أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا
21370 | 58455 |
#11
|
|||
|
|||
__________
* قولُه تعالى: { أٌحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ }. · قال الإِمامُ البخاريُّ – رحمه اللهُ -: بابُ قولِ اللهِ - جَلَّ ذِكْرُه -: { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لكُمْ وأَنتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ علِمَ اللهُ أَنكُم كُنتمْ تَخْتانونَ أَنفُسَكُم فَتابَ عليْكُمْ وعَفا عنْكُمْ فَالآنَ باشِرُوهُنَّ وابْتَغُوا ما كَتبَ اللهُ لكُمْ }. حدَّثنا عُبَيدُ اللهِ بنُ موسى عن إِسرائيلَ عن أَبي إِسحاقَ عن البراء -رضي الله عنه- قال: كان أَصحابُ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - إذا كان الرجلُ صائماً فحضرَ الإِفطارُ فنامَ قبلَ أَن يُفطرَ، لم يأْكُلْ ليلَتَه ولا يومَه حتى يُمسيَ؛ وإِنَّ قيسَ بنَ صِرْمَةَ الأَنصاريَّ كان صائماً، فلما حضرَ الإِفطارُ أَتَى امْرأَتَه، فقال لها: أَعِندَك طعامٌ؟ قالت: لا، ولكنْ أَنطَلقُ فأَطلبُ لك، وكان يومَه يعملُ، فغَلبَتْهُ عيناه، فجاءته امرأَتُه، فلما رأَتْهُ قالت: خَيْبَةً لك(1)! فلما انتصف النهارُ غُشِيَ عليه. فذُكِرَ ذلك للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم-، فنزلت هذه الآيةُ: { أُحِلَّ لكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفثُ إِلى نِسائِكُمْ } ففرحوا بها فرَحاً شديداً. ونزلت: { وكُلُوا واشْرَبُوا حتَّى يَتَبَيَّنَ لكُمُ الخَيْطُ الأَبْيَضُ منَ الخَيْطِ الأَسْوَدِ }. - باب قول الله تعالى : { وَكُلُوا واشْرَبُوا حتَّى يَتَبَيَّنَ لكُمُ الخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الفَجْرِ ثمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلى الليْلِ }. - حدثنا حجاجُ بنُ مِنْهال حدَّثنا هُشَيْمٌ قال: أَخبرني حُصَيْنُ بنُ عبدِ الرحمنِ عن الشعبيِّ عن عَدِيِّ بنِ حاتمٍ - رضي الله عنه - قال: لما نزلت: { حتّى يَتَبَيَّنَ لكُمُ الخيطُ الأَبيضُ مِنَ الخيطِ الأَسودِ } عَمَدْتُ إلى عِقالٍ أَسودَ وإِلى عِقالٍ أَبيضَ فجعلتُهما تحتَ وِسادَتي، فجعلتُ أَنظرُ في الليلِ فلا يَستَبِينُ لي، فغَدَوتُ على رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- فذكرتُ له ذلك فقال: ( إِنَّما ذلك سوادُ الليلِ وبياضُ النهارِ ). - حدثنا سعيدُ بنُ أَبي مريمَ حدثنا ابنُ أَبي حازمٍ عن أبيه عن سهلِ بنِ سعدٍ (ح) ، حدثني سعيدُ بنُ أَبي مريمَ حدثنا أَبو غسانَ، محمدُ بنُ مُطَرِّفٍ، قال: حدثني أَبو حازم عن سهل بنِ سعدٍ قال: أُنْزِلَت: { وكُلُوا واشْربوا حتَّى يَتَبَيَّنَ لكُمُ الخيطُ الأَبيضُ مِنَ الخيطِ الأَسودِ} ولم ينزلْ: { مِنَ الفَجْرِ } فكان رجالٌ إِذا أَرادوا الصومَ ربطَ أَحدُهم في رجْلِه الخيطَ الأَبيضَ والخيطَ الأَسودَ، ولم يَزَلْ يأكلُ حتى يتبيَّنَ له رؤيتُهما، فأَنزلَ اللهُ بعدُ: { مِنَ الفَجْرِ } فعَلموا أَنه إِنما يعني: الليلَ والنهارَ. ______________________
(1) قال في " الفتح ": وهو مفعولٌ مطلقٌ محذوفُ العاملِ. والخيبةُ: الحِرمانُ، يُقالُ: خابَ يَخيبُ؛ إذا لم يَنَلْ ما طلبَ. |
#12
|
|||
|
|||
________ · قال البخاري في "صحيحِه": بابُ قولِ اللهِ – تعالى -: { وَأْتُوا البُيُوتَ مِنْ أَبْوابِهَا }. [ البقرة: 189] حدثنا أبو الوليد حدثنا شُعبةُ عن أَبي إسحاقَ قال: سمعتُ البراءَ - رضي الله عنه – يقولُ: نزلت هذه الآيةُ فينا؛ كانتِ الأَنصارُ إذا حَجُّوا فجاؤوا لم يدخلوا مِنْ قِبَلِ أَبوابِ بُيوتِهم، ولكن منْ ظُهورِها، فجاء رجلٌ من الأَنصارِ فدخل من قِبلِ بابِه؛ فكأَنَّه عُيِّرَ بذلك، فنزلت: { وَلَيْسَ البِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا البُيوتَ مِنْ ظُهُورِها ولكِنَّ البِرَّ مَنْ اتَّقَى وأْتُوا البُيوتَ مِنْ أَبْوابِها }. - قال الحافظُ في " الفتح": هذا ظاهرٌ في اخْتصاصِ ذلك بالأَنصارِ، لكن سيأْتي في حديثِ جابرِ أَنَّ سائرَ العربِ كانوا كذلك إلا قريشاً ... قال: كما أَخرجه ابنُ خزيمةَ والحاكمُ في صَحيحَيْهِما من طريق عمارِ بنِ زُرَيْقٍ عن الأَعمشِ عن أَبي سفيانَ عن جابرٍ قال: كانت قريشٌ تُدْعى الحُمْسُ(1)، وكانوا يدخلونَ من الأَبوابِ في الإِحرامِ، وكانتِ الأَنصارُ وسائرُ العربِ لا يدخلون من الأَبواب، فبينما رسولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلم - في بستانٍ فخرج من بابِه، فخرج معه قُطْبَةُ بنُ عامرٍ الأَنصاريُّ، فقالوا: يا رسولَ اللهِ إِنَّ قُطبةَ رجلٌ فاجرٌ؛ فإِنه خرج معك من البابِ، فقال: ما حمَلك على ذلك؟ فقال: رأَيتُك فعَلْتَه ففَعَلْتُ كما فَعلْتَ. قال: إِني أَحْمَسِيٌّ. قال: فإِنَّ ديني دينُك. فأَنزلَ اللهُ الآيةَ. وهذا الإِسنادُ وإِنْ كان على شرطِ مسلمٍ لكنِ اخْتُلِفَ في وصلِه على الأَعمش عن أَبي سفيان... قال: وبَيَّنَ الزُّهريُّ السببَ في صَنيعِهم ذلك فقال: كان ناسٌ من الأَنصارِ إذا أَهَلُّوا بالعُمرةِ لم يَحُلْ بَيْنَهم وبينَ السماءِ شيءٌ، فكان الرجلُ إِذا أَهَلَّ فبدتْ له حاجةٌ في بَيْتِه لم يدخلْ من البابِ مِنْ أَجلِ السقفِ أَنْ يَحولَ بيْنَه وبين السماءِ. واتفقت الرواياتُ على نزول الآيةِ في سببِ الإِحرامِ، إِلا ما أخرجه عبدُ بنُ حُميدٍ بإسنادٍ صحيحٍ عن الحسن قال: كان الرجلُ من الجاهليةِ يَهُمُّ بالشيءِ يصنَعُه، فيَحْبِسُ عن ذلك، فلا يأْتِي بيتاً مِنْ قِبَلِ بابِه، حتى يأْتِيَ الذي كان هَمَّ بهِ. فجعل ذلك من باب الطِّيرةِ، وغيرُه جعلَ ذلك بسببِ الإِحرامِ. وخالفهم محمدُ بنُ كعبٍ القُرَظِيُّ فقال: كان الرجلُ إِذا اعتكفَ لم يدخلْ منزلَه مِنَ بابِ البيتِ، فنزلت. أخرجه بن أبي حاتم بإِسنادٍ ضعيفٍ. وأَغربَ الزجاجُ في معانيه فجزم بأَنَّ سببَ نُزولِها ما رُوي عن الحسنِ، لكن ما في الصحيح أَصحُّ والله أَعلمُ. واتفقت الروايات على أَنّ الحُمْسَ كانوا لا يفعلون ذلك بخلاف غيرِهم. وعكس ذلك مجاهدٌ فقال: كان المشركون إِذا أَحرمَ الرجلُ منهم ثَقَبَ كُوَّةً في ظهرِ بيتِه فدخل منها، فجاء رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ذات يومٍ ومعه رجلٌ من المشركين فدخل من البابِ، وذهبَ المُشركُ ليَدخلَ من الكُوَّةِ فقال له رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: ما شأْنُك؟ فقال: إِني أَحْمَسِيٌّ. فقال: وأَنا أَحْمَسِيٌّ. فنزلت. أَخرجه الطبريُّ. - قال ابنُ جرير الطبريُّ: فتأْويُل الآيةِ إِذاً: وليس البِرُّ أَيها الناسُ بأنْ تأتوا البيوتَ في حالِ إِحرامِكُم من ظُهورِها، ولكنَّ البِرَّ مَنِ اتَّقى اللهَ فخافَه، وتجَنَّب مَحارمَه، وأَطاعه بأداءِ فرائِضِه التي أمره بها، فأما إتيانُ البيوتِ من ظهورِها فلا بِرَّ للهِ فيه، فأْتوها من حيثُ شئتُم؛ من أَبوابِها وغيرِ أَبوابِها، ما لم تعتقدوا تحريمَ إِتيانِها من أبوابِها في حالٍ من الأَحوالِ؛ فإِنَّ ذلك غيرُ جائزٍ لكمُ اعتقادُه؛ لأَنه مما لم أُحرِّمْه عليكم.
_____________________ (1) الحُمْسُ: جمعُ الأَحْمَس: وهم قريشٌ ومَنْ ولدتْ قريشٌ وكِنانةُ وجَديلةُ قيس، سُمُّوا حُمْساً لأَنهم تَحَمَّسُوا في دينِهم؛ أَي: تَشَدَّدوا . والحَماسةُ: الشجاعةُ. كانوا يقفون بمزدلفةَ ولا يقفونَ بعرفةَ ويقولون: نحن أهلُ اللهِ فلا نخرجُ من الحرمِ. |
#13
|
|||
|
|||
___ · قال الإمام البخاريُّ: بابُ قولِه: {وأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلى التَّهْلُكَةِ وأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ }.( البقرة: 195) التَّهْلكةُ والهلاكُ واحدٌ. حدثنا إسحاقُ أخبرنا النَّضْرُ حدثنا شعبةُ عن سليمانَ قال: سمعت أَبا وائلٍ عن حذيفةَ: { وَأْنفِقُوا في سَبيلِ اللهِ ولا تُلْقُوا بأَيْدِيكُم إِلى التَّهْلُكَةِ } قال: نزلت في النفقةِ. - وروى أبو داودَ والترمذي والنسائي في "الكبرى"، واللفظ له، عن أَسلمَ أَبي عمرانَ قال: كنا بالقسطنطينيةِ، وعلى أَهلِ مِصرَ عقبةُ بنُ عامرٍ، وعلى أَهلِ الشامِ فُضالةُ بنُ عُبَيْدٍ، فخرج من المدينةِ صَفٌّ عظيمٌ من الرومِ، وصَفَفْنا لهم صفًّا عظيماً من المسلمين، فحمل رجلٌ من المسلمين على صفِّ الرومِ حتَّى دخلَ بهم، ثم خرج إلينا مُقبلاً، فصاح الناسُ فقالوا: سبحانَ اللهِ! الفتى أَلقى بيدِه إلى التهلكةِ. فقال أَبو أَيوبَ، صاحبُ رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم-: يا أَيُّها الناسُ إنكم تتأَوّلون هذه الآيةِ على هذا التأويلِ، وإِنَّما أُنْزِلتْ هذه الآيةُ فينا معشرَ الأَنصارِ؛ لمّا أَعزَّ اللهُ دينَه وكثُرَ ناصريهِ قلنا بيننا؛ بعضُنا لبعضٍ سرًّا مِنْ رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: إِنَّ أَموالَنا قد ضاعت، فلو أَنَّا أَقمنا فيها وأَصلحنا ما ضاع منها، فأَنزل اللهُ - تبارك وتعالى- في كتابِه يرُدُّ علينا ما هَمَمْنا به، قال: { وَأَنْفِقُوا في سَبيلِ اللهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلى التَّهْلُكَةِ } فكانت التهلكةُ: الإِقامةُ التي أَردنا؛ أَنْ نُقيمَ في أَموالِنا فنُصلِحَها، فأُمِرْنا بالغزوِ. فما زالَ أَبو أَيوبَ غازياً في سبيلِ اللهِ حتى قُبضَ. وفي رواية أبي داود: فلم يَزَلْ أَبو أَيوبَ يجاهدُ في سبيلِ اللهِ حتَّى دُفِنَ في القُسْطَنْطِينيةِ. - قال الحافظُ في " الفتح":
وجاء عنِ البراءِ بنِ عازبٍ في الآيةِ تأويلٌ آخرُ، أَخرجه ابنُ جريرٍ وابنُ المنذرِ وغيرُهما عنه بإسنادٍ صحيحٍ عن أَبي إسحاقَ قال: قلتُ للبراءِ: أَرأيتَ قولَ اللهِ - عز وجل -: { وَلا تُلْقوُا بأَيْدِيكُمْ إِلى التَّهْلُكَةِ } هو الرجلُ يحملُ على الكتيبةِ فيها أَلفٌ؟ قال: لا، ولكنه الرجلُ يُذنِبُ فيُلقي بيدِه إلى التهلكةِ،فيقولُ: لا توبةَ لي. وعن النعمانِ بنِ بشيرٍ نحوُه، والأَولُ أظهرُ؛ لِتصديرِ الآيةِ بِذكرِ النفقةِ، فهو المعتمدُ في نزولِها. وأَما قَصْرُها عليه ففيه نظرٌ؛ لأن العبرةَ بعمومِ اللفظِ، على أَنَّ أحمدَ أخرجَ الحديثَ المذكورَ من طريقِ أَبي بكرٍ -وهو ابنُ عياش- عن أَبي إِسحاقَ بلفظٍ آخرَ قال: قلتُ للبراءِ: الرجلُ يحملُ على المشركينَ، أَهُو ممَّنْ أَلقى بيدِه إِلى التهلكةِ؟ قال: لا؛ لأنَّ اللهَ – تعالى- قد بعث محمداً فقال: { فَقَاتِلْ في سبيلِ اللهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ } فإِنَّما ذلك في النفقةِ. فإِنْ كان محفوظاً، فلعل للبراءِ فيه جوابينِ، والأولُ من روايةِ الثوريِّ وإِسرائيلَ وأَبي الأَحوصِ ونحوِهم، وكلٌّ منهم أَتقنُ من أَبي بكرٍ، فكيف مع اجتماعِهم وانفرادِه؟! وأَما مسأَلةُ حَمْلِ الواحدِ على العددِ الكثيرِ من العدوِّ، فصَرَّحَ الجمهورُ بأَنَّه إِنْ كان لِفَرْطِ شجاعتِه، وظَنِّه أَنه يُرهبُ العدوَّ بذلك، أَو يُجَرِّئُ المسلمين عليهم، أو نحوِ ذلك من المقاصد الصحيحةِ، فهو حسنٌ. ومتى كان مُجرَّدَ تَهَوُّرٍ فممنوعٌ، ولا سيما إِن ترتَّبَ على ذلك وَهَنٌ في المسلمين، والله أعلمُ. ___ |
#14
|
|||
|
|||
_______ · قولُه تعالى: { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ } البقرة: 196 - روى أحمدُ والبخاري ومسلم وأصحاب السنن عن كعبِ بنِ عُجْرةَ قال -واللفظ للبخاريِّ-: وقفَ علَيَّ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بالحُديْبِيةَ ورأَسي يَتهافَتُ قَمْلاً، فقال: يُؤْذيكَ هَوامُّكَ؟!(1) قلتُ: نعم. قال: فاحْلِقْ رأْسَكَ، أَو قال: احْلِقْ. قال: فِيَّ نزلتْ هذه الآيةُ { فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَريضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ } إِلى آخرِها. فقال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: صُمْ ثلاثةَ أَيامٍ، أَو تَصدَّقْ بِفَرَقٍ بَيْنَ سِتَّةٍ، أَوِ انْسُكْ بما تَيَّسَرَ. - وفي روايةِ عبدِ اللهِ بنِ مَعْقِلٍ في الصحيحين: قال: ما كُنتُ أَرى الجَهْدَ بلغ بك ما أَرى، أتَجِدُ شاةً؟ فقلت: لا. فقال: فصُمْ ثلاثةَ أَيامٍ، أَو أَطْعِمْ سِتَّةَ مساكينَ؛ لكُلِّ مِسكينٍ نصفُ صاعٍ. قال ابنُ حجر: لكن روايةُ عبدِ اللهِ بنِ مَعْقِلٍ تقتضي أَنَّ التَّخييرَ إنما هو بين الإِطعامِ والصِّيامِ لمن لم يجدِ النُّسُكَ، فحينئذٍ يُحتاجُ إلى الجمعِ بين الروايتين، وقد جُمِعَ بينهما بأوجهٍ: - منها ما قاله ابنُ عبدِ البَرِّ أَنَّ فيه الإِشارةُ إلى ترجيحِ الترتيبِ لا لإِيجابِه. - ومنها ما قاله النووي: ليس المرادُ أَنَّ الصيامَ أَوِ الإِطعامَ لا يُجزئُ إِلا لفاقدِ الهَدْيِ، بلِ المرادُ أَنه اسْتَخبرَه هل معه هَديٌ أَو لا؟ فإِن كان واجدَه أَعلَمَه أَنَّه مُخَيّرٌ بينه وبين الصيامِ والإطعامِ، وإن لم يجِدْهُ أعلمَه أَنه مخيرٌ بينهما. ومُحَصِّلُه أَنه لا يلزمُ من سؤالِه عن وِجْدانِ الذّبحِ تعيينُه؛ لاحتمالِ أَنه لو أَعلمَه أَنه يَجدُه لأخبره بالتخييرِ بينه وبين الإِطعامِ والصومِ. - ومنها ما قال غيرُهما: يحتملُ أَن يكونَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- لما أَذن له في حلقِ رأْسِه بسببِ الأَذى، أَفتاه بأنْ يُكَفِّرَ بالذبحِ على سبيلِ الاجتهادِ منه -صلى الله عليه وسلم- أَو بوحيٍ غيرِ مَتْلُوٍّ، فلما أَعلَمَه أَنه لا يجدُ، نزلت الآيةُ بالتخييرِ بين الذبحِ والإطعامِ والصيام، فخَيَّرَه حينئذٍ بين الصيامِ والإِطعامِ؛ لِعلمِه بأنه لا ذَبْحَ معه، فصام لكونِه لم يكن معه ما يُطعمُه. ويوضحُ ذلك روايةُ مسلمٍ في حديثِ عبدِ الله بنِ مَعقَلٍ المذكورِ حيث قال: (أَتِجدُ شاةً)؟ قلتُ: لا. فنزلت هذه الآيةُ. ____________
(1) الهَوامُّ: جمعُ هامَّة، وهي الحشرات ودوابُّ الأَرض. |
#15
|
|||
|
|||
______ · قوله تعالى: { وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى } أخرج البخاريُّ وأبو داود عن ابن عباسٍ - رضي الله عنهما – قال:
كان أَهلُ اليمنِ يَحجُّون ولا يتزوَّدون، ويقولون: نحنُ المتوكلون. فإذا قدِموا مكةَ سأَلوا الناسَ، فأَنزلَ اللهُ –تعالى- : { وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى } قال ابن حجر: قال المُهَلَّبُ: في هذا الحديثِ منَ الفِقْهِ أَنَّ تركَ السؤالِ من التقوى. ____ |
#16
|
|||
|
|||
_ · قولُه تعالى: { ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } البقرة: (199). - أَخرج البخاري ومسلم عن هشامِ بنِ عُرْوةَ: قال عُروةُ: كان الناسُ يطوفون في الجاهليةِ عُراةً إِلا الحُمْسَ، والحُمْسُ قُريشٌ وما ولدتْ. وكانتِ الحُمسُ يحتسبونَ على الناسِ؛ يُعطي الرجلُ الرجلَ الثيابَ يطوفُ فيها، وتعطي المرأَةُ المرأَةَ الثيابَ تطوفُ فيها، فمن لم يُعطِهِ الحمسُ طاف بالبيتِ عُرياناً. وكان يفيضُ جماعةُ الناسِ منْ عرفاتٍ، ويفيضُ الحُمسُ من جَمْعٍ. قال: وأَخبرني أَبي عن عائشةَ -رضي الله عنها- أَنَّ هذه الآيةَ نزلتْ في الحُمْسِ: { ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ }، قال: كانوا يَفيضونَ من جَمعٍ، فَدُفِعوا إِلى عرفاتٍ. - وقد روى البخاري عن جُبيرِ بن مُطْعِمٍ قال:
أَضْلَلْتُ بعيراً لي، فذهبتُ أَطْلُبُه يومَ عرفةَ، فرأَيتُ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- واقفاً بعرفةَ، فقلتُ: هذا واللهِ منَ الحُمْسِ، فما شأنُه هاهنا؟ وقد جاء ما يُبَيِّنُ أَنَّ هذا كان قبلَ بَعْثَتِه – صلى الله عليه وسلم- وهذا مِن توفيقِ اللهِ له، ففي صحيحِ ابنِ خزيمةَ والحاكمِ عن جُبيرِ بنِ مُطعِمٍ قال: كانت قريشٌ إِنما تَدفعُ منَ المُزدلفةِ ويقولون: نحنُ الحُمْسُ فلا نخرجُ منَ الحرمِ، وقد تركوا الموقفَ على عرفةَ. قال: فرأَيتُ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- في الجاهليةِ يَقِفُ معَ الناسِ بعرفةَ على جملٍ له، ثم يُصبحُ معَ قومِه بالمزدلفةِ، فيقفُ معهم يدفعُ إِذا دفعوا. [قال الأَعظميُّ: إِسنادُه حسن، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم]. وزاد في رواية ابن إسحاق في المغازي: توفيقاً من اللهِ له. _ |
#17
|
|||
|
|||
__ · قولُه تعالى: { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ }(البقرة:222). - أخرج مسلمٌ عن أَنسٍ: أَنَّ اليهودَ كانوا إذا حاضتِ المرأةُ فيهم لم يؤَاكِلوها، ولم يُجامعوهنَّ في البيوتِ، فسأل أَصحابُ النبيِّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- فأَنزل اللهُ –تعالى-: { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ المَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فاعْتَزِلُوا النِّساءَ في المَحِيضِ } إلى آخرِ الآيةِ. فقال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: (اصنعوا كلَّ شىءٍ إِلا النكاحَ). [ وعند الطيالسي: فأَمر رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ يؤاكلِوهنَّ وأَنْ يُشارِبُوهُنَّ وأَنْ يُجامِعُوهنَّ في البيوتِ ويفعلوا ما شاءوا إِلا الجِماعَ ]. فبلغ ذلك اليهودَ، فقالوا: ما يريدُ هذا الرجلُ أَنْ يَدعَ من أَمرِنا شيئاً إلا خالفَنا فيه. فجاء أُسَيدُ بنُ حُضَيْرٍ وعبّادُ بنُ بِشرٍ فقالا: يا رسولَ الله إِن اليهودَ تقولُ كذا وكذا. فلا نُجامِعُهُنَّ؟ [ وعند أبي داود: أَفلا نَنْكِحُهنَّ في المحيضِ؟](1) فتغيَّرَ وجهُ رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- حتى ظنَنَّا أَنْ قد وجدَ عليهما، فخرجا فاستقبلهما هديةٌ منْ لبنٍ إِلى النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- فأَرسل في آثارهِما فسقاهما، فعرفا أَنْ لم يجِدْ عليهما. - قال في " عون المعبود": وقولُه: ( اصنعوا كلَّ شيءٍ ) هو تفسيرٌ للآيةِ وبيانٌ لـ { اعْتَزِلُوا }؛ فإِنَّ الاعتزالَ شاملٌ للمُجانبةِ عن المُؤاكلةِ والمُصاحبةِ والمُجامعةِ، فبيَّنَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّ المرادَ بالاعتزالِ تركُ الجِماعِ فقط لا غيرُ ذلك.
____________ (1) قال في "عون المعبود": أي: أَفلا نُباشِرُهنَّ بالوطْءِ في الفرجِ أَيضاً؛ لكي تحصلَ المخالفةُ التامّةُ معهم؟ |
#18
|
|||
|
|||
__ · قولُه تعالى: { نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتِمْ } (البقرة: 223). - روى البخاريُّ عن جابرٍ -رضي الله عنه- قال: كانتِ اليهودُ تقولُ: إِذا جامَعَها مِنْ ورائِها جاء الولدُ أَحْوَلَ، فنزلت: { نِساؤُكُم حَرْثٌ لكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُم أَنَّى شِئْتِمْ }. - وروى أَحمدُ عن عبدِ الرحمنِ بنِ سابطٍ قال: دخلتُ على حفصةَ ابنةَ عبدِ الرحمنِ فقلتُ: إِني سائِلُكِ عن أَمرٍ وأنا أَستحْيِي أَن أسأَلَكِ عنه. فقالت: لا تستحي يا ابنَ أَخي. قال: عن إِتْيانِ النساءِ في أَدبارِهِنَّ؟ قالت: حدَّثتْني أَمُّ سلمةَ أَنَّ الأَنصارَ كانوا لا يُجَبُّونَ(1) النساءَ، وكانت اليهودُ تقولُ: إنه مَنْ جَبَّى امرأَتَه كان ولدُه أَحولَ. فلما قدم المهاجرون المدينةَ نكحوا في نساءِ الأَنصارِ فَجَبُّوهُنَّ، فأَبتِ امرأةٌ أَنْ تُطيعَ زوجَها، فقالت لزوجِها: لن تفعلَ ذلك حتى آتيَ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فدخلتْ على أَمِّ سلمة فذكرت ذلك لها، فقالت: اجْلسي حتى يأَتيَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فلما جاء رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- استَحْيَتِ الأَنصاريةُ أَنْ تسأَلَه، فخرجَتْ، فحدثتْ أُمُّ سلمةَ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ادْعي الأَنصاريةَ. فدُعِيتْ، فتلا عليها هذه الآية : { نِساؤُكُم حَرْثٌ لكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُم أَنَّى شِئْتُمْ }، قال: صِمَاماً واحداً. [ قال الشيخ شعيبُ الأرناؤوط: إِسنادُه حسن ]. - وروى الترمذيُّ عن أُمِّ سلمةَ عنِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- في قولِه: { نِساؤُكُم حرثٌ لكُم فأْتُوا حَرْثَكُم أَنَّى شِئْتُم } يعني: صِمَاماً واحداً. [ قال الترمذي: هذا حديثٌ حسنٌ صحيح. وحسنه الشيخ الألباني]. - وروى أَحمدُ والترمذيُّ والنسائي في "الكبرى" عنِ ابنِ عباسٍ –رضي الله عنهما- قال:
جاء عمرُ إِلى رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسولَ اللهِ هَلَكْتُ! قال: وما أَهْلَكَكَ؟ قال: حوَّلْتُ رَحْلي(2) الليلةَ. قال: فلم يرُدَّ عليه رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- شيئاً. قال: فأُوحيَ إِلى رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- هذه الآيةَ: { نِساؤُكُم حرثٌ لكُمْ فأْتُوا حرْثَكُم أَنَّى شِئتُم }، يقولُ: أَقْبِلْ وأَدْبِرْ واتَّقِ الدُّبُرَ والحَيْضَةَ. [ قال الترمذي: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ. وحسنَّه الأَلباني ]. _________ (1) أَي: يأْتونها عند الجماعِ مُنكَبَّةً على وجهِها، تشبيهاً بهيئةِ السجودِ. (2) قال في "النهاية": كَنَى برحْلِه عن زوجتِه، أَراد به غِشْيانها في قُبُلِها من جهةِ ظهرِها؛ لأنّ المُجامعَ يعلو المرأةَ ويركبُها ممَّا يلي وجهَها، فحيثُ ركبها من جهةِ ظهرِها كنَى عنه بتحويلِ رَحْلِه. |
#19
|
|||
|
|||
__ · قوله تعالى: { وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } (البقرة:232) - قال البخاريُّ: حدَّثنا عُبَيدُ اللهِ بنُ سعيدٍ حدثنا أَبو عامرٍ العَقَدِيُّ حدثنا عبّادُ بنُ راشدٍ حدثنا الحسنُ قال: حدثني مَعْقِلِ بنِ يَسارٍ قال: كانت لي أُختٌ تُخْطَبُ إِليَّ - وقال إبراهيم: عن يونسَ عن الحسنِ حدثني مَعقلُ بنُ يَسار- حدثنا أَبو مَعْمَرٍ حدثنا عبدُ الوارثِ حدثنا يونسُ عن الحسنِ أَنَّ أُختَ مَعقِلِ بنِ يَسارٍ طلَّقَها زوجُها، فتَرَكَها حتى انْقَضَتْ عِدَّتُها، فخَطَبها، فأَبى مَعقلٌ، فنزلت: { فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ(1) أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ }. - وقال التِّرْمِذيُّ: حدّثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ حدثنا الهاشمُ بنُ القاسمِ عن المُباركِ بنِ فَضَالَةِ عن الحسنِ عن مَعْقِلِ بنِ يسارٍ، أَنه زَوَّجَ أُخْتَه رجلاً من المسملينَ على عهدِ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم- فكانت عندَه ما كانت، ثم طلَّقَها تطليقةً لم يُراجِعْهَا حتى انْقَضَتْ العِدَّةُ، فَهَوِيَها وهَوِيَتْهُ، ثم خطَبَها معَ الخُطَّابِ، فقال له: يا لُكَعُ(2)، أَكْرَمْتُكَ بها، وزَوَّجْتُك، فطلَّقْتَها! واللهِ لا تَرجعُ إِليك أَبداً، آخِرُ(3) ما عليكَ. قال: فعَلِم اللهُ حاجَتَهُ إِليها وحاجَتَها إِلى بَعْلِها، فأَنزلَ اللهُ: { وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ } إِلى قولِه: { وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } فلمَّا سمعَها مَعقِلٌ قال: سَمْعاً لِرَبِّي وطاعةً. ثم دعاه فقال: أُزَوِّجُكَ وأُكْرِمُكَ. (وفي روايةِ أَبي داودَ: فَكَفَّرْتُ عن يميني فأَنْكَحْتُها إِيّاه). - قال الترمذي:
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، وقد رُوي من غيرِ وجهٍ عن الحسنِ، وهو عنِ الحسنِ غريبٌ. وفي هذا الحديثِ دِلالةٌ على أَنَّه لا يجوزُ النِّكاحُ بغيرِ وَلِيٍّ؛ لأَنَّ أُخْتَ مَعْقلِ بنِ يَسارٍ كانت ثَيِّباً، فلو كان الأَمرُ إِليها دونَ وَلِيِّها لَزَوَّجتْ نَفسَها ولم تَحْتَجْ إِلى وَلِيِّها مَعقِلِ بنِ يسارٍ، وإِنما خاطَبَ اللهُ في الآيةِ الأَولياءَ فقال: { فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ } ففي هذه الآيةِ دِلالةٌ على أَنَّ الأَمرَ إِلى الأَولياءِ في التزويجِ مع رِضاهُنَّ. - وقال الطبريُّ: وفي هذه الآيةِ الدِّلالةُ الواضحةُ على صحةِ قولِ مَنْ قالَ: لا نِكاحَ إِلا بوَلِيٍّ من العَصَبةِ؛ وذلك أَنَّ اللهَ -تعالى ذِكْرُه- منع الوليَّ مِنْ عَضْلِ المرأَةِ إِنْ أَرادتِ النِّكاحَ، ونهاه عن ذلك، فلو كان للمرأَةِ إِنكاحُ نفسِها بغيرِ إِنكاحِ ولِيِّها إِياها، أو كان لها تَوْلِيةُ مَنْ أَرادتْ تَولِيَتَه في إِنكاحِها، لم يكن لِنَهيِ ولِيِّها عن عَضْلِها معنىً مفهومٌ؛ إِذ كان لا سبيلَ له إِلى عَضْلِها؛ وذلك أَنها إِنْ كانت متى أَرداتِ النكاحَ جاز لها إِنكاحُ نفسِها أَو إِنكاحُ منْ تُوَكِّلُه إِنكاحَها، فلا عضلَ هنالك لها من أَحدٍ فيُنْهى عاضِلُها عن عضلِها. وفي فسادِ القولِ بأَنْ: لا معنى لِنَهْيِ اللهِ عمَّا نهى عنه، صِحَّةُ القولِ بأَنَّ لِوَلِيِّ المرأَةِ في تزويجِها حقًّا لا يصحُّ عقدُه إِلا به. ________ (1) العَضْلُ: المنعُ. (2) جاء في "النهاية":اللُّكَعُ عندَ العربِ: العبدُ، ثم اسْتُعمل في الحُمْقِ والذَّمِّ. يُقال للرجلِ: لُكَعُ، وللمرأةِ لَكاعِ. وقد لَكِعَ الرجلُ يَلْكَعُ لَكْعاً فهو أَلْكَعُ. وأكثرُ ما يقع في النِداء هو اللَّئيمُ. (3) قال المُباركفوري: بالرفع، أَيْ: ذلك آخِرُ ما عليك مِنْ نِكاحِكَ إِيَّاها. وهذا كقولِه -صلى الله عليه وسلم- : ( إِذا خرجوا لم يَعودوا، آخرُ ما عليهم )، قال في "المجمع": بالرفعِ، أَي: ذلك آخرُ ما عليهم من دخولِهم. |
#20
|
|||
|
|||
_ · قولُه تعالى: { حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاةِ الوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّه قانِتِيِنَ } البقرة: 238 - أخرج البخاري ومسلم، وغيرُهما، عن زيدِ بنِ أَرقمَ قال: كنا نتكلم في الصلاةِ؛ يُكلِّمُ أَحدُنا أَخاه في حاجتِه، حتى نزلت هذه الآيةُ: {حافِظُوا على الصَّلَواتِ والصَّلاةِ الوُسْطى وقُومُوا للهِ قانِتِينَ } فأُمِرنا بالسكوت. - وروى أحمدُ والبخاريُّ وغيرهما، واللفظ لأحمد، عن عبدِ الله بن مسعودٍ -رضي الله عنه- قال: كنا نُسلِّمُ على النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- فيَرُدُّ علينا السلامَ، حتى قدِمنا من أَرضِ الحَبَشةِ فسلَّمتُ عليه، فلم يرُدَّ عليَّ، فأَخذني ما قرُبَ وما بَعُدَ(1)، فجلستُ حتى إِذا قضى الصلاةَ قال: إِنَّ اللهَ -عز وجل- يُحدثُ من أَمرِه ما يشاءُ، وإِنه قد أَحدثَ من أَمرِه أَنْ لا يُتَكَلَّمَ في الصلاةِ. - قال الحافظ في " الفتح" تعليقا على حديث ابن مسعود: ظاهرٌ في أَنَّ نسخَ الكلامِ في الصلاةِ وقع بهذه الآيةِ، فيقتضي أَنَّ النسخَ وقع بالمدينةِ؛ لأَنَّ الآيةَ مدنيةٌ باتفاقٍ، فيُشْكِلُ ذلك على قول ابنِ مسعودٍ أَنَّ ذلك وقع لما رجعوا من عندِ النجاشيِّ، وكان رجوعُهم من عندِه إلى مكةَ؛ وذلك أنَّ بعضَ المسلمين هاجر إلى الحبشةِ، ثم بلغهم أَن المشركين أَسلموا، فرجعوا إلى مكةَ فوجدوا الأمرَ بخلافِ ذلك، واشتدَّ الأَذى عليهم، فخرجوا إليها أَيضاً، فكانوا في المرةِ الثانيةِ أَضعافَ الأولى، وكان ابنُ مسعود مع الفريقين. واختُلِفَ في مرادِه بقوله: (فلما رجعنا) هل أراد الرجوعَ الأولَ أوِ الثاني؟ فجنحَ القاضي أبو الطيبِ الطبريُّ وآخرونَ إلى الأولِ، وقالوا: كان تحريم الكلامِ بمكةَ، وحملوا حديثَ زيدٍ على أنه وقومَه لم يبلُغْهمُ النسخُ، وقالوا: لا مانعَ أن يتقدمَ الحكمُ ثم تَنزلُ الآيةُ بوَفْقِه. وجنح آخرونَ إلى الترجيحِ فقالوا: يترجّحُ حديثُ ابنُ مسعودٍ؛ لأنه حكى لفظَ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- بخلافِ زيدِ بنِ أرقمَ، فلم يحْكِه. وقال آخرونَ: إِنما أراد ابنُ مسعودٍ رجوعَه الثاني، وقد ورد أنه قدِمَ المدينةَ والنبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يتجهزُ إلى بدرٍ. وفي مستدركِ الحاكمِ من طريقِ أَبي إسحاقَ عن عبدِ الله بن عُتبةَ بنِ مسعودٍ عن ابن مسعودٍ قال: بعثَنا رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- إلى النجاشيِّ ثمانينَ رجلاً...، فذكر الحديثَ بطولِه، وفي آخرِه: فتعجَّلَ عبدُ الله بنِ مسعودٍ، فشهد بدراً. وفي السيَرِ لابنِ إسحاقَ: أن المسلمين بالحبشةِ لما بلغهم أَنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- هاجر إلى المدينةِ رجع منهم إلى مكةَ ثلاثةٌ وثلاثون رجلاً، فمات منهم رجلانَ بمكةَ، وحُبِسَ منهم سبعةٌ، وتوجه إلى المدينةِ أَربعةٌ وعشرونَ رجلاً، فشهدوا بدراً. فعلى هذا كان ابنُ مسعودٍ من هؤلاءِ، فظهر أَنَّ اجتماعَه بالنبيِّ -صلى الله عليه وسلم- بعدَ رجوعِه كان بالمدينةِ. وإلى هذا الجمع نحا الخطابيُّ. ولم يقفْ مَن تعقَّبَ كلامَه على مُستَنَدِه. ويُقوي هذا الجمعَ روايةُ كلثومٍ المتقدمةُ؛ فإِنها ظاهرةٌ في أَنَّ كلاً من ابنِ مسعودٍ وزيدِ بنِ أَرقمَ حكى أَنَّ الناسخَ قولُه تعالى: { وَقُومُوا للهِ قانِتِيِنَ }. - وقال ابنُ حِبَّانَ: هذه اللفظةُ عن زيدِ بنِ أَرقمَ: (كنا في عهدِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- يُكلِّمُ أَحدُنا صاحبَه في الصلاةِ ...) قد تُوهمُ عالَماً من الناس أَنَّ نسخَ الكلامِ في الصلاةِ كان بالمدينةِ؛ لأَنَّ زيدَ بنَ أَرقمَ من الأَنصارِ. وليس كذلك؛ لأَنَّ نسخَ الكلامِ في الصلاةِ كان بمكةَ عندَ رجوعِ ابنِ مسعودٍ وأصحابِه من الحبشةِ. ولخبرِ زيدِ بنِ أَرقمَ معنيان: أحدُهما: أَنه من المحتملِ أنَّ زيدَ بنَ أرقمَ حكى إسلامَ الأَنصارِ قبلَ قدومِ المصطفى -صلى الله عليه وسلم- المدينةَ، حيث كان مصعبُ بنُ عُميرٍ يٌعلمُّهم القرآنَ وأحكامَ الدينِ، وحينئذٍ كان الكلامُ مباحاً في الصلاةِ بمكةَ والمدينة سواءٌ، فكان بالمدينةِ مَنْ أسلمَ من الأنصار قبلَ قدومِ المصطفى -صلى الله عليه وسلم عليهم- يُكلمُ أحدُهم صاحبَه في الصلاةِ قبلَ نسخِ الكلامِ فيها، فحكى زيدُ بنُ أرقمَ صلاتَهم في تلك الأيامِ، لا أَنَّ نسخَ الكلامِ في الصلاة كان بالمدينةِ. والمعنى الثاني: أنه أراد بهذه اللفظةِ الأنصارَ وغيرَهم الذين كانوا يفعلون ذلك قبل نسخِ الكلامِ في الصلاةِ، على ما يقولُ القائلُ في لغتِه: فقلنا كذا، يريدُ به بعضَ القومِ الذين فعلوا لا الكُلَّ. - وقال الشيخُ الأَلباني تعليقاً على حديث ابن مسعود: ____________وهو يُقوي تأَويلَ مَنْ تأَوَّل حديثَ زيدِ بنِ أَرقمَ الثابتَ في الصحيحين: (كنا نتكلمُ في الصلاةِ حتى نزل قولُه تعالى: { وقُوموا للهِ قانتينَ } فأُمِرنا بالسكوتِ ونُهينا عن الكلام) على أنّ المرادَ جِنسَ الصحابةِ؛ فإِنَّ زيداً أَنصاريٌّ مدنيٌّ، وتحريمُ الكلامِ في الصلاةِ ثبت بمكةَ، فتَعيَّنَ الحملُ على ما تقدم. وأما ذِكرُه الآيةَ - وهي مدنية – فمُشكلٌ، ولعله اعتقد أَنها المُحرمةُ لذلك، وإنما كان المحرمَ له غيرُها معها، والله أعلم. (1) قال السِّندي: أَيْ: تفكّرتُ فيما يَصلُحُ للمنعِ من الوجوهِ القريبةِ أَو البعيدةِ أَيُّها كانت سبباً لتركِ ردِّ السلامِ.
|
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|