الله -عزَّ وجلَّ- في عِبَادَتِهِ وفي أُلُوْهِيَّتِهِ ، وليس المقسود : الإعتقادأنَّ الله هو الخالق وَحْدَهُ لا شَرِيْكَ له في ذَاتِهِ ، فإنَّ هذا كما تعلمون شَيْئٌيَشْتَرِكُ فيه المشركون . المشركون كانوا يعتقدون أنَّ الخالقَ وَاحِدٌ ﴿وَلَئِنسَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ[الزُّمر : 38] ، ولكنهم ما كفروا ولا أشركوا إلَّا لأنَّهم جَحَدُوا عُبُودِيَّةَاللهِ وَحْدَهُ ، عبدوا غَيْرَ الله مع اعتقادهم بأنَّ اللهَ هو الخَالِقُ الرَّازِقُالمُحْي المُمِيْتُ . كما يَزْعُمون عمَّن ينتمي إلى الإسلام ، يقولون : هؤلاء لا يعتقدونأنَّهم يخلقون ويرزقون وإلى آخره فيشهدون هذه الحقيقة . هم إذا قالوا عن بعض الجُهَّالمن المسلمين ، إنَّهم لا يعتقدون أنَّ هذا المَيِّت الذي يستغثون به هو يَضُرُّ ويَنْفَعُ، فما يصفونهم بأكثر مِمَّا يَصِفُ المسلمُ العَالِمُ أيَّ مشركٍ ، المشرك كان يعتقدأنَّ الضَّارَّ والنَّافِعَ والرَّازق والمُحْي والمُمِيْتُ هو الله -عزَّ وجلَّ-. إذاً لما كفر هؤلاء المشركون ، لجَحْدِهم لتَوحيد العبوديَّة وتوحيد الأُلوهيَّة.
القصد أنَّ ابنَ تَيْمِيَةَ -رحمه الله- يُقَرِرُأنَّ الأصلَ الأول الذي يقوم عليه الإسلام : هو توحيدُ اللهِ في عِبَادَتِهِ والأصلَالثَّاني : هو عِبَادَةُ اللهِ -تبارك وتعالى- بما شَرَعَ لا بما اِبْتَدَعَ المُنْتَمُوْنَللإسلام . فهذان الأصلان عظيمان جداً ، من فَهِمَهُمَا ثُمَّ حَقَقَهُمَا عملياً فهومسلم ، ومن أَخَلَّ بحديث النَّاسِ فقد أَخَلَّ بأصلٍ من الإسلام بإعتبار أنَّه لايكون مسلماً في دينه .
وأنتم تعلمون أنَّ كلَّ ذَنْبٍ لأنصار السُّنَّةفي جَمِيْعِ بلادِ الإسلامِ عند المُخَالِفين لهم ، هو تَمَسُّكُهم بهذين الأصلين ،هو دَعْوَتُهم بِصَرَاحَةٍ وبِقُوَّةٍ النَّاسَ جَمِيْعاً مُسْلِمِيْهم المنتمين –طبعاً-إلى الإسلام وكافريهم إلى أنْ يوحدوا اللهَ -تبارك وتعالى- في أُلوهيَّتِه وفي عِبَادَتِه.
ونحن لَسْنَا بِحَاجَةٍ كما أنَّ قُدْوَتَنَامحمَّد -صلى الله عليه وسلم- لم يكن بِحَاجَةٍ إلى أن يَدْعُوَ النَّاس إلى توحيدِاللهِ -عزَّ وجلَّ- في ذاته . فالبشريَّة باعتبار أنَّ الله -عزَّ وجلَّ- خلقهم علىالفطرة وخلقهم على أَنَّهم لا يُمْكِنُهم أن يَعْقِلَ وجود ذَاتَيْن تَتَصَرَّفَانفي الكون ؛ لذلك كان من قَبِيْل كما يقول بعض الفقهاء : «تحصيل الحاصل» . أن يدعوَرسول الله -صلى الله عليه وسلم- النَّاسَ خَاصَةً الذين أريدُ بينهم مِن المشركين ،أن يدعوَهم إلى أن يوَحِّدُوا اللهَ في ذَاتِهِ . هذا الأمر «تحصيل الحاصل» ، لأنَّالمشركين كانوا كما ذكرنا آنفاً يعتقدون بأنَّ اللهَ كذاتٍ خالصةٍ ، هي واحدةٌ لا شريكَلها .
وأنتم تعلمون ولستم بِحَاجَةٍ إلى أن يُطِيْلَفي مثلِ هذه الأُمُوْرُ الإِعْتِقَادِيَّة ؛ لأنَّكم والحمدُ للهِ أَفْلَحْتُم -مِنعَالِمِكُم إلى طالبِكُم العِلْمِ- دُعَاتاً في مثلِ هذه المواضع والحمد لله . ولكن، هي قبل كلِّ شيئٍ تَبَادُلُ الآراءِ والأفكارِ ، وثانياً قد يكون هناك في بعض النَّاسمِمَّنْ يسمعون كلامَنَا الآن مَنْ هم بِحَاجَةٍ إلى ذكرى و﴿... الذِّكْرَىتَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ[الذَّاريات : 55] إن شاء الله .
فالرَّسول -صلى الله عليه وسلم- لم يكن لِيَدْعُوَالنَّاسَ إلى أن يُوَحِّدُوا اللهَ في ذاتِهِ لأنَّهم بالواقع كانوا يُوَحِّدُون الله-تبارك وتعالى- في ذاتِهِ ، إنَّما دَعَاهُم إلى توحيدِ اللهِ-عزَّ وجلَّ- في ألُوْهِيَّتِهِ-أيُّ أنَّهُ ليس هناك ذاتٌ أُخرى تَسْتَحَقُ الخُضُوْعُ والخُشُوْعُ- ، وإلى توحيدِاللِه في عِبَادَتِهِ -بِحَيْثُ لا يُعْبَدُ سِوَاهُ- . وفي الحقيقةِ ، كلٌّ من التَّوحيدينالذَيْنِ مسميان بتوحيد الألوهيَّة وتوحيد الرُبُوبيَّة ينفذان إلى معنى واحدٍ ؛ لأنَّالألوهيَّة -وهي الخضوع لله -عزَّ وجلَّ- ليس شيئاً قلبياً فقط ، وإنَّما هو شيئٌ عمليٌ، يَظْهَرُ ما كَمَنَ في القلبِ من التَّوحيدِ أو من الشِّركِ . فهذه العِبَادات يَجِبُأن تُصْرَفَ ويُخَافَ بها الله -عزَّ وجلَّ- .
فدُعَاة السُّنَّةِ في كلِّ البلاد كما قلنا ،هذا هو ذنبهم الأول عند الآخرين . أنَّهم -هم- تركوا شيئاً في أَنْفُسِهِم لا يَسْمَحُونَمطلقاً أن يَعْبُدَ غيرَ اللهِ ، إنَّما يعبدون الله وحده لا شريك له . والمشركون ،هذا الذي كانوا يُنْكِرُوْنَهُ ويَشْهَدُوْنَهُ ، وهذا ما هو صريحٌ في الكتابِ والسُّنَّةِ. وإذا قيل ((لَا إِلَهَ إِلَّا اللهَ)) يَسْتَكْبِرُوْنَ ، وكان أحدهم إذا طاف البيتيقول : ((اللَّهُمَ لَبَيْكَ اللَّهُمَ لَبَيْكَ ، لَا شَرِيْكَ لَكَ لَبَيْكَ ، إنَّالحمدَ والملكَ لَكَ ، لَا شَرِيْكَ لَكَ إلَّا شَرِيْكٌ تَمْلُكُهُ وَمَا مَلَكَ))، فما هذا الشَّرِيْكُ الذي يَمْلُكُهُ وَمَا مَلَكَ ، هذه عقيدة المشركين ، ... يعتقدون[أنَّ] المالك الحقيقي هو الله -تبارك وتعالى- . وهذا صريحٌ في الآية الكريمة ﴿... وَالَّذِينَاتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَىاللَّهِ زُلْفَى ...[الزُّمر : 3] ، فهذه الآية نصٌّ صريحٌ بأنَّ المشركين كانَتْغَايَتُهم هي الله -عزَّ وجلَّ- ، وأنَّ الذين يَعْبُدُوْنَهُم من دون الله -عزَّ وجلَّ-، كانوا يَأْتَخِّذُوْنَهم وَسَائِط لا غَايَات . الغاية حتى عند المشركين هو أنْ يَصِلَإلى مَرْضَاتِ اللهِ -عزَّ وجلَّ- ولكنَّهم ضَلُوا الطَّريق حِيْنَمَا إِتَخَّذُواهذه الوَسَائِط تُوصِلُهم [و]تُقَرَّبُهم إلى الله .
لا يزال كثيرٌ من النَّاس اليوم -والأسف الشَّديد-لا يفقهون معنى العبادة ولا يَدْرُوْنَ كيف أَشْرَكَ المشركون ، هذه لا يزال لا يفقهونلها معنى . ﴿... مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِزُلْفَى ...[الزُّمر : 3] ، إيش معنى هذه العبادةِ التي أَثْبَتُوهَا لأَنفُسِهِم للغايةِأنَّه تُوْصِلُهُم إلى الله -إلى مرضاةِ اللهِ -عزَّ وجلَّ- ؟ أكثر المسلمين لا يَعْرِفُوْنَهَا، مع أنَّهُ من الثَّابِتِ في الكتاب والسُّنَّة - . كما تعلمون- أنَّ هذه العبادةهي دعوةُ غير الله -عزَّ وجلَّ- خاصةً في الشَّدائِدِ والمضايق ، هذه العبادة مُخِلَةبعبادة توحيد الله -عزَّ وجلَّ- .
وكذلك النَّذر لهؤلاء ، فالعبادة التي عبدها المشركونلعظماءهم وأولياءهم هي هذه الأشياء ، خَصُّوهم بِالاِسْتِغَاثَةِ بغير الله وخَصُّوهمبالنَّذْرِ لهم وخَصُّوهم بالذَّبْحِ عندهم ، وهكذا إلى ما هو معلوم إليكم .
هذا هو الأصل الأول الذي يدعو إليه أنصار السُّنَّة: أن يُعْبَدَ اللهَ وَحْدَهُ وأن يبطلَ ما سواء ذلك من الوسائط .
والأصل الثَّاني ، وهو مهمٌّ -أيضاً- جداً ، وكثيرٌمن النَّاس تَعْرِفُوْنَهُ ، هو أن لا يُعْبَدَ الله إلَّا بما شَرَعَ الله . وهذهالجملة قصيرة لكنَّها تحمل شَطْرَ الإسلام كما عَلِمْتُم .
ويُعْجِبُنِي بهذه المناسبة كلمة للشَّيخ المقريزيفي رسالته «تجريد التَّوحيد المفيد» -ولَعَلَّه استفادها من كتب شيخ الإسلام ابن تَيْمِيَةَ-رحمه الله- أو تلميذه ابن القيِّم- . يقول حِيْنَمَا يَتَكَلَّمُ عن توحيد الأُلُوْهِيَّةِوتوحيد الرُّبُوْبِيَّةِ وتوحيد الصِّفات -ثمَّ يقسِمُ النَّاس إلى أقسامٍ بنسبةِ لموقفِهِمفي توحيد العبادةِ- ، يقول في أثناء ذلك : ((ليس الشَّأن أنْ يُعْبَدَ الله وحده فقط، ولكنَّ الشَّأن أن يُعْبَدَ الله بما شرع الله)) . هذه الجملة عَظِيْمَةٌ جِدًّا، يعني ليس المقسود فقط أنْ يُعْبَدَ الله وحده ، نحن ندعو إلى عِبَادَةِ الله وحدهلكنَّ هذا لا يكفي ، لا يكفي للتَّوحيد الصَّحيح إلَّا بأنْ نَعْبُدَ اللهَ بما شرعالله .
ولذلك ، تَجِدُوْنَ الله -عزَّ وجلَّ- يَصِفُالمشركين بقوله -تبارك وتعالى- : ﴿اتَّخَذُواأَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ...[التَّوبة : 31] . وتعلمون القصَّة التي حَدَثَتْ عند نزول هذه الآية ، وهيأنَّ الرَّسول -صلى الله عليه وسلم- لما نَزَلَتْ هذه الآية وتلاها على سمعِ الصَّحابةكان فيهم عدي ابن حاتم الطائي وقد كان نَصْرَنِيًّا ، وهو من النَّصارى القليلين الذينأسلموا وكانوا مُتَعَلِّمِيْن أو عُلَمَاءُ ؛ لأنَّكم تَعْلَمُوْن أنَّ العَرَبَ كانواأُمِيِيْنَ وكان قليل منهم من يَحْسِنُ القِرَاءة والكتابة .
وهذا عدي ابن حاتم -من هؤلاء القليل- الذي تَعَلَّمَالقِرَاءة والكتابة ثم وَجَدَ المشركين على الضَّلال المُبِيْن فرَأَى أنَّ النَّصْرَنِيَّةخير من الشِّرك فَتَنَصَّرَ .
ثُمَّ لما جاء الله بالإسلامِ على يَدَيِّ محمَّد-عليه الصَّلاة والسَّلام- ، آمَنَ بِمُحَمَّدٍ رسولاً نَبِيًّا ، وكان حِيْنَ نَزَلَتْالآية السَّابِقَة في مَجْلِسِ الرَّسول -عليه الصَّلاة والسَّلام- ، فلما سَمِعَهَااِسْتَغْرَبَ ما فيها .
طبعاً ، لا يَسْتَنْكِرُ لأنَّه مسلم ، فقال: ((يا رسولَ اللهِ ، كيف اتَّخَذْنَاهم أربَاباً من دون الله)) قال : ((ألَسْتُم كُنْتُمْإذا حَرَّمُوا لَكُم حَلَالاً حَرَّمْتُمُوْهُ وإذا حَلَّلُوا لَكُمْ حَرَاماً حَلَّلْتُمُوْهُ))قال : ((بَلَى)) قال : ((فَذَاكَ اتِّخَاذُكُمْ إيَّاهُمْ أربَاباً من دون الله))[2]، -في هذا معنى- . هذا تَأْيِيْدٌلِلأَصْلِ الثَّانِي ، وهو أنْ لا نَعْبُدَ اللهَ إلَّا بِمَا شَرَعَ الله .
فأيُّ مسلمٍ يُحَرِّمُ مِن عِنْدِهِ بِدُوْنِنَصٍّ من كتاب الله ورسوله أو يُحَلَّلُ مِن عِنْدِهِ بِدُوْنِ نَصٍّ من كتاب اللهورسوله ، أو يُحَسَّنُ كَمَا يَقُولُ الإمامُ الشَّافِعِي -رضي الله عنه- في أَوَلِرِسَالَتِهِ المَعْرُوْفُ بــ «الرِّسَالَةُ : رسالة الإِمَامِ الشَّافِعِي» ، يقول: ((مَنْ اِسْتَحْسَنَ فَقَدْ شَرَعَ)) ، هذا المعنى عظيمٌ ومَأْخُوْذٌ مِن الآية السَّابِقَةِ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّندُونِ اللَّهِ...[التَّوبة : 31] .
فهذا الأصل الثَّاني هو الذي يُتَمِمُ الأصل الأولوبِمَجْمُوْعِ ما يَتَحَقَقُ إسلام المُسْلِمِ . ولذلك ، نَجِدُ -مع الأسَفِ الشَّدِيْدِ-أنَّ كثيراً من المُنْتَمِيْنَ إلى الإسلامِ اليَوْم ، هم بَاعِدُوْنَ كُلَّ بُعْدِعَن الإسلام ، في الأصل الأول وفي الأصل الثَّاني .
لَيْتَالأمر وَقَف في الخِلَافِ في أصلٍ من هَذَيْنِ الأصلَيْنِ ، ولكن -مع الأسف الشَّديد-الخِلَافُ في الأصلَيْنِ مَعاً . فَهُمْ يُسَمُّوْنَ -مثلاً- التَّوَسُّلَ بالاِسْتِغَاثَةِبغير الله ، يُسَمُّوْنَه تَوَسُّلاً -أيّ تَقَرُّباً إلى الله -عزَّ وجلَّ- . ونحنوأنْتُم من رجلاً علميًّا نُفَرِّقُ بين ما يُسَمَّى بالاِسْتِغَاثَةِ -وهو طَلَبُالغَوْثِ من غير الله -عزَّ وجلَّ- وبين التَّوَسُّلَ بمعنى العِلْمِ الذي وُجِدَ فِيْهِبَعْضُ الإخْتِلَاف ، وهو إِيْصَالُ الوَاسِطَةِ بَيْنَكَ وبين الله ولكنَّك في الوقتنفسه تَطْلُبُ من الله ، لا تَطْلُبُ من الوَسِيْطِ . نُفَرِّقُ بين هذا وذاك ولكنَّنَانَعْتَقِدُ أنَّ هذه الوَسِيْلَة علميَّة ، لا الوَسِيْلَة التي هم يَفْهَمُوْنَهَابِمَعْنَى الإسْتِغَاثَة ، تُؤَدِي إلى الإِسْتِغَاثَةِ التي هي شركٌ صغير .
فَخُلَاصَةُ القَوْلِ أنَّ النَّاسَ اليوم فيجَاهِلِيَّةٍ جَهْلَة ، لِزَجْرِهِم عن الإسلام كلَّ البُعْدِ . وهذا تَصْوِيْرُهُ: أنَّهُم يَجْهَلُوْنَ الأصل الأول والأصل الثَّاني . ولو أنَّ الأمَر -أيضاً- وَقَفَعند الجَهْلِ لَهَانَ الخَطَبُ بَعْضَ الشيئ ، ولكنَّه يَقِفُوْنَ في صفِّ المحاربينوالمعادين لمن يَدْعُو إلى عبادةِ اللهِ وحده ولمن يَدْعُو إلى عبادةِ اللهِ بِمَاشَرَعَ الله . يَقِفُوْنَ مَوْقِفَ الإلَهِ وليس هذا الإله يَقِفُ كما يَقِفُ كلُّعَدُوٍّ تُجَاهَ عَدُوٍّ آخر ، ولكنَّهم يُعَادُوْنَ دعاة السَّنَّة ودعاة التَّوْحِيْدِودعاة مُهَارِبَةِ البِدَعِ ، يُعَادُوْنَهُم أَشَدَّ مُعَادَاتِ عند المَلَاحِدَةوالكُفَّارِ وإلى آخر ما هنالك من الأحذاب والفِرَقِ .
فهذا ممَّا يُجَنِي وَضْعَ المُسْلِمِيْنَ اليَوْمويَحْمِلُ دعاة السُّنَّة على أن يُجَنِّدَ أنفسَهُم ليَكُوْنَ صفًّا واحداً وعوناًويَدًّا واحداً لتَوْجِيْهِ هؤلاء الضَّالين إلى مَعْرِفَةِ ما دَعَاهُم إليه رسولُاللهِ -صلى الله عليه وسلم- ، الذي يَتَظَاهَرُوْنَ بِتَعْظِيْمِهِ لإِقَامَةِ حَفَلَاتٍما يَرْضَاهَا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وهي في الواقعِ تَدْخُلُ فِيْمَا يُنَافِيالأصل الثَّاني ، أيُّ : عِبَادَةُ اللهِ بِمَا شَرَعَ اللهُ ، فهم يَعْبُدُوْنَ اللهبِغَيْرِ مَا شَرَعَ اللهُ .
ونحن والحمد لله لا نَزَالُ نَدْعُوا وسَنَظَلُّنَدْعُوا إلى آخر النَّفَسِ من حَيَاتِنَا بِإِذْنِ الله -تبارك وتعالى- .
وإن كنَّا نحن نُضِيفُكم أنَّكم تَجِدُون الحريَّةالمطلقة في دعوةِ الحقِ بَيْنَما نحن لا نجد مجالاً إلا مع الاقتياد الشديد على مايُسَمَّونَه بالقوانين وبالأوامر الإدارية وما يشبه ذلك .
وأنا شَخْصِياً -نظراً لأني أعلم بالجور الذيأعيش فيه- ، لا أَسْتَطِيعُ حتى اليَوْم أن أَتَحَدَّثَ بكلمةٍ قد تَصِلُ إلى خَارِجِهذه الدَّارِ -هناك في الدِّمَشْق- ، لا أستَطِيعُ أن أَفْعَلَ هذا . ولا أستَطِيعُأن أَتَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ في المَسْجِدِ ، وقد فَعَلْنَا مِرَاراً ، تَكَلَّمْنَافي المَسَاجِدِ . مش خَوْفاً ولكِن دَرْئًا للمَفْسَدِ وللفِتْنَةِ ، وتَحْقِيْقاً-فِيْمَا نَظُنُّ- لحديث السَّيِّدَةِ عَائِشَة -رضي الله عنها- التي تَقُولُ أنَّالرَّسُولَ -عليه الصَّلاة والسَّلام- لما رآها تَعْزِم على أن تَسْكُنَ جَوْفَ الكعبةلِتُصَلِيَ فيه ، قال لها : ((صَلِي في الحِجْرِ فإنه من الكعبة))[3] -والحِجْرِ تعلمون هو مكان خارجمن الكعبة- ، ((...ولَوْلا أَنَّ قَوْمَكِ حديث عهد بالشِّركِ ، لَهَدَمْتُ الكعبةولَبَنَيْتُهَا على أسَاسِ إبراهيم -عليه السَّلام- ولَجَعَلْتُ لها بابين ، بَاباًيَدْخُلُوْنَ منه وبَاباً يَخْرُجُوْنَ منه))[4] إلى آخر الحديث .
فنحن لا نَسْتَطِيعُ اليَوْمُ أن نَتَكَّلَمَبِكَلِمَةِ الحَقِ مع أنَّنَا نتعاصر كُلَّ الوَسَائِلِ التي تَدْخُلُ في عُمُوْمِقَوْلِ اللهِ -عزَّ وجلَّ- : ﴿ادْعُ إِلَىٰسَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ... [النحل : 125] ، ما نَسْتَطِيعُ أن نَتَكَلَّمَ بِكَلِمَةِ الحَقِ في مَسْجِدٍمن المساجد .
وإن كنَّا حَاوَلْنَا كَمَا قُلْنَا ولَكِن كَانَفِي جدالك أن صُدِرَتِ المَسَاجِدَ من أيْدِيْنَا وصُدِرَتِ الأوقاف ، وبعضها جعلتمثل التَّكِيَة لِيَقُوْمَ بعض النَّاس فِيْهَا بِمَا يُسَمُّوْنَه بالذِّكر ونُسَمِّينحن بِالرَّفَثِ -أيُّ نَعَمْ- . وكان نَتِيْجَة الأمرِ أن لم يُجْعَلْ ، لا داراًللتَّوحِيدِ ولا داراً للصَّلاة -الصَّلاة الخمسة على الأقل- ، أُغْلِقَ وخُتِمَ بالشَّمعِالأحمر .
ومَسْجِدٌ آخر أكبر من ذلك صُدر بِطَرِيْق مايُسَمُّونَه بِالمُقَاوَمَة الشَّعْبِيَّة ؛ لما حَصَلَت بعض الحَوَادِث ... استمروافي بعض المساجد فصَدَرُوه منَّا ، هذا في الحلب ، وبَقِيْنَا نَضْطَرُّ إلى أن نَتَدارَسَالكِتَابَ والسُّنَّةَ في بُيُوتِنَا الخَاصَة .
لم يَكْتَفِي الأمر عند هذه الحَدِّ أَيُّها الإخْوَان، إنَّمَا مُنِعْنَا أيضا حتى الإِجْتِمَاعَ في الدارِ الخَاصة .
وأنا شَخْصِيًّا أَسْكُن الدِّمَشق ولي إجْتِمَاعٍفي كلِّ أُسْبُوْعٍ ، في يومِ الخَمِيْسِ ويومِ الجُمْعَةِ وأُدَرِّسُ في يَوْمِ الاثنينالكتاب «التَّرْغِيْبُ والتَّرْهِيْبُ» . وهذا [الكتاب] أَعْتَقِدُه كتابٌ مُفِيْدٌومُوَجِّهٌ ، وبِحَاجَةِ لِجَمَاعَةِ أَنْصَارِ السُّنَّةِ كُلِّهِم أن يَتَفَقَّهَبهذا الكتاب لأنَّكُم تَشْعُرُوْنَ بِمَعْنَاهَا : «التَّرْغِيْبُ والتَّرْهِيْبُ». ولكن ، هذا الكتاب فِيْهِ سَيِّئَة ، وهو أنَّه مُمْتَلِئٌ بأحاديث الضَّعِيْفَةوبعض المَوْضُوْعَة ، ولكنَّ الله -عزَّ وجلَّ- اِمْتَنَّ علينا وفَضَّلَنَا -والحَمْدُلله- على كَثِيْرٍ مِن العَلَمِيْن حَيْثُ مَكَّنَنَا مِن مَعْرِفَةِ الحَدِيْثِ الضَّعِيْفِوالمَوْضُوْعِ وتَمْيِيْزُهما مِنَ الصَّحِيْحٌ . ولذلك ، قبل أن أُلْقِيَ الدَّرْسَهَنَاك من «التَّرْغِيْبُ والتَّرْهِيْبُ» أخَرِّجُ الأَحَادِيْثَ التي أنا أَعْزِمُعلى إِلْقَائِهَا وشَرْحِهَا شَرْحاً مُخْتَصَراً لِإِخْوَانِنَا . فَأَقْرَأُ عَلَيْهِمفَقَطْ الأَحَادِيْثَ الصَّحِيْحَةَ والحَسَنَةَ ، أمَّا الأَحَادِيْثُ الضَّعِيْفَةُفأصلي أنا أوقف عنه وأَقُوْلُ لِلْقَارِئِ يُشِيْرُ إِلَيْهَا بِحَرْفِ الضَّادِعَلَى الهَامِشِ حَتَى فِي المُسْتَقْبَلِ يَكُوْنُ هذا كَمُذَكِرٍ لَهُمْ . هذا يومُالإثْنَيْنِ ، ويَوْمُ الجُمْعَةِ نَقْرَأ لَهُمْ حَسْبُ المُنَاسَبَةِ والظُرُوْفِ.
ثُمَّ نَقْرَأُ لَهُمْ فِي المُدَةِ الأخيرة «الرَّوْضَةُالنَّدِيَّةُ شرح الدُّرَرِ البَهِيَّةِ» للشَّيْخِ حَسن صِدِيْق خان ، واِنْتَهَيْنَامِنْهُ . فالآن نَقْرَأُ لَهُمْ -بَدَل هذا الكِتَابِ- الرِّسَالَةَ التي سَبَقَ ذِكْرُهَا«التَّجْرِيْدُ التَّوْحِيْدُ» للمَقْرِيْزِي .
ونَقْرَأُ لَهُمْ -بَعْد- دَرْساً في مُصْطَلَحِالحَدِيْثِ ولَكِنَّهُ دَرْسٌ غَيْرُ الدُرُوْسِ التي يَقْرَأُهَا أو يَسْمَعُهَا طُلَابُالعُلُوْمِ الشَّرْعيَّة في المَدَارِسِ الرَّسْمِيَّة -أعني المَدَارِسِ الرَّسْمِيَّة، أعني الشَّرعيَّة ، مش الحَلَقَات- . درس في مصطلح الحديث يَقْتَرِنُ معه التَّطْبِيْقُالعَمَلِيُّ ، يَسْتَخْرِجُ له حَدِيْثاً من أيِّ كتابٍ من كتب السُّنة ونُسَجِّلُهفي اللَّوْحِ بسَنَدِه ونُطَبِّقُ ما قَرَأْنَاه من التَّعْرِيْفِ للحديثِ الصَّحيحِوالحَسَنِ والضَّعِيْفِ على هذا الحديث الذي أَمَامَنَا ، ونَتْبَعُ له كتاباً من كتبِالتَّرَاجِمِ ونُسْتَخْرِجُ له تَرْجِمَةُ كُلِّ رَجُلٍ وما قِيْلَ فيه من التَّوْثِيْقِأو التَّجْرِيْحِ أو التَّضْعِيْفِ . وبذلك ، يكون الدَّرْسُ قَبْلَ كلِّ شَّيْئٍ أَقْبَلُ-أشدُّ قُبُوْلاً- في نفوسِهِم وأشدُّ رُسُوْخاً في قُلُوْبِهِم ، هذا الدَّرْسُ الثَّانِييكون دَرْسَيْنِ في يومِ الجمعةِ : درسٌ من «التَّجريدِ التَّوحيدِ المُفِيْدِ» والدَّرسُالثَّانِي في مُصْطَلَحِ الحَدِيْثِ ، هذا في الدمشق .
لي كلُّ الشَّهْرِ تَقْرَأُ سَاتِرُهاإلى «المنطقة الشَّماليَّة» من سُوْرِيا إلى «حلب» و«إدلب» و«الحفة» و«اللاذقية» .هنا الشَّاهد : بَدَأَتِ الدَّعوة بِصُوْرَةٍ خاصةٍ تَنْتَشِرُ بَعْدَ «حلب» في «إدلب»، وهي تَبْعُدُ عن «حلب» نحو 60 كلم .
وكما تعلمون ، يُقَسَّمُ النَّاسَ إلى طائِفَتَيْنِ- سنَّةُ اللهِ في خَلقهِ ﴿...فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا[الفتح : 23] - ، فأخذ بعض الغَوْغَاء -يُدَاعِنُهُم بعضُ من يَتَزَيَّ بِزَيِّالعلماء- ، أخذوا يُشَيَّعُون ويُوَزَّعُون أمثال الإِفْتِرَاءَات التي سَبَقَ أن تَحَدَّثَ[عنه] الأستاذ الكريم آنَذَاكَ : فلان وَهَّابِي ، فلان يُنْكَرُ الرَّسُول ، فلانيُنْكَرُ الكَرَمَات ، فلان يُنْكَرُ الأَئِمَة إلى آخر ما هنالك من الإِفْتِرَاءَات.
وكانت نتيجة ذلك أن تَقَدَّمَ مفتي «منطقة إدلب» بالمَضَابِطِ العَدِيْدَةإلى المُحَافِظِ في «حلب» ، ثمَّ إلى العَاصِمَة -وهي «الدِّمشق»- ، وهو يَعُود... إلا في المرَّة الأخيرة نجح ، وذلك من طريق مفتي «الجُمهورية السورية» . هذا المفتي–هو قَبْلَ كلِّ شيئٍ- ، حَنَفِيٌ مذهباً مُتَعَصِبٌ جِدًّا ، ومن هنا يَظْهَرُ لكمأنَّه لا يمكن أن يَلْتَقِيَ مَعِي ولا يُمْكِنُنِي البتة أن ألتَقِيَ مَعَهُ . فمُجَرَدما جَائَتْ [من] المنطقة إليه أنَّ فلاناً يَأتِي إلى «إدلب» كلُّ شَهْرٍ ويَقْضِيفِيْها اللَّيْلَة ثمَّ يَنْتَقِلُ إلى منطقةِ كذا وكذا ، كتب أمراً إلى الوِزَارَةِالدَّاخِلِيَّة يَطْلُبُ بِمَنْعِ الرَّجُل من التَّدْرِيْسِ . وبفعل أنا اِسْتَجِهْتُإلى الوِزَارَةِ ، يعني إلى مديرِ الشُّرطةِ ، وقرأ على لِسَانِهِ المَضْبَطَة ومافِيْهَا من الإفتراءات والأكاذيب وشهادة المفتي بذلك وهو يَطْلُبُ أُموراً غَرِيْباًجِدًّا ، ويطلب -قبل كلِّ شيئٍ- منعي من التَّدريس ، ويكتفي بذلك منعي من القسمة العلميَّة، وهذه القسمة العلميَّة .
(المداخلة) : ((كذَّابين يا شيخنا))
لا ،
ضعيف المفتي هذه ، إذ مش هذا هو ذو علمٍ عندنا، هذا وظيف تكريم -تقريبا- عندنا .
وشيئٌ أغرب من هذا ، [أنَّه] يَطْلُبُ من الوِزَارَةِالدَّاخِلِيَّة نَفْيِي من البَلَدِ إلى المنطقة داعياً . ويَظْهَرُ أنَّ المَسْؤُوْلِيْنَهناك عُقَلَاءُ ، وهم فَوْقَ من يَطلُبُ مثلَ هذا الطلب في عَقْلِهِم ، فاكْتَفَوابِتَنْفِيْذِ الأمرِ الأولِ من هذا النصف -وهو المنعُ من التَّدْرِيس- . فلبحثناالطالب الموظَّف الجدير : القضية هذه تَمْنَعَنِي من التَّدريس ، أنا لَسْتُ موظَّفاًفي الدولة ، ولَسْتُ موظَّفاً في الأوقاف ، حتى أُمنعَ من التَّدريس وحتى يكون للمُفتيصوتاً عليَّ .
قالوا : ((المفتي له الأمر وهو الموظَّف الرَّسميوله أن يمنعَ من شاء ويمنعَ ما شاء)) . طيب ، لو آمر الدُّروسَ في المساجدِ ، قد يُقال((والله هذا معقول)) ، لكن أنا آمر الدُّروسَ في الدار ، لأني أعرف إذا آمرتُ الدُّروسَفي المساجد ، سوف أمنع بالكليَّة من الإسلام .
خلاصة القول : بالفعل مُنِعْثُ من التَّدريس لكن-واللحمد لله- ما مُنِعْثُ من السَّفر -يعني هذا غض النَّظر عليّ يعني- . ولذلك ، أنا-مع الأسفِ الشَّديد- أقول لكم- مُضْطَرٌّ أن أسافرَ شهراً وأدعَ شَهْرَيْنِ ، لأنَّهإذا سافرتُ ، الغاية هو الإجتماع ، وإذا إجتمعت فالعيون ، وعيون الجماعة -طبعاً- حاضراً، فأريد أن نَتَحَاشَ الإنتظام مع الأمر القَنُوْنِي وحتى أَتَمَكَّنَ من خِفِّ هذه الدَّار .
وجرَّ بالأخير أنِّي ذهبت في شهرٍ منذ شهرين ،ففي «الحفة» جَائَتِ الشُّرْطَةُ تطلب أسماء الحاضرين ، كانوا من المجرمين . وفي «إدلب»جاء رئيس المَحْفَظِ يَطْلُبُ قَبْضَ المجلس -وفيه نحوُ نِصْفِ هذا الحلق المبارك-. ولكن -الحمد لله- ، المجلس مُنْقَدٌ واستمَرَّ في البحث فيه ونصرة للشَّعب حتى ساعة12.00 تقريباً ، ولكن لا أزال بالثيقة القنونية ممنوعاً من التَّدريس في البيوت ، مشفي المساجد ، مش في الحفل العام كهذا الحلق المبارك .
ولذلك ، نحن في الحقيقة -أقول مرة أخرى- نَوضِيفُكمعلى أنَّكم تَسْتَطِيعُون أن تجتمعوا بِصَرَاحَةٍ وتُوْزِيعُ الحق إلى أبعد المكانممكن أن يصلَ إليه صوتُ الحقِّ وأسأل الله -عزَّ زجلَّ- أن يرفعَ عنَّا ذلك القيد ،حتى نَسْتَطِيعَ أن نَحْذُوَ حَذْوَكُم ونَسِيْرَ سَيْرَتَكم .
ولعلَّ في هذا القدر الكفاية ، واللَّيل -طبعاًاللَّيل والنَّهار- شديد الحرِّ ، فحسبي أنَّنِي ألتَقِي بكم ونحن على عقيدةٍ واحدةٍ، وعلى مشربٍ واحد . وإخواننا -طبعاً- هناك جميعاً يُبَلِغُونَكم السَّلام للمُسْلِمالسَّلفي النَّقِي الطَّاهر .
وسلام الله ورحمته وبركاته عليكم .

[1] ثمَّ كتب الشيخ رسالةً المسمَّى بـــ «خطبةالحاجة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلها أصحابه» ، مكتبة المعارفللنشر والتوزيع ط1 ، الرياض / المملكة العربية السعودية . ذكر فيها طرق هذه الخطبةوألفاظها من مُختلف كتب السنة المطهرة . فليراجع .

[2] كان الشيخ يذكر هذا الحديث بهذا اللفظ في غيرموضعٍ –كما هو في «سلسلة الهدى والنور : ش / 060» مثلا- ، فبحثت عن الحديث بهذااللفظ ولم أفلح . ورواه الترمذي (5 / 278 : رقم 3095) : عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ : أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي عُنُقِيصَلِيبٌ مِنْ ذَهَبٍ . فَقَالَ : «يَا عَدِيُّ اطْرَحْ عَنْكَ هَذَا الوَثَنَ» ،وَسَمِعْتُهُ يَقْرَأُ فِي سُورَةِ بَرَاءَةٌ: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْوَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [التوبة : 31] ، قَالَ : «أَمَاإِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْبُدُونَهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا أَحَلُّوالَهُمْ شَيْئًا اسْتَحَلُّوهُ، وَإِذَا حَرَّمُوا عَلَيْهِمْ شَيْئًا حَرَّمُوهُ» :قال الترمذي : «هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِالسَّلَامِ بْنِ حَرْبٍ، وَغُطَيْفُ بْنُ أَعْيَنَ لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ فِيالحَدِيثِ» ، لكن حسنه العلامة الألباني –رخمه الله- .


[3] رواه أبو داود الطيالسي في «مسنده» (3 / 141 : رفم 1666) ، ذكر الحافظ البوصيري فيكتابه «إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة» (3 / 193 : رقم 2529) أنَّاسناده صحيح .




جزاكم الله خيرا على ماتقومون به
__________________
قال سفيان بن عيينة رحمه الله : ( من جهل قدر الرّجال فهو بنفسه أجهل ).


قال شيخُ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله- كما في «مجموع الفتاوى»:

«.من لم يقبل الحقَّ: ابتلاه الله بقَبول الباطل».

وهذا من الشواهد الشعرية التي إستشهد بها الشيخ عبد المحسن العباد في كتابه
رفقا أهل السنة ص (16)
كتبتُ وقد أيقنتُ يوم كتابتِي ... بأنَّ يدي تفنَى ويبقى كتابُها
فإن عملَت خيراً ستُجزى بمثله ... وإن عملت شرًّا عليَّ حسابُها
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 09-16-2014, 10:40 PM
معز النيجيري معز النيجيري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2013
الدولة: دمام-سعودية || لاغوس-نيجيريا
المشاركات: 129
افتراضي

ابوخزيمة الفضلي :
وأنتم فجزاكم الله خيرا
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:21 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.