أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
61268 144714

العودة   {منتديات كل السلفيين} > منابر الأخوات - للنساء فقط > منبر الصوتيات والمرئيات والكتب و التفريغات - للنساء فقط

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #11  
قديم 04-02-2021, 04:33 PM
أم زيد أم زيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 5,264
افتراضي

اللِّقـاء الحادي عشر
(19 شعبان 1441 هـ)


[كلمة افتِتاحيَّة]
إِنَّ الْحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ -لَا شَرِيكَ لَهُ-.
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كَلَامُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُها، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
وَبَعْدُ:
فأكرِّر -كلَّ مرَّة- ترحيبي ودُعائي للإخوة -طلبة العلم والمشاركين معنا-جميعًا- في هذه اللِّقاءات العِلميَّة التي نتداول فيها العلمَ ومسائلَه ودلائلَه ما استطعنا إلى ذلك سبيلًا.
والله -عزَّ وجلَّ- يقول: ﴿وَالْعَصْرِ . إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ . إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾.
نُحسِّن نيَّاتِنا، ونُجاهد أنفسَنا، ونَصبر ونتصبَّر ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾، وما أجمل ما قاله بعض أئمة السَّلف الذين نتشبَّه بهم، ونتمثَّل نهجَهم- قال: «طلبتُ العلمَ لغير الله؛ فأبى أن يكون إلا لله».
كلُّ بداية يكون فيها خلل، ويكون فيها نقص، ويكون فيها تقصير؛ لكنَّ الاستماع لنُصوص الشَّرع الحكيم -كتابًا وسُنَّة-، والاستجابةَ لأمر الله -تعالى- وسُنَّة رسول الله ﷺ؛ أمورٌ كافية لِرَدع الإنسان عمَّا يُخالِف فيه الشَّرع، وقمْعِه عن شهواتِه وشبُهاته التي تَحرِفه هنا أو هناك أو هنالك.
هذه كُلَيمة أحببتُ أن أذكرها، وأن أذكِّر بها بين يدي اللِّقاء.


1. السُّؤال:
ما الفرق بين العُقوبة والابتلاء؟
الجواب:
العقوبة لا تكون إلا جزاءً على عمل سيِّئ.
لكن الابتلاء: قد يكون كذلك، وقد لا يكون كذلك.
فكلُّ عقوبةٍ ابتلاء، وليس كلُّ [ابتِلاء عقوبة]؛ لأنَّ الابتلاءَ قد يُصيب أهلَ الإيمان -كما أصاب بعضَ الأنبياء-؛ لكن: العقوبة لا تكون إلا على أهل الشَّرِّ والْخَلل في الدِّين.

2. السُّؤال:
هل هناك نيَّة لشرحِ كتابِك: «علم أصول البِدَع»؟
الجواب:
الحقيقة؛ لا توجد نيَّة -للأسف-.
وأنا كنتُ عقدتُ بعض الدَّورات -قديمًا- في شرح فصولٍ مِن الكتاب؛ لكن أن أشرحَه في كتابٍ آخر؛ ليس كذلك.
والكتاب -لِمَن لا يَعرف- مضى على تأليفِه ثلاثون عامًا، ونسأل الله أن يتقبَّل منَّا ومنكم، وأن يُثبِّتَنا على الإيمان، وأن يُحسِنَ خواتيمَنا -بِمَنِّه-تعالى-وكرمِه-.

3. السُّؤال:
هل يجوز قول: (آمين! يا ربَّ العالمين)؟
الجواب:
السُّؤال مُبهَم!
إذا قَصد: هل يجوز هذا القول في الصَّلاة؟ فنقول: لا يجوز؛ الأصل أن تقول: (آمين).
أمَّا في خارج الصَّلاة: فالأمر فيه سَعة؛ لأنها دعاء عامٌّ، عندما تقول: (آمين)؛ بمعنى: (اللَّهم! استَجِب)، وإذا قلت: (آمين! يا ربَّ العالمين) هو توكيدٌ للنِّداء والدُّعاء الإلهي.
أمَّا في الصَّلاة؛ فالأصل عدم التَّوسُّع في هذه الألفاظ.

4. السُّؤال:
ما رأيُكم في كتاب «الانتِصار للتَّدمريَّة» ومؤلِّفه؟
الجواب:
كتاب «الانتِصار للتَّدمريَّة»: كتاب جيِّد، وجزى الله مؤلِّفَه خيرًا، وإن كنتُ أنا -شخصيًّا- لا أعرفه، ولا يضرُّه عدمُ معرفتي؛ كتابُه حَسَن..[..انقطاع..]... والله الموفِّق على كلِّ حال.

5. السُّؤال:
ما حكم خَتم القرآن بقراءة صفحتَين كل يوم، وتكون القراءة بين عدد مِن الأشخاص؟
الجواب:
إذا كان ذلك في مجلس واحد، وللتَّعليم؛ هنالك مُرشِد يُعلِّم النَّاس، ويَسمع بعضُهم تلاوةَ بعض؛ لا بأس؛ وهذا شيء طيِّب.
أمَّا إذا كان هذا مُتعلقًا بالتَّعبُّد، وبخاصَّة يقع في قلبي أن السُّؤال على ما يَجري في بعض صفحات الإنترنت! فنقول: لا.
يعني: لو أنَّكم جعلتم ذلك مِن باب التَّذكير -يُذكِّر بعضكم بعضًا-؛ حسَن.
أمَّا أن تظنَّ أنَّك إذا قرأ صاحبُك آيتَين -أو صفحتَين-، وقرأ الآخَر صفحتين؛ أنَّك تَدخُل في الخَتم! كلٌّ يَختم على حِدة، نعم؛ السَّماع له أجرُه؛ لكن ليس كأجرِ القراءة.
والله -تعالى- أعلى وأعلم.

6. السُّؤال:
هل من الممكن أن تدُلّني على طريق يُلهمني الله فيه الصَّبر؟
الجواب:
الله -سُبحانهُ وتَعالى- يقول: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾.
عليك بالدُّعاء، والتَّضرُّع إلى الله، والصَّبر على مقدورِه -سُبحانهُ وتَعالى-، والأخذ بالأسباب، وسوء الظنِّ بالنَّفس، وحُسن الظَّنِّ بِربِّ العالمين -خالق كل شيء-، والإكثار مِن (لا حولَ ولا قوَّة إلا بالله)، والصَّلاة على النَّبي ﷺ، وكثرة الاستغفار..؛ هذه -كلُّها-إن شاء اللهُ- عوامل تُعينك على الصَّبر.
والله يُصبّرنا وإيَّاك والمسلمين -أجمعين-.

7. السُّؤال:
هل الأعمال والآداب الخاصَّة بيوم الجمعة تبقى في ظرفِنا الحالي؟ [يقصد: على اعتبار أنَّه -الآن- لا توجد مساجد -في كثير من الدُّول الإسلاميَّة- تُقام فيها الجمعة من أجل موضوع الكورونا..]
الجواب:
..هنالك أشياء مُتعلِّقة بيوم الجمعة -من حيث هو-، وهنالك أشياء متعلِّقة بصلاة الجمعة والذَّهاب إلى المسجد.
مثلًا: الاغتسال: مُتعلِّق بالجمعة التي تأتيها إلى المسجد.
الصَّلاة على النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- مُتعلِّق بيوم الجمعة.
الدُّعاء في آخِر ساعة من يوم الجمعة مُتعلِّق بيوم الجمعة.
فما كان مُتعلِّقًا بالصَّلاة غير ما كان متعلِّقًا باليوم.
والله -تعالى- أعلى وأعلم.

8. السُّؤال:
ما حكم الصَّبغة السَّوداء؟
الجواب:
الصَّبغة السَّوداء مسألة اختلف فيها أهل العِلمِ: بعض العُلماء يقول: مكروهة كراهة تنزيهيَّة، وبعضهم يقول: مكروهة كراهة تحريميَّة، وبعضهم يقول: جائزة؛ لأن النَّهي عن السَّواد ليس هو نهيًا عن اللَّون؛ وإنَّما نهيٌ عن النَّوع؛ هنالك نبات اسمُه (السَّواد) -وليس لونًا هو السَّواد-هذا أولًا-.
الأمر الثَّاني: أن الأَسْود شيءٌ والقاتِم شيء آخر، فالكَتَم وهو نَبتةٌ -التي كان يَخضِب بها النَّبي ﷺ- غامقة وقاتِمة؛لكنَّها ليست سوداء.
إذن: ليس كل قاتِم أَسْود؛ بينما كلُّ أسوَدٍ قاتِم.
واللهُ -تعالى- أعلى وأعلَمُ.

9. السُّؤال:
ما سببُ عدم اشتغالِ المحدِّثين بكُتب التَّفسير -بخلاف كتب الحديث-؟
الجواب:
لا؛ بالعكس!
اشتغلَ المحدِّثون في كُتب التَّفسير: هنالك كتاب (تخريج أحاديث البيضاوي)، وهنالك كتاب (تخريج الطَّبري) للشَّيخ أحمد شاكر وأخيه محمود شاكر، هنالك كتب مُتعدِّدة لأهل العِلمِ في تخريج الأحاديث؛ مثلًا: كتاب «الدُّر المنثور» كلُّه تخريج أحاديث، نعم؛ قد لا يَحكم على البعض منها؛ لكن هو -أيضًا- يُفيد في هذا الباب -جدًّا-.
كذلك: (تفسير ابن كثير) بالمأثور، الآن يوجد عدَّة طبعات لتفسير ابن كثير فيها تخريج لأحاديثِها.
فإذن: موجودٌ هذا التَّخريج لِكتب التَّفسير، وإن كان الاهتمام بِكتب الحديث أكثر.
ولو نَظرنا إلى الأحاديث الموجودة في كتب التَّفسير؛ نراها هي هي الموجودة في كتب الحديث، وقد خدمها أهلُ العِلمِ -أو خدموا أكثرها-.

10. السُّؤال:
كيف التَّدرُّج لفهم أو معرفة علم الحديث؟
الجواب:
ابتداءً: يقرأ كتابًا في علوم الحديث لمؤلِّف مُعاصِر؛ مثل: كتاب «علوم الحديث ومصطلحه» للدُّكتور صبحي الصَّالح، كتاب مُعاصر، وأسلوبُه لطيف وسهل.
ثم ينتقل -مثلًا- إلى «نزهة النَّظَر» وبعض ما عليها من حواشٍ أو شُروح؛ مثل: كتاب العبد الضَّعيف الذي هو «النُّكَت على نُزهة النَّظَر».
ثم ينتقل إلى كتاب «الباعث الحثيث» للإمام ابن كثير -رحمه اللهُ-تعالى-.
ثم -إذا توسَّع قليلًا- ينتقل إلى «تدريب الرَّاوي»، ثم إلى «فتح المغيث».
هذا في باب علوم الحديث الاصطلاحيَّة.
[هذا] مِن حيث الرِّواية.
[أمَّا] إذا أراد أن يَدخل من حيث الدِّراية: فعليه أن يبدأ -مثلًا- في «الأربعين النَّوويَّة» وشرح الشَّيخ محمَّد بن صالح العثيمين لها، وكذلك «رياض الصَّالحين» و-أيضًا- شرح الشَّيخ محمَّد بن صالح العثيمين لها، وهما كتابان جميلان جليلان لا يُستغنى عنهما.
ثم ينتقل -قليلًا- ليقرأ في كتاب -مثلًا-: «تيسير العَلَّام شرح عُمدة الأحكام» للشَّيخ البسَّام، كتاب نافع ومفيد، ويشرح الأحاديث التي اتَّفق عليها الشَّيخان -أو أحدهما- في كتاب «عُمدة الأحكام» وهو كتاب في أحاديث الأحكام، شرَحه علماء كثيرون؛ مِن ضمنهم: الشَّيخ البسَّام -رحمه اللهُ-فيما كَتَبه عليه من كتابة لطيفة ونافعة -إن شاء اللهُ-.

11. السُّؤال:
هل يجوز صيام السَّبت لقضاء بعض الأيَّام من رمضان؟
الجواب:
الجماهير على جواز ذلك، وبعض أهل العِلمِ يقول بالكراهة، وبعضهم يُعلِّق ذلك بالإفراد.
وشيخُنا الشَّيخ الألبانيُّ -بناءً على بعض النُّصوص وبعض الآثار عن السَّلف- نهى عن صيام السَّبت مُطلقًا إلا في الفريضة.
فمَن ضاق عليه القضاء -بحيث لا يوجد إلا أيَّام مِن ضمنها السَّبت-؛ فيجوز؛ لأنَّ الوقت ضيِّق.
أمَّا إذا كان عنده سَعة؛ فالأَوْلى -ولا أقول بالتَّحريم، أو لا أريد أن أشدِّد-، أقول: خيرٌ له أن يتجاوَزَه -مِن باب: «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلى مَا لا يَرِيبُكَ»-على أقلِّ الأحوال-.

12. السُّؤال:
امرأة نذرت إن حَملتْ بولد أن تُسمي (محمدًا)؛ فهل عليها أن تفيَ بالنَّذر؟
الجواب:
نعم؛ الله -سُبحانهُ وتَعالى- امتدح الذين يُوفون بالنُّذور في كتابه الكريم: ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ﴾.
فلو أنها -مثلًا- لم تنذر؛ لَقُلنا لها: جائز أن تفعلي ما تشائين.
بعض النَّاس يرى في المنام -مثلًا- أنه يريد أن يُسمّي (محمَّدًا)؛ لا نُلزِمُه، نقول الأفضل؛ لأن اسم (محمَّد) مِن أعظم الأسماء وأجلِّها -صلَّى الله على نبيِّنا محمَّد-.
لكن: إذا نذَرت؛ فيجب أن تفيَ بِنذرِها.

13. السُّؤال:
أنا من أمَّة الدَّعوة والتَّبليغ، أريد نصائح -جزاك الله خيرًا-.
الجواب:
.. جماعة التَّبليغ مِن حيث الجهد الدَّعوي، لها جهد دعويٌّ وبَذل لا يُنكَر؛ لكنَّ النَّقص الذي فيها -ممَّا نرجو اللهَ أن يُوفِّقهم لِتركِه- مَبنيٌّ على شيئَين:
الشَّيء الأوَّل: العلم الشَّرعي والتَّفقه في الدِّين؛ لأنهم يقولون: (نحن نهتم في الفضائل، ولا نهتم في المسائل)!!
وأنا -دائمًا- أقول -وقُلتها-أمس-: وهل الفضائل وُجدت إلا مِن أجل المسائل؟!
فهذا عجيب -في الحقيقة-!
العلم الشَّرعي..، ويَنبني عليه معرفة السُّنَّة والتَّحذير من البدعة -وما أشبه-.
والنُّقطة الثَّانية: العقيدة والتَّوحيد، ويُبنَى عليها: الْبُعد عن الْمُخالَفات الشِّركية، ودعاء غير الله -عزَّ وجلَّ-، ومُبايعة رؤوس الانحراف على طرق ما أنزل الله بها من سُلطان في الشَّرع الحكيم.
فإذا سلِم لجماعة التَّبليغ هذان الأمران الجليلان العظيمان؛ سيكون جهدهم -ذاك- جهدًا جليلًا مُباركًا مُجلَّلًا بالكتاب والسُّنَّة -إن شاء اللهُ-.
أمَّا -الآن-؛ فأكثر ما بين أيديهم من الكُتب -في بلاد العرب-: «رياض الصَّالحين» و«حياة الصَّحابة»، وعند الأعاجم: كتاب «تبليغي نِصاب» -أو: «فضائل الأعمال»-..[..انقطاع..]..
فهذه النَّصيحة للأخ السَّائل، ولكلِّ أحد..[..انقطاع..]، والله يهدينا وإيَّاكم وإيَّاهم إلى سواء السَّبيل.

14. السُّؤال:
ما رأيكم بكتاب «الصَّارم البتَّار في التَّصدِّي للسَّحرةِ والأشرار»؟
الجواب:
الذي أعلمُه أن المؤلِّف -نفسَه- تَراجع عن كتابه، ولو لم يَتراجع؛ فالكتاب عليه ملاحظات -ملاحظات: من حيث القصص التي كان يُوردها، وبعض الأمور الْمَبنيَّة على التَّجارب-.
وأنا أقول: موضوع الجنِّ والسِّحر -وما أشبه- موضوع دقيق وعميق، وينبغي على الخائض فيه أن يتقيَ الله -سُبحانهُ وتَعالى-.
..[..انقطاع..] مَبنيًا على التَّجارب والطَّمع المالي أو الغرور.. بعض النَّاس يقول: أنا إذا قرأتُ آية واحدة، أو -مثلًا- رقية واحدة؛ يشفى على يدي فلان وفلان!!
يا أخي! حسِّن الظَّنَّ بالله، وتضرَّع إلى الله، وابذل نفسَك مُفتقرًا إلى الله، واعلَم أن الأمر بيد الله.
وبعض النَّاس يَنظر إذا المصروع أو الممسوس أو الملبوس فيقول له: أنت تحتاج إلى خمس جلسات! كل جلسة تَدفع كذا وكذا من الأموال!
هذا -في الحقيقة-أيضًا- لا يجوز؛ عليه أن يتَّقي الله..
لعلَّ الله يَشفيه في جلسة واحدة -يا أخي- وما أدراك!؟
نقطة ثالثة: أنَّ الكثيرين يعيشون على التَّوهُّم -في موضوع التَّلبُّس والمس-وما أشبه ذلك-، ويُعينهم على هذا التَّوهُّم كثير من الرُّقاة -للأسف الشَّديد-.
نحن نُثبت المس والسِّحر والتَّلبُّس؛ لكن نقول: بعض صُوَر الغُلو الكثيرة التي تجري وتقع؛ فيها مثل هذا..-ماذا أستطيع أن أسمِّيَه-.. التَّلبيس، أو الوسوسة، أو التَّخيُّل، أو الإيحاء الذي يُعظِّم هذه الأشياء في نُفوس هؤلاء النَّاس المرضى الضُّعفاء الذين يحتاجون مَن يُقوِّي عزائمهم، ويُثبتهم على الحقِّ -الذي هُم فيه-، ويزيد صِلَتَهم بربِّ العالمين -سُبحانهُ وتَعالى-.

15. السُّؤال:
كيف تكون مُراجعة المُطلّقة طلاقًا رجعيًّا؟
الجواب:
بشهادة اثنين، وأن تقول: (أَرجَعْتُك)؛ فهذا هو الأكمل.
هنالك صُوَر أخرى يُجيزها بعض أهل العِلمِ، يكفي فِعلُها لتحقيق الرَّجعة؛ لكن هذه هي الصُّورة الأكمل، وبخاصَّة أنَّ الكثيرين مِن عوام النَّاس -وهم يتحسَّسون من هذه الأمور-، فإذا لم يَسمعوا الرُّجوع وإشهاد ذوي عَدل مِنكم -كما هو نصُّ الآية-؛ فإنَّهم لا يتصوَّرون أن الرَّجعة قد تمَّت.
فنحن ندُل على الأكمل وجوبًا.
والله -تعالى- أعلم.

16. السُّؤال:
هل للمرأة أن تؤذِّن في بيتِها وتُقيم الصَّلاة؟
الجواب:
نعم؛ لكن: هذا من باب الاستحباب، وليس من باب الإيجاب.

17. السُّؤال:
ما المقصود بالدُّعاء عند النِّداء: بعد الأذان أم أثناء الأذان؟
الجواب:
أما أثناء الأذان: فأنت مُنشغِل بالتَّرديد وراء المؤذِّن.
لكن بعد الأذان؛ تقول: «اللَّهمَّ! ربَّ هذه الدَّعوة التَّامة»، تدعو الدُّعاء.
ثمَّ بين الأذان والإقامة تدعو؛ فإن الدُّعاء مُستجاب بين الأذان والإقامة -كما أخبر النَّبي-صلَّى الله-تعالى-عليه وآله وسلَّم-.

18. السُّؤال:
كيف يكون المسلمُ موافِقًا للخير -دائمًا- في حياتِه؟
الجواب:
باستِحضار عظمة الله، والخوفِ من الله، وتقوى الله، ودعائِه -سبحانه وتعالى-، وطلب العلم، والحرص على الحلال.
هذه -كلُّها- أعمال تعينُك على الخير، وعلى [فعل] الخير، وعلى الازديادِ في هذا الخير -الذي أكرمكَ الله به-.

19. السُّؤال:
ما حُكم تطليق زوجة تمشي بالنَّميمة؟
الجواب:
جاء رجل إلى الرَّسول الكريم -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- قال له: يا رسول اللهِ؛ إن امرأتي لا ترُدُّ يدَ لامِس -بمعنى: أنَّها مُغفَّلة، لا تَعرف مَكرَ الرِّجال-.. قال: يا رسول اللهِ؛ إنَّ امرأتي لا ترُدُّ يدَ لامِس، فقال له النَّبي ﷺ: «طلِّقها»! فقال الرَّجل: يا رسول اللهِ؛ إني أُحبُّها، قال: «أمسكها»! اللَّهم صلِّ وسلِّم وبارِك على رسولِ الهدى محمَّد -صلواتُ الله وسلامُه عليه-.
أقول للأخ السَّائل: لو قُلنا لك طلِّق هذه الزَّوجة؛ هل تقدر على ذلك؟ إذا تقدر على ذلك؛ افعَل؛ يُعوِّضك الله خيرًا منها.
وإذا لا تقدر على ذلك؛ ليس أمامك إلا الدُّعاء لها والنَّصيحة.. لعلَّها تتوب وتؤوب، وترجع إلى ربِّ العالمين -سُبحانهُ وتَعالى-.

20. السُّؤال:
هل يجوزُ أن نُصلي صلاةَ الغائب على المسلمين -عمومًا- الذين ماتوا في الغرب؛ حيث يَبعد أنَّه قد صُلِّي عليهم؟
الجواب:
نهاية السُّؤال لطيفة؛ حيث ربط ذلك بغلبة الظنِّ أنَّه بعيد أن يكون قد صُلِّي عليهم.
صلاةُ الغائب لا تكون مشروعةً إلا على مَن لم يصلَّ عليه، أو مَن غلب على الظن أنَّه لم يُصلَّ عليه.
وأنا أتصوَّر -وقد سافرتُ إلى بلاد الغرب كثيرًا-في سبيل الدَّعوة- لا أعرف بلدًا -في الأغلب الغالب- إلا وفيه مساجد -اليوم-، ومراكز إسلاميَّة، ودعاة إلى الله -عزَّ وجلَّ-؛ فيبعد جدًّا أن يموتَ مسلمٌ في بلاد الغرب -اليوم-طولًا وعرضًا- دون أن يُصلَّى عليه.
إلا إذا قصد الأخ ما يتعلَّق بالكورونا..حتى الكورونا -اليوم-..لا أعرف موضوع بلاد الغرب في موضوع الكورونا؛ لكن: الجالية المسلمة لها تأثيرها في كل مكان تكون فيه هنالك.
الإسلام له أحكامُه، وله حدودُه، وله محارِمه، والمسلم له مكانتُه عند ربِّ العالمين -سبحانه وتعالى-.
فالقضيَّة -إذن- مُتعلقة بماذا؟ متعلِّقة بغلبة الظن، أو باليقين أنَّه لم يُصلَّ عليه.
فإذا غلب على الظنِّ عند الإنسان أنه لم يُصلَّ على فلان أوفلان؛ فنقول -حينئذٍ-: تجوز صلاةُ الغائب.
أما غير ذلك؛ فلا تجوز.
والله -تعالى- أعلى وأعلم.

21. السُّؤال:
لأيِّ وقت يجوز تأخير صلاة العِشاء؟
الجواب:
الرَّسول -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- قال: «لولا أنْ أَشُقَّ على أمَّتي لأَمرتُهم بِتَأخيرِ صلاة العِشاءِ إلى نصفِ اللَّيل»، فمَن استطاع أن يَصبر على الصَّلاة ليؤخِّرَها إلى نصف اللَّيل -خاصَّة-الآن-في ظلِّ عدم وجود جماعات في المساجد-؛ فهذا أفضل.
ومَن لم يستطع أو لا يستطيع؛ فليُصلِّها في الوقت.
أمَّا آخر وقت: هو نصف الليل، أو منتصف الليل.
مع التَّنبيه -ههنا- إلى أن مُنتصف اللَّيل: هو منتصف المسافة الزَّمنيَّة بين المغرب والفجر.
أحيانًا: ممكن يكون بحسب طول اللَّيل وقِصَره، أحيانًا: مُمكن يكون في الثَّانية عشرة، أحيانًا: ممكن يكون في الحاديةَ عشرة والنِّصف، أحيانًا: ممكن يكون في الثَّانية عشرة والنِّصف.
فلا تقل: (الثَّانية عشرة) -فقط-؛ لا، قد يكون الثَّانية عشر أو قبلها أو بعدها.
لكن: احتَطْ لنفسك بأن تصلِّيَها -مثلًا- في الحادية عشر -لا يكون قد دخل نصف اللَّيل-في سائر أوقات السَّنة-.
واللهُ -تعالى- أعلى وأعلَمُ.

22. السُّؤال:
ما حكم استِعمال المعقِّم الذي يحتوي نسبة من الكحول، كذلك العطور التي فيها نسبة كحول؟
الجواب:
أنا أرى أن ذلك جائز -كلُّه-؛ لأنَّ الْمُعقِّمات والعُطور يُضاف إليها مواد لا تجعلها خمرًا، وتُباع على أنَّها ليست خمرًا، وتُصنَّع بمواد تُذهِب عنها أن تُصنَّف خمرًا.
نعم؛ قد يستعملها البعض؛ لكن هذا البعض هو شاذٌّ على الطَّبيعة البشريَّة!
أمَّا لا أحد يَشتري العطر لِيَشربَه خمرًا، أو يشتري الْمُعقِّم ليشربَه خمرًا؛ هذا لا يجوز؛ بعض الأنواع قد تقتله -وهو يظنُّ أنَّه يَفعل خيرًا-.
إذن: ما دام أنه أُضيفت إليه مواد، وأصبح مُتحوِّلًا مِن.. إلى..؛ فحينئذٍ نقول: يجوز استِعمال العِطر والْمُعقِّمات حتى ولو كان فيها هذه الكحول -الْمُشار إليها في السُّؤال-.

23. السُّؤال:
ما حُكم أخذ قَرض حسَن مِن أحد الذين يُقرِضون قرضًا ربويًّا؟الجواب:
إذا كنتَ مُضطرًا له وأنت على يقين أنَّه يُقرضك قرضًا حسنًا ولو كان يُقرض الآخرين.. هذا بَينَه وبينهم، بينه وبين الله..؛ أتكلَّم عن كل معاملة -بحدِّ ذاتِها-.
بالعكس: قد يكون قَرْضُه لك هذا القَرضَ الحَسن خِلاف مَسيرتِه الرِّبويَّة؛ قد يكون باعثًا له للهداية، وبخاصَّة إذا شكرتَه ودعوت له و..و..إلى آخره.
لذلك -يا أخي الكريم-: نحن نقول: العبرة بالمعاملة التي أنت تتعامل بها، أمَّا هو: ماذا فعل؟ ماذا يقصد؟ هذا بينه وبين الله -سبحانه في عُلاه-.

24. السُّؤال:
هل يجوز أخذ المال على الرُّقية؟
الجواب:
نقول: لا مانع؛ لكن: دون استِغلال،و دون اشتراط -أريد: كذا و كذا على الجلسة-أو على السَّاعة-!
بعض النَّاس يَأكلون أموال النَّاس بالباطل -بحُجَّة أنَّه يجوز أخذ المال على الرُّقية-، ويأتيهم الفقير وغير الفقير ويُعاملون النَّاس -سواءً-؛ هذا لا يجوز!
إذا -ولا بُدَّ-: مَن جاءك وَرَقَيْتَه؛ يعطيك ما [يشاء]؛ لا تَشترط، إذا أعطاك؛ لا مانع، وإذا لم يُعطك فسامِحْه واقْبَلْه، وإذا أعطاك؛ لا تقل له هذا قليل! إيَّاك! لأنَّ هذا سيكون -بهذه الصُّورةِ التي نراها-اليوم- من أكل أموال النَّاس بالباطل، ولا حول ولا قوَّة إلا بالله العلي العظيم.

25. السُّؤال:
هل وقفت على نُسخة الشَّيخ مازن السّرساوي على [شرح] «صحيح مسلم»؟
الجواب:
مازن السّرساوي؛ الأخ الكريم الفاضل الدُّكتور، من طلبة علم الحديث الجيِّدين -ما شاء اللهُ-، حقَّق نسخة من شرح الإمام النَّووي على «صحيح مسلم»، حقَّقها على مخطوطات، و-الحقيقة- أنا -إلى الآن- لم أرَها؛ لكن: الرَّجل سُمعتُه العِلميَّة جيِّدة، ونرجو أن يكون عملُه جيِّدًا، وهذا هو الظَّن والأمل.
واللهُ -تعالى- أعلى وأعلَمُ.

26. السُّؤال:
شيخَنا: لو أرشدتَنا إلى منهجيَّة عِلميَّة ثابتة في كيفيَّة تحضير الخطيب لخُطبته، وما الكتب التي تنصح بها -في هذا الباب-؟
الجواب:
..ابتداءً: أنا أنصح بقراءة الخُطبة والتَّدرُّب على الخطبة المكتوبة الجاهزة؛ هذا للخطباء الْمُبتدئين.
هناك خطب الشَّيخ صالح طه أبو إسلام -رحمه اللهُ-، وهي تكفيك -يا أيها الخطيب- سنين عددًا.
وهنالك خطب أئمَّة الحرمين -الشَّيخ صالح بن حُميد، الشَّيخ سُعود الشريم، الشَّيخ السديس وغيرهم-، أيضًا؛ خطبهم موجودة.
وهنالك كتاب: «الموعظة الحسَنة بما يُخطَب في شهور السَّنَة».. للشيخ العلامة صدّيق حسَن خان الهندي -أيضًا-، هذا ممكن أن تستفيد منه في البداية.
ومع الاعتياد: تستطيع -حينئذٍ- أن تنتقل إلى فترة التَّحضير الذَّاتي.
أمَّا -كبداية-: فهذه الكتب -الآن- تُغني.
مع التَّنبيه إلى شيء: أن بعض البلاد الإسلاميَّة تُلزم الخطيب بِخُطبة معيَّنة أو موضوع معيَّن؛ أنا أنصح الخُطباء أن يَلتزموا بما يأتيهم من أوامر لازمة الاتِّباع والتَّنفيذ من وزارات الأوقاف والمسؤولين عن ذلك؛ لأنَّ عدم التِزام أوامِرِهم قد يؤدِّي إلى فتن ومشاكل وإشكالات.

انتهى اللِّقـاء الحادي عشر
رد مع اقتباس
  #12  
قديم 04-03-2021, 05:45 PM
أم زيد أم زيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 5,264
افتراضي

اللِّقـاء الثاني عشر
(20 شعبان 1441هـ)





[كلمة حول تفاوُت الأفهام بين النَّاس، وقراءة كلمة لشيخ الإسلام ابن تيميَّة -رحمه الله-]
...أحببتُ أن أذكُر نُقطتَين:
النُّقطةُ الأُولى؛ مُتعلِّقة بتفاوُت الأفهام بين النَّاس:
تفاوت الأفهام بين النَّاس: هذا أمر ليس بيدِ أحدٍ تقديرُه، ولا معرفتُه، ولا نهايتُه.
فآياتٌ من القرآن الكريم قد يفهمها أهلُ العلم على وجهٍ، أو يُفسِّرونها على وجه، ويأتي مَن هم ليسوا من أهلِ العلم، أو مَن هم مُبتدِئون في طلب العلم ليتكلَّموا بغير فَهم، ولِيفهموا بغير حقٍّ، وبخاصَّة مع اختِلاف الْبُلدان والظُّروف..[..انقطاع..]..الأعيان أيضًا-؛ هذا -كلُّه- له دَور وأدوار مُهمَّة -ومهمَّة جدًّا- في موضوع الفهم وحُسن التلقِّي والإدراك عن المتكلِّم -أيِّ متكلِّم- بأيِّ مسألةٍ من مسائل العلم.
النُّقطة الثَّانية لها صِلة بالأُولى -وإن كانت غير مباشرة-:
وهي كلمة لشيخِ الإسلام ابن تيميَّة، هذه الكلمة أنا أعتقد أنَّها تُمثِّل منهجًا لشيخ الإسلام، وهذا المنهج أنا لم آخذه من هذه الكلمة التي سأقرؤها الآن -إن شاء الله-؛ ولكنِّي أخذتُها من خلال نظرٍ طويل ومتكرِّر في أسلوب شيخ الإسلام ابن تيميَّة -سواء أكان ذلك في فتاويه، أو في كتبِه، أو رُدوده، أو تعقُّباتِه-، وهو الذي قال عنه الإمام الذَّهبي -مؤرِّخ الإسلام- بأنَّه: (أعرفُ النَّاس بأقوال أصحاب الفِرق والمقالات)، هذه الكلمة عندما يقولوها الإمام الذَّهبي -وهو مَن هو- في شيخ الإسلام ابن تيميَّة؛ فإن هذا يجعلنا على ثِقة كُبرى بهذا المنهج العلمي الدَّقيق، مع التَّنبيه إلى أنَّه في النهاية بَشَر، والذَّهبي بشر [.. انقطاع..].
لكن: فرقٌ بين أن يكون الخطأُ أصليًّا -في أصل المنهج-، وبين أن يكون الخطأ في فرع من فروع المنهج، وهذا -أيضًا- أشار إليه شيخُ الإسلام ابن تيميَّة كثيرًا.
أمَّا النُّقطة التي أريد-الآن-أن أشير إليها: وهي أن شيخ الإسلام -في معرض ردِّه على الفِرق والمقالات-: كان يُفاضِل بينهم -أحيانًا- بقَدْرِ السُّوء، وأحيانًا بقدر البِدعة، وأحيانًا بقدر الأثر والنَّتيجة.
أقول هذا -وما قبله-؛ لأنَّه وردت بعضُ الأسئلة على مسألة كرَّرتُها مرَّتين -في يومين-، ومع ذلك -للأسف الشَّديد!- إلى الآن؛ البعض كأنَّه -مَعذرةً- لم يَفهم، أو -معذرةً أخرى- كأنَّه لا يريد أن يَفهم! مع أن الكلام واضح، و(لكلِّ مقام مقال).
الكلام على الفيسبوك حيث يَحوي مَن نَعرف ومَن لا نَعرف، مَن يَفهم ومَن لا يَفهم -معذرةً من الجميع-، غير أن يكون في مجلس طلبة علم يَفهمون ما أقول -باصطلاحاتِنا، وبعباراتِنا، وألفاظنا-.
يجب على مَن يُشكِل عليه شيء يَعرِف عنِّي ما هو أوضح منه؛ أن يَفهمَ هذه القضيَّة، وأن يُدركَها بأبعادها، وأن يَعرف المقام الذي نحن نتكلَّم فيه في هذا الباب -وهو الفيسبوك، والبث المباشر- الذي يَحوي من هبَّ ودبَّ من النَّاس-مع احترامي للجميع، وتقديري للجميع-.
يقول شيخُ الإسلام ابن تيميَّة -رحمه الله-في المجلد الثَّالث عشر، في الصفحة (96)-من «مجموع الفتاوى»-، يقول:
«وقد ذهب كثيرًا من مبتدِعة المسلمين -من الرَّافضة والجهميَّة-وغيرهم- إلى بِلاد الكفَّار، فأسلم على يدَيه خلقٌ كثير، وانتفعوا بذلك، وصاروا مسلِمين مُبتدِعين، وهو خيرٌ من أن يكونوا كُفَّارًا».
لو أردتُ أن أعلِّق، وأن أشرَح، وأن أعقِّب على هذا الكلام الذَّهبي -من شيخ الإسلام ابن تيميَّة-؛ لطال بنا المقام كثيرًا -وكثيرًا جدًّا-؛ لكن: أحببتُ أن أَذْكُرَ هذا للذِّكرى، والذِّكرى تنفع المسلمين.
وأسأل الله أن يُبارك لنا ولكم، وبنا وبكم، وأن يَنصرَنا على أنفسِنا، وأن يهديَ مُخالِفينا، وأن يغفر لنا ذُنوبَنا، وأن يثبِّتنا على الحق، وأن يُحسِن خواتيمَنا -بمنِّه وكرمِه-.
والله -تعالى- أعلى وأعلم.

1. السُّؤال:
هل يجب الالتِزام بالذِّكر الوارِد حرفيًّا، أم يجوز بالمعنى -مع التَّنبُّه لعدم تغيير المعنى-؟
الجواب:
الأصل: الالتزام به؛ يعني: عندما يُعلِّمنا النَّبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام-: «اللَّهمَّ! أعنِّي على ذِكرِكَ وشُكرِكَ وحُسْنِ عِبادَتِك» هذا لا يحتاج أن تقول: (اللَّهمَّ! أعِنِّي على أن أشكركَ، وأن أكون مِن الذَّاكرين لك).. إلى آخره-يعني: روايةً بالمعنى-.
لكن: إذا لم تَضبط المعنى -لِسبب، أو آخر-؛ فلا مانع أن تَذكُرَه بالمعنى؛ إذا كنت عارفًا لِما يُغيِّر الألفاظ والمعاني.
أمَّا أن تأتي بألفاظ تظنُّها شيئًا ولا تكون كذلك؛ فهذا لا يجوز.

2. السُّؤال:
هل استقبال القبلة في الدُّعاء شيءٌ محمود؟
الجواب:
بلى؛ لا شكَّ ولا رَيب أن استقبال القبلة مِن آداب الدُّعاء، ومن الأشياء المحمودة في الدُّعاء.
لكن: هل هي شَرطٌ؛ بمعنى: أنَّه لا يصحُّ الدُّعاء إلا بها؟
نقول: الجواب: لا؛ وإنَّما يَصحُّ؛ لكن: خالَفَ الأَوْلى، وخالف الأفضل.

3. السُّؤال:
هل بإمكان طالب -يعني: طالب للعلم- أن يُفلح طلبُه دون حفظ كتاب الله كاملًا -خُصوصًا إذا كان الطالب مُتقدِّمًا في السِّن-؟
الجواب:
أنا اقول: حِفظ كتاب الله -عزَّ وجلَّ-بالنِّسبة لطالب العلم-: مُهِمٌّ، ولا يَمنعه عن طلب العلم؛ بل إنَّ أعظم ما ينبغي أن يُطلَب عِلمه: هو علم كتاب الله.
فلا تيأس، ولا تَظن أنَّ القطارَ قد فاتك بأن تقول: (أنا كبير في السِّنّ)! فَكِبَر السِّنِّ ليس عائقًا؛ بالعكس: كِبر السِّنِّ فيه كِبر العقل، وفيه النُضج، وفيه الرَّغبة الأشدُّ في طلب العلم.
وكثيرٌ من أهل العِلمِ طلَبوا العلمَ على كِبر، ثم نَبَغُوا وصاروا من أهل العِلمِ.
لكن: إيَّاك أن تقول: أنا لا أريد أن أحفظ كتاب الله، أو أن أستبعد حِفظ كتاب الله -عزَّ وجلَّ-؛ لأني كبير.. أو..أو..! هذا -كلُّه- مما لا ينبغي، ولا يجوز.

4. السُّؤال:
هل يجوز تتبُّع رُخص العُلماء؟
الجواب:
لا يجوز، يقول الإمام أيُّوب السختياني: «مَن تتبَّع رُخصةَ كلِّ عالِم؛ اجتَمَعَ فيه الشَّرُّ -كلُّه-»!
فتتبُّع الرُّخَص قد يُؤدِّي إلى الفساد الأخلاقيِّ والسُّلوكيِّ والمنهجي!
لكن: أنا سأفرض أن -هنالك- إنسانًا جاهلًا؛ فالجاهل مَذهبُه مذهب مُفتِيه،فيتَّبع مَن يثِق بِعلمِه ودينِه أكثر في فتاواه، وإذا كان -ثمَّة- إثمٌ فَعَلَى مَن أفتاه بذلك؛ كما ورد في حديث -يُصحِّحُه بعضُ أهل العِلمِ- في «سنن أبي داوود»: أنَّ النَّبي ﷺ قال: «مَن أُفْتِيَ فُتْيا غيرَ ثَبْتٍ؛ فَإِثمُهُ على مَن أَفْتاهُ».

5. السُّؤال:
نحن في العراق عندنا العزاء: يجلس أهلُ الميِّت والنَّاس يُعزِّونهم، ولا تخلو مجالس العزاء من البِدع -مثل: صنع الطَّعام-، فنذهب -نحن السَّلفيين- نُعزِّي، فنجلس عشر دقائق مع شُرب الشَّاي ونترك المجلس؛ فاعترض علينا بعض طلاب العلم بأن هذا من النِّياحة؟
الجواب:
الحقيقة؛ ينبغي تقدير الأمور؛ كما يقول شيخُ الإسلام ابن تيميَّة -رحمه الله-: «ليس الفقيهُ الذي يَعرف الخيرَ مِن الشَّرِّ؛ ولكن الفقيه الذي يَعرف خَير الخَيْرَيْن وشَرَّ الشَّرَّيْن»؛ بمعنى: مثلًا؛ السُّؤال عن مجلس عزاء:
هذا المجلس للعزاء لو أنَّني لم أذهب إليه قد تترتَّب فِتنة -خاصَّة في القُرى-مثلًا-، أو في بعض الأُسَر والقبائل-، فأنا أذهب عشرَ دقائق -كما قال الأخُ الكريم-؛ حتى أدرأ هذه الفتنةَ، ولا أُجالسُهم، ولا أشاركهم في ما هم فيه مُخالِفون لِلسُّنَّة.
بينما؛ صورة أخرى: لو لم أذهب؛ لن يكون هنالك أثر، أو تأثير، ولا سَلبيَّات؛ فأنا أقول: الأفضل أن لا تذهب بمثل هذه المذاهب.
ونحن ضد الإنكار الذي يتضمَّن العنف، الإنكار يكون على مَن استَكبر؛ أما قبل ذلك: فالنَّصيحة والمودَّة، و: «لا يُؤمِنُ أحدُكُم حتَّى يُحِبَّ لأخيهِ ما يُحبُّ لِنَفسِه» -كما ذكرنا-في المجلس الماضي، أو الذي قبله-عن النَّبي-صلَّى الله عليه وآله وسلَّم-.

6. السُّؤال:
حول الْمُسافِر: هل نُحكِّم الْعُرف الذي أوَّل مَن قال به شيخُ الإسلام ابن تيميَّة -رحمه الله- ونترك أحاديث النَّبيِّ ﷺ التي ثبت القصر بِفرسَخ أو فرسخين وثلاثة فراسخ، وإن كُنَّا نُحكِّم الْعُرف؛ فلماذا لا نُحكِّم عُرفَ الصَّحابة -رضي اللهُ عنه-؟
الجواب:
هذا سؤالٌ جيِّد..
أنا أقول: أصلًا: اختِلاف المنقول بفَرسَخ وفرسخين وثلاثة، وعن الصَّحابة ما هو أكثر أو أقل -وما أشبه ذلك-؛ هذا يدلُّ على اختِلاف الأعراف، وعلى اختِلاف الظُّروف والأحوال، وأنَّ هذا الفِعل -بحدِّ ذاتِه- ليس شرطًا، ولا ضابطًا، الأفعال ليس بها ما تنضبط بها الأمور؛ وإنَّما تنضبط الأمور بالشَّرع، فما أَهْمَله الشَّرعُ يَضبِطُه الْعُرف.
مثلًا: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ﴾؛ الآن المريض: مَن أصيب بجُرح في طرف أصبعه يُسمَّى مريضًا، مَن جُرحَ هنا، أو في قدمٍ، أو..أو.. يُسمَّى مريضًا، ويذهب إلى الطَّبيب ويُعالَج؛ لكن: هل هذا المرض يُقعِده عن الصَّوم؟ الجواب: لا.
ما الضَّابط؟ الْعُرف، الْعُرفُ المتوارَث: أنَّه ليس كل مَن هو مريض يكون جائزًا له الْفِطر في نهار رمضان.
كذلك: ليس كلُّ مُسافر.. المسافر التي تنطبقُ عليه الأعراف في زمان، أو مكان أنَّه مُسافر؛ هو الذي تنطبقُ عليه الأحكام الشَّرعيَّة.
ومِن باب الأمانة العِلميَّة: هذه مسألة خلافيَّة كبيرة -يا أخي-، لستُ أوَّل القائلين بها، ولا ابن تيميَّة -كذلك- أوَّل القائلين بها، ولن نكون آخرَ القائلين، والمسألة مسألة أُلِّفت فيها مؤلَّفات مُستقلَّة بين العلماء وعندهم وفي تاريخِهم العِلمي، ونحن نُجيب ولا نُلزِم النَّاس؛ كما كان شيخُنا الإمام الألباني -رحمه الله- يقول: (كلامي مُعلِم وليس بِمُلزِم)، وكان يقول: (قُل كلمتَك وامش)!
فأنا يَسألني سائل أجيبُه، وليس لي عليه ضربةُ لازِب -كما يُقال- بأن أُلزِمه بما أقول، أو أن يَلتزم مِنِّي ما أقول، لا؛ نحن ضد هذا الإلزام؛ إنَّما كلٌّ كما قال الله -سُبحانه في عُلاه-: ﴿بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ . وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ﴾.

7. السُّؤال:
هل يجوز أن نقولَ: (عندما يوفِّقك اللهُ لأداء صلاة الفجر في وقتها؛ فاعْلَم أنَّه اصطفاك الله مِمَّن حولك من النَّائمين والغافلين، فهي نعمة تَستحق الشُّكر) -مع التَّركيز على كلمة (اصطفاك)؟
الجواب:
نقول: لا بأس في ذلك -مِن حيث التَّذكُّر، أو التَّذكير، أو الذِّكرى-؛ لكن: لا أن تكون شيئًا مُستمرًا -ودائمً،ا ومكرَّرًا، ومذكورًا-؛ هذا غير صحيح.
أمَّا أن يُقال ذلك مِن باب الشُّكر لله -عزَّ وجلَّ-، ومِن باب الحمد الذي يَتبعُه -إن شاء اللهُ- مَزيد من العلم النَّافع والعمل الصالح والقيام بما أوجبه الله علينا؛ فلا بأس بذلك في بعض الأحايين -دون التِزامه، ودون التَّكرار له-.

8. السُّؤال:
هل هذا التَّفريق صحيح: بين قول القائل -أمام قبر وليٍّ صالح ميِّت-: (أغِثْنا، ونَجِّنا، وأدْرِكنا) أنَّ: هذا شركٌ أكبر، وبين قولِه للميِّت: (اشفعْ لنا عند الله)، أو: (ادعُ لنا الله) على أساس أن الميتَ يَسمع في قبره، وأن هذا مُحرَّم؛ ولكن لا يصل للشِّرك الأكبر؛ لأنَّه لم يدعُ غير الله؟
الجواب:
نعم؛ هذا صحيح.
الثَّاني لم يدعُ المخلوق؛ وإنَّما دعا ربَّ العالمين بواسطة هذا المخلوق، فهذا قد يكون نوعًا من التَّوسُّل، أو قد يكون بين التَّوسُّل والاستِغاثة، فيه خَليط بين الصُّورَتَين؛ لكن: ليس هو استِغاثة صِرفة -لأنَّ الاستغاثة الصِّرفة فيها طلب مُباشر مِن العبد-.
وأنا أعجب مِن الذين يَستغيثون بغير الله -واللهِ-يا إخواني-! أعجبُ جدًّا!
أنت تَطلب النَّجاة ممَّن لم يُنجِ نفسَه فمات مريضًا أو مشلولًا أو مفؤودًا.. أو..أو..أو.. إلى آخره! هو لم يستطيع أن يَنجوَ بنفسِه، أو أن يُنجيَ نفسَه؛ فكيف تطلب منه أن يكونَ سببَ نجاة لك؟!!
هنالك فلسفة -عند بعض الفِرَق- تقول: باعتبار أن الفاعل هو الله: فأنت عندما تدعو الوليَّ كأنَّك تدعو الله، وعندما تستغيث بِالوليِّ كأنَّما تَستغيث بالله!!
هذه فلسفة ما أنزل اللهُ بها من سُلطان، ويترتَّب عليها مِن الفساد شيء عريض -أنَّ الإنسان لا يُحاسب على أعماله لأنَّ الفاعل هو الله!!-؛ فهلَّا فَهِم القائلون بهذه الفلسفة -الوافدة- هذا الأثرَ الشَّنيع؟! نسأل الله العافية!
مع التَّنبيه إلى نُقطتَين -في نفس هذا السُّؤال-أيُّها الإخوة الأحبَّة-:
النُّقطةُ الأولى: أنَّ الرَّاجح أن الأموات لا يَسمعون في قبورهم؛ إلا لحظة سُؤال الملَكَين -كما ورد في الحديث: فإنَّه «يَسمَعُ قَرعَ نِعالِهم»، أمَّا غير ذلك ﴿إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ﴾، ﴿وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ﴾ إلى آخر ما هنالك.
وهنالك كتاب: «الآيات البيِّنات في عدمِ سَماع الأموات» لِلألوسي -الذي حقَّقه شيخُنا الشَّيخ الألبانيُّ-رحمه الله-، فيه فوائدُ جَمَّة -في هذا الباب-.
النُّقطة الأخرى -الْمُهِمَّة-: أنَّنا عندما نقول: (هذا شِرك) لا نَعني أنَّ القائلَ مُشرِك، أو الفاعلَ مُشرِك، فنحن نُفرِّق بين الفِعل والفاعل.
نقول: ليس كلُّ فِعلٍ يكون فاعلُه كافرًا -والعياذ بالله-؛ إلا: إذا وُجدت الشُّروط وانتفت الموانع، وكان الحاكِم بِذلك عالِمًا من أهل العِلمِ.
أمَّا أن يَدخل هذا الباب مَن لا يَسوَى ومَن لا يَسوَى..، ومَن لا يَفهم، ومَن لا يَفقه! نقول له: (ليس هذا بِعُشِّكِ؛ فادْرُجي)!
هذا بابٌ خطير، لا يَجوز أن تَفهم منه أن قولَ العالِم: (هذا شِرك) يَلزم منه أنَّ كلَّ فاعلٍ له مُشرِك.
واللهُ -تعالى- أعلى وأعلَمُ.

9. السُّؤال:
نريد كلمة حول مُحدِّث اليمن: الشَّيخ مُقبل بن هادي الوادعي -رحمه الله-.
الجواب:
الشَّيخ مقبل -نفع الله به في حياته- نفعًا عظيمًا، وفي منطقتِه التي كان فيها -(دمَّاج)، وما حولها-، وهي منطقة الزَّيديَّة في اليمن، حتى انقلب كثير منهم إلى السُّنَّة وأهل السُّنَّة وعلم الحديث والعقيدة السَّلفية الصَّحيحة؛ فهذا مِن فضل الله عليه، ونشر اللهُ به -بِجهود فَرديَّة، مع مَن يُعينُه بالشَّيء اليَسير- الخَلْقَ الكثير -ولله الحمد-.
وأنا أذكر سَنة (82) أو (83): جاء الشَّيخ القاضي العلامة محمَّد بن إسماعيل الأَكْوع -وهو من كبار علماء اليمن-في ذلك الحين-، والشَّيخ مُقبل -يومئذ- لا يزال في أوَّل دعوته، ولم يَبلغ الشُّهرة الكبيرة، فسألتُه، قُلتُ له.. أنا شخصيًّا سألتُه: هل تَعرف الشَّيخ مُقبل بن هادي الوادعي؟ فقال لي: (لقد نَصر اللهُ به السُّنَّة)؛ نَعم -واللهِ- أنا أشْهَد!
ولعلَّ هذه الكلمة أنا أقولها وأنقُلُها لأوَّل مرَّة؛ لكن: لا بُد مِن شهادةِ حقٍّ لهذا العالِم الجليل الذي لم أتشرَّف بِلقائه -مُطلَقًا-وللأسف الشَّديد!-، وتشرَّفت -مرَّة- بمحادثته هاتفيًّا -في آخر عُمره-، لَمَّا كان في أمريكا، جرى اتِّصال هاتفي بيني وبينه، وكانت منه كلمات طيِّبة مُباركة؛ فرحمه الله، وجمعنا وإيَّاكم وإيَّاه في جنَّة الله.

10. السُّؤال:
هلّا حدَّثتنا عن جلَد وصَبر وهمَّة شيخنا الألباني -رحمه الله- في البحث والمطالعة والقِراءات، ولو شِئتَ -أيضًا- حدَّثتنا عن طُرفة وقعت لك معهُ -رحمه الله-.
الجواب:
الحقيقة؛ الكلام في الشَّيخ الألبانيِّ كالكلام في كثير من أهل العِلمِ، ما شاء اللهُ؛ عندهم من السَّعة في العلم والْجَلَد على طلبِ العلم، والصَّبر في طلب العلم الشَّيء الكَثير.. الكثير.. الكثير.
ولكن: نحن لم نُعايِش من العُلماء إلا قليلًا، وعندما نقرأ -في سِيَر العُلماء، وفي كتب التَّراجم والتَّواريخ- عنهم: واللهِ.. وتاللهِ.. وبالله؛ إنَّنا لَنستصغِر أنفسنا كثيرًا -وكثيرًا جدًّا- بِجانب تلك القامات العاليات، والهامات الجزيلات الجليلات!
أنا أذكُر أنَّ الشَّيخ الألبانيَّ -رحمه الله- أيَّام حرب الخليج -في احتلال العراق للكويت-لا أعاد اللهُ هذه الأيَّام على المسلمين وعلى الأمَّة الإسلاميَّة والعربيَّة-: انتشرت -عندنا- أحاديث كثيرة مكذوبة ومُفتراة، منها: حديث طويل -في صفحة كاملة- نقلَه بعضُ الخُطباء عن كتاب «كنز العُمَّال» لِلمُتَّقي الهندي..
و«كنز العُمال» -لمن لا يَعرف-: منقول -أصلًا- من كتاب «الجامع الكبير» أو «جَمْع الجوامع» للسُّيوطي؛ لكن «جَمْع الجوامع» للسُّيوطي، قَسَمه قِسمَين: الأحاديث القوليَّة رتَّبها على الحروف الهجائيَّة، والأحاديث الفِعليَّة رتبها على مسانيد الصَّحابة -مُسند أبي بكر، مُسند عمر.. وهكذا-، وجاء الْمُتَّقي الهندي في «كنز العمال» فرتَّب الكتابَ على الأبواب الْعِلميَّة -الصَّلاة، والصِّيام، والزَّكاة، والحج..-؛ لكن: له ترتيب آخر ضَمَّ هذا التَّرتيب وجَمَع هذا التَّرتيب.. لا أريد أن أدخلَ فيه -حتى لا أُطيل القول-..فإذا بـ«كنز العمال» يَعزو الحديث لـ«تاريخ دمشق» لابنِ عساكر.
الحديث صار عليه ضجَّة وضوضاء كبيرة، وصار فيه تحريف و-حتى- تَجاوُز، ودخول في عِلم الغيب -وما أشبه-في تلك الفترة الحرِجة من تاريخ الأمة-.
فكان الشَّيخ الألبانيُّ يُسأل عن هذا الحديث، فكان -يومئذٍ- مطبوعًا من كتاب «تاريخ دمشق» لابن عساكر مُجلَّدات قليلة، وكانت عند الشَّيخ الألبانيِّ -رحمه الله- صورة عن النُّسخة المخطوطة من ثمانيةَ عشرَ مجلدًا، كلُّ مجلَّد ألف صفحة مِن القطْع الكبير -ليس أي قَطع؛ يعني: أكبر نوع من أنواع الكتب-!
الشَّيخ بحث في المجلَّدات المطبوعة؛ لم يجد الحديث! بدأ يقرأ المخطوط..
وقراءة المخطوط -لمن لا يَعرف- صعبة وعسِرة -وليست بالسهلة، ولا باليسيرة-، تحتاج صَبرًا وجَلَدًا، فكنت أتَّصل بالشَّيخ الألبانيِّ -كل يوم-تقريبًا-: يا شيخَنا! هل وجدتَ الحديث؟ يقول لي: لا؛ لم أجده! ..هل وجدت الحديث؟ -أوَّل يوم.. ثاني يوم.. ثالث يوم.. رابع يوم.. والشَّيخ لا يُغادر بَصرُه هذا الكتاب -بِمخطوطتِه، وصُعوبة خطِّه، وكِبَر صفحاتِه، وحَجمها و..و.. إلى آخره-، فحينئذٍ: سألتُ الشَّيخ الألبانيَّ -في اليوم الخامس- قلت له: يا شيخنا! هل وجدتَ الحديث؟ قال: وجدتُه! ولا نامت أعيُنُ الجهلاء!!
نعم؛ أيُّ صبر هذا؟! وأي عِلم هذا؟! وأي جَلَد هذا؟!
رحم الله شيخَنا، وسائرَ شُيوخنا وعلمائنا وأئمَّتنا، وألحقَنا بهم في الصَّالحين من عباده.
وقصَّة الورقة الضَّائعة هذه -وحدها- تَكفي -أيضًا- لِبيان جَلَده وأثر هذا الجَلد على حياتِه العِلميَّة الجليلة التي قضى فيها أكثرَ مِن ثلاثةِ أرباع عمره المبارَك -إن شاء اللهُ- في خدمة العلم -عامَّة- والسُّنَّة النَّبويَّة -خاصَّة-.

11. السُّؤال:
نلاحظ قلَّة الاهتمام بمسائل الزَّكاة من قِبل كثير من طلاب العلم؛ بحيث قد تجدُ أحدَهم يتكلَّم في المسائل الكبار؛ لكنَّه: إن سُئل في مسألة من مسائل الزَّكاة؛ يكاد لا يستجمع جوابًا مُفصَّلًا عليها!؟
الجواب:
أَتدري ما السَّبب -يا أخي-؟
السَّبب أن أكثرَ مَن حَول طُلاب العلم مِن الفقراء والمساكين؛ فهُم يحتاجون..
حتَّى طُلاب العلم: أكثرُهم فقراء ومساكين -نسأل الله أن يُغنيَنا وإيَّاكم وإيَّاهم من فضله-، فهم يَهتمُّون بما فيه النَّفع، وبما يَكثر حولَه السُّؤال، وإن كان هذا -لا شكَّ ولا ريب- نقصًا في طالب العِلم.
وطالب العِلم الذي يقرأ في الصَّلاة والصِّيام والحجِّ والجهاد والمعاملات؛ يجبُ أن يَقرأ -مِن ضمن ذلك- الزَّكاة؛ فالزَّكاة أمرُها مُهِمٌّ، وهي فريضة مِن فرائض الإسلام -بِفُروعها ودقائقها ومسائلها-، ولا يجوز إهمالُها.
لكن -بالْمُقابل-: ما منَّا إلا رادٌّ ومَردود عليه، وما منَّا مِن أحد إلا وعنده نَقص، ونسأل الله أن يَسُدَّ نَقصَنا، وأن يَغفر لنا عَجزَنا، إن ربِّي سميع الدُّعاء.

12. السُّؤال:
ما حكم مُخالفة وليِّ الأمر في القوانين التَّنظيميَّة -كنازِلتِنا الحادثة -هذه؟ يقصد: كورونا -وما أشبه-رفعها اللهُ عنَّا وعن المسلمين-.
الجواب:
أنا أُريد أن أسأل السَّائل -في معرض الجواب- أقول: لو أنَّك تعيش في بلد غَربي، أو في بلد حاكِمُه غير مسلم -أصلًا-، وأصدَرَ قرارًا تنظيميًّا، ورتَّب عليه جزاءً وعقوبةً؛ هل تستطيع أن تُخالفه؟ لا تستطيع! ولا بُدَّ أن تُطيعَه.
لكن فَرق: بين أن تُطيع هذا الحاكم غير المسلم في هذه الأمور التَّنظيميَّة خوفًا أو جزعًا، وبين أن تُطيعَ الحاكم المسلم -في هذه الأمور التَّنظيميَّة- مِن باب (أطيعوا أُولي الأمر منكم)؛ فأنت مأجور -إن شاء اللهُ-في كِلتا الحالتَين-، وليس عليك إثم إلا في هذه المخالَفة التي تنكَّبتَ فيها أمر مَن ولَّاه الله عليك.
ونحن على قاعدة مستمرَّة ومستقرَّة: «إنَّما الطَّاعةُ بالمعروف» و«لا طاعةَ لِمخلوقٍ في مَعصيَةِ الخالِق» -سُبحانهُ وتَعالى-.

13. السُّؤال:
ما حكمُ الصَّلاة وراء إمام يُخفِّف صلاتَه كثيرًا؟
الجواب:
الرَّسول يقول -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام-: «مَن أمَّ؛ فلْيُخفِّف»؛ لكن التَّخفيف -هذا- لا بُد له مِن ضابط.
ضابِطُه: أن لا يكون للتَّخفيف -المذكور- أثرٌ سلبيٌّ على أركان الصَّلاة والاطمئنان في الصَّلاة؛ لا مانع -حينئذٍ-، هذا أمر حضَّ عليه الرَّسول -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام-.
أمَّا إذا كان التَّخفيف لدرجة التَّأثير السَّلبي على أركان الصَّلاة واطمِئنانها -الذي هو شرط في صحَّة الصَّلاة-؛ فحينئذ نقول: لا يجوز أن تُصلِّي خلف مَن هذا حاله -في أيِّ طريقة من الطُّرق-.

14. السُّؤال:
هل الصَّلاةُ في البيوت لها أذان وإقامة، أم إقامة فقط؟
الجواب:
الأكمل -ولا أقول: الواجب-: أن يكون لها أذان وإقامة، فهذا أكملُ الصُّوَر.
الصُّورة التي هي أقل منها: أن تُقيم ولا تُؤذِّن.
ويجوز: أن تُصلِّي مِن غير أذان ولا إقامة؛ لكنَّه فِعلٌ ليس هو الأفضل، هو فيه مُخالَفة للسُّنَّة، ولكن ليس فيه إثم -فضلًا عن أن يكون مؤثِّرًا على صحَّة الصَّلاة-.


انتهى اللِّقـاء الثَّاني عشر
رد مع اقتباس
  #13  
قديم 04-04-2021, 03:43 PM
أم زيد أم زيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 5,264
افتراضي اللقاء 13

اللِّقـاء الثَّالث عشَر
(21 شعبان 1441 هـ)





1. السُّؤال:
ما رأيكم بحديثِ النَّهي عن الاحتِجام يوم الأربعاء؟
الجواب:
الحديث الوارِد في ذلك يُضعِّفه بعضُ أهل العلم، ويُصحِّحه آخرون -من باب الأمانة العلميَّة-، فلِلخُروج من الْخِلاف: الأفضل أن يتجاوزَ الذي يريدُ الاحتجام يومَ الأربعاء، ولا يترتَّب عليه -إن شاء الله- كبير ضرر في ذلك.

2. السُّؤال:
ما آخرُ أخبار كُتُبِك ومؤلَّفاتك؟
الجواب:
الحمدُ لله؛ عندنا عددٌ مِن الكتب -نسأل اللهَ أن يُعِين-.
الآن بين يديَّ كتاب أنهيتُه -في نحو (400) صفحة- بعنوان: «اللِّواء المرفوع في قضيَّة عُلوِّ الله -تعالى- على خَلقِه»، أسألُ الله أن يُعين على تهيئتِه ونَشرِه -بِمنِّه -تعالى- وكَرَمِه-.

3. السُّؤال:
هل ورد في السُّنَّة أن يُسمِّيَ الواحد عند الأخذ من قِدْرِ الطَّعام -والطّعام بِشكل عامٍّ-، أو أن تُسمِّي الأمُّ لِطفلها الصَّغير عند الأكل، أم هو غيرُ مُكلَّف، أو أن يُسمِّي عند وضع الطَّعام للحيوانات؟
الجواب:
التَّسمية واضحة في الأمور المنقولة في السُّنَّةِ، والأمور المنقولةُ في أحاديثِ الرَّسول -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام-.
أمَّا بالنِّسبة للأبناءِ؛ فالابنُ الَّذي يَبدأ في مرحلة الاستِجابة؛ لا بأسَ أن تسمِّيَ مِن بابِ تعليمِه.
وأمَّا حديث: «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بالٍ لا يُبْدأُ بـ«باسمِ الله»؛ فهو أَبْتَر»؛ فهذا لا يَصحُّ -ولا يَثبُت- عن النّبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسلَّم-.
[ معلومة وتعليق ]
قال الإمام الذَّهبيُّ: نُعيم بن حمَّاد ثِقة في نفسه.. ولكن لا تَركنُ النَّفس إلى رواياتِه.
قال الذَّهبيُّ: لا يجوز لأحدٍ أن يَحتجَّ به، وقد صنَّف كتابَ الفتن، فأتى فيه بعجائبَ ومناكير.
قال الشَّيخ -رحمهُ الله-:
هذا كلام الأخ، وليس فيه سُؤال، هي معلومة، ونشكره على هذه المعلومة المعروفة عند أهل العلم في الحديث، وكتابُه الفتن مَطبوع في مجلَّدَين، وهو مَليء بالأحاديث الغريبة البعيدة عن الصَّواب والمنهج الْعِلمي الحديثي، وقد استنكرها كثيرٌ من أهل العلم.

4. السُّؤال:
ما أفضل كتاب فيه ردٌّ على الصُّوفيَّة؟
الجواب:
ابتداءً: يجب أن نُنصِفَ أنَّ الصوفيَّةَ لا نستطيعُ أن نقولَ: الصُّوفيَّةُ كلُّها مذهبٌ واحدٌ، وطريقةٌ واحدةٌ.
وللشَّيخ العلامة محمد الأمين الشنقيطيّ في كتابه «أضواءِ البيان» تفصيلٌ حسنٌ في ذلك.
وشيخ الإسلام ابن تيميَّة كان يُثني على بعض الصُّوفيَّة المعظِّمين للدَّليل، البعيدين عن الخرافات والبدع والمحدَثات.
تبقى القضيَّة متعلِّقة بموضوع المصطلَحات والألفاظ، وليس هو كبير إشكال، نحن ليس إشكالُنا في قضيَّة التصوُّف بالمصطلَح أو بعبارة الصَّوفية والتَّصوُّف؛ إشكالُنا في حقيقة المذهبِ، وفي ما يؤول إليه: هل يستويان -مثلًا- صوفيٌّ موحِّد مع صوفيٍّ يقول بوحدةِ الوجود أو الحلول والاتحاد -مثلًا-؟! لا يستويان.
فأفضل كلام في ذلك كلام شيخ الإسلام ابن تيميَّة، وأُلِّفَ في ذلك كتبٌ مستقلَّةٌ بعنوان: «ابن تيميَّة والتَّصوُّف» -ممكن ثلاثة أو أربعة كتب بهذا العنوان-.

5. السُّؤال:
لماذا في كتب أصول الفقه يَبحثون مسائل (النَّاسخ والمنسوخ) وبعض أبواب مُصطلح الحديث؟
الجواب:
هناك في العلم شيء اسمُه (المسائل الْمُشترَكة) وأُلِّفت فيه كتب كثيرة.
فهنالك مسائل مُشترَكة بين عِلم أصولِ الْفِقه وعلمِ الحديث، هنالك مسائل مُشترَكة بين علمِ أصول الفقه وعِلم العقيدة، هنالك مسائل مُشترَكة بين علم الْمُصطلَح وعلم اللُّغة، فليس ذلك -كلُّه- شيئًا واحدًا.
فلمَّا تقول: (النَّاسخ والمنسوخ) في أصول الْفِقه؛ كيف يستدلُّ الفقيهُ بِحديث منسوخٍ ويترك النّاسخ؟!
فلا بُدَّ أن يكون عنده علم أنَّ هذا الحديث ناسِخ؛ لأنَّ الحديث المنسوخ -ولو كان صحيحًا- لا يجوزُ الاستدلالُ به. هذا جوابٌ مجمَلٌ في هذا الموضوع.

6. السُّؤال:
في الحديثِ أنَّ: «صاحبَ ذاتِ الجَنبِ شَهيدٌ»، وقيل: إنَّ «ذات الـجَنْبِ» هو: التهاب الـجَنْبةِ؛ وهي: البِطانة المحيطة بالرِّئتَيْن، وقيل: توجد العديد من الأسباب المختلفة لالتهاب الجَنبة ولكن (الأخماج الفيروسيَّة) حالات العدوى الفيروسيَّة المنتشرة من الرئتَيْن إلى الجوف الـجَنْبيّ تُعَدّ السبب الأكثر شيوعًا؛ هل ممكن أن نستدلَّ بهذا الحديث على موتى (فايروس كورونا)؟
الجواب:
بعد أن رأيتُ هذا السُّؤال -قبل قليل- تقريبًا- راجعتُ بعضَ كتبِ الحديث -وغيرِها-؛ فوجدتُّ أنَّ مِن علامات مرضَى «ذات الـجَنْبِ»: صعوبة التَّنفُّس، والإصابة بالرئتين -وما أشبه-، وهذه -فِعلًا- قريبة جدًّا من مرض (الكورونا) -كما نقرأ ونسمع من المختصِّين -نسأل الله لنا ولكم وللمسلمين-جميعًا-العفوَ والعافيةَ-.
أمَّا أن نقول: هو؛ قد يكون بعيدًا -نوعًا-ما-؛ لكنْ: هو -من حيث القُرب- قريبٌ، وقد يكون: هو؛ لكن: لا نستطيع أن نجزمَ.
ومع ذلك: نحن قلنا -في مرة [سابقة]-: لـمَّا قرأنا أنَّ بعضَ أهل العلم يقول: بأن مرضى (الكورونا) مثل مرضى الطَّاعون، أو مَن أصابهم (الكورونا) كمن أصابهم الطَّاعون؛ فقلنا: نرجو ذلك، وإن كان هذا بعيدًا، بالعكس: مرض «ذات الـجَنْبِ» أقرب.
والله -تعالى- أعلى وأعلم.

7. السُّؤال:
ما القول فيمن يَطلب من شيخٍ طالبِ علمٍ أن يدعوَ له أو لِولده؛ مظنَّةَ أنَّه صالح، مقبول الدُّعاء؟
الجواب:
لا مانع؛ لكن: دون أن يكونَ ذلك شيئًا مُستمرًّا، ودون أن يكون فيه غُلُوٌّ؛ لأنَّ الدُّعاء وسيلةٌ، ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ﴾.
فأن تطلُبَ من إنسانٍ الدُّعاءَ -إذا كان ممَّا يُظَنُّ فيه الخيرُ -أوَّلًا-، وممَّا لا يُظَنُّ فيه العُجْب والكِبْر والغُرور -ثانيًا-، وأحيانًا -ليس على صفة الدَّيمومةِ-؛ أرجو أن لا بأسَ.
ونقل الإمام ابنُ رجب في بعض كتبِه عن بعض السَّلف قيل له: ادعُ لنا؛ قال: «أأنبياءُ نحنُ؟!» يعني: كأنَّه يقولُ: بأنَّ مثل هذا الدُّعاء للأنبياء؛ نعم؛ الأنبياء؛ لأنَّ دعاءهم مُستجابٌ؛ لكنْ: ماذا نفعل بقولِ الله -تعالى-: ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ﴾؟!

8. السُّؤال:
لقد أشكل عليَّ فِعل الشَّيخ الألباني -رحمه الله- لأنه يعتقد أنَّ القَبْضَ بعد الركوع بِدعة، ومع ذلك: قبَض عندما صلَّى خلف الإمام ابن باز -رحمهم الله-تعالى-؟
الجواب:
لا إشكالَ ولا تناقُض بين الأمرين.
فالشَّيخ الألباني -فعلًا- يقول: بأنَّ القَبْضَ بعد الرُّكوع بدعة.
وبالمناسبة: أنا لا أقول بهذا القول؛ أنا أقول: هو مُخالَفة للسُّنَّة..
كلُّ بِدعةٍ مُخالَفةٌ للسُّنَّةِ، وليس كلُّ مخالَفةٍ للسُّنَّةِ بِدعةً.
لكنْ: نتمِّم الجواب على السُّؤال، وكلام شيخِنا فيه؛ هذه النُّقطة الأولى.
النُّقطة الثَّانية: الشَّيخ الألباني -رحمه الله- ماذا يقول؟ يقول: بأنَّ الإمام المتَّبِع للسُّنَّة -الذي يَفعل الفِعل تسنُّنًا-، حتى لو خالفك أو خالفتَه؛ فأنت تتَّبعُه؛ لأنَّ النبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- قال: «إنَّما جُعِلَ الإمامُ لِيُؤتمَّ به»؛ لذلك: هو عندما يُصلِّي وراء الشَّيخ ابن باز، أو لو صلى وراء الشَّيخ ابن باز -رحم الله الجميع-؛ فإنه يَفعَل فِعلَه؛ لأنَّ الشَّيخ ابن باز إمام من أئمَّة أهل السُّنَّة ومُتَّبِع ومعظِّم للدَّليل -بِغضِّ النَّظر عن الواقع: هل أصاب أم أخطأ هو، أو أصاب أو أخطأ الشَّيخ الألباني- رحمه الله-تعالى-ورحم الجميع-.
ولا بُدَّ -أيضًا- من تنبيهٍ أخير -وإن كان ورَد في الكلام ما يشير إليه-: وهو أنَّ الشَّيخ الألباني -رحمه الله- يرَى أن حديث: «إنَّما جُعِلَ الإمامُ ليؤتمَّ به» خاصٌّ، وهذا سمعتُه منه -وإن كان ذكرُه له قليلًا-؛ لكنْ -بشكلٍ عامٍّ-: هو يَذكُر الحديث بالعمومِ؛ لكنْ -في بعض الأحيان-: ماذا كان يقول؟ قال: «إنَّما جُعِلَ الإمامُ ليؤتمَّ به»: إذا كان هذا الإمامُ معظِّمًا للدَّليلِ، وإذا كان هذا الإمامُ مُعظِّمًا للسُّنَّة؛ فحينئذ يُتَّبَع.
أمَّا الإمام الَّذي هو مُقلِّد أو ليس مِن أهل العلم ولا من أهل الدَّليل؛ فمثلُ هذا -في الحقيقة- لا يُتَّبَع.
والله -تعالى- أعلى وأعلم.

9. السُّؤال:
تناقشتُ مع شابٍّ له أفكار خاصَّة تَشبَّع بها؛ منها: أنَّ كلَّ كلمة ومُصطلح لم يَرد في القرآن والسُّنَّة وكلام الصَّحابة فهو بدعة مُحدَثة مَردُودة، وضرَب لي مثالًا كما نقول: (شيخ الإسلام)، و(محدِّث العَصْر)، واستدلَّ بحديث «كلُّ مُحدَثة بِدْعة».
الجواب:
هذا كلامُ مَن لا يفهَم! -معذرةً!- هذا كلامُ مَن لا يفقَه في الدّينِ! لأنَّ البدعةَ المنكَرةَ والضالَّة: هي البدعة المتعلِّقة بالتعبُّدِ -بالعبادةِ-.
أمَّا ما غير ذلك؛ يُنظَر: هل هو مُخالف للشَّرْع، أم ليس مخالفًا؟
أمَّا كلُّ عَمَل لم يعملْه الرَّسولُ -عليه الصَّلاة والسَّلام- مع وجود المقتضي له في عصرِ النُّبوَّة ثمَّ لم يفعلْه؛ فمثلُ هذا هو إذا فُعِلَ بعده؛ يكونُ بِدعةً.
أمَّا مثلُ هذه الألفاظ؛ هذه لا تدخلُ في التَّعبُّد -أصلًا-، ولا يقولها قائلُها على وجه التعبُّد.
وهذا دليل على أنَّ قائل هذا الكلام ليس من أهل العِلم ولا الفِقْه.

10. السُّؤال:
هل يجوز أن أصليَ كلَّ يومٍ من بعد صلاة العِشاء إحدَى عشرةَ ركعةً -شفعًا ووترًا-، وفي الصَّباح: صلاة الضُّحى ثماني ركعات، ولا أدخل في البِدع إذا فعلتُه يوميًّا؟
الجواب:
نعم؛ لا تدخل في البِدَع؛ لأن هذه من السُّنَن، بالعكسِ: احمدِ الله أن وفَّقكَ لمثلِ هذه العباداتِ الطيِّبة المنقولة عن النبيِّ -عليه أفضل الصَّلاة وأتمُّ التَّسليم-، وما دمتَ تعلمُ -من نفسِك- أنَّك تفعل ذلك تسنُّنًا ليس مِن باب اعتِقاد أنها واجبة-مثلًا-، أو اعتقاد أنها أمرٌ حَتْمٌ عليكَ؛ فحينئذ: لا بأسَ في ذلك، ويجوزُ لك ذلك؛ بل: أنت تفعل ما هو خيرٌ مسنونٌ ومُستحبٌّ -جزاكَ الله -تعالى- كلَّ خيرٍ-.

11. السُّؤال:
بعض الدُّعاة يقولون: ليس هنالك شيء يُسمَّى منهج السَّلَف؛ بل: منهج السَّلف هو مِن منهج الفقهاء.
الجواب:
نعم؛ هذا كلام صحيح؛ لكنْ: هل الفقهاء -كلُّهم- سواء؟! هل كلُّ الفقهاء عظَّموا منهج السَّلف؟ أم هنالك فقهاء ذهبوا إلى الآراء الكلاميَّة والاجتهادات الاستحسانيَّة؟ لذلك: لا نوسِّع.
مدرسة الإمام الشَّافعي والإمام أحمد والإمام مالك -مثلًا -رَحمهم الله- كانت مدارس عِلميَّة، ومدارس تتَّبع السَّلف ومنهج السَّلف.
مدرسة الإمام أبي حنيفة كانت أقرب إلى الرَّأي -وهذه معروفة- يقولون: «مذهبُ الْعِراقيِّين مذهب الرَّأي»؛ لكن: هذا لا ينقُص من قَدْر الإمام أبي حنيفة ومدرسته.
وما أجملَ ما قال بعضُ العلماء في ذلك -وهو الإمام مالك-رحمه الله- قال: «ما منَّا إلا رادٌّ ومردودٌ عليه، إلَّا النَّبيّ -صلَّى الله-تعالى-عليه وآله وسلَّم-»!

12. السُّؤال:
نعمل بجهاز حفر آبار نفطيَّة بالصَّحراء، فما حُكم الْجَمع -علمًا بأنَّنا نَقطُن في كرفانات متنقِّلة، وعلمًا بأنَّ نظام العمل يقتضي التَّناوُب في العمل-ليلًا ونهارًا- هل لنا أن نقصُر في الصلاة؟ وما حُكم الجمع والجماعات؟
الجواب:
مثل هذا السُّؤال يجب أن يكون موضَّحًا أكثر، ومع ذلك أنا أقول -بشكل عامٍّ-:
بأنَّ السَّفَر له سَمْتٌ وسِمَةٌ، وأنَّ الـحَضَر -أو الإقامة- لها سَمْتٌ وسِمَةٌ؛ فَسَمْتُ السَّفَرِ هو الإقامة بِظروفِها.
الآن أنت تقول: في الصَّحراء؛ هل المسافة مَسافة سفر؟ يعني -مثلا-: هل تَعارَف النَّاس فيما بينهم -في البلد التي أنت فيها- أنَّ مَن يذهب إلى الصَّحراء في هذا المكان هو مُسافر؟ وهل أنت لا تجد إقامتك واطمئنانك في المكان الذي أنت فيه في الصحراء؟ أم أنَّك كونك تَسكن في (كرفان) -كما تقول- وعندك طعامُك وشرابُك؟ فالقضيَّة مُتعلِّقة بنوع الإقامة المطمئنَّة أو غيرِها.
فإذا عرفت مِن نفسك أنَّ إقامتك ثابتة ومُطمئنة في العمل؛ حينئذ: أنت مُقيم، أمَّا إذا أنت كلُّ يوم تَتنقَّل ولا تَثبت على مكان ولا تَثبت في (كرفان) -وما أشبه-بالإضافة إلى قضيَّة المسافة التي أشرنا-؛ فحينئذ نقول: هو سفر -إن شاء الله-.

13. السُّؤال:
هل يجوز التَّعامل مع الجنِّ؟ وهل شيخُ الإسلام يُجيز التَّعامل مع الجن؟
الجواب:
يقول الله -عزَّ وجلَّ- في كتابِه: ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا﴾ هذه الآية خَبَرٌ؛ لكنَّها خَبَرٌ بمعنى النَّهي؛ يعني كأنَّه يقول: لا تُعُوذوا -والعَوذُ: هو اللُّجوءُ- ولا تلجَؤوا إلى الجِنِّ؛ فإنَّهم سبب أن يزيدوكم رَهَقًا وذُلًّا و...و... إلخ.
أمَّا شيخ الإسلام -الحقيقة- أجازَ -فِعلًا - كما ورد في السُّؤال-.
لكنِ الكلامُ الَّذي ينبغي التَّنبيه إليه: أنَّ مثلَ شيخِ الإسلام عندما يُجيز مثلَ هذه؛ يُجيزُه لمثلِ نَفْسِه مِنْ أهلِ العِلمِ الربانيِّين الفاهِمين -الَّذين يُميِّزون بين الجِنِّيِّ الصَّالح والجِنِّيِّ الكافر، أو المبتدع، أو الشَّيطان الرَّجيم-.
بينما -للأسف الشَّديدِ!- اليوم- أكثر مَن يخوضون موضوعَ الجن والرُّقية -للأسفِ! أقول: أكثر -وأنا أعني ما أقولُ- هم ليسوا من أهلِ العلمِ، وليسوا من طُلَّاب العلم، وليسوا قادرين على التَّمييز بين هذه القضايا وهذه الأمور المهمَّة في هذا البابِ.

14. السُّؤال:
هل مِن الممكن القول الفَصْل في مسألة التَّباين المنهجيِّ بين العلماء المتقدِّمين والعلماء المتأخِّرين في مسألة (النَّقد الحديثيِّ)؟
الجواب:
أنا كتبتُ في ذلك كتابًا -منذ ثلاث أو أربع سنوات- بعنوان: «طليعة التَّبيين» -والكتاب مُتاحٌ على شبكة (الإنترنت)-.
لكنْ -بشكلٍ عامٍّ- أنا أقول -جوابًا مختصَرًا-: المنهج العلميّ منهجٌ متوارَث، أخذه الخلَف عن السَّلَف -جيلًا فجيلًا-؛ كما قال النبيُّ -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ-: «يحمِلُ هذا العلمَ مِن كُلِّ خلَفٍ عدولُه»، وكما قال -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ-: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ»، وكما قال -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ-: «فِي كُلّ قَرنٍ مِن أُمّتِي سَابِقونَ»، وكما قال -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ-: «تَسْمَعُونَ وَيُسْمَعُ مِنْكُمْ وَيُسْمَعُ مِمَّنْ يَسْمَعُ مِنْكُمْ».
هذا -كلُّه- يدلُّ على التَّواصل العلميِّ في هذه المناهج -تأصيلًا وتفريعًا-.
لكن -بالمقابل-: هنالك قضايا اجتهاديَّة مِن حيث التَّطبيق؛ فمثلًا: العلماء المتقدِّمون -أنفسُهم- اختلفوا فيما بينهم، وبعضُ أهل العلم خالف البعضَ الآخَر، هذا معروف للنَّاظِر في كتب السُّؤالات أو كتب العلل.
وكذلك الحال في العلماء المتأخِّرين بينهم بعضهم بعضًا.
وكذلك الصُّورة الثالثة: أنَّ الخلاف -أيضًا- يقَعُ فيما بين المتقدِّمين والمتأخِّرين، أو -بصورة أدقّ-: بين المتأخِّرين والمتقدِّمين، إضافة إلى أن الضَّابط بين المتقدِّمين والمتأخِّرين غير معتبَر -بأيّ وجه من الوجوه-، نحن نتكلَّم بصورة عامَّة.
أمَّا لو سُئلنا -أو سُئل القائلون بالتَّفريق-: ما الدَّليل على أنَّ هؤلاء متقدِّمون وأنَّ أولئك متأخِّرون؟
لا يستطيع أن يأتي بالضَّابط الذي تتَّضح فيه الصُّورة، ويتضح فيه الفرق والتَّباين بينهما زمانيًّا، نحن نُقرُّ وجود ذلك؛ لكنْ: هل هنالك أثَر علَى عملية النّقدِ الحديثيِّ وأنّ بين المتقدمين والمتأخرين تباينًا في ذلك؟ الجواب: لا.
لكن: هنا لا بُدَّ من ذكر كلمةٍ: أنَّ العلماء المتقدِّمين أوسَع رِوايةً، وأعظَمُ عِلْمًا، وأكثرُ معرفةً ودِرايةً؛ فهذا يجعلُنا -في كلّ قضيَّة نريد أن نخالِف فيها المتقدِّمين- أنْ نتأمَّل وأن نتأنَّى وأن نتروَّى ولا نستعجل في ذلك؛ لأنَّ الأمرَ -حينئذٍ- يحتاج إلَى مزيدٍ من المزيد المزيد في التَّثبُّت قبل التَّسرُّع -أو المسارَعة- إلى الاستدراك على المتقدِّمين من أهل العلم، وفي كُلٍّ خيرٌ -إن شاء الله-تعالى-.

15. السُّؤال:
ما صحَّة حديث الزُّهريِّ عن عُمَر: «اجْلِسْ مِنِّي قِيدَ رُمْحٍ»؟
الجواب:
بعض النَّاسِ يقولُ: (قَيْدَ رُمْح)، هذا خطأٌ، هو «قِيدَ رُمْحٍ».
وذُكر هذا في الطَّاعون، أنَّه كان معه طاعون، فقال له: «اجْلِسْ مِنِّي قِيدَ رُمْحٍ»، هذا مُنقطع ولا يصحُّ.
لكن: مثل هذه الأخبار التي لا تَستقلُّ بحكمٍ ولا تُخالِفُ حكمًا؛ يُتوسَّعُ فيها ولا نشدِّد بشأنِها؛ فحينئذٍ: لا مانع من أن يُقالَ مثل هذا من باب القرينةِ والشَّاهد على الواقع الَّذي نَعيشه اليوم في موضوع (الكورونا) والمباعَدة بين النَّاس.
قضيَّة الصَّلاة والمباعدة هذه نحنُ لسنا قائلين بذلك، بالعكس: الصَّلاة الفرديَّة خيرٌ من الصَّلاة مع هذا التَّفريق الذي رأيناه في بعض المساجدِ -هنا وهناك وهنالك-.
[توجيه ونُصح]
أقول لكلِّ أخ إذا خالَف شيئًا ممَّا بلغَه أو سمعه في هذا اللِّقاء: أن يصبرَ علينا، وأن يَحلم علينا، وأن يتلطَّف بنا، وأن يَسأل سؤال المستفيد، فنحن -إن شاء الله- إمَّا أن نُفيدُه، أو نَستفيد منه -على جميعِ الأحوال-.
أمَّا ما قد يكون مِن إقذاعٍ في القولِ أو إساءة؛ هذه إذا سَمعناها؛ لا نأبَهُ بها، وقد سئِمنا منها ومِن مثيلاتِها!
فالعلمَ العلمَ -أيها الإخوة الأحبَّة-!
والأدبَ الأدبَ!
والحقَّ الحقَّ!
إيَّاكم أن تَربطوا أنفسَكم بغيرِكم؛ إلا بِكبار أهل الْعِلم الذين ماتوا وقَبَضهُم الله على الخير؛ فإنَّ الحيَّ لا تُؤمَن عليه الفِتنة......



انتهى اللِّقـاء الثَّالث عشر
رد مع اقتباس
  #14  
قديم 04-05-2021, 05:08 PM
أم زيد أم زيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 5,264
افتراضي

اللِّقـاء الرَّابعَ عشَر

(22 شعبان 1441 هـ)



[حول كلمة (تَميِيع) و(فُلان مُميِّع)، وقراءة كلام لشيخ الإسلام ابن تيميَّة -رحمه الله-]
قد يكون بعض الإخوة قرأ أو سمع أو مرَّ به كلمة يُقال فيها: أنَّ (فلانًا مُميِّع)، أو أن (هؤلاء مُميِّعة).
ما معنى هذا الكلام؟ وما هو المقصود منه؟
أمَّا من حيث العلم الصَّحيح: فلا يوجَد شيء في الْعِلم -وأعني بِكلمة (الْعِلم): العلوم الشَّرعيَّة والدُّنيويَّة-: لا يوجَد شيء اسمُه (تَميِيع) أو (مُيُوعة) أو (مائِع) أو (مُمَيِّع)؛ إلا في نِطاقَين -في حُدود عِلمي، ﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾-:
النِّطاق الأوَّل: باب أحكام الطَّهارة: ففيه أحكامُ المائِعات وما يتعلَّق بها.
والباب الثَّاني: في الطِّبِّ، وتدخل به الْمُمَيِّعات التي يأخذها مرضى الأمراض المزمنة -كالسُّكَّري، ومثلًا: مرضى القلب-عافانا الله وإيَّاكم-، أو مَن يُخشى عليهم مثلُ ذلك.
أما: (ميَّع يُميِّع تَميِيعًا؛ فهو: مائِع، أو مُمَيِّع، أو مُمَيَّع) في العلم الشِّرعي -في باب الجرح والتَّعديل-؛ فهذا لا يُعرَف -بأيِّ حالٍ مِن الأحوال-! وهي كلمة مُبتدَعة ما أنزل الله بها من سُلطان، ولا تُعرَف في تاريخ العلم، ولا في تاريخ الْعُلماء! وبين أيديكم كُتُب الجرح والتَّعديل كلُّها -ابتداءً مِن: «تاريخ» الإمام البخاريِّ، و«الجرح والتَّعديل» لابن أبي حاتِم، ومُرورًا بـ«الكامِل في الضُّعفاء» لابن عَدي، و«الضُّعفاء الكبير» للعُقَيلي، وانتهاءً: بـ«ميزان الاعتدال» للذَّهبيِّ، و«لِسان الميزان» للحافظ ابن حَجر-وما بينهم مِن عَشرات الكتب في هذا الباب-: لا نَعلم هذا الكلام، ولا نَعلم له أصلًا!!
لكن: هو -كيفما كان الأمرُ- نَبْزٌ، وهو نَبْزٌ تافِه -لا وَزن له، ولا حقيقة له-!
لكن: قد يقول قائل -أو يَسأل سائل-: ماذا يَقصد هذا النَّابِزُ بهذا النَّبْز؟
أنا أقول: النَّابزُ يَقصد أن (فلانًا مُمَيِّع)؛ يعني: لا يتكلَّم في الجرح والتَّعديل، أو يخالِف العالِمَ الفلاني أو النَّاقد الفلاني مِن العلماء العصريِّين، أو بعض مَن يُشار إليهم بالبنان مِن العلماء أو أهل العلم الْعَصريِّين.
فهذا المعنى هو المقصود والمراد.
وليس الكلام مُطلقًا على الْحِزبيِّين المعروفين -جماعة كذا، وحزب كذا، وتنظيم كذا، وحركة كذا-؛ لَهَانَ الْخَطْب!
لكنَّ هذا الكلام -للأسف الشَّديد!- يُطلَق على أهل السُّنَّة، ودُعاة منهج السَّلف، أو -حتى نكون دقِيقِين في العبارة- يُطلَق على (عددٍ) مِن أهل السُّنَّة ودُعاة منهجِ السَّلف وعقيدة السَّلف -الذين عُرف تاريخُهم، وتَميَّز منهجُهم، وظهر وُضوحُ طريقتِهم-؛ لكنَّهم خالَفوا فلانًا أو فلانًا -مِمَّن هُم مِن العلماء، أو مِن أهل العلم، أو مِن طُلاب العلم- في تبديع فلان، أو تبديع فلان!
وأنا أقرأ عليكم جُملَتَين من كلام شيخِ الإسلام ابن تيمية،وأكاد أحلفُ -يمينًا-: أن هذا الكلام لو قُرئ على هؤلاء دون أن يُقال إنَّ هذا كلام شيخِ الإسلام ابن تيميَّة؛ لاتَّهَمُوا قائلَ هذا الكلام بأنَّه (مُمَيِّع)! هذه الكلمة التي ليس لها طعم، ولا وزن، ولا رائحة!!
يقول شيخُ الإسلام ابن تيميَّة -رحمه الله-في «مجموع الفتاوى»-أو: «الفتاوي»-يجوز الوجهان-(28 / 209 )-:
«إذا اجتمع في الرَّجل الواحدِ خيرٌ وشرٌّ، وفُجور وطاعةٌ ومَعصية، وسُنَّة وبِدعة؛ استَحَقَّ مِن الموالاة والثَّواب بِقَدرِ ما فيه من الخير، واستَحق مِن المعاداة والعقاب بِحسب ما فيه من الشَّر؛ فيجتمع في الشَّخص الواحد مُوجِبات الإكرام والإهانة، فيجتمع له مِن هذا وهذا»؛ يعني: كلٌّ بقدرِه «كاللِّصِّ الفقير تُقطع يدِه لِسرقتِه، ويُعطَى مِن بيت المال ما يَكفيه لحاجته».
يقول شيخُ الإسلام: «هذا هو الأصلُ الذي اتَّفق عليه أهلُ السُّنَّة والجماعة».
فدُعاة (فُلان مُمَيِّع.. ومُمَيَّع.. ومائِع.. ومُيُوعة..!) -وما لَفَّ لَفَّها، واستُنبط منها-للأسف الشَّديد!- لا يَعرفون هذه الأحكام، ولا يَدرون هذه الدَّقائق، وعندهم أنَّ كلَّ مَن تكلم فيه الشَّيخ الفلاني -مِن شيوخِهم- هو ضالٌّ مُضِلٌّ، وكُل مَن سَكت هُو مُمَيِّع!! وخَرجوا عليها بتقليعةِ (الصَّعافقة)! و(الْمُصعْفِقة)! التي -إلى الآن- لا أجدُ لها مَخرَجًا -ولا مَدخلًا -في العلم وأهله-؛ إلا عبارات استُعملت في غيرِ موضعِها، ونَبْزًا جُعل على وفق الأهواء والآراء والأذواق، ولا حول ولا قوَّة إلا بالله.
والكلمة الثَّانية لشيخ الإسلام: هي توجيه ونصيحة: لنفسي -أوَّلًا-، ولإخواني -ثانيًا-، ولهؤلاء النَّاس -هداهُم الله-ثالثًا-؛ فلا يزالون -هم- إخوانًا لنا -وإن بغَوا علينا-، ونحن لا نُحاسبهم بِمثل ما حاسبونا فيه؛ بل نُحب لهم الخير بأضعاف ما يُحبونه لنا من الشَّر، ونحن -في ذلك-كلِّه- نتمثَّل قولَ الصَّحابي الجليل والخليفة الرَّاشد عُمرَ بنِ الخطَّاب -رضي اللهُ عنه- القائل: «لا يُجزئ مَن عصى الله فيك بِأحسنَ مِن أن تُطيعَ اللهَ فيه».
لعلَّ في هذا ذِكرى و﴿الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ﴾.
يقول شيخُ الإسلام ابنُ تيميَّة -رحمه الله-في «مجموع الفتاوي» (15 / 167)-:
« فلا بُد مِن هذه الثَّلاثة»؛ يعني: في الدَّعوة والعلم والتَّعلُّم و..إلى آخره «الْعِلم، والرِّفْق، والصَّبر» نقف هنا -ثوانيَ معدودة-:
أكثرُ المشتغِلين في الجرح والتَّجريح -اليوم- مُنشغِلون عن العلوم الشَّرعيَّة وغارِقون في القال والقيل -بِحجَّة أن هذا جرحٌ وتعديل!-، ويَعتبرون أن أعظمَ ما يتقرَّبون به إلى الله هو هذا الباب! ثم يتَّهمون الْمُخالِف: (مَيَّع.. يُمَيِّعُ.. مُيُوعة..إلخ)!
وأمَّا الرِّفق: فيكادون لا يَعرفونه حتى فيما بين أنفسِهم، فضلًا عن أن يعرفوه نحو الآخرين ممَّن يُخالفونهم ويَطعنون فيهم ويَنبِزونهم النَّبزَ تلوو الآخر.
وأمَّا الصَّبر: فالصَّبر دَعوى عريضة سَمعناها مِن كبارهم وصغارهم، وليس لها نَصيب من الواقع -لا في قليل، ولا في كثير!- و﴿لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ﴾!
«فلا بدَّ مِن هذه الثَّلاثة: الْعِلم، والرِّفْق، والصَّبْر؛ العلمُ قبل الأمرِ والنَّهي، والرِّفق معه، والصَّبر بَعده، وإن كان كلٌّ مِن الثَّلاثة لا بُدَّ أن يكون مُستَصحَبًا في هذه الأحوال»؛ يعني: عند الأمر والنَّهي وبَعدَه وقبله.
ثم قال: «وهذا كما جاء في الأثر عن بعضِ السَّلف: لا يأمرُ بالمعروف ويَنهى عن المنكر؛ إلا مَن كان فقيهًا فيما يَأمرُ به، فَقيهًا فيما يَنهى عنه، رفيقًا فيما يَأمُر به، رفيقًا فيما يَنهى عنه، حَليمًا فيما يَأمُر به، حَليمًا فيما يَنهى عنه».
بالله عليكم -جميعًا-يا مَن تُشاهدونني، وتَسمعون كلامي، وقد يَكون بيني وبين بعضِكم آلافُ الأميال، أو مئات الأميال، أو عشرات الأميال، أو مَن هو قريب-مِن جيراني، وأقرب النَّاس إلي-.. أقول لهم -جميعًا-:
قيسوا أنفسَكم، وسُلوكَكُم، وأخلاقَكم، ومَعارفَكم، وما أنتم تقومون به تُجاه هذا الكلام، ونحو هذا الكلام الدَّقيق العميق الذي فيه الرَّحمة، وفيه التَّأصيل، وفيه جَمْعُ الكلمة على الحقِّ، وفيه الْأُلفة على الصِّدق، وفيه معرفةُ أقدار النُّفوس.
رحمَ الله شيخَ الإسلام الذي كان يقولُ: «أهلُ السُّنَّة أعرفُ النَّاس بالحقِّ، وأرحَمُهُم بالْخَلْق».
فمن هو المتمثِّل هذه المعاني، والثَّابت عليها، والمجتمِع مع إخوانه فيها، وداعيًا إليها؟!
نسأل الله التَّوفيق للجميع...


1. السُّؤال:
ما حُكم الزَّواج للمستطيع: هل يكون آثمًا بِتركه للزَّواج؟ وما حُكم التَّعدُّد؟
الجواب:
أمَّا حُكم الزَّواج للمستطيع؛ فبعض أهل العِلمِ ماذا قالوا؟ قال بعض أهل العِلمِ: الزَّواج حكمُه: تجري عليه الأحكام الخمسة؛ قد يكون واجبًا، وقد يكون مُستحبًّا، وقد يكون مباحًا، وقد يكون مكروهًا، وقد يكون مُحرَّمًا، كلّ صورة لها صورة.
لكن: أنا أُضيف إلى هذا -أو أُعدِّل هذا الكلام- فأقول: الأصل في الزَّواج الوُجوب « يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ منكُم الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ»؛ هذا فعل أمر، والله -تعالى- يقول في القرآن العظيم: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾؛ إذن: هذا أمرٌ، والأمرُ مطلوبٌ تنفيذُه.
لكن: قد يتخلَّف هذا الأمر عند إنسان مريض، أو عند إنسان فقير، أو عند إنسان عنده -مثلًا- خلل في عقلِه وتفكيره، وهكذا.
أمَّا -كأصل الحكم-: أصلُ الحكم -في ذلك- واحد.
وهذا يتضمَّن الجواب عن الشَّقِّ الثاني من السُّؤال؛ وهو قوله: هل يكون آثمًا بتركه للزَّواج؟
أظنُّ أنَّنا أجبنا عن ذلك.
يقول: وما حكم التَّعدُّد؟
التَّعدد بعض العُلماء يقول: أنَّ الأصل فيه الوجوب.
أنا لا أقول بهذا القول، ولا يَنشرح له صدري.
ولكن: أقول: حكم التَّعدُّد الإباحة لِمَن هو محتاجٌ له، والنَّاس- كما يقال- أسرار، وكلُّ إنسان أدرى بنفسِه وأدرى بظَرْفه، فلا نستطيع أن نُطلق الحكم بالإيجاب على كلِّ أحد، ولا نستطيع أن نَمنَعَه عن كل أحد، كُلُّ إنسان أدرَى بِنفسِه.
وتعدُّد الزَّوجات في الإسلام -حقيقة- لها مَقاصد عظيمة -وعظيمة جدًّا- لو أنَّنا تأمَّلناها حُسن التَّأمُّل.

2. السُّؤال:
ما حُكم شَراب (الباربيكان) -وهو نوعٌ من ماء الشَّعير-؟
الجواب:
في الحقيقة: أنا كنت قرأتُ -قديمًا- تقريرًا طِبِّيًّا وتحليلًا مَخْبَرِيًّا يقولُ: إنَّ هذا النَّوعَ من الشَّرابِ في ذاتِه ليس فيه إشكالٌ؛ لكنْ: إشكالُه في ماذا؟ إشكالُه: مع التَّخزينِ، ومع تفاعُلِه في الوِعاءِ الَّذي يكونُ فيه، ومع الحرارةِ؛ قد يتحوَّل إلى مُسْكِرٍ؛ فهنا الإشكالُ، ونحن لا نضمَن ذلك؛ لذلك أَحَبُّ إليَّ ألَّا يكونَ ذلك كذلك.
وبلَغني عن أخي فضيلة الشَّيخ مشهور حسَن أنَّه قامَ بتحليل طِبِّيٍّ -كلَّف به بعضَ الإخوة- ووجدَ أنَّ بعضًا من هذه الأنواع -الآنَ أنا لا أستطيع أنْ أسمّي نوعًا معيَّنًا-، وجدَ بعضًا من هذه الأنواعِ فيها نسبةٌ من الكُحولِ المهيَّأة للشُّربِ والمعَدَّة للشُّرْبِ.
واللهُ يعفو عنَّا وعنكم.

3. السُّؤال:
زوجتي لا تقبل التَّعدُّد وأنا أقدمتُ على خِطبةِ امرأةٍ؛ فما نصيحتكم؟ عِلمًا أنَّها تصرُّ على الطَّلاقِ...[انقطاع] [فيه عن نُشوز الزَّوجة]..
الجواب:
أمَّا موضوع التَّعدد؛ نحن تكلَّمنا بشأنه في السُّؤال السَّابق -سبحان الله!- وجاء السُّؤال الثَّاني وراءه -هكذا- بدون ترتيب!
فكونُها لا تَقبل التعدُّد: فهذا الشَّيء يكاد يكون معروفًا ومقرَّرًا في عالَم النساءِ، لا تكاد توجد امرأة تقبل التعدُّد؛ لكنْ: ألَّا تقبل التعدد من حيث الواقع والغيرة شيء، وألَّا تقبل التَّعدد من حيث الحكم الشَّرعي شيء آخر.
ولا أظن مسلمًا أو مسلمةً يشُكُّون في حكم التَّعدد وهو نصٌّ صريح في القرآن الكريم من حيث شرعيَّته؛ وإنَّما.. أيّ امرأة قد يكون عندها شيء من ذلك -نتيجة الغيرة، نتيجة الطَّبيعة النسائيّة-وما أشبه ذلك-.
أمَّا خروجها مِن غير إذنِك: فهذا -لا شكَّ- لا يجوزُ، لا نريد أن نُسمِّيه نُشوزًا [..انقطاع..]، وإن كان بعض أهل العلم يقول: النُّشوز هو خروج المرأة من بيتها بغير إذن زوجها؛ لكن -أحيانًا- قد يكون الإذن ضِمنيًّا، أو تخرج المرأة وهي تعلم أن زوجها لا يَغضب.. هذه قضايا يجب مراعاتُها في هذا البابِ.
أمَّا؛ مِن حيث الْحُكم: إذا أنت لا تأذن لها بالخروج: فلا يجوزُ لها الخروجُ.
ولكن نصيحتي للأخ الكريم: أن يَصبر؛ الرَّسول -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- عندما ذكَر النِّساءَ قال: «فَدَارِها؛ تَعِشْ بِهَا».
هذا الذي ننصح به الأخَ السَّائل -جزاه الله -تعالى-خيرًا-.

4. السُّؤال:
هل يصحُّ تقسيم قُرْبِ الله إلى قُربِ عامٍّ وقُرْبٍ خاصٍّ؟
الجواب:
رجَّح الشَّيخ ابنُ عُثَيمين أنَّ هذا لا يجوزُ؛ لأنَّ قُرْبَ اللهِ -عزَّ وجلَّ- ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ﴾ هو قُرْبٌ لعبادِ الله الصَّالحين، «أَقْرَب مَا يَكونُ العبْدُ مِن ربِّهِ وَهوَ ساجِدٌ».
أمَّا المعيَّة؛ فهي معيَّتانِ:
معيَّة عامَّةٌ لجميعِ الخلق....
وخاصَّةٌ لبعضِ الخلقِ: وهي من الصَّالحين، وهي مَعيَّة النُّصرة والتَّأييد.
وقد شرَح الشَّيخُ ابنُ عُثيمين هذه المسألةَ أكثر في فتاويه ومؤلَّفاته -رحمه الله-تعالى-.

5. السُّؤال:
هل يلزم في النَّذْر أن يتلفَّظَ بكلمة: (نذرًا عليَّ)؟
الجواب:
نقول: لا؛ بل أيُّ كلمةٍ قلتَها تقصِدُ فيها النَّذْر؛ فهو نَذْر؛ يعني: لو إنسانًا قال: (عليَّ كذا) دون أن يقولَ: (نَذْرًا)؛ فهذا (إذا نوَى) -انتبهوا-؛ فالأمر متعلِّق بماذا؟ متعلِّق بالنِّيَّةِ.
لذلك العلماء ماذا يقولون؟ يقولون: أحكامُ الأيمانِ والنُّذُورِ مبنيَّةٌ علَى العُرْفِ.
مثلًا: لو أنَّ أحدًا قال: واللهِ؛ لن آكُلَ لَحْمًا، ثمَّ رأيتَه يأكُلُ سَمَكًا؛ هل يحنث؟ لا يَحنث؛ لأنَّ العُرْفَ يفرِّق بين اللَّحْمِ وبينَ السَّمَك؛ اللَّحم -لَو أُطلق- يُطلَق على لحم الضأن والبقر والجمل -وما أشبه-، وأما السَّمك؛ مع أنَّ الله -تعالى- سمَّاه لحمًا طَرِيًّا في القرآن الكريم؛ لكنَّه لا يكون في العُرْف كذلك.
وكذلك لو قال: لن آكل لحمًا وأكل دجاجًا؛ يعني: الآن لو ذهبتَ إلى بائع الدّجاج -نحن نتكلَّم عن بلادِنا عن عُرْفنا لا أدري في البلاد الأخرى- لو ذهبت إلى بائع الدّجاج وقلت له: أعطني بضعة (كيلوات) لحم! يضحك عليك! ويقول لك: يا أخي! أنا لست لحَّامًا، أنا لستُ جزَّارًا، أنا بائع دجاج، والدَّجاج لحم؛ لكن: القضيَّة مرتبطة بالعُرْف، فهذا مثل ذاك -سواءً بسواءٍ-.

6. السُّؤال:
هل الذي بوَّب «صحيح مسلم» هو الإمام مسلم، أو الإمام النَّووي؟
الجواب:
الإمام مسلم بوَّب كتابَه «الصَّحيحَ»؛ لكنَّه لم يُسَمِّ الأبوابَ، ولم يُعَنْوِنْها، فهمتم؟
أنا أقول: الإمام مسلم بوَّب كتابَه، ابتدأ بأحاديث الصَّلاة، وأحاديث الصَّلاة.. وضع أحاديث الإيمان.. أحاديث فريضة الصلاة.. فضل الصلاة وهكذا..؛ لكنَّه جعلها متسلسلة، لم يضع عند فرض الصلاة -مثلًا- قوله: (باب فرض الصلاة).
جاء العلماء..لا أقول النَّوويّ -فقط-؛ لكن: الذي اشتهر بين أيدينا -في النُّسَخ المطبوعة المتداولة- هو تبويب النَّوويّ؛ وإلَّا: قبل النَّووي هنالك نسخ من «صحيح مسلم» فيها -أيضًا- هذا التَّبويب؛ لكن: ليس تبويب مسلم ولا تبويب النَّوويِّ؛ تبويب علماء آخرين في مثل ذلك، هذا، والله -تعالى- أعلى وأعلم.

7. السُّؤال:
[..من فاتته الجماعة؛ هل يُصلي..] منفردًا في المسجد أو صلاتُه في بيتِه جماعة؟ [يوجد انقطاع في أول السُّؤال]
الجواب:
صحَّ عن ابن مسعود -رضي الله تعالى-عنه أنَّه ذهب إلى المسجد فوجد الجماعة قد انتهت، فرجع إلى بيته فجمَّع بمَن كان معه من أصحابه، كان معه صاحبان فجمَّع بهما..[انقطاع..]..

8. السُّؤال:
ما حُكم الذي يصوم الاثنين والخميس ويصوم النِّصف الثَّاني من شَعبان؟ [لعل قصدَه: يصوم الاثنين والخميس في النِّصف الثَّاني من شعبان]
الجواب:
هنا تنبيهان:
التَّنبيه الأوَّل: أنَّ حديث «إذا انتصَفَ شَعبانُ؛ فلا تصوموا»: اختلف العلماء في صحَّته، فبعض العلماء يُصحِّحه، وبعض العلماء يضعِّفه -هذا من باب الأمانة العلميَّة-.
النُّقطة الثَّانية: أن مَن صحَّحه من أهل العلم واعتَمَده: اختلفوا -فيما بينهم- في فِقهه.
فبعضهم قال: مُباح؛ هذا الحديث جاء لمن ليس مِن عادته الصِّيام.
بعضهم قال: حتى لو كان؛ هذا يَفعله على وجه الكراهة، وليس التَّحريم -يعني: التَّنزيه-.
وبعضهم قال: لا؛ ظاهر الحديث النَّهي بالكليَّة.
أنا أقول -أعوذ بالله من شرِّ نفسي وسيِّئات عملي-: الأَوْلَى عدم ذلك -أولويَّة-فقط-.
وأمَّا مَن فعل؛ فلا أستطيع أن أنكرَ عليه؛ لأن المسألة فيها أقوالٌ لعلماء وكبار وفُحول، وهي مُحتمِلة من جانبَيها: جانب صحَّة الحديث، وجانب فقه الحديث -يعني: ما يُسميه العلماء بالرِّواية والدِّراية-.

9. السُّؤال:
كيف نتفادى المشاكل الزوجية الحادَّة في البيت -رغم وجود المودَّة-؟
الجواب:
وجود المودَّة يجب أن يكونَ هو القاضي على المشاكِل -لا أقول هو النَّافي للمشاكل-؛ هو القاضي على المشاكل، فرق بين النَّفي والقضاء.
أن يكون نافيًا: هذا مستحيل! لأنَّه لا بُد من وجود اختلافات ومشاكل في الأسرة بين الأزواج.
لكن: فرق بين مشكلة تؤدِّي إلى فتنة، وإلى سخط وغضب، وخلل بين الزَّوجين -يُؤثر على الحياة الزوجيَّة-، وبين مشكلة يتغلَّب فيها الْوُدُّ، وتتغلب فيها المودة على هذا الإشكال بالصَّبر والتَّفاهم والاستيعاب وبخاصَّة من الزَّوج؛ لأنَّ المرأة: مطلوبٌ منك -أيُّها الزوج الصَّالح- أنْ تصبرَ عليها ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾؛ هذا أوَّلًا.
الأمر الثَّاني: كما قلنا في الحديث: «دَارِها؛ تَعِشْ بِهَا»، حتى إن النَّبي -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- أذِن بالكذب على الزَّوجة.
لكن: افهموا! الكذب على الزَّوجة ليس أن تكون حياتك -كلُّها- كذبًا في كذب! هذا لا يجوزُ.
ولكنْ: أن يكون الكذب مَخرجًا لك من بعض المشاكل التي قد تُهدِّد الأسرة، أو فيها إمهال للزَّوجة بأن تمتصَّ سخطَها أو المشكلة التي قامت فيها.
أمَّا أن تكون الحياة -كلُّها- مَبنيَّة على الكذب والكذب والكذب!! فهذا لم يَعُد زواجًا! وهذا -في الحقيقة- أقرب إلى أن يكون فتنةً للزَّوجين! ولا حول ولا قوَّة إلا بالله.

10. السُّؤال:
هل تُعامَل الآثار السَّلفيَّة بمثل ما تُعامَل به الأحاديث في شدَّة التَّحرِّي وتطبيق القواعد عليها؟
الجواب:
نقول: لا؛ لأنَّ الرَّسول -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- ماذا قال؟ قال: «إنَّ كَذِبًا عليَّ ليس ككَذِبٍ على أحَدٍ»، هذا لا يعني أن الكذب على غير الرَّسول جائز؛ لكن: الكذب على الرَّسول -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- جزاؤه أعظم، وشرُّه أكبر، وهو من أعظم الكبائر؛ «مَنْ كَذَبَ عَلَىَّ مُتَعَمِّدًا؛ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ».
فالآثار السَّلفيَّة المنقولة عن بعض الصَّحابة والتَّابعين وتابعي التَّابعين وأهل العلم؛ هذه الآثار مَرويَّة في الكتب بأسانيد، نرَى العلماء كابن القيِّم -مثلًا- وابن رجب -وغيرَهما من أهل العلم-؛ نراهم يستدلُّون بها من غير النَّظر في أسانيدِها، وهذه جادَّةٌ مطروقةٌ.
لكنْ: هنا تنبيهان:
التَّنبيه الأوَّل: ألَّا يكون في الخبرِ المستدَلِّ به أو في الأثرِ حكمٌ بِدْعيّ ليس موجودًا في الدِّين، ليس موجودًا معناه أو حكمه في الكتاب والسُّنَّة؛ حينئذ: لا يجوز.
الشرط الثاني: ألَّا يكون فيه مخالفة لِما هو في الدِّين؛ حينئذ نقول: طالما أنَّه في فضائل، أو في قصص، أو في أخبار، أو في مواعظ، وليس فيه تشريع، وليس يُخالف التَّشريع؛ فهو -حينئذ- مما يجوزُ الاحتجاج به ولو من غير البحث عن صحَّته، ولو من غير النَّظر في سَنَده -كما هو صنيع العلماء الراسِخين..جعلنا الله وإيَّاكم منهم ومعهم؛ منهم على سبيلهم في هذه الدُّنيا علمًا وتعليمًا وتعلُّمًا، ومعهم -إن شاء الله- في جنَّة عرضها السَّماوات والأرض أعدَّت للمتَّقين.




انتهى اللِّقـاء الرَّابعَ عشَر
رد مع اقتباس
  #15  
قديم 04-06-2021, 05:29 PM
أم زيد أم زيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 5,264
افتراضي

اللِّقـاء الخامسَ عشَر
(23 شعبان 1441 هـ)



[تعليق الشَّيخ -رحمه الله- على قولِ البعض أنَّ نقلَه الذي نقلَه عن شيخ الإسلام ابن تيميَّة-رحمهُ الله وأعلى درجتَه-في اللقاء (12)- مبتور من السِّياق!]
قال الشَّيخ عليٌّ الحلبيُّ -رحمهُ الله وأعلى درجتَه-:
...الكلمة التي نقلتُها عن شيخ الإسلام ابن تيميَّة -أظنُّ أوَّل أمس-، وفيها:
«وقد ذهب كثيرًا من مبتدِعة المسلمين -من الرَّافضة والجهميَّة-وغيرهم- إلى بِلاد الكفَّار، فأسلم على يدَيه خلقٌ كثير، وانتفعوا بذلك، وصاروا مسلِمين مُبتدِعين، وهو خيرٌ من أن يكونوا كُفَّارًا».
البعض ماذا قال؟ -بعض المشاغِبين هؤلاء، أو مَن وراءهم، أو مَن أمامهم-، يقول: هذا كلام مَبتور من كلام شيخ الإسلام ابن تيميَّة.
وكلمة (مَبتور)، وكلمة (بتَرَ القولَ)؛ هذه شبعنا منها -معذرةً- ويئِسنا منها!
فهؤلاء الغُلاة -الحقيقة- أكثر ما يُجيبون به مُخالِفيهم ليس بِالْحُجَّة والدَّليل؛ وإنَّما بالتَّسفيه والدَّعاوى الفارغة والتَّقليد المحض -وما أشبه ذلك-!
وأنا أرجو أن يَعذرني الإخوة الذين هم مُبتدِئون في طلبِ العلم على ما ذكرتُ بعضَه، وما سأذكره -الآن- مِن كلام شيخ الإسلام الذي اتَّهمني به هؤلاء الْمُشاغِبون بأنَّني بَتَرْتُه.
ومِن تَمام نعمة الله؛ كما يقول شيخُ الإسلام..يقول: «كلُّ دليل يَستدلُّ به أهلُ البدع على بدعتِهم؛ فإنَّه يتضمَّن الردَّ على بدعتِهم من الدَّليل نفسِه».
وأنا أكثر من مرَّة قلتُ، وأقول -وسأظل أقول-إلى أن يَشاء الله-:
لا نُبدِّع هؤلاء -وإن هُم بَدَّعونا-، ونُحب لهم مِن الخير -أضعاف ما يُحبُّون لنا مِن الشَّر-، ولا نتكلَّم فيهم إلا بِمقدار البيان الشَّرعي -ما استطعنا إلى ذلك سبيلًا-.
فأرجو أن يُفهم هذا فهمًا واضحًا وبيِّنًا.
أمَّا كلام شيخ الإسلام تامًّا؛ فأصلُ كلامِه ومُبتدؤُه عن الجنِّ وأحوال الجنِّ وتشكُّل الجنِّ بِصورة بعضِ البشَر -وما أشبه-، وبيَّن شيخُ الإسلام أثر ذلك واقعيًّا، وهذا البيان أطولُ مِن الكلمة التي ادُّعي عليها البَتْر، وسيظهر أنَّ ما لم ننقله هو أقوى ممَّا نقلناه، وأكثر حُجَّة؛ لكن: لا أدري! هؤلاء كيف يَنظرون؟! أو كيف يُفكِّرون؟! هَدانا الله وإيَّاكم وإيَّاهم.
يقول شيخُ الإسلام -بعد الذي أشرتُ إليه-، يقول:
«فهذا باب واسع واقع كثيرًا، وكلَّما كان القوم أجهلَ كان عندهم أكثر.
ففي المشركين أكثر مما في النَّصارى، وهو في النَّصارى كما هو في الدَّاخلين في الإسلام
» يقصد موضوع الجن وتشكُّلهم، وما يكون من جرَّاء ذلك «وهذه الأمور» موضوع الجن وتشكُّلهم «يُسْلِم بِسببها ناس، ويتوب بِسببها ناس، قد يكونون أضلَّ مِن أصحابِها؛ فينتقلون بِسببها إلى ما هو خير ممَّا كانوا عليه» سبحان الله!
ثم قال -مباشرة-: «كالشَّيخ الذي فيه كذبٌ وفُجور من الإنس» لأنه كان يتكلَّم عن الجن، فيريد أن ينتقل إلى الإنس «كالشَّيخ الذي فيه كذبٌ وفُجور من الإنس قد يأتيه قوم كفار فيدعوهم إلى الإسلام فيُسلِمون، ويَصيرون خيرًا مما كانوا -وإن كان قصد ذلك الرَّجلِ فاسِدًا-» يعني: لم يَنظر إلى المؤثِّر؛ وإنَّما نظر إلى التَّأثير.
يقول شيخُ الإسلام: «وقد قال النَّبيُّ ﷺ: «إنَّ اللهَ يُؤيِّد هذا الدِّين بِالرَّجلِ الفاجِر، وبِأقوامٍ لا خَلاقَ لهم»؛ يعني: لا قيمةَ لهم، ولا وزنَ لهم.
ثم قال -مباشرةً-أيضًا-: «وهذا كان كالْحُجج والأدلَّة التي يَذكُرها كثيرٌ مِن أهل الكلام والرَّأي؛ فإنَّه يَنقطع بها كثيرٌ مِن أهل الباطل، ويقوَى بها قلوبُ كثير من أهل الحقِّ وإن كانت في نفسِها باطلة؛ فغَيرها أبطل منها».
ثم قال: «والخيرُ والشَّرُّ درجات، فينتفعُ بها أقوامٌ يَنتقِلون ممَّا كانوا عليه»؛ يعني: من سوء «إلى ما هو خير منه».
وهذا الفِقه لا يَعرفه هؤلاء الغلاة -هداهُم الله-، لا يَعرِفونه، ولا يَفقَهونه؛ بل يُجادلون في ردِّه بالباطل.
ثم قال شيخ الإسلام الكلمة التي نقلتُها -أمسِ الأوَّل-، ولا بُد أن نذكرها في سياقها -حتى يظهرَ أن البترَ في عقولهم وليس في نُقولِنا-؛ يقول:
«وقد ذهب كثيرًا من مبتدِعة المسلمين -من الرَّافضة والجهميَّة-وغيرهم- إلى بِلاد الكفَّار، فأسلم على يدَيه خلقٌ كثير»؛ يعني: من الكفار «وانتفعوا بذلك، وصاروا مُسلِمين مُبتدِعين، وهو خيرٌ من أن يكونوا كُفَّارًا».
.....يقول شيخ الإسلام -مباشرة-أيضًا-:
«وكذلك بعضُ الملوك قد يَغزو غزوًا يَظلم فيه المسلمين والكفارَ ويكون آثمًا بذلك، ومع هذا فيَحصُل به نفعُ خَلْقٍ كثير كانوا كفَّارًا فصاروا مسلمين، وذاك كان شَرًّا بالنِّسبة إلى القائِم بالواجِب»؛ يعني: هذا الملِك الظَّالم «وأما بالنِّسبة إلى الكفَّار؛ فهو خير».
تفاوُت الخير والشَّر ودرجات ذلك -كما قلت وأكرِّر- ممَّا لا يَعرفه هؤلاء، ولا يَفقهونه-هدانا اللهُ وإيَّاكم وإيَّاهم-.
ثم قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة -وهو يضرب الأمثلة الكثيرة على هذه القاعدة-في الجنِّ والإنس والملوك والشُّيوخ والمبتدِعة-، يقول:
«وكذلك كثير من الأحاديث الضَّعيفة -في التَّرغيب والتَّرهيب والفضائل والأحكام والقصص- قد يَسمعها أقوامٌ فيَنتقِلون بها إلى خيرٍ مما كانوا عليه -وإن كانت كذِبًا-» ومع ذلك يَنتفعون بها، لا يُقال لهم: أنتم اهتَدَيتم بسبب القصة الفلانيَّة التي كذبت؛ ارجعوا عن هدايتِكم! أو: أنتم اهتديتُم بسبب ذلك المبتدِع؛ ارجعوا عن هدايتِكم!!
هذا كلام لا يقوله مَن يَفقه دينَ الله، وحقيقة المعاني الشرعيَّة الصَّحيحة وتفاوتها.
يقول: «وهذا كالرَّجل»؛ أيضًا مثال آخر -يعني: ضرب عدَّة أمثلة-بعدَّة وجوه وأنواع- «وهذا كالرَّجل يُسلم رغبةً في الدُّنيا ورهبةً من السَّيف، ثم إذا أسلم، وطال مكثُه بين المسلمين دخل الإيمان في قلبِه، فَنَفْسُ ذُل الْكُفر الذي كان عليه وانقِهارُه ودُخوله في حُكم المسلمين خيرٌ مِن أن يبقى كافرًا؛ فانتقل إلى خير ممَّا كان عليه، وخفَّ الشَّرُّ الذي كان فيه، ثم إذا أراد اللهُ هدايتَه أدخل الإيمانَ في قلبِه».
ثم يقول شيخ الإسلام:
«واللهُ -تعالى- بعث الرُّسلَ بِتحصيلِ المصالح وتكميلِها، وتعطيل المفاسد وتقليلِها».
أمَّا إخواننا الْغُلاة -هدانا الله وإيَّاكم وإيَّاهم- مِن أجل مسألة فقهيَّة يُبدِّعون خلائق من الناس، ومن أجل مسألة اجتهد فيها شيخ من شيوخِهم يُقيمون الهجر والقطيعة، ويُفرِّقون الجماعة جماعات، والأمَّة أممًا!!
وواللهِ، وتاللهِ، وباللهِ؛ بَلغني -من خبر الثِّقة-: أن هنالك ممَّن أسلموا حديثًا في فرنسا -وغيرها من البلاد الأوروبيَّة- امتحنهم هؤلاء: ماذا تقول في فلان؟ وماذا تقول في فلان؟ وهجروهم؛ حتى ارتدوا عن الدِّين -كلِّه- بسببهم!
هل هذا دِين الله؟!
هل هذا الدِّين الذي قال اللهُ -تعالى- فيه -في كتابه- لِنَبيِّه: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾؟!
أين الرَّحمة؟!
بل: أين أدنى وُجوهِها في قلوبِ هؤلاء؟!!
ومع ذلك أقول: أسألُ الله أن يهديَهم!
ثم قال:
«والنَّبي ﷺ دعا الْخَلق -بغاية الإمكان-، ونقل كلَّ شخص إلى خير ممَّا كان عليه -بحسبِ الإمكان-، قال -تعالى-: ﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾».
ثم قال:
«وأكثر المتكلِّمين يَردُّون باطلاً بِباطل، وبدعةً بِبدعة؛ لكن: قد يَرُدُّون باطلَ الكفَّار -من المشركين وأهل الكتاب- بباطلِ المسلمين؛ فيصير الكافر مُسلمًا مُبتدِعًا» نفس الكلمة التي قالها في أوَّل الكلام؛ يعني أن يكون مسلمًا مبتدِعًا أهون بألف مرَّة ومرَّة من أن يبقى كافرًا.
ثم قال:
«وأخصُّ مِن هؤلاء: مَن يرُدُّ البدع الظَّاهرة -كبدعة الرَّافضة- بِبدعة أخفَّ منها؛ وهي بدعة أهل السُّنَّة -وقد ذكرنا-فيما تقدَّم- أصنافَ البِدَع».
إذَن: البِدَع أصناف، والبِدَع درجات، والخير مَراتب، والشَّر طبقات، ليس هنالك أسود وأبيض -فقط-كما يتصوَّر هؤلاء وكما يَفعلون-!
...أرجو الله -عزَّ وجلَّ- أن يكون هذا كلامًا بيِّنًا واضحًا ينقُض على هؤلاء المشاغِبين تَشغيباتِهم وأقوالَهم البعيدة عن الحق والهدى والصَّواب.
وأكرِّر -ثالثًا ورابعًا وعاشرًا-: أسأل اللهَ العظيم أن يهديَنا وإيَّاكم وإيَّاهم إلى سواء السَّبيل.....
[الأسئلـة]
1. السُّؤال:
هل تجب الزَّكاة في الخضراوات والفاكهة؟
الجواب:
فيها -ذاتِها-: لا.
لو أن إنسانًا عنده مزرعة كبيرة لكنَّه لا يُتاجر فيها؛ وإنَّما يُهدي، ويُطعم، ويتصدَّق -وما أشبه-: هذه لا زكاة فيها.
أمَّا إذا باعَها وتاجر فيها: فالمالُ النَّاتجُ عن تجارةِ الخضار والفاكهة ضمن الشَّرط الشَّرعي الصَّحيح المعتبر في الزَّكاة نِصابًا وحَولًا، فإذا بلغ النِّصاب، وحالَ عليه الْحَول؛ حينئذ: تجب فيه الزكاة -كسائر الأموال-.
واللهُ -تعالى- أعلى وأعلم.

2. السُّؤال:
هل الحديث الذي فيه صلاة التَّسابيح صحيح؟
الجواب:
اختلف فيه أهل العلم من باب الأمانة العلميَّة: بعض العلماء يُصحِّحونه، وبعضهم يضعِّفه، وأنا أميل إلى قول مَن يُصحِّحه -أو على الأقل: يُحسِّنه-من أهل العلم-.
ولكن: هنا تنبيهان:
أن صلاة التَّسابيح صلاة فرديَّة.
والتَّنبيه الثَّاني: أنها لا تُخصَّص في رمضان -فضلًا عن أن تُخصَّص في السَّابع والعشرين من رمضان؛ يعني: ما يُسمُّونه ليلة القدر-.
حينئذ: إذا انتبهنا إلى هذَين التَّنبيهَين؛ فالأمر ما سمعتم -إن شاء الله-تعالى-.

3. السُّؤال:
هل مِن ضابط لِلمسح على الجبيرة؟
الجواب:
ابتداءً: المسح على الجبيرة: بعض أهل العلم يُنكره؛ لأنَّ الحديث الذي ورد فيه في «سنن أبي داود» زيادة مسح على الجبيرة لا تَصح ولا تثبت.
لكن -مِن باب الأمانة العلميَّة-: ورد ذلك عن سيِّدنا عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- أنَّه كان يَمسح على الجبيرة، فلا نُشدِّد في هذا الموضوع، فمَن أراد أن يَمسح لا نُنكر عليه، ومَن لم يُرد أن يَمسح لا ننكر عليه.
لكن: هل يوجد شرط؟
لا يوجد شرط؛ لأنَّ مَن اشترط أنَّه لا بُد أن يكون قد غَسَلها -مثلًا- مِن قبل، أو توضأ مِن قبل؛ هذا الشَّرط فيه تعسُّر، أو تعذُّر -على جميع الأحوال-.

4. السُّؤال:
لو صلَّينا العصر جَمعَ تقديم مع الظُّهر: فهل يجوز لنا صلاة السُّنَّة بعده؟
الجواب:
يجوز؛ لأنَّ الجمع جاء للفريضة؛ فمِن باب أولى ما يتبعها، فالتَّابع تابع. هذا أوَّلًا.
الأمر الثَّاني: بعض النَّاس يتوهَّم أنَّ الصَّلاة بعد العصر [منهيٌّ عنها].[..انقطاع..] هذا غير صحيح -على الرَّاجح-، وأنَّ الصَّحيح: أن النَّهي عن الصَّلاة بعد العصر إنَّما هو عند أو قبيل غروب الشَّمس، في الوقت الذي تتضيَّف فيه الشَّمس للغروب بين قرني شيطان -كما أخبر النَّبي -عليهِ الصَّلاة والسَّلام-، هذا هو الممنوع في الصَّلاة بعد العصر.
أمَّا والشَّمس بيضاء مرتفعة -كما جاء في رواية عن علي -رضي الله عنه-، عن النَّبيِّ-عليه الصَّلاة والسَّلام-؛ فأقول -والحالة هذه-: الصَّلاة -حينئذٍ- جائزة.
والله -تعالى- أعلى وأعلم.

5. السُّؤال:
هل يجوز الجمعُ بين الصَّلاتَين ونحن نُصلِّي بالبيت بسبب المطر -عِلمًا أنَّنا نُصلِّي جماعةً، لا أفرادًا-؟
الجواب:
لا يجوز؛ لأنَّ الجمع بين الصَّلاتين: إنَّما هو لِدفع الحرج -دفع حَرج الخروج من المسجد، والمرور بالشَّوارع والطِّين والظَّلماء -وما أشبه ذلك-، وهذا -كلُّه- مَنفي عنك في بيتك؛ فأنت في بيتِك تُصلِّي كلَّ صلاة في وقتها.

6. السُّؤال:
قرأتُ في «صفة الصَّلاة» أنَّ مِن هدي النَّبي ﷺ في القراءة في الصَّلوات الخمس: أنَّه إذا بدأ بِسُورة أكمَلَها في ركعة، أو يَقْسِمُها إلى قِسمَين، وقرأتُ -حتى- تَعيِين ما كان يقرأ به النَّبيُّ ﷺ.
ولكنّ العجيب: أنَّك لا تجد شيخًا، ولا طالب علم، ولا إمامًا؛ إلا -نادرًا- ما يَلتزم بهذه السُّنَّة؛ بل أكثرهم يَقرؤُون من وسَط السُّورة.

الجواب:
جزاك الله خيرًا على التَّذكير بهذه السُّنَّة.
وأسالُ الله أن يهيئ لِلمسلمين ومساجدِهم أئمةً فُقهاء [حُلماء]، يَعرفون عَظمة السُّنَّة ومكانتَها ومنزلتَها، ويُطبِّقون منها ما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا.

7. السُّؤال:
ما موقف المسلم ممَّن يطعن في بعض العلماء الرَّبانيِّين -اتِّباعًا لبعض الفتاوى-؟
الجواب:
أخشى أن يكون هذا من الهوى! لأنَّ بعض الفتاوى -هذه-: مَن قائلها؟! ومَن المفتي بها؟ وهل هو أعلم مَن على ظهرِ الأرض حتى يُتبَّع قولُه، أم أنه مُخالَف مِمَّن هُم أعلم منه وأسبق منه، وأكبر منه، وأجلُّ منه؟!
نعم؛ لو كان -هنالك- كلمة إجماع، أو كلمة الكبار مِن أهل العلم المشهود لهم بالتَّوسُّط والعدل الشَّرعي -دون أولئك الغلاة-وأشباههم وأشباحِهم-؛ فنقول: أتَّبع -على العين والرأس-.
أمَّا ممن لا يُعرف عنهم إلا الغُلُو، حتى وصل بهم الغلو إلى أن يُبدِّع بعضهم بعضًا -صديق الأمس: عدوّ اليوم!-كما ترون؛ صعافقةً ومُصعفِقة!-، وهم كانوا -كلُّهم- ذوي رحِمٍ واحد!
وهذا -واللهِ- يحزننا -مع ما هُم عليه-، واللهِ..وتالله..؛ إنه يحزُننا!
لكنَّ الذي يحزننا -بما هو لا يَقل عن هذا-: هذا الغلو الذي هم فيه.
نعم -والله-؛ تأتي رسائل واتصالات -والحمد لله-وحده-: يا شيخ! سامِحنا! تكلَّمنا فيك!.. يا فلان! كذا.. تبيَّن لنا الحق..
هذا مِن فضل الله، وبفضل الله -وحده-، ونتيجة الصَّبر والدُّعاء والعلم والمواظبة على العلم -نسأل الله لنا ولكم الثَّبات-.
لكن: أولئك لا نَسمع عنهم -في كل يوم ويوم- إلا التَّفرق والانشقاق والتَّشرذُم؛ كدودة القزِّ -أبدًا-! هذا هو الوصف الصَّحيح!
إضافة إلى شيء آخر: أنَّني رأيتُ وعرفتُ وعاينت: أن بعض النَّاس يُبدِّع مَن هو غير مُقتنِع بِتبديعِه -خوف أن تَناله سياط التَّبديع-!
يا رجل! ما الذي تُبدِّعه بأقلَّ من نفسِك التي جاهدتَّ ألَّا تُبدَّع بِسبب ذلك؟
هذا خلط قبيح -وقبيح جدًّا-! وهذا جُبن عن الحق ومعرفتِه.
أمَّا أن أهرب من التَّبديع -مِن أن يبدِّعني فلان وعلان-؛ لأبدِّع غيري!؟
هذا ليس خُلُق الإسلام، ولا منهج علماء الإسلام.

8. السُّؤال:
هل يتنزَّل تطهير ولوغ الكلب بالتَّتْريب على سُؤْر الخنزير؟
الجواب:
نقول: لا؛ هذا شيء، وهذا شيء.
لولا أنه قد وَرَد في الكلب ما هو معروف من السَّبع والتُّراب؛ لَمَا فعلنا ذلك، ولاكتَفَينا [..انقطاع..] لكن الكلب له خصيصة معينة، لا يعلم بها إلا الله -سُبحانه وتعالى-.
وإن كان اليوم بعض علماء الصِّحَّة وبعض المخبريِّين يقولون: بأنَّ التُّراب مع الماء له خصيصة كذا وكذا.
الصَّحابة آمنوا دون هذه الأمور -كلِّها- إيمانًا تامًّا؛ ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ هكذا كان منهج الصَّحابة -رضي الله-تعالى-عنهم-جميعًا-.

9. السُّؤال:
ما القول الرَّاجح في كون البسملة مِن الفاتحة؟
الجواب:
كلمة (القول الرَّاجح) يجب أن نقف عندها -قليلًا-.
لا يوجد قولٌ راجح مُطلقًا؛ ولكن: القول الرَّاجح هو راجحٌ بالنِّسبة لِلمُرجِّح، فما يكون راجحًا عندي؛ قد لا يكون راجحًا عندك -أو عند أو عند الثالث أو الرابع-؛ فالقضية نِسبيَّة.
أورد شيخُنا الشَّيخ الألباني -رحمه الله- حديثًا في «السِّلسة الصَّحيحة» -أظن المجلد الثَّاني- يقول نصُّ حديث النَّبيﷺ: «فاتِحةُ الكتابِ هي السَّبع المثاني، و﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ آيةٌ منها».
لكن: بعض العلماء يُضعِّفون هذه الزِّيادة، وعلماء آخرون يُصحِّحونها.
فالمسألة ممَّا يَقبل الْقَول والقول الآخر والاجتهاد.

10. السُّؤال:
هل يجوز إخراج زكاة المال طعامًا؟ وهل الجواز على إطلاقه، أم مُقيَّد بضوابط -كأن يكون الفقير سفيهًا، أو قاصرًا-؟
الجواب:
الأصل: أنَّه لا يجوز، زكاة المال: مالٌ.
لكن -كما ورد في السُّؤال-: لو أنَّ إنسانًا ما كان سفيهًا -لا يُحسن التَّدبير- لا نقول تعطيه طعامًا بدل المال؛ لا.
ولكن: تعرف حاجاتِه، وتَقوم بِسَدِّ هذه الحاجات -بما يَندفع به سفهُه لو كان المال بيدِه-.
فقد يكون عليه دُيون؛ تَسُد هذه الدُّيون..قد يحتاج أبناؤه إلى ملابس؛ تأتي لهم بالملابس..قد يحتاج إلى طعام؛ تأتي لهم بطعام.
أمَّا أن نقول هكذا -مباشرة-: طعام! أو نُبدِّل المال بالطَّعام؟ أنا أقول: هذا لا يجوز، ولا ينبغي.
والله -تعالى- أعلى وأعلم.

11. السُّؤال:
رجل كان لا يُصلي مَنَّ الله عليه بالهداية والتَّوبة: هل يجب عليه قضاء الصَّلوات الفائتة، أم لا؟
الجواب:
جمهور أهل العلم يُوجِبون ذلك.
ولكن: بعض العلماء -كشيخ الإسلام ابن تيميَّة- لا يوجب ذلك.
ولكن: قال النَّبيُّ -عليه الصَّلاة والسَّلام-: «إنَّ أوَّلَ ما يُحاسَبُ عليه العبدُ يومَ القيامة صَلاتُه، فإذا كانت تامَّةً كُتبتْ تامَّة؛ وإلا قال اللهُ-تعالى-: انظُروا ما لِعَبْدِي مِن تَطَوُّع، أتِمُّوا به نَقصَ فَريضَتِه» وهذا النَّقص يَستوعب أمرَين: يَستوعِب نقصَ العدد، ويستوعب نَقص الكيفية -حتى نكون واضحين-.
..يعني: إنسان اهتدى للصَّلاة وهو في الثَّلاثين -أو..الأربعين-، وقيل له: لا بُد أن تقضي!
أنا أقول: ممكن أن يكون أمرُه بالقضاء مانعًا له مِن تمام التَّوبة.
لكن؛ لو قلتَ له: أكثِرْ من النَّوافل كلَّما وجدتَ في نفسك همَّة ونشاطًا..؛ لا شكَّ -ولا ريب-: أنَّه أقوى لِتوبتِه، وأمضى لرجوعه إلى ربِّه -سبحانه وتعالى-.

12. السُّؤال:
لم أفهم الفرق بين الْبِدعة وخلاف السُّنَّة؟ لو توضِّح لنا -جزاك الله خيرًا-.
الجواب:
المسألة واضحة..؛ لكن أنا أجيب الأخ السَّائل عن سؤاله:
الآن: إنسان فَعل فعلًا في الصَّلاة -كسلًا-، وهذا الفِعل غير وارِد [..انقطاع..] مثلًا: كمثل القبض؛ يعني: هنالك بعض العلماء يقول بالسَّدل -أقصد القيام الأوَّل؛ الذي هو قراءة الفاتحة وما تيسر ...-، لو أن إنسانًا تعبَّد الله بهذا السَّدل؛ نقول: (هذه بدعة).
نحن بيَّنا: أنَّه ليس كلُّ بدعةٍ يكون صاحبُها مُبتدِعًا؛ بدليل: أنَّ علماء المالكية يَذهبون -اجتهادًا- إلى هذا القول؛ فاجتهادُهم لهم مقبول -إن شاء الله-وأرجو أن يكونوا مأجورين-؛ لكن هذا لا يمنع غيرَهم مِن أن يصِفوا هذا الفعل بأنه خطأ... [..انقطاع..]...


انتهى اللِّقـاء الخامسَ عشَر
رد مع اقتباس
  #16  
قديم 04-07-2021, 03:50 PM
أم زيد أم زيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 5,264
افتراضي

اللِّقـاء السَّادسَ عشَر
(24 شعبان 1441 هـ)





1. السُّؤال:
ما أفضلُ شرحٍ لـ(نونيَّة القحطاني)؟ [يوجد تقطع أثناء الفتوى]
الجواب:
الحقيقة؛ لا أعلمُ شرحًا قديمًا لـ(نونيَّة القحطاني) مع أنَّ القحطاني من علماء ما قبل القرن الثَّامن؛ لأن ابن القيِّم -رحمه الله- نقل في قصيدتِه النُّونيَّة «الكافية الشَّافية» عن القحطاني في (نونيَّته)، ويبدو أنَّه نَسَج على منوالها، وتأثر..
الشُّروح التي بين أيدي النَّاس هي شروحٌ معاصِرة، لعلماء معاصِرين.. شروح طيِّبة، وإن كانت قليلة -في الحقيقة-، فما تيسَّر للأخ من شروح.......لا مانع من ذلك -إن شاء الله-، وفيه الفائدة.

2. السُّؤال:
[بالنسبة للخرور في السُّجود في الصَّلاة: هل تَسبق اليدان أم الرُّكبتان؟]
الجواب:
المسألة فيها خِلاف عِلمي، وانتصر الإمامُ ابن القيِّم -رحمه الله- في كتابه «زاد المعاد» للقول بالنُّزول على الرُّكبتَين، وخالفه علماء آخَرون.
وأخونا الشَّيخ أبو إسحاق الحويني -حفظه الله- له رسالة سمَّاها «نهيُ الصُّحبة عن النُّزول بالرُّكبة» وهي رسالة ناقَش فيها المسألة، والذي [..انقطاع..]....
وفي «البخاري»: عن ابن عُمر أنَّه كان إذا سجد قدَّم اليدَين على الرُّكبتَين، قال الحافظُ ابنُ حجر: (وصحَّ ذلك مرفوعًا عن النَّبي ﷺ).
لكن: المسألة -إن شاء الله- سهلة، والخلاف موجود، ومَن اقتنع بالمسألة؛ فلَهُ ذلك.
والله يتقبَّل منا ومنكم -جميعًا-.

3. السُّؤال:
بالنِّسبة للقَبض بعد الرَّفع من الرُّكوع: هل هو جائز؟
الجواب:
....المسألة فيها خِلاف: بعض العلماء يقول بالقبض -بعد الرُّكوع-أعني-، وبعضُهم يقول بالسَّدل.
والإمام أحمد [..انقطاع..]... فوسَّع الأمر، قال: الأمر واسع -أو: بهذا المعنى-.
[....تقطُّع كثير أثناء الفتوى...]...من حيث التَّفصيل: هنالك تفاصيل -الحقيقة-نوعًا-ما- دقيقة؛ لكن لا نشدِّد.. خاصَّة إذا كان الإنسان قد اختار هذا القول عن اجتهاد -ليس عن مجرَّد تقليد ومذهبيَّة مُتعصِّبة-وما أشبه-؛ فالأمر فيه سَعة -في ضوء ما ذكرتُ لكم-.
والله الموفِّق على كلِّ حال.

4. السُّؤال:
كيف يكون تحريك السَّبابة في الصَّلاة؟
الجواب:
[تقطُّع كثير أثناء الفتوى!]
[تقدَّم مثلُه في (اللِّقاء الخامس) السُّؤال (2). فلينظر]

5. السُّؤال:
[حول منهج الموازَنات]
الجواب:
الجواب جوابان:
الجوابُ الأوَّل: جواب واقعي.
والجواب الثَّاني: جواب عِلمي.
الجواب الواقعي: إذا كنتَ ممَّن لستَ مع القوم، أو مُخالِفًا لهم: يستعملون فيك منهج الموازَنات بِطريقة أسوأ ما يُمكن -حتى يزيدوا مِن إبعادِك وتضليلِك وهجرِك وكتم حسناتِك وتعظيم سيِّئاتك-.
وإذا كنتَ منهم ومعهم: فأنت -حينئذٍ- يستعملون معك مبدأ خطأ المجتهد، أنت مجتهد حتى لو كنتَ جاهلًا، أنت مجتهِد حتى لو كنتَ مقلِّدًا!
هذا هو الجواب الواقعي -وللأسف!- عند الحزبيَّة الضيِّقة، وعند الحزبيَّة الْمُغفَّلة الْمُغلَّفة -نوعان!-.
الشَّيء الثَّاني -الْعِلمي-: أن منهج الموازَنات لا يختلف عن منهج خطأ المجتهد -أو: الخطأ الاجتِهادي-؛ لأنَّ منهج الموازَنات (الْعَدل)؛ إنَّما يكون مع أهل السُّنَّة، أو في أخطاء أهل السُّنَّة.
أمَّا المبتدِعة الذين هم مبتدِعة، ليس الذين تُبدِّعونهم بالهوى، وتُبدِّعونهم بالرَّأي والرَّأي الآخر في مسائل تَقبل، وقد تكونون أنتم المخطِئين فيها-؛ لا.. لا؛ هذا غير صحيح، وغير مقبول.
فمنهج الموازَنات له وجهان:
الوجه الأوَّل: إذا كان في مَعرِض الرَّد والتعقُّب والنَّقد: فلا تُذكَر الموازَنة بين الحسنات والسَّيِّئات؛ إنَّما يُذكر مواضع النَّقد -فقط-ولا أقول السَّيئات-؛ لأنَّ موضع النَّقد موضع عِلمي، وذِكر الحسنات -في هذا المقام- ليس هو المقصود.
أما النوع الثَّاني: إذا كان في موضع التَّرجمة والبيان -دون الرَّد والتَّعقُّب-؛ فحينئذٍ: لا بُد أن تذكر ما لهم وما عليهم -أو ما له وما عليه-.
للأسف: هذه الدَّقائق لا يَعرفُها الكثيرون، ولا يتنبَّه لها الأكثرون.
بل إنَّني أقول: لو أنَّك تَسأل هؤلاء الدَّهماء -من المقلِّدة، والمتعصِّبة-؛ فإنَّهم -أكثرَ ما يكونون- لا يَستطيعون أن يُعرِّفوا التَّعريف الصَّحيح لمنهج الموازنات!
فقط هي طابع، يُريدون نقلَه وتَكراره -بِعِلم.. بِدُون علم..!- الْمُهم؛ أن يوافِقوا شيخَهم الأكبر!
وأكرِّر كما قلتُ -في مجلسٍ مضى-، وكما أقول -الآن-وسأظلُّ أقول-:
مع هذا الرَّد، وهذا النَّقد -ولو فيه شيءٌ (يَسير) من الْقُوَّة-؛ إلا أنَّنا -واللهِ، وتاللهِ، وباللهِ- لا نُحب لهم إلا الخير والهداية والسَّداد، وأن يَرجِعوا إلى جادَّة الحقِّ والصَّواب، جادَّة أهل السُّنة؛ عُلمائنا وأكابِرِنا الذين -واللهِ- لم نَعرف ولا أثارةً مِن هذا المنهج فيهم، ولا عنهم، ولا منهم؛ لكن: ﴿لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ﴾.
ولا حول ولا قوَّة إلا بالله العلي العظيم.

6. السُّؤال:
هل يجوز القراءة مِن المصحف في صلاة الفريضة أو النَّافلة؟
الجواب:
أمَّا الفريضة؛ فلا.
أمَّا النَّافلة؛ فثمَّة تفصيل: أمَّا في المسجد: فلا ينبغي؛ لأنَّ إمام المسجد الأصل: «يَؤُمُّكم أَقْرَؤُكُم»، وهذا إنسان يأخذ راتبًا على وظيفته، وعلى تفرُّغه، فإذا اعتمد على القراءة من المصحف؛ سيتهاوَن بالقراءة والحفظِ والاستظهار -وما أشبه ذلك-.
لكنْ: في البيوت الأمر أهون؛ لأنَّه قد ورد عن عائشةَ -رضي الله عنها- أنه كان يؤمُّها مولاها من المصحف؛ فالبابُ أهون من المصحف، ومَن استطاع ألَّا يفعلَ وأن يقرأ بما يحفظ؛ فهذا خيرٌ له وأوْلَى وأفضَلُ.
ونحن -الآن- في ظروف (الكورونا) -وما أدراك ما (الكورونا)!- مُعظم النَّاس -أو بالأحرى: كل النَّاس- سيُصلون التَّراويح في بيوتهم؛ إلَّا أن يشاء ربِّي شيئًا -وما ذلك على الله بعزيز-.
الأطباء والحكوميُّون والرَّسميُّون يقولون: رمضان -كلُّه- سينقضي في (الكورونا)، أنت تشاء، وأنا أشاء، وربك يفعل ما يشاء ﴿لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا﴾، لا ندري! لكنْ: حُسنُ ظنِّنا بالله -عز وجل- كبير، ومع ذلك: ﴿فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ﴾.
نقول: إذا امتدَّ هذا الوباء واستمرَّ إلى رمضان؛ سنُصلِّي في بيوتنا، فمَن عنده حِفظ -ولو يسير-؛ فلْيجتهد في الحفظ -هذا الشَّهر شهر القرآن-، ولْيؤمَّ أهلَ بيتِه، أو إذا كان مُنفردًا أن يُصليَ فيما يحفظ -أو فيما هو حافظ-، فإن تعسَّرَ أو تعذَّرَ؛ فلا بأس أن يُصلِّي من المصحف.
وأنا -في الحقيقة- كتبتُ تغريدةً وصوَّرتُها (فيديو) -تغريدة مكتوبة، ونفسها تغريدة بـ(الفيديو)- في موضوع (التَّراويح في البيوت في زمن الكورونا) -وما أشبه- فيه تفاصيل أدقُّ -نوعًا-ما-، وأسأل الله أن يُبارك لنا ولكم وبنا وبكم.

7. السُّؤال:
ما ضابط العُرْف في قَصر السَّفَر عند مَن يرى الْعُرْف فيه؟
الجواب:
ضابط العُرْف هو الْعُرْف الغالب في مكانٍ، ما في زمن ما؛ لأنَّ الْعُرْف يتغيَّر في الزَّمان ويتغيَّر في المكان.
فحينئذ نقول: مَن شذَّ، أو مَن خالف الْعُرْف الغالب؛ لا يُعتبَر به؛ وإنَّما الْعُرْف الغالب؛ يعني: عُرف أهل القرى غير عُرف أهل المدينة -مثلًا-، الْعُرْف في هذا الزَّمان غير الْعُرْف قبل قرن مِن الزمان، وقد يكون بعد خَمسين سَنة مُختلفًا عن اليوم.
فالْعُرْف يتغيَّر بتغيُّر الظُّروف والزَّمان والمكان.

8. السُّؤال:
كيف نُفرِّق بين الْمَصالح الْمُرسَلة والْبِدع الْمُحدَثة، خاصَّة في باب الوسائل؟
الجواب:
نحن تكلَّمنا عن هذه المسألة في كتاب «عِلم أصول الْبِدع»، وأجبنا -غير مرَّة-، ومع ذلك: نقول -باختصار-:
الْمَصالح الْمُرسَلة: هي كلُّ مصلحةٍ لم تُقيَّد بالشَّرع، ومِن هنا سُمِّيت (مُرسَلة)، الْمُرسَل: غيرُ المقيَّد.
الْمَصالح الْمُرسَلة: هي فِعلٌ فيه وسيلةٌ من وسائل التَّعبُّدِ، لم يكن المقتضي -أي: السَّبب- لوجودها موجودًا في عصر التَّشريع.
بينما؛ البدعةُ: شيءٌ حادِثٌ يُتعبَّدُ به، كان المقتضي -أي: السَّبب- موجودًا في عصر التَّشريع، ولم يُفْعَلْ.
أما الْمَصالح الْمُرسَلة: فالمقتضي -أو السَّبب- غير موجود، وبالتَّالي: لم تُفعل.
فإذا وُجد الْمُقتضي -أو السَّبب- فيما بعد عصر التَّشريع؛ فحينئذ: نقول ماذا؟ نقول: يجوزُ؛ لأنها مَصلحة مُرسَلة غير مُقيَّدة، وقد وُجد المقتضي لوجودِها.
والله -تعالى- أعلى وأعلم.

9. السُّؤال:
هل قُنوت النَّازلة يكون سِرًّا أم جهرًا؟ مع رفع اليدين؟ [يعني: في الصَّلاة السِّرِّيَّة].
الجواب:
نعم؛ مع رفع الْيَدَين، ويكون جَهرًا، ولا يكون سِرًّا.
بعض المذاهب تقول: سِرًّا؛ لكنْ: كيف سيَعرف النَّاس ذلك؟
فالصَّواب: أنه يكون جهرًا، ويكون -أيضًا- مع رفع اليدين -يعني: أنت تدعو وأنت ترفع يديك-.
ورَفع اليدين إمَّا حَذْو المَنكِبَين، وإمَّا حَذْو الأذنَيْن؛ ورد عن ابن عبَّاس -كما في «سُنن أبي داود»- قال: «المسألةُ أن ترفَعَ يديْكَ حَذْوَ مَنكِبَيْكَ، والاستغفارُ أَنْ تُشيرَ بأصبعِكَ، والابتهالُ أن ترفَعَ يَدَيْكَ جَميعًا»؛ عند شدَّة التَّضرع إلى الله: لا مانع مِن رفع اليدين رَفْعًا شديدًا.

10. السُّؤال:
ما الفَرق بين صلاة الشُّروق وصلاة الضُّحى؟
الجواب:
صلاة الشُّروق وصلاة الضُّحى وصلاة الأوَّابين شيءٌ واحد.
مع التَّنبيه: إلى أنَّه انتشرت صلاةٌ بين بعض النَّاس -من الصُّوفيَّة وأمثالهم- أنَّ (صلاة الأوَّابين) بين المغرب والعشاء، ولا يصحُّ في ذلك حديث؛ إنما يقول الرَّسول -عليه الصَّلاة والسَّلام-: «صلاةُ الأوَّابِين حِين تَرمُض الْفِصال»؛ يعني: حين تشتدُّ الحرارة، وفي حديث آخر قال -عليه الصَّلاة والسَّلام-: «صلاةُ الأوابين: صَلاةُ الضُّحى».
فصَلاة الشُّروق سُمِّيت..؛ لأنَّ صلاة الضُّحى في أوَّل وقتها عند الشُّروق، وأفضل وقتِها عند اشتداد الحرارة -يعني: قبل الظُّهر بنحو ساعتَين-، وما بين هذا وذاك هو الوقت الوسَط.
إذن: أفضل الأوقات هو وقت اشتِداد الحرارة، وأوَّل الوقت هو عند طلوع الشَّمس قِيدَ رُمح، والوقت الذي هو بين الوقتين من وقت الجواز.
والله -تعالى- أعلى وأعلم.

11. السُّؤال:
ما هو أفضل شرح لكتاب «الْمُوافَقات»؟
الجواب:
في حدودِ عِلمي -﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾-: لا أعلم لـ«الموافَقات» شرحًا مكتوبًا أو مسموعًا؛ لأنَّ الكتاب مليء بالعلم.
والطَّبعة التي حقَّقها أخونا فضيلة الشَّيخ مشهور حسن -حفظه الله- ملأها -جزاه الله خيرًا- بالتَّعليقات والتَّحقيقات الْعِلميَّة التي كادت أن تكون شرحًا، وبخاصَّة أنه ضمَّن حواشيَه حواشيَ أربعةٍ من علماء مِصْر الكِبار الذين طبَعوا الكتاب عدَّة طبعاتٍ؛ منهم: (دَراز)، ومنهم -أظنّ- (مُحيِي الدِّين عبد الحميد)، وجماعة من أهل العلم، ضمَّن تعليقات هؤلاء العلماء الأربعة -فيما أذكر- في حواشي كتابِه، حتى خرج كتاب كأنَّه شرحٌ لـ«الموافَقات».

12. السُّؤال:
ما رأيكم في ابنِ خَلدون -رحمه الله-؟
الجواب:
ابن خلدون مُؤرِّخٌ، وكتَبَ لتاريخه «ديوان المبتدأ والخبر» مُقدِّمةً اشتهرت باسم «مُقدِّمة ابن خلدون»، وهذه المقدِّمة تُعتبَر لَبِنةً أساسًا من لَبِناتِ (عِلمِ الاجتماعِ)؛ فقد تكلَّم فيها عن طبائع البَشَرِ والحَضارةِ والتَّقدُّمِ والتَّخلُّف -وما بين هذا وذاك- بطريقةٍ عِلميَّةٍ واقعيَّةٍ ملفوفةٍ بأحكامٍ شرعيَّةٍ -وإن كان ليس هو مِن علماء الشَّرعِ المشار إليهم بالبَنان؛ لكنَّه مُشارِكٌ-لا شكَّ ولا ريبَ-.
فكتابُه يُستفادُ منه -ويُنتفَعُ به-، وله عدَّة طبعات، لعلَّ من أحسنِها: طبعة إحسان عبَّاس، وطبعة إبراهيم شبُّوح، وهنالك طبعة علي عبد الواحد وافي -أيضًا- جيِّدة.

13. السُّؤال:
إذا أتى الإمام بالإقعاء -مع العلم أن الإقعاء سُنَّة-: فهل يجب على المأموم أن يأتي بالإقعاء؟
الجواب:
الإقعاء -الذي يسأل عنه الأخ السَّائل-: هو نَصبُ القدمَين وإلصاقهما، والجلوس عليهما فيما بين السَّجدتين؛ هذا هو الإقعاء الْمَسنون.
لأنَّ الإقعاء نوعان: نوع مَسنون -وهو هذا-، ونوع مَنهيٌّ عنه؛ وهو: نَصب القَدَمَين لكنْ: بِجَعل المقعَدة بينهما، فالمقعدة تكون مُلتصقة بالأرض، وهنا قدم مُنتصب وهنا قدم منتصب، والمقعدة في الوسط؛ هذا مَنهي عنه -لأنه يُشبه إقعاء الكلب-.
أما الجواب على السُّؤال -بعد هذا التَّوضيح- فنقول:
لا يجب؛ وإنَّما هو استحباب، وبخاصَّة لمَن يرى الإمام؛ لأنَّه لا يرى الإمام أحدٌ إلا مَن هم خَلفه -ممكن أربعة أو خمسة-، وقد يُلاحظون وقد لا يُلاحظون، فمَن لاحظَه؛ فليفعل فِعلَه، إن لم يَفعل: لا نَستطيع أن نقول إنَّه أثِمَ -أو ما أشبه-؛ لأنَّ هذا مِن السُّنن التي فيها تخيير.
والله -تعالى- أعلى وأعلم.

14. السُّؤال:
هل تنصح بكتاب «اللهُ يحدِّثُ عبادَه عن نفسِه» للدكتور عُمر سليمان الأشقر؟
الجواب:
أنا لم أقف على هذا الكتاب؛ لكني وقفتُ على سلسلة كُتبه -رحمه الله- المتعلِّقة بالعقيدة: من كتاب «العقيدة في الله» -وهو أشهرُها-، وكتاب «عالَم الجنِّ والشَّياطين»، و«عالَم الملائكة الأبرار»، و«اليوم الآخر» -وما أشبه-، سلسلة متميِّزة ونظيفة وجميلة وسهلة وميسَّرة، وكلُّها مُوافقة لعقيدة السَّلف.
نسأل الله أن يرحمَ هذا الرَّجل الذي هو مِن أهل العلم وأهل السُّنَّة، ولا نزكِّيه على الله -حيًّا وميتًا-.

15. السُّؤال:
عجزتُ عن غضِّ البصر؛ ما الحلّ؟
الجواب:
الحلُّ: أن تجاهِدَ نفسكَ!
وجهادُ النَّفس أمر ليس بالسَّهل -ولا باليسير-؛ إلَّا على مَن يسَّره الله عليه، ولا تنس -في النِّهاية- أنك بَشَر.
النَّبيُّ -عليه الصَّلاة والسَّلام- يقول للصَّحابة: «اصرِفْ بَصَرَك»، ويقول: «الأُولَى لَكَ، والثَّانيةُ عَلَيْكَ».
فالإنسان يجاهد نفسَه -في ذلك-؛ ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾.

16. السُّؤال:
هل يوجد زكاة على قطعة أرض غير مُستغلة، وبعيدة جدًّا عن المدينة، تمَّ شراؤها منذ (15) عامًا للاستثمار، ولا يُستفاد منها نهائيًّا، ولم يتم بيعها حتى الآن -حيث لم يتم عرضها للبيع-؟
الجواب:
هنا الشَّاهد؛ إذا عُرضت للبيع -بمعنى أنها وُجدت للتِّجارةِ-؛ فتُزكَّى -كأيِّ مالٍ-.
أمَّا إذا لم تُوجَد للتِّجارةِ -وكما يقال: من (باب الْقِرش الأبيض لليوم الأسود)-؛ فحينئذٍ: لَمَّا تبيعُها تُزكِّيها بِسعرِ يومِها.
وأمَّا إذا كانت للبناء لنفسِكَ في المستقبل -حتى تبنيَ عليها بيتًا تَسكنُه-؛ فليس عليها أيُّ زكاة.
والله -تعالى- أعلى وأعلم.

17. السُّؤال:
سيِّدة لديها مصوغات من الذَّهب والألماس تستعمل بعضَه للزينة، ولا تستعمل غالبيَّته إلا نادرًا: هل يستحق عليه الزَّكاة؟ وإن استحق عليه؛ فكيف تُحسَب؟
الجواب:
مسألة زكاة الذَّهب مسألة خلافيَّة بين أهل العلم، فيها أربعة أقوال.
الذي ينشرح له صدري -مِن أقوالهم-: أنه عليها زكاة -على الذَّهب، الألماس ليس عليه زكاة-، الزَّكاة على النَّقدين (الذَّهب والفضَّة)، أمَّا غير ذلك: ليس عليه زكاة.
لكن: لو بِيعَ وثمنُه حالَ عليه الحولُ وبَلغ النِّصاب: فيُزكَّى المال.
أمَّا الذَّهب: فحيث هو موجود -سواء بيع، أو لم يُبَع- طالما أنَّه موجود؛ فيُنظَر ما قيمتُه؛ ما قيمة (85) غرام ذهب -فما فوق-، يُحسَب مالًا، ثُمَّ يُعطَى رُبْع الْعُشْر؛ يعني: (2.5 %) للفقراء -زكاةً لهذا المال-.

18. السُّؤال:
ما هو أفضل شرح لكتاب «التَّوحيد»؟ [يقصد كتاب «التَّوحيد» للإمام محمَّد بن عبد الوهَّاب -رحمه الله-].
الجواب:
شروحُه كثيرة -وكثيرة جدًّا-.
لكنْ: من أجود الشُّروح القديمة؛ شرح: «تيسير العزيز الحميد».
ومِن أجود الشُّروح العصريَّة؛ شرح الشَّيخ ابن عثيمين: «الْقَول الْمُفيد».
وبينهما شُروح -كما قلت- كثيرة -وكثيرة جدًّا-، والكلُّ فيه خير وبركة.




انتهى اللِّقـاء السَّادس عشر
رد مع اقتباس
  #17  
قديم 04-08-2021, 04:16 PM
أم زيد أم زيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 5,264
افتراضي

اللِّقـاء السَّابع عشر
(25 شعبان 1441 هـ)



1. السُّؤال:
ما الفرق بين (قول القلب) و(عمل القلب) في مسألة الإيمان؟
الجواب:
أولًا: (مسألة الإيمان)-كما يقول شيخ الإسلام ابن تيميَّة-مسألة الإيمان وتعريفها وبيان ماهيَّتها-: هي أوَّل مسألة وقع فيها الخلاف في الإسلام، ولايزال الخلاف -إلى الآن- موجودًا بين أهل السُّنَّة ومنهج السَّلف والمناهج المخالِفة لهذا المنهج الْعَدل الحق الوَسَط -ولله الحمد-.
لذلك يقول أهلُ العلم: (الإيمان: قولٌ وعملٌ واعتقاد).
وبعضُهم يقولُها بأسلوب آخر؛ يقول: (الإيمان: قَول وعَمل؛ قول القلب واللِّسان، وعمل القلبِ والجوارح).
وبعضُ أهل العلم كان يتحاشى كلمة (عمل اللِّسان)؛ لأنَّها مُوهِمة، وقد تكون سببًا في باطل إذا لم يأت ما يُبيِّنها ويوضحِّها.
فعندما نقول: (قول القلب)؛ يعني: التَّصديق، والتَّصديق وحده غير كافٍ؛ لذلك: لا بُد من (عمل القلب)، و(عمل القلب): هو الإذعان، لا يكفي أن تكون مُصدِّقًا -بمعنى أنك لا تُكذِّبُ خبر الله ورسوله-؛ لا بُد أن تُذعِن لخبر الله ورسوله -صلَّى الله عليه وآله وسلَّم-.

2. السُّؤال:
يقول ما الفرق بين (البِدعة الإضافيَّة)، و(البدعة الحقيقيَّة)؟وما حكم كلٍّ منهما؟
الجواب:
أمّا الحُكم: فالرَّسول -عليه أفضلُ الصَّلاة وأتمُّ التَّسليم- يقول: «وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ».
لكن البدع مُتفاوتة -أيُّها الأخوة- ليست درجتُها واحدة، حُكمها واحد؛ لكن الدَّرجات.. تأثير هذا الْحُكم على الفاعل شيء يتفاوت بأثر أو بِحجم وكِبَر وأثر هذه الْبِدعة أو تلك.
(البدعة الحقيقيَّة): هي البدعة التي لا يوجد لها أصلٌ في الشَّرع مُطلقًا؛ كَبِدع: الخوارج والمُرجئة والجهميَّة والرَّوافض؛ هذه بِدع حقيقيَّة أصليَّة؛ لأنَّها ليس لها أصل في الشَّرع.
أما (البدعة الإضافيَّة): فهي مَبنيةٌ على اتِّكاءٍ على نصٍّ في الشَّرع يوضَع في غير محلِّه -إمَّا بتخصيص زمان، أو مكان، أو فِعل-أو ما أشبه من ذلك-.
وقد فصَّل بيانَ وجوه التَّفريق بين البدعة الحقيقيَّة والإضافيَّة تفريقًا كبيرًا -وكبيرًا جدًّا- الإمامُ الشَّاطبيُّ -رحمه الله-في كتابِه «الاعتصام»، وهو أجلُّ كتابٍ أُلِّف في باب الْبِدع وحُكمها وبيان ضلالها.

3. السُّؤال:
هل يُقال لمَن قرأ بعض كتب السَّلف عن طريق الإنترنت إنَّه طالب علم؟ ومتى يُقال له طالب علم؟
الجواب:
يا أخي: الإنسان مادام فيه نَفَس -حتى لو كان عالمًا-؛ فإنه طالب علم.
والله كنتُ أسمع شيخَنا الشَّيخ الألباني يقول: (ما أنا إلا طويلبُ عِلم)! حتى يتواضع زيادة، لا يقول: (طالب علم)؛ يقول: (طُوَيلب عِلم).
..المهم أن تبدأ، والمهم أن تستمر، والمهم أن تُخلِص لله، والمهم أن تُجاهد نفسَك في سبيل هذا الذي هو فيه.
لا يَهُمك ماذا يقول النَّاس -يقولون: (طالب علم)، أم لا يقولون-! أنت -إن شاء الله- بإخلاصك لله؛ تَثْبُتْ، وتُثْبِتُ نفسك.
لذلك: نحن نُركّز -دائمًا- على الإخلاص لله، والمتابعة لِسُنَّة رسول الله -صلَّى الله عليه وآلِه وسلَّم-.
هذا هو الذي ينبغي أن يكون في النَّاس، وأن يكون بينهم، وأن يكون هو الأصل الثَّابت الذي تَلتقي عليه قلوبُ الإخوة -طلبة العلم- ونفوسُهم.
والقصَّة المعلومة عن الإمام أحمد -رحمه الله- لمَّا سُئل: إلى متى تطلب العلم؟ ماذا قال؟
قال: (العلم من المِحبرة إلى المقبُرة).
والسُّؤال نفسُه وُجّه للإمام عبدِ الله ابن المُبارك -رحمه الله-؛ لكنَّه أجاب بطريقةٍ أُخرى، ماذا قال؟
قال: (لعلَّ المسألة التي فيها نَجاتي لم أتعلَّمها بعد)!

4. السُّؤال:
حُكم الصَّلاة خلف المذياع، أو خلف التلفزيون وأجهزة البث المتنوعة -اليوم-؛ بسبب جائحة (الكورونا)، وأنَّ بعضًا من العلماء -أو المُفتين- أفتى بذلك؟
الجواب:
هذا غير صحيح، ولايجوز، والقياس -في ذلك- بعيد -وبعيد جدًّا-.
وبعض النقول التي نُقلت -وأنا اطَّلعت على شيء منها-؛ يعني: إذا كان بينك وبين الإمام مثلًا شارع، بينك وبين الإمام جدول ماء، بينك وبين الإمام أنت -مثلًا- في الدّور الثَّاني وهو في الدّور الأسفل، تراه وتسمع كلامَه.
أمَّا بينك وبين الإمام أمتار كثيرة جدًّا، وأميال كثيرة جدًّا! لا تسمع منه إلا من خلال البث! هذا غير ذاك -بكل ما تَحمله الكلمة من معنى-!
لذلك: هذا لا يجوز.
النُّقطة الثَّانية: أن يُقال بأنَّنا نخشى -غدًا- أن يُقال: طالما أن التلفزيون يَنقُل الصَّلاة كأننا موجودون مع الإمام، أو في المسجد -المسجد النَّبوي، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجد الزَّيتونة، ومسجد الْقَيْروان، وكل بلاد المسلمين-؛ حينئذٍ: غدًا؛ قد يأتي إلينا آخر فيقول: الحج كذلك قد يُمنع هذه السَّنَة -من أجل موضوع (الكورونا) وانتشار الوباء-وما أشبه-: لماذا لا نحجُّ -أيضًا- عبر التلفزيون؟!!
الحُجَّة واحدة! أيُّ خلاف في هذا القياس: هو خلاف في ذاك القياس.
هذا لا يجوز -بأيِّ حال من الأحوال-، والله أعلم.
مع التَّنبيه إلى نُقطة: أنَّ هذا القول ليس جديدًا.
كتب بعض عُلماء المغرب -في الستِّينات، ممكن قبل أربعين، أو خمسين سَنة- كتب رسالة سمَّاها: «الإقناع في صِحَّة الصَّلاة خلف المذياع».
لكن سائر أهل العلم -في ذلك الزَّمان- نقضُوا هذا القول، ولم يَقبلوه..، والْحُكم واحد.
وحينئذٍ؛ نحن نقول: لا تكليف إلا بالمُستطاع، ما دُمنا لا نستطيع أن نُصلِّي في المساجد؛ فنُصلي في بيوتنا -بما يوفِّقنا الله-تعالى-إليه، سائلًا ربي -عزَّ وجلَّ- أن يتقبَّل من الجميع.

5. السُّؤال:
هل يجوز إخراج زكاة الفطر عن الأخ الذي لديهِ عائلة والوالدة، بعد الاستئذان منهم في دفع الزَّكاة عنهم -مع العلم لا نَسكن في بيت واحد؛ بل لسنا في نفس البلدة-؟
الجواب:
يجوز، هذا لا مانع منه.
لو أنَّ أيَّ أحد فَعل هذا الفِعل مع التَّوكيل -الاستئذان-هنا- بمعنى التَّوكيل-؛ فأرجو أن لا بأس -إن شاء الله-تعالى-.

6. السُّؤال:
هل تقسيم علماء الجرح والتَّعديل إلى: (مُتشدّدين) و(مُعتدِلين) و(مُتساهِلين) صحيحٌ، أم لا ؟
الجواب:
نقول: صحيح، هذا الكلام ذَكره العلماء، وبيَّنوا أن فلانًا من أهل العلم مُتشدِّد، وفلانًا من أهل العلم مُتوسِّط في قوله -يعني: مُعتدل-وهكذا-.
لكن حتى هذا نُنبّه على أمرَين فيه:
الأمر الأوَّل: أن نقول بأنَّ هذا قضيَّة اجتهاديَّة، قد يَقبلها عالِم -أو ناس- وقد لا يَقبَلها آخرون؛ وبالتَّالي: ليست هي قضيَّة -كما يُقال- مقطوعٌ بها.
الأمر الثَّاني: عندما نقول: (فلان مُتشدِّد)؛ لا يعني أنَّنا نَرفض كلَّ ما يقول، وعندما نقول: (فلان مُتساهِل) لا يعني أننا نرفُض كل ما يقول.
وإنَّما ننظر إلى الأمر مُقارنةً بما قيل في هذا الرَّاوي -أو ذاك- بِمجموع الأقوال؛ حتى نُميِّز: هل قوله -ههنا- مُوافِق، أم مُخالف، أم ما أشبه ذلك.

7. السُّؤال:
بعضُ الإخوة من طلبة العلم يَنْهَون عن التَّهنئة بقدوم رمضان، ويُفرّقون بين التَّهنئة وبين البشارة التي وردت في الأحاديث، ويَحتجُّون على ذلك بِعدم وُرُود التَّهنئة عن أحد من القرون الخيريَّة؛ فهل كلامهم صحيح؟
الجواب:
لا أستطيع أن أُشدِّد في هذا الموضوع -في الإثبات أو النَّفي-؛ لكن: أنا أعلم من شيخِنا الشَّيخ الألباني أنه كان إذا دخل رمضان يُهنّئُنا -اعتمادًا على أحاديث التَّبشير-.
وهل التَّبشير إلّا تهنئة؟ لكن: قد تختلف أساليب التَّهنئة من زمان إلى آخر.
لذلك: الإمام السُّيوطي -وقبله الحافظ ابن رجب، وغير هؤلاء من أهل العلم- نَصُّوا على أنَّ التَّهنئة مشروعة؛ وبالتَّالي استنادًا على حديث التَّبشير الذي وَرَد في السُّؤال..حتى -كذلك-أيضًا- الشَّيخ عبد العزيز ابن باز -رحمه الله-، والشَّيخ ابن عثيمين.. كُلُّهم كُنّا نَعرف ونَسمع عنهم أنَّهم كانوا يُهنِّئون ويَتبادلون التَّهاني مع أهليهم أو طُلَّابهم -وما أشبه ذاك-.
[تعليق الشَّيخ -رحمهُ الله- على مَن كتبَ دعاءً للشَّيخ ربيع المدخلي -حفظه الله-]
قال الشَّيخ -رحمه الله-:
هنا أخ يدعو؛ يقول: (حفظَ اللهُ الشَّيخ ربيع المدخلي).
نقول: آمين -يا رب-! اللهمَّ! احفظ الشَّيخ ربيع المدخلي، وأحسِن خِتامَه، ووفِّقه إلى كلِّ خير في الدِّين والدُّنيا.
يا أخي! والله؛ ليس في قلوبنا حِقد على أحد، إذا خالفْنا نُخالِف بِعِلم، ونخالِف بِحُجَّة، قد نكون مُخطِئين -كما قد يكون غيرُنا مُخطِئًا-.
لا تَظن أنَّنا نَحقِد، واللهِ؛ لا نَحقد.
إذا كان عندنا شيء نُزكِّي فيه أنفسَنا: هو أنَّ قلبَنا نَقي -ليس فيه غِل، ولا حِقد على أحد-.
نسأل اللهَ الهدايةَ لنا ولكم وله وللمسلمين -أجمعين-.
وجزاك الله خيرًا على هذا التَّذكير المبارَك، بارك الله فيك.

8. السُّؤال:
هل يَصّح وصف بعض الأقوام بالصِّفات الجامعة لهم، كأن يُقال: أهل مدينة كذا كُرماء، أو بُخلاء؟
الجواب:
نقول: نعم، وهذا له شواهد مُتعدّدة.
ولكن -بالمُقابل-: هذا الحُكم أغلبيٌّ، أو: هذا حُكمٌ في الظَّاهر والظُّهور، لا نستطيع أن نقول: كلُّ واحد مِن هذه البلدة -أو مِن هذه القبيلة- كذلك؛ إنما هو حُكمٌ أغلبي، معروف.
يعني: بعض النَّاس -مثلًا- يقولون: أهلُ بلدة كذا بُسَطاء، وبعضُهم يقول: أهل كذا كُرَماء.
نعم؛ هذه سِمة موجودة وظاهرة؛ لكن: هل يَلزم من كُل واحد في هذه القرية -أو مِن هذه القبيلة- أن يكون على هذا الوصف؟
الجواب: لا؛ إنَّما هذا حُكم أغلبيٌّ، والشَّاذ -أو القليل، أو النَّادر- لا حُكم له.

9. السُّؤال:
لقد صار البعض يُنْكر التفقُّه بغير مَذهب، فَنُريد توجيهًا.
الجواب:
إخواني، قضية التَّمذهُب وعدم التَّمذهُب وعدمه: قضيَّة تاريخيَّة معروفة وموجودة.
كما أنّه موجود مذهب الإمام أبي حنيفة، ومذهب الإمام مالِك، ومَذهب الإمام الشَّافعي، ومَذهب الإمام أحمد؛ هنالك مذاهب أخرى كانت موجودة، ولا يزال بعضها.
كان موجودًا: مذهب الإمام أبي ثَور، كان موجودًا مذهب الإمام الطَّبري، كان موجودًا مَذهب الإمام اللَّيث بن سعد؛ هذا -كُلُّه- كان موجودًا ومعروفًا، وأُلِّفت في ذلك مؤلَّفات وكُتب.
ولا يَزال -إلى الآن- موجودًا مذهب الإمام أبي محمَّد ابن حزم (مذهب الظَّاهريَّة)..اشتُهر المذهب بمذهب الإمام ابن حزم وإن كان مُؤسِّس المذهب هو داود الظَّاهريّ.
كذلك يوجد مَذهب أهل الحديث، مذهب أهل الحديث لو أنّك بحثتَ -في كُتب التَّاريخ-؛ تراهُ كان ويكون -وسَيظلّ موجودًا وقائمًا-.
فلا نُشدِّد في هذا الموضوع، العبرة بالتَّفقّه الصَّحيح.
ونحن نقولها -مرَّات ومرَّات-: نحن لسنا ضدَّ التَّمذهُب؛ لكنَّنا ضدّ التَّعصُّب للمذهب.
وحتى نكون دقيقين؛ اليوم: السِّمة الغالِبة على مُقلّدة المذاهب التَّعصُّب، ولا يخلو الأمر مِن وجود أُناس مُتحرِّرين.
يعني -مثلًا-: أضرب المثل بِسماحة الشَّيخ ابن عثيمين -رحمه الله-تعالى-: شَرَح في كتابه «الشَّرح المُمتِع».. هو تأصيل وتفصيل وبيان للمذهب الحنبلي ولبعض كُتبه الشَّهيرة؛ لكن الشَّيخ ابن عثيمين لم يَجْمُد على المذهب، أو على ما قيل في «الزَّاد» -أو غيره من كُتب المذهب-؛ وإنّما كان يتَّبع الدَّليل، وكان ينتصر للدَّليل، وكان يُرجّح بالدَّليل.
حتى لو أخطأ في هذه -أو تلك-؛ المهم أنّه يَبْذل وسعَه.
مامعنى الاجتهاد؟ الاجتهاد: بذْل الوسع في معرفة الشَّيء.
ومَن يقول بأنَّ مذهب أهل الحديث فوضويٌّ؛ هذا غير صحيح -يا أخي!-.
انظر إلى كتب الإمام ابن المُنذر؛ كتب الإمام ابن منذر نُموذجٌ راقٍ من كتب الاتِّباع لمنهج أهل الحديث -تفصيلًا وفروعًا-.
انظر إلى كتاب «المُؤمَّل في الردِّ إلى الأمر الأوَّل» للإمام أبي شامةَ الشَّافِعي، كُلُّه تأصيل لمذهب أهل الحديث، أو قُل: للتَّمذهُب البعيد عن التَّعصُّب؛ وعندنا الأمر -في ذلك- سيَّان.
لا مانع أن تتفقَّه على مذهب الإمام الشَّافعي، أو الإمام أحمد، أو الإمام أبي حنيفة، أو الإمام مالك، أو أن تتمذهب على فقه الشَّوكاني أو الصَّنعاني أو فقه ابن تيميَّة، المهم: أن لا يكون لك تعصُّب، وأن لا تتعصَّب لهذه الأقوال، وأن تَنظر إلى الأمور نظرةً يُثبِّتها الدَّليل وتُثبّتها الحُجّة -مع الاحترام والتَّقدير والتَّبجيل لكلام العلماء-في هذا الباب-، وهو شيءٌ مهمٌّ -ومهمٌّ للغاية-.
والمسألة -الحقيقة- تحتاج إلى ما هو أكثر من ذلك؛ لكن: لعلَّ -في هذا- كفاية في هذه المسألة.

10. السُّؤال:
عند الجمع بين الصَّلاتين، فهل نأتي بأذكار الصَّلاة الأولى والثَّانية، أم ماذا؟
الجواب:
مادامت الصَّلاتان صارتا في وقتٍ واحد؛ فالأذكار مرةً واحدة.
لأنّك أنت بين الصَّلاتين..هنالك تَوالٍ بين الصَّلاة الأولى والثَّانية، فلا تقرأ الأذكار، مُباشَرة يَقوم المؤذِّن -أو أحد النَّاس- فيُقيم وتُصلُّون، فَبَعد انتِهاء الصَّلاة؛ تقرأ الأذكار مرَّة واحدة.
والله -تعالى- أعلى وأعلم.

11. السُّؤال:
ما المقصود بِقول مَن يقول: (فلانٌ من الجاميَّة)؟
الجواب:
واللهِ، وتاللهِ، وباللهِ؛ إن أكثر أصحاب هذا النَّبز الذي يَنبزُون به غيرَهم لا يَعرفون معنى (الجاميَّة).
وأنا مرَّة حصلتْ معي مُداخلة -في بعض التلفزيونات-: فإذا به -الذي أُناقشه-وهو شيعيٌّ كبير؛لكن-الحقيقة-اعتذر-مِن باب الأمانة العلميَّة-، فإذا به يقول: يا شيخ! أنا سمعتُ أنّك من الجهميَّة.
قُلتُ له: تقصد الجاميَّة، وليست الجهميَّة!
وصدق رسولُ الله -عليه الصَّلاة والسَّلام- القائل: «كفى بالمرءِ إثمًا أن يُحدّثَ بِكُلِّ ما سَمِع»، وفي لفظ: «كَفى بِالمرء كَذِبًا أن يُحدّث بِكلِّ ما سَمِع».
الجاميَّة -ابتداءً-حتى نتسلسل في الجواب-: نسبة إلى شَيخ فاضِل، وعالم جليل اسمُه: (الشَّيخ محمَّد أمان بن علي الجامي)، وهو -أصلًا- إفريقي، أظنُّه مِن دولة (مالي) -إذا لم تخُنِّي الذَّاكرة-(*)، ثم انتقل إلى المملكة العربية السُّعودية -يبدو في الخمسينيَّات-أو نحو ذلك-.
وأنا رأيتُه مرَّة -أو مرَّتين- في المدينة -في الثَّمانينيَّات-رحمه الله-تعالى-.
وتجنّس بالجنسيَّة السُّعودية، وهو من علماء المسجد النَّبوي -يومئذ-، ومن علماء الجامعة الإسلاميَّة، وفي طبقة كبار أهل العلم، وهو مُتخصِّص في العقيدة -رحمه الله-تعالى-.
لكن قد يقول قائل: ..ما منشأ هذا التَّلقيب؟
نقول: في حَرب الخليج -حرب احتلال العراق للكويت-لا أعاد الله تِلْكمُ الأيام-: صارت -هنالك- فُرقة بين مَن سُمّوا بالدُعاة الجُدد -أو دعاة الصَّحوة- وبين العلماء الكبار في المملكة العربية السعوديَّة -كالشَّيخ عبد العزيز ابن باز والشَّيخ ابن عثيمين وغيرهم من أهل العلم-، فخالف أولئك الصَحويُّون -إن جاز التَّعبير- هؤلاء العلماءَ، واشتغلوا بالعاطفة وفقه الواقع -وما أشبه ذلك-، فكان من أوائل الذين رَدُّوا على هذا التَّفريق وعلى هذا الْفِكر: الشَّيخ محمَّد أمان بن علي الجامي -رحمه الله-تعالى-.
ثم ردَّ عليهم آخرون -كالشَّيخ ربيع ابن هادي، والشَّيخ محمَّد بن هادي، والشَّيخ عُبيد الجابري-وغير هؤلاء-، نسأل الله أن يَحفظهم، وأن يُثبِّتهم، وأن يهديَهم، وأن يوفِّقَنا -جميعًا- إلى كل خير في الدِّين والدُّنيا.
الذي جرى أن الشَّيخ محمد أمان أذكُر أنه -لعلَّه- لم يُعطِ إلا محاضرة واحدة أو محاضرتين؛ يعني: لم يَزد على ذلك..هذا الذي أذكُره -وأنا عاصرتُ تلك الفترة-،فحتى يُنفّروا النَّاس؛ قالوا: (هؤلاء الجاميَّة)!
وانتشر هذا النَّبز إلى هذه السَّاعة! فصار كُل من يتكلَّم في النَّقد، وفي الجرح والتَّعديل -إن جاز التَّعبير-بين قوسَين-مثلًا- في نَقد الحزبيَّة أو نقد المُبتدعة، يُقال له: (هذا جاميّ)!
لكن أنا بيّنت في كتابي: «صدّ التَّشنيع» -وهو موجود على الإنترنت-، وفي كتابي: «منهج السَّلف الصَّالح» أن القضيَّة لم تستمر في نقد الحزبيَّة، أو في نقد المُبتدِعة؛ ولكن -للأسف- انتقلت إلى نقد وتجريح أهل السُّنَّة بما ليس جرحًا.
بل أنا أقول: هؤلاء المُجرِّحون الغُلاة -ولا أقول: الجاميَّة-نسأل الله الهداية للجميع- انشَغَلوا بتبديعِ أهل السُّنَّة أكثر من انشغالهم بالمُبتدعة؛ بل إنهم تركوا أغلبَ المُبتدعة وانشغلوا بكثير من أهل السُّنَّة! ولا حول ولا قوة إلا بالله.
واللهِ؛ أقول هذا وأنا أكاد يتقطَّع قلبي مِن هذا الواقع الأليم!
حتى وصل بهم التَّبديع -كما أشرت في مجلس سابق- إلى أن يُبدِّع بعضُهم بعضًا! فهم إخوان الأمس أعداء اليوم؛ إلا من رحم الله!
وأسأل الله العظيم -جلّ في عُلاه، وعظُم في عالي سماه-: أن يهديَ الجميع، ويهديَنا معهم إلى منهج الحق والعدل والوسطيَّة الشَّرعيَّة التي تركَنا عليها وترَكَها لنا علماؤُنا الكبار وأئمَّتنا الأبرار الشَّيخ الألباني والشَّيخ ابن باز والشَّيخ ابن عثيمين، هؤلاء العلماء في هذا العصر هم المرآة النقيَّة.
قِس نفسك -أيُّها الرَّجل!- على هؤلاء العلماء، وهَدْيِهم، وسَمْتهم، وسِمَتهم، وعِلْمهم، وحُجَّتهم، وأدبِهم، وأخلاقِهم، وسلوكِهم، ونقدِهم، واحكُم على نفسِك بنفسك.
استيقظوا -أيُّها الغفلى! أيُّها النِّيام!-.
القضيَّة خطيرة و﴿لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللهِ كَاشِفَةٌ﴾، ولا مُفرّج إلا الله.

12. السُّؤال:
أريد دراسة «التَّمهيد» بعد «الأصول مِن علم الأصول» و«بداية المجتهد»، ما توجيهك؟
الجواب:
إذا قصدتَ «التَّمهيد» للإمام ابن عبد البَرّ، فهو كتابٌ مِن أعظم كتب الإسلام، ونصَّ على ذلك الإمام الذَّهبيُّ في «سِيَر الأعلام النُبلاء».
كتابٌ عظيمٌ مباركٌ، أسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يَرحم مؤلِّفَه وسائرَ عُلماء الإسلام- يا ربَّ العالمين-.
وهو كتابٌ -وإن كان مَبنيًّا على الفقه المالكي-؛ لكنَّه على منهج أهل الحديث بالتَّرجيح، وعلى مذهب أهل الحديث في العقيدة وأسماء الله -تعالى- وصفاته.
لكن -الحقيقة-: قد يَحتاج إلى مَن هو أعلى عِلمًا ودرجةً ممَّن اقتصَروا على كتاب «بِداية المجتهد» و«الأصول في علم الأصول».
تحتاج إلى كتاب آخر يَصِلُك بهذا الكتاب بصورة -إن شاء الله- أجمل وأكمل وأفضل لك ولِعِلمك الذي أنت مُقبلٌ عليه -إن شاء الله-تعالى-.

13. السُّؤال:
ما هو أفضل شرح لـ«سُنن أبي داود» -رحمه الله-تعالى-؟
الجواب:
أفضل شرح موجود هو كتاب «عَون المعبود» للعظيم أبادي.
هنالك شُروح أُخرى؛ مثلًا: شرح (الْعَيْني) لـ«سُنن أبي داود»؛ لكنَّه غير كامل.
أيضًا: طُبع -قريبًا- شرح (ابن رَسلان) على «سُنن أبي داود»، شرح عظيم جدًّا.
لكن (شرح العظيم أبادي) قريب التَّناوُل، وسهل، ويَستفيد منه العامَّة، والله المُوفّق.

14. السُّؤال:
هل من السُنَّة على الإمام أن يَجهر قليلًا في الصَّلاة السِّرِّيَّة؟
الجواب:
ليس الأمر كذلك.
المنقول.. والمذكور في كتب السُّنَّة: أن النَّبي -صلَّى الله عليه وآله وسلَّم- كان يَجهر ببعض الآيات في الصَّلاة السِّرِّيَّة؛ حتى يعلم مَن خلْفَه أنَّه يقرأ كذا وكذا.
لا يعني (أنَّه يَجهر) بِمعنى أنَّه يَرفع صوته قليلًا؛ لا؛ إنَّما كان يَجْهَر -عليه الصَّلاة والسَّلام- حتى يَعلم مَن خَلْفَه مِن المأمومين بِقراءته.
لكن: اليوم هذا يَكاد يكون صعبًا؛ لأن النَّاس لا تَعرف؛ هذه السُّنَّة شِبه مهجورة -أو مهجورة-.
فلو أن إمامًا نبَّه المُصلِّين -قبل الصَّلاة-؛ قال: يا جماعة الخير! أنا أريد أن أُطبِّق فيكم سُنَّة منقولة عن الرَّسول -عليه الصَّلاة والسَّلام-، قد يكون في هذه الصَّلاة، أو في غيرها من الصَّلوات السِّرِّيَّة؛ هذا يكون حسَنًا.
والله -تعالى- أعلى وأعلم.

15. السُّؤال:
هل صحيح أن هُناك إجماعًا: أن الصَّحابة -رضي الله عنهم- في تكفير تاركِ الصَّلاة -كما في أثر عبدِ الله بن شَقيق-؟
الجواب:
أنا أقول جوابَين: الجواب الأوَّل مُختَصر، والجواب الثَّاني مُطوَّل.
أمّا الجواب المختصر؛ فأقول: لا؛ ليس في هذا الأثر أيُّ دليلٍ على ذلك.
أمّا الجواب المُطوّل: فَأؤجِّلُه إلى يوم الغد؛ لأنَّ وقتنا انتهى على خير -إن شاء الله-.



انتهى اللِّقـاء السَّابع عشر




______________
(*) كتبَ بعضُهم تعليقًا قرأه الشَّيخ -رحمه الله- أن الشَّيخ محمد أمان -رحمه الله- (إثيوبي).
فعلَّق الشَّيخ بقوله:
جزاكم الله خيرًا، إذا كنتم مُتثبِّتين أنَّه (إثيوبي) وأنَّه من الحبشة فـ«إن الأرض المقدَّسة لا تقدِّس أحدًا؛ إنما يُقدِّس الإنسانَ عملُه» كما يُروَى عن سيِّدنا سَلمان الفارسي -رضي الله عنه-، وأنا لَمَّا ذكرتُ (دولة مالي) ذكرتُها على الشَّكّ والظَّن؛ فجزاكم الله خيرًا على ذلك.
رد مع اقتباس
  #18  
قديم 04-09-2021, 04:57 PM
أم زيد أم زيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 5,264
افتراضي

اللِّقـاء الثَّامِن عشَر
(26 شعبان 1441 هـ)





[تنبيه حول حديث -انتشر في وسائل التَّواصل- فيه البشارة بِزوال العاهة وزوال الوباء قريبًا]
..انتشر كثيرًا -في وسائل التَّواصل الاجتِماعي، وعلى لسان عدد مِن المشاهير وغيرِ المشاهير، مِن المختصِّين والعوام وغير المختصين-: أن -هنالك- حديثًا فيه التَّبشير بزوال العاهة وزوال الوباء -قريبًا-.
ابتداءً: نحن نتمنَّى ذلك، ونرجوه، وندعو اللهَ له وبِه، وما ذلك على الله بِعزيز، أنتَ تريد، وأنا أريد، وربُّك يَفعل ما يريد.
كل هذه التَّوقيتات التي يقولُها الأطباء والسِّياسيُّون هذه عبارة عن اجتهادات، وعبارة عن توجُّهات وأماني، ونحن مع أقرب هذه الأماني من ربِّنا -سُبحانه وتعالى-.
لكن: عندما ننسب شيئًا إلى الرَّسول -عليه الصَّلاة والسَّلام- يكون هنا الإشكال في هذا الموضوع.
فقد ذَكَر عددٌ من هؤلاء الذين ذكرتُ أنَّهم يُشيرون إلى هذه المسألة، ذكروا حديثًا رواه الإمام أحمد في «الْمُسنَد» بلفظ -انتبهوا لكلمة بلفظ-: «ما طَلَع النَّجم -يعني: الثُّريَّا- صباحًا قط و(بِقَومٍ) عاهَة؛ إلا رُفعت عنهم أو خفَّت»، ثم أتبعوا ذلك بقولِهم: (قال أبو العبَّاس: وهو حديثٌ حسَن -بمجموع طُرقه وشواهده-).
ابتداءً: أبو العبَّاس -هذا- ليس مِن أهل العلم، وليس من العلماء، ولا مِن المحدِّثين، هو شابٌّ ناشئ، مِن إحدى الدُّول العربيَّة الإسلاميَّة-لا نُريد أن نذكُرَها-حتى لا نُسبِّب إحراجات-، كَتَب هذا المقال ونَشَرَه، وانتشر، هي كُنية هذا الشَّاب النَّاشئ الذي خالَفَ العلماء السَّابقين في دعوى تحسينِه هذا الحديث.
الحديث ضَعيف، ضعَّفه الإمام الْعُقَيلي وغيرُه من أهل العلم، والشَّيخ الألباني وكثيرون من العلماء.
هذه واحدة.
الأمر الثَّاني: أنَّ الحديث مُحرَّف؛ فكلمة: «وَبِقَوْمٍ عاهَة» في أصحِّ النُّسخ من «مُسنَد» الإمام أحمد -وغيرِه من الكتب القديمة-: «وَتَقُومُ عاهَةٌ» -ليس: «وَبِقَوْمٍ عاهَة»-؛ يعني: توجَد عاهة.
فالحديث -إذن-ابتداءً- ضعيف، وفيه تحريف لِأهمِّ كلمة يَستدل بها المستدِلون.
النُّقطة الثَّالثة: أن هذا الحديث يتكلَّم عن الثِّمار -كما في «الصَّحيحين»-.
في «الصَّحيحين»: (نَهى عن بَيع الثِّمار حتى تَذهَبَ العاهَة)، والعاهَة تذهب في مثل هذ الأوقات، المقصود عاهة الثَّمر؛ لذلك الرَّسول -عليه الصَّلاة والسَّلام- (نَهى عن بيعِ الثِّمار قبل نُضوجِها) والمقصود أن لا تُصيبَها عاهة، أو..أو..إلخ.
إذَن: هذا الحديث لا يجوز الاستِدلال به -لا مِن طالب عِلم، ولا مِن فَلَكي، ولا مِن طبيب، ولا مِن صِحِّي، ولا مِن أي شيء من ذلك؛ لأنه -ابتداءً- حديث لا يَصحُّ، ولا يَثبُت بأيٍّ من رواياتِه وألفاظه، فضلًا عن تحريفِه، وفضلًا عن -أيضًا- مُخالفتِه للأحاديث الصَّحيحة في «الصَّحيحين» وغيرِها.

[تتمَّة جواب السُّؤال الأخير في اللِّقاء السَّابع عشر، حول مسألة تارِك الصَّلاة]
..فالسُّؤال المطروح كان: هل صحيح أنَّ هناك إجماعًا للصحابة رضي الله عنهم في تكفير تارك الصَّلاة كما في أثر عبد الله بن شَقيق؟
نَقول:
الجواب من عدَّة وجوه، وقد ذكرنا أمس أن الجواب جوابان، جواب مختصَر -وذكرناه وانتهينا منه-.
وجواب مُطوَّل؛ وهو هذا الجواب الذي تَسمعونه -الآن-إن شاء الله-، وهو -أيضًا- على وجه التَّلخيص؛ لأنَّ هذه المسألة -كما قلت- مسألة كبرى، وتوسَّع العلماء فيها، وتكلَّموا فيها بصورة كبيرة -وكبيرة جدًّا-.
أوَّل شيء: الإمام ابنُ القيِّم -في كتاب «الصَّلاة وحُكم تارِكها»- ذَكَر الخلافَ، وهذا يَنقُض دعوى أنَّ أثر عبد الله بن شقيق فيه الإجماع.
عبد الله بن شَقيق أصلًا لم يَروِ إلا عن مجموعة مَنصوص عليها من الصَّحابة؛ فكيف يكون ذلك إجماعًا؟!
الأمر الثَّاني: أن -هنالك- رواية أصح من هذه الرِّواية المشهورة في موضوع أثرِ عبدِ الله بن شَقيق.
فالرِّواية المشهورة: «كان أصحابُ محمَّد لا يَرَون شيئًا من الأعمال تركُه كُفْر؛ إلا الصَّلاة»
بينما الرِّواية المشهورة -عند الْخَلَّال وغيره- أنَّه قال: «ما كُنَّا نَرى شيئًا مِن الأعمال تركُه كُفر؛ إلا الصَّلاة»، فأسنَد الأمرَ إلى نفسِه، وكلمة «كنَّا» -أيضًا- لا تَشمل جميع التَّابعين، وقد تَشمل أصحابَه وشيوخَه وتلاميذه ومدرستَه؛ فليس فيها دعوى الإجماع.
الأمر الثَّالث: أن الإمامَ أحمد منقولٌ عنه في هذه المسألة عدَّة أقوال؛ بل انتصر الإمام ابنُ قُدامة في كتابه «الْمُغني» لِلقول بعدمِ التَّكفير، وكتاب «الْمُغني» هو أشهرُ وأجمع وأقوى وأمْتَع كُتُب الحنابلة، -لعلَّه-عبر التَّاريخ الإسلامي-فيما أحسب-.
قضيَّة أخرى: أن سماحة الشَّيخ ابن عثيمين -رحمه الله-تعالى- ذهب مذهبًا في هذا الموضوع حسَنًا؛ قال: (البلادُ التي لا يُكفِّر فيها علماؤُها تاركَ الصَّلاة؛ لا يجوزُ تكفيرُ تاركُ الصَّلاةِ فيها).
وهذه نقطة منهجيَّة تربويَّة مَسلكِيَّة عِلميَّة دقيقة من هذا الإمامِ الْفَحْل -رحمه الله-تعالى-.
قضيَّة خامسة: أنَّ الذين يُكفِّرون تاركَ الصَّلاة اختلفوا فيما بينهم في الحدِّ الذي يَكفُر به تاركُ الصَّلاة.
بعضُ العلماء قال: يَكْفُر بتركِ صلاةٍ واحدة.
بعضُهم قال: يَكْفُر بِترك ثلاثِ صلوات، أو ثلاثة أيام.
والشَّيخ ابنُ عُثيمين يقول: (يَكفُر إذا ترك الصَّلاةَ بالكليَّة؛ بحيث يُقال: هذا تاركُ صلاة)، وهذه الصُّورة -في حقيقتِها ومآلِها- أقرب إلى القول بِعدمِ التَّكفير -وإن كان الشَّيخ منسوبًا إلى العلماء القائلين بالتَّكفير-.
نقطة سادسة: نقلَ ابنُ قُدامة -في «المغني»- وشيخ الإسلام ابن تيميَّة -في شرح «الْعُمدة»- قال: (لا يُعلم أحدٌ مِن تاركي الصَّلاة مُنع وارثُه ميراثَه، ولا دُفن في مقابر المسلمين)، وهذا -إلى الآن- موجود.
أعطوني بلدًا إسلاميًّا -في كلِّ بلاد الدنيا- فرَّقَتْ بين الْمُسلم الْمُصلِّي والمسلم غير الْمُصَلِّي، أو جَعَلت للمسلمين غير الْمُصلِّين مقبرة خاصَّة، أو منعت ميراثَهم.
هذا -كلُّه- كلام غير صحيح.
لذلك: القضيَّة -في حقيقتِها- هي نظريَّة أكثر منها عمليَّة.
ومع ذلك: لا يجوزُ أن يَفهم أحدٌ أن كلامَنا يَلزَم منه التَّهوين من هذا الأمر.
لا -واللهِ، وتاللهِ، وبِالله-؛ إنَّ ترك الصَّلاة أعظم جريمة يرتكبُها الإنسانُ المسلم، أعظم مِن كلِّ كبيرة، وأعظم من كلِّ قضيَّة قد تَستهولُها ولا تستهونُها.
فَتَرْكُ الصَّلاة يكفي أن الشَّارعَ الحكيم أوحى إلى نبيِّه الكريم -عليه الصَّلاة والسَّلام- أنَّه كان يقول: «مَن تَرَك الصَّلاة؛ فقد كَفَر».
يكفي تارك الصَّلاة جريمة وإثمًا وتلبُّسًا بالكبائر أنَّه اختلف....
[ملاحظة: اللِّقاء انقطع، وليس به فتاوى]




انتهى اللِّقـاء الثَّامن عشر
رد مع اقتباس
  #19  
قديم 04-10-2021, 04:48 PM
أم زيد أم زيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 5,264
افتراضي

اللِّقـاء التَّاسعَ عشَر

(27 شعبان 1441 هـ)



[بدء قراءة رسالة الشَّيخ الإمام عبد العزيز بن باز -رحمهُ الله-: «فضل صَوم رمضان وقِيامه»، والتَّعليق عليها. (أجعلها في موضوع مستقل-إن شاء الله-)]


1. السُّؤال:
صلاة العيد إذا كان هنالك حَجْر؛ هل تُصلَّى في البيت؟
الجواب:
نعم؛ تُصلَّى في البيت، وهذه الصُّورة تختلف -تمامًا- عن موضوع صلاة الجمعة.
بل أنا أقول: الصُّورة التي نُجوِّزها -الآن-وسنتكلَّم عنها-في موضوع صلاة العيد في البيوت-: هي ممَّا يُخالِفُ -تمامًا- القولَ الَّذي قالَه بعضُ الأفاضلِ في تجويز صلاة الجمعة في البيوت.
فالمنقولُ عن الصَّحابة -رضي الله عنهم- في الجمعة -كما ذكرنا وكتَبنا وغرَّدْنا-: أنَّه مَن فاته الجمعة يصلِّي أربعًا -سواء في البيت أو في غير البيت-.
أمَّا صلاة العيد؛ فقد ورد -أيضًا- عن السَّلف: أنَّ مَن فاتته؛ له أن يُصلِّيها جماعةً في البيت؛ لكنْ: من غيرِ خطبة، هي صلاة -فقط-، الخطبة واحدة وانقضَتْ؛ هذا أوَّلًا.
الأمر الثَّاني: نصَّ على ذلك الأئمَّة، الإمام الشافعيُّ -فيما نقله عنه الإمام المزني-، وغيره.
ولعلَّنا -إن شاء الله- نُطوِّل في المسألة في اللَّيالي الأخيرة من رمضان -إذا أعاننا الله-تعالى-وأحْيانَا-، ويكون التَّفصيل والنَّقل لبعض كلمات العلماء والفقهاء في ذلك الموضوع.

2. السُّؤال:
ما الرَّاجح في الحامل والمرضِع إذا أفطرتا؟
الجواب:
المسألة خلافيَّة بين العلماء... والَّذي أُرجِّحُه أنَّ عليهما الفِدْية -يعني: الكفَّارة-، وليس عليهما قَضاء.
والمسألة خلافية بين أهل العلم:
بعض العلماء أوجب عليها القضاء، وهكذا؛ لكن: المنقول عن ابن عبَّاس -رضي الله-تعالى-عنه-وقال ابنُ قُدامةَ: لا يُعرَف له خلافٌ من الصَّحابة-: هو هذا القول.
والله -تعالى- أعلى وأعلم.

3. السُّؤال:
ما هو البرنامج اليوميُّ الذي تَنصحني أن أمشي عليه في رمضان؟
الجواب:
أوَّل شيء : حفظ الصِّيام والقيام...؛ يعني: الأخلاق الفاضلة النَّبيلة، الوفاء بحقِّ الصِّيام والقيام عليك -أيها المسلم-؛ حتى يتقبَّلك الله، ونسأل الله أن يتقبَّلنا -جميعًا-.
ثم شيء آخر: الاجتِهاد في تلاوة القرآن الكريم، ومَن استطاع أن يُرفِقَ مع القرآن الكريم دِراسة -ولو معاني الكلمات، فضلًا عن التَّفسير المختصَر-كتفسير الشَّيخ عبد الرَّحمن بن ناصر بن سعدي-؛ فهذا -إن شاء الله- نورٌ على نورٍ .
وهذا لا يمنع مَن هو أهل للتَّعليم مِن أن يُعلِّم، أو أن يُجيبَ أو أن يُفتي؛ فهذا شيء -إن شاء الله- مقبولٌ وصحيحٌ -نرجو الله أن يتقبَّله منَّا ومنكم-.
لأنَّ بعض الناس يقول: أنا أرفض كلَّ شيء في رمضان إلَّا القرآن؛ هذا ليس بالصُّورة المطلوبة.
والله -تعالى- أعلى وأعلم.

4. السُّؤال:
هل يُشترط للاعتكاف في المسجد الصِّيام، لحديث عائشة -رضي الله عنها-: «لا اعتِكافَ إلا بِصَوم»؟
الجواب:
نقول: هذا هو الَّذي رجَّحه شيخ الإسلام ابن تيميَّة -رحمه الله-، هذا لِلاعتكاف في غير رمضان؛ لأنَّ رمضان إنسان صائم فيه، والاعتكاف المنقول عن النَّبي ï·؛ هو في شهر رمضان -ابتداءً-.
فأمَّا إذا صام في غير رمضان؛ فلا أريد أن أقول: يجب؛ ولكنْ أقول: يُستحبُّ.
ولفظ: «لا اعتِكافَ إلا بِصَوم» كأنَّ بعض أهل العلم يُضعِّفه، وصحَّح الرِّواية الأخرى: «مِنَ السُّنَّةِ للصَّائمِ أَنْ يَعْتَكِفَ» من قول السَّيِّدة عائشة -رضي الله-تعالى-عنها وأرضاها-.
وشيخ الإسلام ابن تيميَّة وتلميذه ابن القيِّم شرَحَا: أنَّ الْفِعل المنقول عن النَّبي ï·؛ بِصِفة الدَّيمومة -ولم يُخالِفه-؛ الأصل فيه الوجوب.
يعني: الرَّسول اعتكف -عليه الصَّلاة والسَّلام-، ولم يعتكف -ولا مرَّة- بغير صوم؛ فدلَّ هذا على الوجوب.
ولكن: تبقَى المسألة خلافيَّة.
وأكثر المسلمين -ولله الحمد- إذا مارَسوا الاعتكاف؛ يقومون به في شهر رمضان وهم صائمون.
والحمد لله ربِّ العالمين.

5. السُّؤال:
مَن أفطر في نهار رمضان مِن دون أيِّ عُذر: هل يقضي، أم لا؟
الجواب:
أنا أقول: الصَّواب أنَّه يَقضي.
وأمَّا الحديث المْرَويُّ: «مَن أفطر يَومًا مِن رمضان؛ لم يُجْزِهِ صِيامُ الدَّهر وإن صَامَه» فهذا حديث مُعلَّق عند البخاريِّ، وضعَّفه الحافظُ ابنُ حَجر -في كتابه «فتح الباري»-، فضلًا عن أنَّ الحديث -لو صحَّ- فيفيدُ معنَى التَّرهيب -ليس معنى عدَم القضاء-.
..النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام-مثلًا- قال: «مَن ذَرَعَهُ القيءُ؛ فلا شَيءَ عليه، ومَن اسْتَقاء؛ فَقد أَفطَرَ، ولْيَقْضِ يومًا مَكانَه».
حديث الرَّجل الذي أتى أهلَه في رمضان، ماذا قال؟ قال: «أن تَصومُ شَهرَين مُتتالِيَين، وأن تقضيَ يومًا مكانَه» هذا أفطرَ بالاستقاءَة، وهذا أفطرَ بِالجمِاع، ولو أفطر أحدٌ بالأكل؛ كلُّه فِطْر ، والْحُكم واحد، والله -تعالى- أعلم.
مِن باب الأمانة العلميَّة: الإمام ابنُ حزم لا يقول بهذا القول، وهو اختيار شيخِنا الشَّيخ الألباني.
لكنَّ العبد الفقير إلى الله -وهو مِن أصغر تلاميذ الشَّيخ الألبانيِّ-: يُخالف شيخَه مع كلّ الاحترامِ، ومع كلّ التَّقدير، ومع كلِّ التَّبجيل لهذا الإمام ومن قبلَه من أئمَّة العلم الْعِظام والكبار الأجلاء الذين لولاهم -بعد فضل الله- ما رُحنا، ولا جِئنا، ولا تكلَّمنا، ولا عُرِفنا!
ونسال الله -تعالى- السَّتْر والعفو والعافية.

6. السُّؤال:
أنا أراقب الشَّمس كانت تغرب قبل الأذان بِخمس دقائق: فهل أُفطر على الشَّمس، أم أتَّبعُ الأحوط؟
الجواب:
اتَّبِعِ الأحوط -يا أخي-؛ لأنَّنا -في هذه الأيام-أوَّلًا- نعيش في مجتمَع واحد وواضح وبيِّن، وفيه ظروف، وفيه إعلام، فقد تفعل هذا الفعل وتكون مُخطئًا، وقد تُثير غيرَك فيَظنُّ بك السُّوء.
هذا -كلُّه- ممَّا لا يجوزُ لك أن تفعلَه.
ولكن: لو أن أحدًا فَعَلَه؛ لا نستطيع أن نتجرَّأ فَنُبطِل صِيامَه؛ لكن نقول له: لا تفعل!
هذا ممَّا جعل كثيرًا من النَّاس يُسيئون الظَّنَّ بأهلِ السُّنَّة ودعاة منهج السَّلف؛ لأنَّهم لم يَفهموا عنهم حقيقة هذا القول، وهؤلاء لم يَضبِطوا ما يفعلون أو يقولون لأولئك حتى يَستوعبوه على الوجه الصَّحيح.
نحن مع عموم الأمَّة، نحن مع عُموم الوطن وأبناء الوطن، كلٌّ في بلده، نحن مع عُموم ما تُفتي به -في المسائل الكليَّة والكبرى والعامَّة- الجهاتُ الرَّسميَّة في كلِّ بلد من بلاد المسلمين.
وأسأل الله -تعالى- أن يوفِّقَنا وإيَّاكم.

انتهى اللِّقـاء التَّاسع عشر
رد مع اقتباس
  #20  
قديم 04-11-2021, 04:31 PM
أم زيد أم زيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 5,264
افتراضي

اللِّقـاء العشرون
(28 شعبان 1441 هـ)




* المجلس الثَّاني من التَّعليق على رسالة «فضل صَوم رمضان وقيامه» لسماحة الشَّيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله-.
[جواب إشكال من بعض الإخوة حول مسألة الصِّيام لِلمعتَكِف]
قال الشَّيخ علي -رحمهُ الله-:
.....وموضِع إشكالِه؛ يقول: أنتَ قلتَ بأنَّ النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- لم يعتكِف إلا في رمضان، قال: وقد وَرد في «صحيح» البخاري ومسلم: أنَّ النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- اعتكف في شوَّال؛ فكيف ذلك؟
أقول:
الجواب على هذا:
أنَّ اعتِكافَه في شوَّال كان لسبب.. يَقصد -مِن وراء ذلك-: أنَّ النبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- اعتكف في شوَّال؛ وبالتَّالي لم يَصُم؛ هذا مَقصد الأخ الكريم، ونحن كلامُنا كان عن الصِّيام للمعتكِف، وذكَرْنا قول السَّيِّدة عائشة -رضي اللهُ-تعالى-عنه-: «من السُّنَّة للمعتكِف أن يَصُوم»، وهو أصحُّ روايةً من الحديث المرفوع: «لا اعتِكاف إلا بِصيام» فهذا -بهذا اللَّفظ- (ضعيف)؛ لكن: ذاك يُغني عنه.
فأقول الجواب -بالتَّفصيل-نوعًا-ما-..:
بوَّب الإمامُ ابنُ خُزيمة في «صحيحِه».. وابتداءً -لمن لا يَعرف ابن خُزيمة-: ابن خُزيمة معدودٌ من شيوخ الإمام البخاري -وإن لم يَروِ عنه في «الصَّحيح»، فقد روى عنه خارج «الصَّحيح»-، وأخذ عنه العلم، فهو ذو مكانة عظيمة وكبيرة وجليلة في العلم.
قال: «بابُ الاعتِكاف في شوَّال إذا فات الاعتِكاف في رمضان؛ لفَضلِ دوام العمل».
إذَن: النَّبيُّ -عليه الصَّلاة والسَّلام- لم يَعتكف في شوال -ابتداءً-؛ وإنَّما لسبب وهو فواتُ اعتكافه -لسبب معيَّن- الرَّمضاني.
ثم روى حديث السَّيِّدة عائشة: «أنَّ النَّبيَّ ﷺ أراد الاعتكافَ، فاستأذَنَتْه عائشةُ لِتعتكفَ معه، فلمَّا رأتهُ زَينبُ معه فأذِنت لها، فضربتْ خباءَها، فسألَتْها حفصةُ تَستأذن لها لِتعتَكفَ معه» رضي الله عنهنَّ وأرضاهنَّ -أمهاتُنا وأمَّهات المؤمنين-، قال: «فلمَّا رأتهُ زَينبُ ضَربتْ معهنَّ»؛ يعني: الخباء -أشبه ما تكون بالخيمة- «وكانت امرأةً غَيورًا» وهكذا كلُّ النِّساء، قال: «فَرأى رسولُ الله ﷺ أخبيتَهنَّ»؛ يعني: كل واحدة وما صَنعت مِن خباء -أي: خيمة، وما أشبه-، «فقال : «ما هذا؟ آلْبِرَّ يُرِدْن بهذا؟»»؛ يعني: هل هذا العمل -حقيقة- تُرِدْن به البرَّ والعمل الصَّالح، أم غَيرة نِسائيَّة؟ قالت عائشةُ -رضي الله عنها-وهي راويةُ الحديث-: «فَتَرَك» النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- «الاعتكافَ حتى أفطرَ مِن رمضان، ثم اعتكفَ في عشرٍ من شوَّال» والحديث رواه البخاري ومسلم.
ثم -بعد ذلك- روى ابنُ خُزيمة -أيضًا- في «صحيحه»: «باب الاعتكاف في السَّنَة المقبِلة إذا فات ذلك لِسفرٍ أو عِلَّة تُصيب المرء».
ثم أورد الحديث: «عن أُبيِّ بن كعب -رضي اللهُ عنه-: أن النَّبي ﷺ كان يَعتكف العشرَ الأواخر من رَمضان، فلم يَعتكف عامًا؛ فاعتكف من العام الْمُقبِل عِشرين ليلةً»؛ يعني: من رمضان.
إذَن: حرصُ النَّبيِّ -عليه الصَّلاة والسَّلام- على الاعتكاف الرَّمضاني جعله لَمَّا يُفوِّته؛ يَقضيهِ -بعد ذلك- بالشَّرط المعتبَر، والشَّرطُ المعتبَر: هو الصِّيام -كما سيأتي-.
يقول الإمامُ ابن القيِّم: «لم يُنقل عن النَّبيِّ ﷺ أنه اعتكف مُفطِراً -قطُّ-...ولم يَذكر اللهُ -سُبحانه- الاعتكافَ إلا مع الصَّوم، ولا فَعَلَه رسولُ الله ﷺ إلا مع الصَّوم».
قد يقول قائل: واعتِكافُه في شوَّال؟
نقول: هذا مَبنيٌّ على الأصل، وبالتَّالي: لا يُقال بأنَّه اعتكف بِغير صوم؛ بل الأصل أنَّه اعتكف بِصَوم، مَن أراد عكسَ ذلك يجب أن يأتيَ بدليل -كما قال ابنُ القيِّم- أنَّ النَّبيَّ -عليه الصَّلاة والسلام- اعتكف بِغير صوم، وهذا المطالَب بالدَّليل، الذي يُخالِف الأصلَ هو المطالَب بالدليل.
قال ابن القيِّم: «فالقولُ الرَّاجحُ في الدَّليل الذي عليه جُمهور السَّلف: أنَّ الصَّوم شرطٌ في الاعتكاف» والشَّرط لا يصحُّ الشَّيء دونه، وهذه مُهمَّة من كلام الإمام ابن القيِّم، وهو اختيار ابن تيمية -كما يقول-، يقول ابن القيِّم: «وهو الذي كان يُرجِّحُه شيخُ الإسلام أبو العبَّاس ابنُ تيميَّة» وهذا كلامُه في «زاد المعاد».
الإمامُ أبو بكرٍ الجصَّاص الأصولي المشهور، والذي صنَّف كتابًا فريدًا في «أحكامِ القرآن»، يقول -في كتابِه هذا-: «لمَّا كان الاعتِكاف اسمًا مُجمَلًا لِما بيَّنَّا»؛ يعني: أنَّه حَبسُ النَّفس و..و.. إلخ «كان مُفتقِرًا إلى البيان» كلُّ إجمالٍ؛ لا بُدَّ له من بيان «فكلُّ ما فعلهُ النَّبي ﷺ في اعتِكافه فهو واردٌ مَورِد البيان؛ فيجب أن يكونَ على الوجوب؛ لأنَّ فِعلَه إذا وَرد مَوردَ البيان؛ فهو على الوجوب؛ إلا ما قام دليلُه.
فلمَّا ثبتَ عن النَّبي ﷺ: «لا اعتِكافَ إلا بِصَوم»» نحن رجَّحنا أنَّ هذه الرِّواية غير صحيحة، وأنَّ الرِّواية الصَّحيحة: «السُّنَّة لِلمعتكفِ: أن يَصوم»، قال: «فلمَّا ثبتَ عن النَّبي ﷺ أنَّه قال: «لا اعتِكافَ إلا بِصَوم»؛ وجبَ أن يكونَ الصَّومُ مِن شُروطه التي لا يصحُّ إلا بها؛ كَفِعله في الصَّلاة لأعداد الرَّكعات والقيام والرُّكوع والسَّجود، لمَّا كان هذا -كلُّه- على وجه البيان؛ كان على الوجوب».
الآن نأتي إلى جوابٍ مُباشر على حديثِ صيام العشرِ مِن شوَّال:
يقول بعضُ العلماء مُعترضِين..؛ لأنَّ المسألة خِلافيَّة -ابتداءً- نحن نحترم الرَّأي والرأي الآخر؛ لكن: نُرجِّح الرَّأي الذي تَنصرُه الأدلَّة -في حسب وجهة نظرنا-.
يقول: اعتكاف النَّبي في العشر من شوَّال يَتناول اعتكافَه يوم العيد، ويومُ العيد نُهي عن صومِه!؟ إذَن كأنَّه يقول: لا بُدَّ أن يُفطِر لأنَّه ابتدأ صومَه بيوم العيد.
هذا كلام بعض أهلِ العلم من الذين يقولون بالقول الآخر.
أمَّا الجواب:
يقول الإمام ابنُ عبد الهادي -في كتابه «تنقيح التَّحقيق»- قال: «هذا ليس بصريحٍ في دخول يوم الفطر؛ لجوازِ أن يكون أوَّل العشر التي اعتكف ثاني يوم الفطر؛ بل هذا هو الظَّاهر، وقد جاء مُصرَّحًا به في حديثٍ: «فلما أفطرَ؛ اعتكف»».
والمقصود بذلك: يوم العيد؛ لأنَّ يوم العيد -بإجماعِ الأمَّة- لا يكون فيه صَوم؛ وبالتَّالي: الأحكام المتعلِّقة بالصَّوم والْفِطر؛ تكون بعد يوم العيد مباشرةً.
ثم -هنالك- فائدة أخرى: أنَّ هنالك رواية عند البخاري: (أنَّه اعتكف في العشرِ الأواخِر).
وهذه تقضي على الأولى تمامًا...
في الحقيقة؛ المسألة تَقبَل البحث والنِّقاش، وهي مسألة عِلميَّة جيِّدة.. وأكرِّر شُكري ودُعائي للأخ الكريم الذي كان سببًا في قدحِ فِكرة هذه المسألة.

1. السُّؤال:
نريد توجيهًا لقول عُمَر بن الخطَّاب -رضي الله عنه- في جمعِه النَّاس وراء أُبَيٍّ في صلاة القيام وقولِه: «وَالَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا خَيْرٌ مِنَ الَّتِي يَقُومُونَ».
الجواب:
يعني: لَمَّا اجتمع النَّاس على القيام، الرِّواية تقول: «في أوَّل اللَّيل»؛ وبالتَّالي: قَصْد عُمر «وَالَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا» يعني: في آخر الليل «خَيْرٌ مِنَ الَّتِي يَقُومُونَ»: في أوَّل اللَّيل؛ لكنْ: فضلُ الجماعةِ هو الَّذي جعل هذا الفضل الشَّامل لِلفِعلَين هو الخير، ولو استطاع النَّاس أن يُؤخِّروا هذه الصَّلاة إلى ما بعد منتصف اللَّيل وإلى آخر الليل؛ فهذا أحسن؛ لكنْ: هذا لا يستطيعُه النَّاس؛ مِن هنا: كان هذا الجمع، مع الإشارة إلى أنَّ آخر الوقت أفضل -لو استُطيع-.


2. السُّؤال:
هل فعلًا بدَّع شيخُنا الألبانيُّ مَن صلَّى أكثر من إحدى عشرة ركعةً في صلاة القيام؟
الجواب:
يجب أن نعلمَ شيئًا في منهجيَّة الإمام الألبانيِّ -ومنهجيَّة العلماء-قاطبةً- ممَّا يخفَى على الكثيرين-، وهذا كان يُكرِّره شيخُنا -رحمه الله- كثيرًا- في مجالسه؛ ماذا يقول؟
يقول: «ليس كلُّ من وقَعَ في البِدْعةِ وَقَعَتِ البِدْعةُ عليها، وليس كلُّ مَنِ ابْتَدَعَ صارَ مُبْتَدِعًا»؛ لاحتمال أن يكونَ ابتداعُه عن جهل، لاحتمال أن يكون ما قام به مِن فِعل وُصف أنه فعل مبتدَع عن اجتهاد؛ وبالتَّالي: هو مأجور -حتى لو كان فعلُه مبتدَعًا-.
لذلك شيخُنا يقول عن الفعل: إنَّه بدعةٌ، وأمَّا فاعلُها؛ فهذا بحسَبِه: هل هو مُقلِّد..هل هو مُعانِد..هل هو مجادِل.. هل هو جاهل..
هذا وجهة نظر شيخِنا في هذا الموضوع، بِغضِّ النَّظر عن مسألة عدد [الرَّكعات] في التَّراويح؛ لكن: أنا أتكلَّم عن تأصيل الفرق بين البدعة والمبتدع -بشكل عامٍّ-.
وأشير -ههنا-: أنَّ ما نُقل عن التَّابعين -ليس عن الصَّحابة- مِن تجويزِ الصَّلاة أكثر من إحدى عشرة ركعة؛ جعلني -شخصيًّا-أعوذ بالله من شرّ نفسي، وسيئات عملي- أميل إلى القول الآخَر؛ بجواز الزِّيادة على إحدى عشرةَ ركعةً؛ لكن: مع مخالَفة السُّنَّة، «وَخَيرُ الهديِ هَدْيُ مُحمَّد»؛ لكن: لا أقول: هي مبتدَعة، ولا أقول بأنَّها بِدعة.
ونبَّهتُ -مِن قَبلُ- أنَّ هنالك فرقًا بين البِدعةِ ومخالَفة السُّنَّةِ؛ كُلُّ بدعةٍ مُخالِفةٌ للسُّنَّةِ ومخالَفةٌ للسُّنَّةِ، وليس كلُّ مخالَفةٍ للسُّنَّةِ بِدْعةً، وضربت المثلَ على ذلك؛ فلا أُطيلُ.

3. السُّؤال:
هل التَّهنئة تكون للتَّشجيع على الطَّاعة؟ [الأخ يقصد التَّهنئة بدخول شهر رمضان]
الجواب:
ونحن أجَبْنا على هذه المسألة -في لقاء سابق-، وقلنا بأنَّ الإمام ابن رجب -ونقلَه عنه الإمام السُّيوطيُّ- استدلُّوا ببعضِ الأحاديث عن النَّبي -صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسلَّم- أنَّه جاء يُبشِّر الصَّحابة بشهرِ رمضان، وقد تختلف صُوَر التَّهنئة، أو التَّبشير، أو التَّبريك؛ فحينئذ: الأمر فيه سَعةٌ- إن شاء الله-.
وذكرتُ -ما أريد أن أكرِّره-الآن-: أن شيخَنا -رحمهُ الله- الشَّيخ الكبير الشَّيخ الألباني، أنا أذكر -تمامًا- أنه كان -أحيانًا- يَسبقُنا بالاتِّصال إذا ثبت دخولُ شهر رمضان بأن يبارِك لنا بهذا الشَّهر، وأن يهنِّئَنا فيه.
وكذلك هذا منقول عن الشَّيخين الجليلَين الكريمَين الشَّيخ عبد العزيز بن باز والشَّيخ محمَّد بن صالح العُثيمين -فضلًا عن غيرهم من أهل العلم والفضل-.
والله الموفِّق.

4. السُّؤال:
حُكم الاعتِماد على عِلم الفلك في تحديد الأشهر القمريَّة، وإذا اعتمدت دولة عليها؛ فما الْحُكم؟
الجواب:
ابتداء أقول: أما الاعتِماد -بمعنى الاعتِماد-؛ فلا يجوز؛ ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾-.
ولكنْ: إذا أُخِذ علم الفلك قرينةً؛ لا مانع، أمَّا أن يكون اعتمادنا عليه؛ فلا يجوز.
السُّؤال الثَّاني: يقول: فكيف لو اعتمدت دولة عليها في الحكم؟
أنا أقول: للأسف الشَّديد! المسلمون -الآن- مُتفرِّقون -دُوَلًا متعدِّدةً-، فهل نُفرِّقهم في الدَّولة الواحدة؟!
لذلك: الرَّسول الكريم -عليه الصَّلاة والسَّلام- أشار إلى هذا المعنى فماذا قال؟ قال: «الصَّوْمُ يوْمَ تَصومونَ، والفِطْرُ يَوْمَ تُفْطِرونَ»، وفي لفظ: «الصَّوْمُ يوْمَ يَصومُ النَّاسُ، والفِطْرُ يَوْمَ يُفْطِرُ النَّاسُ»، هذا هو.
فإذا صام أهلُ البلد الذي أنت فيه: إيَّاك أن تقول أنا أصوم مع البلد الفلاني -قد سبقك-، أو مع البلد الفلاني التي ستأتي غدًا أو بعد غد؛ للأسف! هذا لا يجوز!
ونحن نرى في العالم الإسلامي -اليوم -للأسف!- أن بداية رمضان -وقد يكون-أيضًا-يوم العيد-: ثلاثة أيَّام! بعض البلاد تقول: اليوم، بعض البلاد تقول: غدًا، بعض البلاد تقول: بعد غدٍ -وللأسف الشَّديد!-، الأمر دخَله السِّياسةُ، وأهواءُ السِّياسةِ -إلَّا مَن رحِمَ ربِّي، وقليلٌ ما هُم!.

5. السُّؤال:
هل يجوز أن نقول: (رمضان كريم)؟
الجواب:
أنا قرأتُ فتاوى لبعض أهل العلم بأنَّها لا تُقال، وحتَّى العوامّ فيما بينهم لَمّا يقول الواحد لهم: (رمضان كريم)؛ ماذا يكون جوابُهم؟ -على الأقل في بلادِنا- يقولون: (الله أكرم)؛ إذن: ربنا هو الكريم، وربُّنا أكرم الأكرمين -سُبحانه وتَعالى-، فلا يُقال: (رمضان كريم) بِدون حجَّة -في هذا الباب-، والله -تعالى- أعلى وأعلم.
قد لا أستطيعُ أن أقول: هي بدعة، أو حرام؛ لكن: الأَولَى مُجاهدة النَّفس على ترك ذلك -ما استطعنا إلى ذلك سبيلًا-.

6. السُّؤال:
ما حُكم صلاة العيد إذا كان هناك حَجْر؛ هل تُصلَّى في البيت؟
الجواب:
..نعم؛ تُصلَّى، وهذا قول الإمام الشَّافعي وغيره من أهل العلم، وهو المنقول عن السَّلف: أنَّ من فاتته صلاة العيد؛ يصلِّيها في البيت.
وهذا ردٌّ على مَن يَعكسون الصُّورة في موضوع صلاة الجمعة.
صلاة الجمعة المنقول عن السَّلف: أنهم كانوا يُصلُّونها في البيوت ظهرًا.
بعضُ الإخوان الأفاضل -والفتوى خطأ-مع احترامنا الشَّديد لهم- ماذا يَفعلون في صلاة الجمعة؟ يَخطبون جمعةً، ويُصلُّون ركعتَين!
هذا خلاف المنقول عن السَّلف، فهل في هذه الحالة -هنا- يَخطبون؟ المنقول عن السَّلف الصَّلاة -فقط-، وجواز أدائها في البيت -وفي البيوت-، كلُّ واحد في بيتِه... وفِعل السَّلف هو الذي يجعلنا نُفرِّق بين الصُّورتَين ونفعل ما ورد عنهم -رضي الله-تعالى- عنهم وأرضاهُم-.

7. السُّؤال:
ما الرَّاجح في الحامل والْمُرضِع إذا أفطرتا؟
الجواب:
...والرَّاجح في ذلك -والمسألة خلافيَّة-: أنَّهما تَفدِيان -يعني: تُكفِّران-، ولا تَقضِيان، وهذا هو المنقولُ عن بعض الصَّحابة، ويقول الإمام ابنُ قدامة -في كتاب «المغني»-: (ولا يُعرف لهم مُخالِف).

8. السُّؤال:
ما هو البرنامج اليوميُّ الذي تنصحني أن أمشي عليه في رمضان؟
الجواب:
...أنا أقول: يا أيُّها الإخوة! افعلْ ما يُعينُك اللهُ عليه وأنت مُنشرحٌ له، هذا أعظم شيء في العبادة؛ لا تَقهَرْ نفسَكَ على العبادةِ.
لو كانت العبادةُ قليلةً -مع اطمئنان وانشراح صَدْر-؛ هذا خيرٌ مِن أنْ تقول: أريد أن أُكثِرَ ولا تكون نفسُكَ تائقةً لهذا العمل، مُشتاقةً لهذا العمل، راغبةً بهذا العمل.
لذلك النَّبيُّ ﷺ ماذا يقول؟ يقول: «أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ».
الصِّيام مفروض، القيام مَسنون، قراءة الْقُرآن، الأذكار، الاستغفار، والصَّلاة على النَّبي ﷺ، الصَّدقة -وهكذا- بِحسَب ما يُعينك الله -تعالى- عليه، ويوفِّقك إليه.

9. السُّؤال:
هل الاستِمناء يُبطل الصِّيام؟
الجواب:
عند جمهور العلماء: الاستِمناء يُبطلُ الصِّيام، وذهب بعضُ أهل العلم -وهو الإمام أبو محمَّد ابن حزم الأندلسيُّ الظَّاهريُّ -رحمه الله- إلى أنَّه لا يُبطِل الصِّيامَ، وانتصر له بعضُ أهل العلم.
ولكنْ -كيفما كان الأمرُ-: الأحوَط لِمَن ابتُلي بهذا أن يقضيَ يومًا مكانَه، مع اتِّفاق الجميع أنَّ هذا الفِعلَ في نهار رمضانَ من المحرَّماتِ؛ لكنَّهم اختلفوا: هل هو مُبطِل أو غير مُبطِل؟
ونحن نقول: كيفما كان الأمرُ؛ الأصل أنْ تَحتاطَ -يا مَن ابتُليتَ بهذا الفعل الشَّنيع- بِصيام يومٍ مكانَه، مع الاستغفار الذي لا بُدَّ منه؛ حتَّى يتوب الله عليكَ.
وشهر رمضان شهرٌ تُكسَر فيه الشَّهَواتُ، وتقالُ فيه العَثَراتُ، وتُغفَر فيه الزَّلَّاتُ، وتُكثَّر فيه الحسناتُ، وتفتح فيه أبواب الجنَّاتِ.
نسأل اللهَ -سبحانه في عُلاه- أن يَغفر لنا، وأن يَرحمنا، وأن يُثبِّتَنا، وأن يتوفَّانا على الحقِّ والهدى، وأن يُحسِن خواتيمَنا؛ إنَّ ربي سميع الدُّعاء.


انتهى اللِّقـاء العشرون
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:31 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.