أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
25291 142611

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > المنبر الإسلامي العام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 09-12-2024, 08:24 PM
طارق ياسين طارق ياسين غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
المشاركات: 1,108
افتراضي ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة..

قال ابنُ تيميةَ، رحمه الله:

فإن قيل: قد قال الله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} وإذا قاتل الرجلُ في موضع فغَلبَ على ظنِّه أنه يُقْتَلُ فقد أَلْقَى بيده إلى التهلكةِ.

قيل: تأويل الآيةِ على هذا غلطٌ، ولهذا ما زال الصحابةُ والأئمةُ يُنْكِرون على من يتأوَّلُ الآيةَ على ذلك، كما ذكرنا أنَّ رجلاً حَمَلَ وحدَه على العدوِّ، فقال الناس: أَلقى بيدِه إلى التهلكةِ!
فقال عمر ابن الخطاب:
كلاَّ ولكنه مِمَّن قال الله فيه: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ}.

وأيضًا فقد روى أبو داود والنسائي والترمذي من حديث يزيد ابِن أبي حبيب -عالمِ أهل مصرَ من التابعين- عن أسلمَ أبي عِمرانَ قال:

(غزَوْنا بالمدينة نُريدُ القُسطنطينيَّةَ وعلى الجماعةِ عبدُ الرحمن بن خالد بن الوليد، والرُّومُ مُلصقُو ظهورِهم بحائطِ المدينة، فحَمَلَ رجلٌ على العدوِّ؛ فقال الناس: لا إلهَ إلا الله! يُلْقِي بيدِه إلى التهلكة!
فقال أبو أيوب: إنما نَزَلَتْ هذه الآيةُ فينا، معشرَ الأنصار، لمَّا نَصَرَ الله نبيَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأَظْهَرَ الإسلامَ قلنا: هَلُمَّ نُقِمْ في أموالِنا ونُصلِحْها، فأنزل الله، عز وجل:
{وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}
فالإلقاءُ بالأيدي إلى التهلكةِ أن نُقِيمَ في أموالِنا ونُصْلِحَها ونَدَعَ الجهادَ).

قال أبو عمران: فَلَمْ يَزَلْ أبو أيوب يجاهدُ في سبيل الله حتى دُفِنَ بالقسطنطينية.
قال الترمذي: هذا حديث صحيح غريب.

وقد أنكر أبو أيوب على من جعل المنغمسَ في العدوِّ مُلقيًا بيدِه إلى التهلكةِ دون المجاهدين في سبيل الله، ضدَّ ما يتوهمه هؤلاء الذين يُحَرفون كلام الله عن مواضعِه؛ فإنهم يتأوَّلون الآيةَ على ما فيه تركُ الجهادِ في سبيل الله. والآية إنما هي أَمرٌ بالجهاد في سبيل الله، ونهيٌ عما يَصُدّ عنه.

والأمر في هذه الآية ظاهر كما قال عمر وأبو أيوب وغيرُهما من سلف الأمة؛ وذلك أن الله قال قبل هذه الآية: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} إلى قوله: {وَقَاتِلُوهُمْ
حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193)} إلى قوله: {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194) وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195)}

فهذه الآياتُ كلُّها في الأَمر بالجهادِ في سبيل الله وإنفاقِ المال في سبيل الله، فلا تُناسب ما يُضادُّ ذلك من النهيِ عمَّا يَكمُل به الجهادُ، وإن كان فيه تعريض النَّفس للشهادةِ؛ إذ الموتُ لابُدَّ منه، وأفضلُ الموتِ موتُ الشهداء؛ فإن الأمرَ بالشيء لا يُناسب النَّهيَ عن إكماله، ولكنّ المناسبَ لذلك النهيُ عما يُضِلّ عنه. والمناسب لذلك ما ذُكِرَ في الآية من النَّهي عن العُدوان؛ فإنَّ الجهاد فيه البلاء للأعداء، والنُّفُوس قد لا تقفُ عند حدُود الله بل تتبع أهواءها في ذلك، فقال: {وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} فنَهَى عن العدوان؛ لأن ذلك أمر بالتقوى، والله مع المتقين كما قال: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ}.

وإذا كان الله معهم نَصَرَهم وأَيَّدَهم على عدُوِّهم فالأمر بذلك أيسر، كما يَحْصُل مقصود الجهاد به.

وأيضًا: فإنه في أول الآية قال: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} وفي آخرها قال: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} فدل ذلك على ما رواه أبو أيوب من أنَّ إمساك المال والبخل عن إنفاقِهِ في سبيل الله والاشتغال به هو التهلكة.

وأيضًا: فإنَّ أبا أيوب أخبر بنزول الآية في ذلك؛ لم يتكلَّم فيها برأيه، وهذا من ثابت روايته عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وهو حجَّة يجب اتباعها.

وأيضًا: فإن التهلكةَ والهلاكَ لا يكون إلا بترك ما أَمرَ الله به، أو فِعلِ ما نَهَى الله عنه. فإذا ترك العبادُ الذي أُمِرُوا به، واشتغلوا عنه بما يَصدُّهم عنه من عِمَارة الدنيا، هلكوا في دنياهم بالذلّ وقَهْرِ العدو لهم، واستيلائِه على نفوسِهم وذَراريهم وأموالهم، وردِّهم لهم عن دينهم، وعجْزِهم حينئذ عن العمل بالدِّين. بل وعن عِمَارة الدنيا وفُتور هِممهم عن الدين، بل وفساد عقائدهم فيه.
قال تعالى: {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}.
إلى غير ذلك من المفاسد الموجودةِ في كلِّ أُمةٍ لا تقاتلُ عدوَّها، سواءٌ كانت مسلمةً أو كافرةً.

فإن كلَّ أُمةٍ لا تقاتلُ فإنها تهلِك هلاكًا عظيمًا باستيلاء العدوِّ عليها وتَسَلُّطه على النفوس والأموال. وترك الجهاد يوجب الهلاكَ في الدنيا كما يُشاهده الناس، وأما في الآخرة فلهم عذاب النار.

وأما المؤمن المجاهد فهو كما قال الله تعالى: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ}. فأخبر أن المؤمنَ لا ينتظرُ إِلا إِحدى الحُسنَيَيْن: إما النصر والظَّفَر، وإما الشهادةُ والجنة. فالمؤمن المجاهد إن حَيِيَ حَيِيَ حياةً طيبةً، وإن قُتِلَ فما عند الله خير للأبرار.

وأيضاً: فإن الله قال في كتابه: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ}
وقال في كتابه: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}. فنهى المؤمنين أن يقولوا للشهيد: إنه ميتٌ.

قال العلماء: وخُصَّ الشهيد بذلك؛ لئلا يَظنُّ الإنسانُ أَنّ الشهيدَ يموتُ، فَيَفِرُّ عن الجهاد خوفًا من الموت. وأَخبرَ اللهُ أنه حيٌّ مَرْزُوق. وهذا الوصفُ يوجَدُ أيضًا لغير الشهيدِ من النبيِّين والصدِّيقين وغيرِهم، لكن خُصَّ الشهيدُ بالنهيِ لئلا يَنْكُل عن الجهاد؛ لِفرار النُّفُوسِ من الموت.

فإذا كان هو سبحانه قد نهى عن تسميتِه ميِّتًا واعتقادِه ميتًا؛ لئلا يكون ذلك مُنَفِّرًا عن الجهاد فكيف يُسمّي الشهادةَ تهلكةً؟
واسمُ الهلاكِ أعظمُ تنفيرًا من اسم الموتِ.

فمن قال: قوله {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} يُرادُ به الشهادةَ في سبيل اللهِ، فقد افترى على الله بهتانًا عظيمًا.

وهذا الذي يقاتلُ العدوَّ معَ غَلبةِ ظنِّه أنه يُقتلُ قسمان:
أحدُهما: أن يكونَ هو الطالبُ للعدو. فهذا الذي ذكرناه.

والثاني: أن يكون العدوُّ قد طلبَه، وقتالُه قتالُ اضطرار. فهذا أولى وأوكد. ويكونُ قتالُ هذا إمَّا دفعًا عن نفسِه وماله وأهلِه ودينِه، كما قال النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(مَن قُتِلَ دونَ مالِه فهو شهيد، ومَن قُتل دون دمِه فهو شهيد، ومَن قُتل دون حرمته فهو شهيد)
يكونُ قتالُه دفعًا للأَمرِ عن نفسِه، أو عن حرمته، وإن غلبَ على ظنِّه أنه يُقْتَل، إذا كان القتال يُحَصِّل المقصودَ، وإمَّا فِعلا لِما يَقْدرُ عليه من الجهادِ، كما ذكرناه عن عاصم بن ثابتٍ وأصحابِه.

[قاعدة في الانغماس في العدو]
__________________
.
(یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَخُونُوا۟ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ وَتَخُونُوۤا۟ أَمَـٰنَـٰتِكُمۡ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ)
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:41 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.