أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
64668 103191

العودة   {منتديات كل السلفيين} > منابر الأخوات - للنساء فقط > منبر الصوتيات والمرئيات والكتب و التفريغات - للنساء فقط

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 06-06-2012, 07:27 AM
أم زيد أم زيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 5,264
افتراضي [ تفريغ ] (الدرس الثامن/1-2) شرح منظومة القواعد الفقهية/للسعدي - مشهور بن حسن

بسم الله الرحمن الرحيم

شـرح
«منظومة القواعد الفِقهيَّة»
-للإمام السَّعدي-
-رحمهُ الله-


[الـدَّرس الثَّـامِن]
(الجزء الأوَّل)

لفضيلة الشَّيخ
مشهور بن حسن آل سلمان
-حفظه الله-


إن الحمدَ لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذُ باللهِ مِن شرورِ أنفسِنا ومِن سيئاتِ أعمالِنا، مَن يهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومَن يضللْ فلا هاديَ له. وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحده لا شَريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه.
أما بعد:
فلو سأل سائل فقال: هل كان الصحابة والتابعون يعلمون القواعد الفقهية وأصول الفقه؟ إيش تقولون؟ كانوا يعلمون ولا لا يعلمون؟ يعلمون.
وما هي الأدلة على علمهم؟
هل كان ينطلقون في فقههم وفتاويهم من هواء وفراغ أم من علم متين وأساس ركين؟
بلا شك كانوا ينطلقون من قواعد علمية صحيحة.
لكن: لو قال قائل وهو يعيش في بلاد حارة، لا مطر فيها ولا برد، وينظر للناس وعاش بينهم سنة وسنتين، فلم يجدهم يلبسون المعاطف، فقال: أهل هذه البلدة لا معاطف عندهم.
أصاب أم أخطأ؟ العاقل ماذا يقول له؟ يقول: انتظر حتى ينزل المطر ثم تفحص وتعرف الجواب، انتظر حتى ينزل المطر، فإذا نزل المطر ولم يرتدوا المعاطف؛ فحينئذ نفيُك صحيح، أما المطر غير نازل فلا يجوز لك أن تقول إنه لا معاطف عندهم.
فالصحابة نمط حياتهم كانت الأحكام ظاهرة فيه، أعني الأحكام الشرعية من خلال الآيات والأحاديث النبوية، ولما كانت تستجد نوازل، تأتي هبات ريح بارد، أو زخات مطر بين الحين والحين، فكانت تبرز القاعدة، يبرز الأصل، وما عدا ذلك يبقى الناس على الحال الأول الأنور.
إذا عمر -كما عند عبد الرزاق-بإسناد صحيح- لما وقع ميراث الجد والجدة، وقع فيه خلاف كثير، وكان يود لو أنه سأل رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- عن ذلك، واختلف الصحابة حتى قال علي: من أراد أن يَقتحم براثين النار؛ فليقضِ في الجد والجدةِ في الميراث؛ من شدة خوفهم في المسألة.
فعمر اختلف اجتهادُه في ميراث الجد والجدة، فلما كان يُسأل كان يقول: تلك على ما قضينا وهذه على ما نقضي، يعني الاجتهاد لا يَنقض الاجتهاد.
قتادة -كما في «مصنف عبد الرزاق»- كان يقول: كل قرضٍ جرَّ نفعًا؛ فهو باطل. وبعض الناس يرفعه إلى النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- بلفظ: «فهو رِبا»، وهو مما لم يثبت عن رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-، وهو من قول قتادة وهو تابعي الجليل.
فالقواعد كانت عند الصحابة وعند التابعين لكن النوازل والمشاكل، وخلاف ما عليه نظام الحياة من تعظيم أمر الله وأحاديث رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- كانت بالنسبة إلينا قليلة، وجُل فقه ما في هذه الأيام نوازل، نمط حياتنا نمط حياة الغربيين، فكل ما يجري في الغرب يأتينا، من مسائل اقتصادية، مسائل طبية، نوازل سياسية، اجتماعية، إلى آخره، فلا نجد لها أصولًا عندنا؛ إذ نمط حياتنا غير نمط حياتهم؛ فنحتاج إلى إبراز الأحكام الشرعية من خلال القواعد..
فزخات المطر والريح العاصفة الباردة كثيرة في حياتنا فنحتاج دائما أن نبرز هذه المعاطف التي لم تكن بارزة وكانت موجودة ولم تكن معدومة.
فإياك أن تظن -يا طالب العلم- أن الصحابة والتابعين ومن سار على نهجهم لا يَعرفون الأصول أو لا يعرفون القواعد.
ولذا: الذي يقرأ كتب الحديث -كـ«صحيح البخاري» و«سنن ابن ماجه» و«صحيح ابن خُزيمة» -خاصة- و«ابن حبان» على وجه أخص، و«سُنن البيهقي الكبرى»- يستطيع أن يتلمس كثيرًا من القواعد والمسائل الأصولية والقواعد الفقهية، افحص؛ تجد، والشيء الذي لا تعرفه لا تجهل فتنكره، لا تكن جاهلا.
فبعض الطلبة يقول: ليش أنتم مشغولون بالقواعد؟ القواعد التأصيل؛ حتى نرتقي في هذا العلم خيرَ مرتقى، وحتى نفهم الأمور بجذورها.
أنا لَمّا أدخل بيتًا ولم أر فيه الأساس؛ فلا يجوز لي أن أقول: هذا البيت بُني على غير أساس! وإن كنت لا أرى الأساس بعينيَّ، لكن لولا هذا الأساس؛ ما قام هذا البيت!
فهذه مسألة ينبغي أن تنتبهوا إليها.
آخر ما بلغ بنا المقام في درسنا السابق، شرحنا البيت العشرين والحادي والعشرين من منظومة الشيخ السعدي رحمه الله في القواعد الفقهية.
20. وَالْأَصْـلُ فِي الأَبْضاعِ وَاللُّحُـومِ ... وَالنَّفْـسِ وَالْأَمْــوالِ لِلْمَعْـصُــومِ
21. تَـحْريمُـها حَتَّـى يَجِـيءَ الحِـلُّ ... فَافْـهَـمْ هَـداكَ اللـهُ مَـا يُـمَـلُّ
وقلنا أن الأصل في الفروج -وهي الأبضاع- واللحوم والدماء -دماء المسلمين ودماء أهل الكتاب ودماء المعاهَدين من الكفار- الأصل فيها التحريم حتى يجيء دليل الحِل.
ثم تفريعًا على هذا الأصل -وقد تكلمنا عن هذا طويلا-أيضا قال:
22. وَالْأَصْـلُ فِي عَـادَاتِنَــا الْإِبَـاحَـهْ ... حَتَّـى يَجِــيءَ صَــارِفُ الْإِبـاحَـهْ
لو أن الشيء المباح لا يكون مباحا إلا بدليل خاص، تعرفون إلى مصحف كم مجلد؟ لعل الكرة الأرضية لا تسع المصحف، إذا كل عادة وكل حركة وكل مشروب وكل مطعوم وكل مُبتكَر وكل مخترع وكل لبس وكل استعمال لا يكون حلالًا حتى يجيء الدليل على الحِل نحتاج إلى مصحف يعيش الإنسان ويموت وهو لم يقرأه وهو لم يمر به.
ولذا وأرجو أن تنتبهوا: النوازل والمسائل والأشياء التي لم تكن موجودة ووُجدت كثيرة لا يُمكن أن تُحصر، والآيات والأحاديث محصورة، صحيح؟
والمحصور يسعُ اللامحصور، المحصور: الآيات والأحاديث، تسع المسائل والمشاكل التي هي ليست بمحصورة، كيف يكون ذلك؟ لأن القاعدة الواحدة من القواعد الفقهية المأخوذة من النصوص مباشرة، أو من معاني النصوص يُفرَّع عليها ألوف مؤلفة من المسائل الموجودة والمسائل التي لم توجد بعد.
حتى تقرأ تحتاج لدليل، وحتى تشم تحتاج لدليل، وحتى تأكل تحتاج لدليل، وتحتاج لدليل على حل كل شيء من المطعومات والمشروبات والفواكه والخضراوات والأعشاب والحيوانات والمِهن والعادات والتقاليد، إذا احتجنا لكل واحدة، لكل مفردة من المفردات لدليل؛ سيكون أكثر من عدد أوراق المصحف! كم أنواع الجبن في العالم؟ كم أنواع الزيتون في العالم؟!
ولذا: الناظم إيش قال؟ قال:
22. وَالْأَصْـلُ فِي عَـادَاتِنَــا الْإِبَـاحَـهْ ... حَتَّـى يَجِــيءَ صَــارِفُ الْإِبـاحَـهْ
هذا البيت عبَّر الناظمُ فيه على قاعدة مهمة الكل يحفظها وهي أن الأصل في الأشياء الإباحة حتى يأتي التحريم، حتى يأتي ما يصرف الإباحة إلى الكراهة أو إلى التحريم.
فالأصل في الصنائع، جميع أنواع الصنائع الأصل فيها إيش؟ الحل.
العمل في البنك حلال ولا حرام؟ حرام، هل هذا يخالف القاعدة؟ لا، ليش؟
حَتَّـى يَجِــيءَ صَــارِفُ الْإِبـاحَـهْ
في حديث ابن مسعود عند النسائي: «لعن الله آكل الربا وموكِله» المُوكِل: المُطعِم، والآكل: الذي يأكل، ولعن النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- في الربا إيش أيضا؟ كاتبَه وشاهدَيه.
طيب؛ إذن: الذي يأكل الربا ويساعد على الربا هذا صارف الإباحة، لو لم يرِد دليل؛ لكانت البنوك حلالا.
الذي يعمل في شركات التأمين حلال ولا حرام؟ حرام، ليش حرام؟ لأن التأمين غَرَر.
وفي «صحيح الإمام مسلم»: عن أبي هريرة قال: «نهى النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- عن الغَرَر»، والغَرر ما كانت عاقبته مجهولة.
فالأصل في المِهن الحِل، حتى تصادم نصًّا، فما لم يأتِ دليل من الشرع على حُرمة مهنة من المهن فتبقى هذه المهن من الحل.
نعم في أعراف بعض الناس هنالك مهن تخالف المروءة، وفي أعراف بعض الناس هنالك مهن لا يقع التزاوج بسببها؛ فهذا من موروثهم القَبَلي لا من موروثهم الشرعي.
وهذه الموروثات مع العولمة الجديدة ومع نظام الحياة الجديد أصبحت في خبر كان، فأصبحت ضعيفة وضعيفة جدا.
يعني: بعض العادات لا يناسبون مثلا الغجر، بعض أصناف الناس يُسمَّون الغَجَر ويسمون النوَر ويسمون الكوليَّة في العراق، هذا شأن الأعراف، لكن الله ماذا يقول عز وجل؟ يقول: {إنَّ أكرمَكم عند اللهِ أتقاكم} العبرة بالتقوى، فلا يُحط من قيمة الإنسان بأصله وهو ليس مخيرًا فيه، هذه عادات ما تخالف الشرع، هذه عادات أصلا ما لها صلة بالشرع، فالشرع يقول:
22. وَالْأَصْـلُ فِي عَـادَاتِنَــا الْإِبَـاحَـهْ ... حَتَّـى يَجِــيءَ صَــارِفُ الْإِبـاحَـهْ
فالأصل في الأشياء الحل، الأصل في الصنائع كلها الحل.
بعض الناس ما يناسب الجزار، ما يناسب الحداد، ما يناسب صاحب الصنعة، هذه عادات لا وزن لها في الشرع، والأحكام الشرعية على خلافها، والعادات محكومة بالشرع وليست حاكمة على الشرع، فلا وزن لها.
فالأصل في الصنائع والأصل في الأعمال العادية من المعاملات من أنواع الرياضات ومن أنواع الذهاب والمجيء والحركات الأصل فيها الحل.
فالأصل في هذه الأشياء والأصل في المشارب ما يُشرب أنواع الأشربة، وفي المطاعم جميع أنواع المطعومات، الأصل فيها الحل.
طيب؛ يا شيخ الخمر؟ نقول: جاء صارف الإباحة.
الخنزير؟ جاء صارف الإباحة.
ما يُسكر من سائل أو جامد، فهذا إيش؟ هذا جاء صارف الإباحة.
ما يشمله النص مباشرة وما في معنى ما شمله النص، هذا فيه صارف الإباحة.
يعني: الحشيش حلال ولا حرام؟ حرام، ليش الحشيش حرام؟
طيب الحشيش ورد في القرآن؟ الحشيش ورد في السنة؟
الذين يُنكرون حرمة الدخان يقول: يا شيخ أنا لا أؤمن بحرمة الدخان حتى تأتيني بآية أو حديث؟!
يا أهبل! يا مسكين! الدخان ما عُرف إلا كولمبس عرف الدخان، بعد النبي، وبعد الصحابة، وبعد التابعين، بعد مئات السنين عُرف الدخان، مثل الحشيش، الحشيش عُرف في القرن السادس الهجري، قبل القرن السادس ما كان فيه حشيش.
فمش متصور شيء عُرف في القرن السادس باسمه نجد له نصًّا قبل ستمئة سنة! لكن نجد معنًى من معاني النصوص.
النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- يقول -في المتفق عليه من حديث عبد الله بن عمر-، يقول: «كل مُسكر حرام» فكل شيء يُسكر حرام، الحشيش يُسكر ولا لا يسكر؟ يُسكر.
الذي يتعاطى الحشيش -نسأل الله عز وجل لي ولكم العفو والعافية ولذرارينا ولمن نحب- هؤلاء يعلمون هذا الأمر.
فلو سأل سائل فقال: أيهما أشد: الحشيش أم الخمر؟ إيش الجواب؟ أيهما أكثر ضررًا الحشيش أم الخمر؟ إيش الجواب العلمي يا طلبة العلم؟
[مداخلة] أحسنتَ؛ الجواب: التفصيل، كيف التفصيل؟
أثر الخمر على المجتمع أكثر ضررا من أثر الحشيش على المجتمع.
المخمور يؤذي المجتمع أكثر من أذى صاحب الحشيش، وصاحب الحشيش يضر نفسه أكثر من شارب الخمر في ضرره لنفسه، كلاهما حرام، والغالب على متعاطي الخمر ضرر الناس، والغالب على متعاطي الحشيش ضرر النفس؛ لكن هذا حرام، وهذا حرام.
ما نفترض يوجد نص في في حرمة الحشيش، لكن الحشيش ليس بحلال، الحشيش حرام، وسبب حُرمة الحشيش: الضرر؛ النبي يقول: «لا ضرر ولا ضرار»، وسبب حُرمة الحشيش الإسكار، النبي يقول: «كل خمر مُسكر» الخمر معناها: ما خامر العقل، الشيء الذي يُغيِّب العقل، هذا هو الخمر، لذا مش حاجة نقول: أي خمر حرام: خمر العنب، ولا خمر التمر ولا خمر التفاح هو الحرام؟ كل ما خامر العقل فهو خمر، والشرع سكت عن أنواع الخمر، من أي الأنواع مصنوعة الخمر.
فالأصل في الخمر الحرمة، وعلة تحريم الخمر النبي يقول: «كل مُسكر خمر»؛ فالخمر ليس حراما للونه، فلو صار عصير بنفس لون الخمر عصير التفاح يكون حرام ولا حلال؟ حلال، وليس الخمر حرامًا لرقته، وليس الخمر حراما لطعمه، لو غيرنا طعمه بمواد أخرى، حُرمة الخمر من أجل إسكاره «كل خمر مسكر، وكل مسكر حرام» فكل مسكر حرام.
طيب هذا الإسكار سواء كان سائلا أو كان جامدا، سواء يتعاطى عن طريق الشراب، أو يُتعاطى عن طريق المضغ، مثل -نسأل الله العفو والعافية للجميع- مثل ما فيه اليمن اليوم الذي يسمى القات، القات نوع من أنواع الحشيش -ولله الحمد والمنة مُدرج تحت أنواع الحشيش-، والذي يُمسك متلبسا ومعه القات يعاقَب معاقبة من معه الحشيش.
فإذن: الأصل في المطعومات والأصل في المشروبات..
طيب؛ الأصل في الملبوسات؟ بحاجة الشرع يقول لنا كل نوع من القماش حلال، شو أنواع التفاصيل حلال، وأنواع الستائر إيش منها حلال وإيش منها حرام، وأنواع الفُرُش، وأنواع الأغطية وأنواع الفرشات، الشرع يقول هذا؟ ما يقول هذا الشرع، شو الشرع يقول؟ يقول: الأصل في الأشياء الإباحة، كل شيء حلال، «البس ما شئت» كما قال النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- «وكل ما شئت، واشرب ما شئت، ما لم يكن إسراف أو مَخيَلة».
إذا لبست لباسا طيبا ما تتكبر على الخلق، اعلم أن هذا من فضل الله عليك، ولا تسرف، البس حاجتك، كل حاجتك، ما تسرف في لبسك، ولا تسرف في طعامك وشرابك، ولا تتكبر على الخلق بطعامك وشرابك ولباسك.
«البس ما شئت»، إيش يعني «البس ما شئت»؟ يعني كل أنواع الملبوسات حلال.
«كُلْ ما شئت»؛ إيش يعني «كُلْ ما شئت»؟ يعني كل أنواع المأكولات حلال.
قال: «اشرب ما شئت»، يعني: كل أنواع المشروبات حلال.
أنواع الطبايخ، بدنا يجينا نص حتى تكون حلال؟ لو نفكر في هذه الأشياء التي نمارسها كل يوم، ولو إنسان قلب هذه القاعدة؛ لعلِم الشدةَ والعسر التي تقع في حياة المسلمين.
فمن محاسن دينِنا: أنه يريد منا أن نُعمل عقولنا، يعطينا القاعدة العامة، فكر، عمِّل عقلك.
فكل أنواع الطبيخ حلال، كل أنواع العصير حلال، إلا إن صادم نصًّا.
22. وَالْأَصْـلُ فِي عَـادَاتِنَــا الْإِبَـاحَـهْ ... حَتَّـى يَجِــيءَ صَــارِفُ الْإِبـاحَـهْ
فما لم يأت صارف الإباحة فكل شيء حرام نقول لك هات الدليل، لما تقول لي شيء حرام مِن ملبوس، مِن مطعوم، مِن عادة، مِن مهنة، من حركة، مِن ذهاب، مِن مجيء، مِن جلوس، مِن سفر.. الأصل في الأشياء الحل، أنت إذا سألتني إيش الدليل على الحل؟ تكون مش طالب علم، إذا واحد سألني عن شيء من هذه الأشياء شو الدليل على الحل.. كثير من الناس يقولون: شو الدليل على كذا أنه حلال؟ أقول له: شو الدليل على أن التفاح حلال؟ يستغرب! أقول: سؤالي مثل سؤالك.
إذا بدنا نص من القرآن التفاح حلال، والبرتقال حلال، والتمر حلال، والعنب حلال.. المصحف ما يكفي!
هذا النوع من التشريع يصلح لأناس ما زودهم الله بعقل، يُعملون عقولهم ويفهمون على الشرع.
فالشرع أعطانا ضوابط، أعطانا قواعد عامة، ومن هذه القواعد ينبغي أن نُعمل عقولنا.
طيب؛ إذن هذه الأشياء كلها الأصل فيها الحل، حتى يأتي دليل صريح، أو نص صحيح، أو ما في معنى النص إذا كان له علة، وهذه العلة منصوص عليها، أو في معناه من إلحاق ضرر أو ما شابه.
طيب؛ الأدلة على هذه القاعدة كثيرة جدا، الله عز وجل يقول مثلا في سورة البقرة: {هو الذي خلقَ لكم ما في الأرض جميعا} كل ما في الأرض لكم بحشائشها، واستخدام ما نبت عليها، وكل ما فيها لكم حلال، هذا نص ذُكر في معرض الامتنان، والله عز وجل لا يمتنُّ إلا بحلال.
{هو الذي خلقَ لكم ما في الأرض جميعا} يا أيها الناس كل شيء في الأرض لكم حلال، جعله الله لكم، حتى الأشياء المُرة والأشياء التي لا تُستطعم تكون فيها أدوية.
ويقول الله عز وجل في «سورة الأعراف»: {قُل من حرَّم زينةَ الله التي أخرجَ لعبادِه والطَّيِّبات من الرزق} من الذي حرم الطيبات؟ ومن الذي حرم الزينة؟ كل الزينة الأصل فيها الحل حتى يأتي الدليل على التحريم.
الذهب حرام للرجال، الحرير حرام للرجال، ليش؟ لورود النص.
ما لم يرِد فيه نص؟
طيب؛ الساعة المطلية بالذهب حلال ولا حرام؟
الأحكام الشرعية في الدين تُعلَّق بالحقائق ولا بالأسماء؟ بالحقائق.
طيب؛ الساعة المطلية بالذهب هل هي ذهب؟ هي لونها لون الذهب، هل حقيقتُها حقيقة الذهب؟
لبس شيء لونه لون الذهب حلال ولا حرام؟ حلال، ليس ذهبا، والشيء المطلي بالذهب حلال مش حرام، بناء على أي قاعدة: الأصل في الأشياء الإباحة.
لو واحد سأل: إيش حكم الساعة المطلية بالذهب؟ أقول له: هذا ذهب؟ يقول: مش ذهب. أقول له: أنا عندي قاعدة الأصل في الأشياء الحل، بدك تحرم أعطيني دليلًا.
إذا أوردتَ علي حديث: «هذان حُرِّما على ذُكور أمتي: الذهب..»؟ هذا ليس بذهب، القاعدة: الأصل في الأشياء الحل.
تقول لي: حرام؛ هات الدليل، ما عندك دليل: الأصل في الأشياء الحل.
لون الذهب ليس حراما، اللون يسمونه المطلي بالذهب اليوم بتعبيرنا، لون الذهب ليس بحرام، الحرام عَين الذهب.
طيب؛ ذهب أبيض؟ ما فيش فرق بين اللون، ذهب أبيض ولا ذهب أصفر ولا ذهب أحمر، ما دام اسمه ذهب؛ حرام، الذهب ألوان.
طيب؛ الشرع حرَّم معدن الذهب ولا حرم لون الذهب؟ معدن الذهب، فإن تعددت ألوان الذهب؛ يبقى حرامًا، وإن وافق معدن آخر لونَ الذهب؛ يبقى حلالا.
فالأصل في الأشياء الحِل، في كل الأشياء الحل {هو الذي خلقَ لكم ما في الأرض جميعا}، {قُل من حرَّم زينةَ الله التي أخرجَ لعبادِه والطَّيِّبات من الرزق} شو الحلال من الرزق المأكول؟ الشيء الطيب، الشيء الخبيث حرام، {ويحرِّم عليهم الخبائث} فكل ما تستخبثه العربُ الأقحاح؛ حرام.
يعني العرب تستقبح تستخبث أكل الأفاعي، وأكل الصراصير، وأكل الحشرات، وأكل الفئران، هذه كلها إيش حكمها؟ هذا حكمها عند جماهير أهل العلم -عدا مالك- حكما الحرمة.
لماذا حرمنا أكل الصراصير وأكل الأفاعي وأكل الضفادع وأكل الجراذين؟ لأن الله يقول: {ويحرِّم عليهم الخبائث}، فما عدَّه العرب -عند نزول القرآن-ومنهم من قيَّد ذلك بقريش- ما عدُّوه خبيثًا فهو خبيث.
وكذلك ما يلحق به في المعنى.
الدخان طيب ولا خبيث؟ خبيث، أصحاب الفطر السليمة والعادات المستقيمة والعقول الصحيحة والأمزجة الهادئة الرقيقة، لا يستطيبون الدخان؛ لذا أكثر من يتأذى من أصحاب الدخان من؟ أكثر من يتأذى من الدخان زوجة المدخِّن، صحيح؟ ولو كان المدخن منصفًا لجعل زوجته تدخِّن قبله حتى لا يؤذيها!
فالدخان خبيث، ودلالة خبث الدخان: يستحيل أن تتعاطى الدخان في المسجد، لكن يمكن للمدخن أن يتعاطى السجارة في الحمام -أجلكم الله-، ويمكن وأنت صائم تأكل التمر وتشرب الماء في المسجد، لكن لو أذن عليك المؤذن وأنت صائم وأنت في الحمام والتمر في جيبك لا تأكل التمر في الحمام، فالذي يسوِّي بين التمر وبين الدخان ظالم، يُخالف الفطرة التي فطر الناس عليها.
فالدخان يشمل الخبث، ويشمل الإيذاء كما في حديث أبي أيوب الأنصاري عند مسلم في «الصحيح» قال: قال -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: «إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم» وهو في معنى خُبث رائحة البصل والثوم غير المطبوخين.
وفي «الصحيح»: كان من يأتي للمسجد تنبعث منه رائحة الثوم والبصل يحمله اثنان واحد من قدميه وواحد من [يديه] ويرمون به عند البقيع!
هذه السُّنة لا تفعلوها -يا طلبة العلم- لا تفعلوها! بارك الله فيكم؛ إياكم أن تفعلوا هذه السنة! هي سُنة؛ لكن إياكم أن تفعلوها!
ليش لا تفعلوها؟ عندنا قاعدة جديدة تأتينا، أنتم وحدكم إن شاء الله تعرفونها، لما نتمم القواعد تعرفون هذه الأشياء.
إذن الأصل في كل هذه الأشياء الأصل فيها كلها الحل.
وأما الآيات فكثيرة جدا.. أما الأحاديث فكثيرة جدا، أجتزئ على حديثين:
الأول: ما أخرجه البخاري من حديث سعد بن أبي وقاص رضيَ اللهُ تعالى عنه قال: قال -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: «إن أعظم المُسلمين جُرمًا من سأل عن مسألةٍ؛ فحُرِّمت من أجل مسألتِه».
لذا: ثبت في «الطبراني الكبير» عن عبد الله بن عباس قال: «ما سأل أصحابُ رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- رسولَ الله إلا أربع عشرة مسألة» كانوا يخافون يَسألون، قال: «وكانوا يعجبنا أن يأتي الرجل الأعرابي من البادية فيدخل ويسأل» أما نحن كنا نخاف، هذا الرجل لا يلقي بالا لشيء، كل شيء عنده يسأل، أما نحن لما سمعنا قول النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: «إن أعظم المُسلمين جُرمًا من سأل عن مسألةٍ؛ فحُرِّمت من أجل مسألتِه»؛ أصبحنا ما نسأل، نترك الأمر على ما هو عليه، ما نسأل.
طيب؛ إيش مفهوم الحديث؟ الأصل في كل الأشياء قبل السؤال الحِل، وأنتم -أيها السائلون- إن ضيقتم على أنفسكم ضيق الله عليكم، وإن بقي الأمر ولم تسألوا، بقي الأمر على الأصل في الأشياء الإباحة.
ولذا: عند الترمذي عن سلمان الفارسي قال: قال -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: «الحلالُ ما أحل الله، والحرام ما حرم الله، وما سكت عنه؛ فهو عفو» الشيء الذي لم يحلَّل ولم يحرَّم الأصل فيه إيش؟ «وما سكت عنه؛ فهو عفو»، إيش يعني «فهو عفو»؟ ليس بحرام، «ما سكت عنه» ما لم يرِد فيه تحليل ولا تحريم؛ «فهو عفو».
وهذا أصل من أصول قاعدة: الأصل في الأشياء الإباحة.
فالأصل في الأشياء الإباحة.
طيب؛ النباتات التي لا نعرف حالها؟
إنسان سافر لبلدة من البلاد -مثل أندونيسيا- مليئة بالنباتات، فأراد استخدام النباتات، الأصل إيش في النباتات هذه؟ الحل، سواء كان رجل مريض وُصفت له نبتة ليستخدمها، أو إنسان مكتشف مخترع يريد يستخدم أدوية من هذه النباتات أو ما شابه، الأصل الحِل.
ما ينبت الآن على الجبال من أنواع كثيرة من الأشواك والنباتات، الأصل فيها الحل.
إذا كان عندك أنت من أهل الحلال، وعندك غنم، ما تسأل عن كل نوع إيش يرعى الغنم! يرعى هذا ولا يرعى هذا ولا يرعى هذا! هذا الأمر عسر!
فالأصل في كل هذه النباتات الحل؛ وبالتالي الدواب ترعى من كل شيء، ما فيه مشكلة.
وكم من فائدة من فوائد النباتات لم تُعرف إلا من خلال الدواب، بعض المقوِّيات الجنسية عُرفت من خلال الدواب، لما تأكل منها تصبح عندها شبق، فنظروا فحصوا فأخذوا هذه للبشر.
القهوة البُن أول ما اكتشفت وجدوا بعض الغنم يأكل من شجرة في اليمن وكانت لا تنام لما تأكل، فعلموا أن هذه النبة فيها منبِّهات فأصبحوا يستخدمون البُن للناس.
فالأصل في هذا الرعي كله الحِل، وليس الحرمة، الأصل في كل هذه النباتات الحِل وليست الحُرمة.
فالأصل في كل النباتات المجهولة الحِل.
هذه القاعدة التي ينبغي إن سأل طالبُ العلم وتذكر هذه القاعدة يُحسن أن يسأل إيش الحلال وإيش الحرام.
فما ينبغي لطالب العلم أن يسأل عن أشياء مسكوت عنها في دائرة العفو يقول: إيش الدليل على حِلها؟ بمجرد ما يسأل هذا السؤال تقول: هذا مش طالب علم هذا من عوام الناس! فإذا طلبتَ الدليل؛ طالِبِ الدليل في باب دون باب، في مسائل دون مسائل، ولا تكن من أصحاب المشاكل.
الآن نطالب الدليل نعكس القاعدة، الآن نأتي لقاعدة أخرى نطالب فيها الدليل، فنأتي للقاعدة التي بعدها، القاعدة في بيت رقم (23) يقول الناظم رحمه الله:
23. وَلَيْـسَ مَشْـرُوعًـا مِـنَ الأُمُــورِ ... غَيْـرُ الَّـذِي فِي شَـرْعِنَـا المَـذْكُــورِ
هذه قاعدة مهمة والغفلة عنها مَقتلة، وهي عكس القاعدة الأولى.
القاعدة الأولى: الأصل في الأشياء الحل.
القاعدة الثاني: الأصل في العبادات الحظر، الأصل في العبادات ممنوعة، ممنوع تعبد الله إلا بما ورد، تعبد الله بقلبك بعقلك بكيفك؛ لا!
لو نعبد الله بعقلنا؟ الغائط نجس، والمني طاهر، لازم نتغسل من الغائط ما نتغسل من المني، صحيح؟ لو نعبد الله بعقولنا ليش نتغسل من الطاهر؟ المني طاهر، والغائط نجس، نحن نتغسل من طاهر ونتوضأ من نجس! كما قال علي رضيَ اللهُ تعالى عنه قال: «لو كان الدينُ يُعرف بالرأي؛ لكان باطنُ الخُف أولى بالمسح من ظاهره» أنا أمشي على باطن الخف ولما أمسح؛ أمسح ظاهره! الأمر ليس إليك، هذا إيش الله يحب مش لك، هذا لله عز وجل.
لو كان الأمر بالعقل؛ يأتي آخر النهار والإنسان يتعب في عمله وفي مهنته، وفي الزمن الأول الأنور وقت التنزيل كان الناس يعملون ويتعبون في العمل، يأتي آخر النهار صلاة العشاء: أربع ركعات، وتستيقظ طول الليل وأنت نائم وتصلي ركعتين! كان الأصل أن تصلي وأنت مرتاح أربعة، وآخر النهار تصلي ركعتين.
أنت تعِب وتشتاق للنوم؛ لا، آخر النهار مطلوب منك أن تصلي أربعًا، وأول النهار وأنت قوي تصلي ركعتين! ليش؟ هذا الأمر [ليس لك] هذا الأمر لله، الله كلفك، هكذا أمرَ، ليس لك إلا أن تستسلم.
علَّق الإمام البخاري عن الإمام الزُّهري قال: «مِن الله الرسالة، وعلى الرَّسول البلاغ، وعلى النَّاس الاستسلام».
الرسالة من الله، والرسول إيش عليه؟ يبلِّغ، ونحن إيش المطلوب منا؟ نستسلم، علينا الاستسلام، ونحن مسلمون، وكل الأديان الإسلام، وربنا قال: {إنَّ الدِّين عند الله الإسلام} شو يعني الإسلام؟ المراد بالإسلام الاستسلام، نستسلم لأمر الله، هكذا يا رب تحب؛ سمعا وطاعة، هكذا تريد؛ سمعًا وطاعة، فقلبي وعقلي وأحاسيسي وقوَّتي كلها تخضع لأوامرك، وليس لي أن أخرج عن أمرك، فأنا أستسلم لما تحب.
فالرسالة من الله، والرسول -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- مُبلِّغ، والناس عليهم يستسلمون لأمر الله جل في علاه.
لذا يقول الناظم:
23. وَلَيْـسَ مَشْـرُوعًـا مِـنَ الأُمُــور ... غَيْـرُ الَّـذِي فِي شَـرْعِنَـا المَـذْكُــورِ
فالأصل في العبادات: الحظر، ولا يُشرع منها إلا ما شرعه اللهُ تعالى ورسولُه -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-، فما ورد في كتاب الله، وما ورد على لسان رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-؛ هو المشروع، وما لم يرِد مشروع ولا ممنوع؟
يعني: لو جاءنا واحد قال: يا جماعة! خمس صلوات في اليوم والليلة ما تكفي، وزيادة الخير خير، وأنتم تصلون خمس صلوات، أنا بدي أصلي ست صلوات، وأنا الصلوات عندي ستة مش خمسة، وأنتم تصلون خمسة أنا عندي ستة، إيش نقول له؟ أقل الأحوال نقول له: أنت مبتدع! وإذا استحل هذا؛ نقول له: أنت كافر!! دِينك ست صلوات، ديننا خمس صلوات، ديننا غير دينك، أنت لك دين غير ديننا، كل شيء دينه كديننا، كل دينه مثل ديننا، لكن قال: أنا بس بدي أزيد صلاة، أنتم عندكم خمس صلوات، أنا عندي ست صلوات!!
واحد جاءنا قال: يا جماعة! أنا ديني مثل دينكم، كل ما تقولون فيه أقول فيه، حرفًا بحرف، لا أخالفكم في شيء، إلا إني أقول: زكريا عليه السلام مش نبي، كل دينكم أنا وياكم سيان، بس أنتم تقولون زكريا نبي أنا أقول مش نبي، إيش نقول له؟ كافر! لأنه ما استسلم لأمر الله، هذا صار عقله هو الحَكم على الدين، والذي يَكفُر بنبي يَكفر بجميع الأنبياء.
فالشرع لما تجي تثبت نبوة رجل تحتاج لدليل على إثبات نبوته، ولا كل إنسان نبي!! ولا النبي الذي ورد في الكتاب والسنة؟ النبي الذي ورد في الكتاب والسنة.
فلما بيان بن سمعان المجرم كان يقول: الله يقول: {هذا بيانٌ للناس} أنا بيان! بيان اسم رجل كان قديمًا، فجاءنا واحد دجال ادعى النبوة قال: أنا الذي الله عناه في كتابه فقال: {هذا بيانٌ للناس}! كفرتَ!
واحد سمى حاله (لا)!! وقال: النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- قال: «لا نبي بعدي»! قلنا: يا هذا! النبي قال: «لا نبيَّ بعدي» ولم يقل: لا نبيٌّ بعدي! لا النافية ليست (لا) مبتدأ و(نبي) خبر! ما قال: لا نبيٌّ بعدي! قال: «لا نبيَّ بعدي».
فالدجالون والكذابون وأعوان الشياطين الذين ينفخ الشياطين في قلوبهم يأتون شمالا يأتون شرقا، لكن على غير الأصول العلمية.
فإذن: الناظم يقول:
23. وَلَيْـسَ مَشْـرُوعًـا مِـنَ الأُمُــورِ ... غَيْـرُ الَّـذِي فِي شَـرْعِنَـا المَـذْكُــورِ
ما ورد في شرعنا في أمور النبوة، ما ورد في شرعنا من أمور الوحي، ما ورد في شرعنا من العبادات؛ نَقبلُه، وما لم يرِد لا نقبله حتى يأتي الدليل؛ لماذا؟ لأن الله تعالى يقول: {اليومَ أكملتُ لكم دينَكم وأتممتُ عليكم نِعمتي ورضيتُ لكمُ الإسلامَ دِينًا} الدين كامل {اليومَ أكملتُ لكم دينَكم}؛ فالذي يقول فيه فرض الله يحبه ولم يرِد في كتاب أو سُنة؛ كأنه يقول -إن سلَّمنا أن هذا الأمر يحبه الله كما يقول- كأنه يقول: هذا الأمر يحبه الله، وأنزله على قلب رسوله محمد -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-، ومحمد خان الأمانة! وأنا أريد أن أُكمِلها، وقول الله: {اليومَ أكملتُ لكم دينَكم} ليس بصحيح إلا هذا الأمر الناقص، هذا محمد -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- خان الأمانة فيه، فأنا اليوم أُكمِلكم، آتيكم بشيء جديد ما جاء في زمن النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-!!
لذا: جاء رجل للإمام مالك بن أنس، وكان بيته بعيدا أمتارا عن ذي الحليفة -آبار علي-، قال له: يا إمام! يا أبا عبد الله! أنا أريد أن أعتمر وأُحرم من بيتي، ما أريد أن أذهب هذه الأمتار وأُحرم من ذي الحليفة!
النبي وقَّت لنا مواقيت الحج والعمرة -المكانية والزمانية-، صحيح؟
يعني: لو واحد قال: أنا بدي أحج في صفر مش في ذي الحجة، أنا الحج اليوم.. بدي أعمل أعمال الحج كاملة غير ناقصة لكن في صفر مش في ذي الحجة؟ نقول له: حالك كحال من يقول: أنا أريد أن أحج في ذي الحجة إلى ماليزيا مش إلى الكعبة!! لا فرق بين هذا وذاك!
فالذي يغير المكان يغير الزمان، والدين كامل.
فجاء هذا الرجل فقال: يا أبا عبد الله -الإمام مالك، إمام دار الهجرة- أنا بيتي بعيد عن ذي الحليفة أمتارا، وأريد أن أُحرم من بيتي للعمرة؟ فقال له الإمام مالك: إني أخشى عليك الفتنة. قال: وأي فتنة هذه؟! إنما هي أمتار أمشيها! قال: يا هذا؛ أما سمعتَ قول الله: {فلْيحذر الذين يُخالفون عن أمرِه أن تُصيبَهم فِتنة أو عذاب أليم} (أمرِه) الهاء، مضاف إليه، على من تعود؟ على رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-، فلْيحذر الذين يُخالفون أمر رسول الله أن تصيبهم فتنة، فالذي يخالف أمر رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- هذا أصبح فتنة، الفتنة في مخالفة الرسول -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-.
فـ{اليومَ أكملتُ لكم دينَكم} الدين كامل.
عمر -رضيَ اللهُ عن عمر وعن سائر أصحاب رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم--، عمر مُلهم، سمع رجلًا من اليهود -والقصة في «البخاري»- يقول: لو نزلت علينا هذه الآية لاتَّخذناها عيدًا، قال عمر: والله إني لأعلمُ أين نزلت وفيمَ نزلت، والله إنها نزلت يوم الجمعة، في يومِ عيدٍ، في العاشر من ذي الحجة، في العام الذي حجَّ فيه رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-.
عيد لنا في الأسبوع، وعيد السنة، وآخر الموسم الذي حج فيه النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- نزلت هذه الآية.
ولذا عمر لما كانت تُقرأ عليه الآية: {اليومَ أكملتُ لكم دينَكم} كان يبكي، وكان يقول -رضيَ اللهُ تعالى عنه-: «واللهِ ما بعد الإتمام إلا النقصان»؛ بعد التمام النقصان، اليوم أُكمل الدين يبدأ النقص سيظهر في الأمة، أي نعم.
وهذا يطابق كلام النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: «إنه من يعِش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسُنتي وسُنة الخلفاء الراشدين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ» إيش قال بعدها؟ قال: «وإياكم ومحدَثات الأمور؛ فإن كل محدَثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار».
ماذا يُستفاد من قوله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: «وإياكم ومحدَثات الأمور؟
يُستفاد من قوله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-:«وإياكم ومحدَثات الأمور بأن الأصل في العبادات التوقيف، وأن الإحداث فيها، إيش الإحداث يعني؟ يعني الافتراع والاختراع وأن نتعبد الله بما في عقولنا، أو عاداتنا أو تقاليدنا، أو ما وجدنا عليه الآباء أو الأجداد، أو ما وجدنا عليه أهل العادات والتقاليد، أو ما تمليه علينا السياسات والمصالح، أو الأهواء والمنامات، هذه كلها محدثات أمور، فلما قال النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: «وإياكم ومحدَثات الأمور؛ فإن كل محدَثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار»؛ تبين لنا من هذا الحديث أن الأصل في العبادات التوقيف، والإحداث فيها حرام.
وكذلك يقول الله عز وجل: {أم لهُم شُركاءُ شرعوا لهم من الدِّين ما لَم يأذنْ به الله} دلت الآية أن الذي يُشرِّع الدِّين بغير نصٍّ من كتاب أو سُنة؛ هو شريك لله في التشريع، في التحليل والتحريم!
ولذا: في حديث عدي بن حاتم -وكان نصرانيا- فأُسرت أخته -عدي بن حاتم ذاك الرجل المعروف بالكرم عند العرب- فكان عدي قد هرب، وكان نصرانيًّا، فلما أخبرتهُ أختُه أن النبي رحيم بالناس، وأن من يأتيه فالنبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- لا يظلمه، فجاء عَدي، وكان في صدره صليب، فجاء للنبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- وكان النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- يقرأ: {اتَّخذوا أحبارَهم ورُهبانَهم أربابًا من دون الله}، فعدي قال -ويعبر عما في قلبه-: ما اتَّخذوهم أحبارًا من دون الله. فقال له النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-:«ألم يُحلِّلوا لهم الحرام؟ ويحرِّموا عليهم الحلال؟» قال عدي: بلى. فقال النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-:«تلك عبادتُهم إيَّاهم»!
إذن: من شرَع في الدين ما لم يأذن به الله، فاخترع من رأسه عبادات، هذا إيش؟ مُشرِّع! {أم لهُم شُركاءُ شرعوا لهم من الدِّين ما لَم يأذنْ به الله} فدلت الآية على أن الأصل في العبادات التوقيف، ما لك أن تُحرِّم، ما لك أن تقول للناس عبادة كذا مشروعة أو ممنوعة.
وكذلك ورد هذا في عدد كبير من الآثار، فعبد الله بن مسعود رضيَ اللهُ تعالى عنه كان يقول:«اتَّبعوا ولا تبتدعوا؛ فقد كُفيتم» ما ورد في الكتاب والسنة يكفيكم، فعليكم بالاتباع وإياكم والابتداع، فقد كُفيتم، كل من لا يُغنيه الكتاب والسُّنة ويريد أن يعبد الله من غير دليل؛ هذا ضال؛ بل هذا رأس من رؤوس الضلال.
وكان عبد الله بن مسعود يقول -وهذه قاعدة هنيئة مريئة يهنأ بها السني- كان يقول: «الاقتصاد في سُنة خيرٌ من الاجتهاد في بِدعة»، سُنة قليلة مُباركة خير من اجتهادٍ كثير في بِدعة «الاقتصاد في سُنة خيرٌ من الاجتهاد في بِدعة».
وعند الدارمي عن عبد الله بن عمر رضيَ اللهُ عنهما كان يقول: «كلُّ بدعة ضلالة وإن رآها الناسُ حسنة».
فيه بدعة حسنة في الدين؟ في الدين ما فيه بدعة حسنة.
في الدنيا: الأشياء التي لم تكن في زمن الرسول -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- ما نقول عنها بدعة؛ نقول عنها : حلال، يعني: المروحة والثريا والسيارة والتخت وما أدري إيش.. هذه الأصل فيها الحِل ولا الحرمة؟ الحِل، ليش نقول عنها بدعة؟
إذا أبيتُم إلا أن تقولوا: فيه بدعة حسنة؟ قولوا: البدعة أصلها حلال! فصار الخلاف شكليًّا، لكن هذه لا تسمى بدعة، البدعة لا تكون إلا في الدين، ولذا قال النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: «كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار»، وقال عبد الله بن عمر رضيَ اللهُ تعالى عنهما: «كل بدعة ضلالة وإن رآها الناسُ حسنة» ما فيش في الدين بدعة حسنة.
إذا تقولون عن الباص وعن القطار وعن الطيارة بدعة! هذه ليست في الدين، ننتكلم عن الدين، فالدين كامل، ما يجوز لأحد أن يزيد عليه، ولا يجوز أن يقول: هذا شيء يحبه الله ولم يكن في زمن رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-.
ولذا: كان سعيد بن المسيب يقول:«ما لم يعرفه أهلُ بدرٍ؛ فليس من دين الله في شيء» الذي لا يعرفه أهل بدر ليس من دين الله، لكن أهل بدر لا يعرفون السيارات والطيارات، هذه من الدين -الطيارات والسيارات-؟ ليست من الدين، والنظارات والمكروفونات، ليست من الدين، هذه ليست لها صلة بالدين.
أما تقول لي: فيه عبادة ما كان يعرفها أصحاب النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-، أو لا يعرفها أهل بدر؛ فهذا كله بدع.
جاء رجل لعبد الله بن عباس رضيَ اللهُ تعالى عنهما فقال له: أوصني! فقال: «عليك بتقوى الله والاستقامة، اتَّبع ولا تبتدع».
رأى سعيد بن المسيب رجلًا يقوم يصلي تطوعا في وقت غروب الشمس قبل المغرب، وكان شابا، فسعيد أبو محمد سيد التابعين، أخذ بيد الشاب وأجلسه بقوة، هو قام يصلي لله في وقت فيه إيش؟ كراهة، فأخذ بيده وأجلسه، فقال الشاب لسعيد: يا إمام! أيعذبني الله على أن أصلي له؟ معقول الله يعذبني أن أصلي له! استغرب من فعل سعيد، قال: أيعذبني الله لأني أصلي له؟ فقال له سعيد -ونهره- قال: يا هذا! اجلس! إن الله لا يعذبك لصلاتك له، ولكن الله يعذبك لخلافك للسُّنة. الله يعذبك لأنك خالفت السنة، الله لا يعذبك لأنك تصلي له، النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- نهاك أن تصلي في هذا الوقت، فلا تصلي في هذا الوقت.
وكذلك: ابن عمر دخل المسجد، فوجد المؤذن يؤذن ويثوِّب في الأذان، يعني شو يثوِّب؟ قالوا: يقول: الصلاة خير من النوم، في غير وقتها، وقالوا: أنه يؤذن للمسؤولين وللبعيدين وللغافلين ويؤذن لكل واحد على صلة، قالوا هذا التثويب.. فخرج عبد الله بن عمر رضيَ اللهُ تعالى عنه من المسجد وصاح بأعلى صوته وقال: «أخرجتني البدعة» هذا المؤذن بسبب فعله هذا خرجتُ من المسجد.
جاء مؤذن لعبد الله بن عمر وقال: يا عبد الله! إني أحبك في الله، فقال له عبد الله بن عمر: أما أنا والله أشهده أني أبغضك في الله، قال: لم؟ قال: إنك تلحن في أذانك وتأخذ عليه أجرًا. اللحن في الأذان ممنوع في الشرع.
أكثر قصة تُبين أن الأصل في العبادات التوقيف: رجل عطس عن ابن عمر -والقصة عند الترمذي-، لما عطس قال: الحمد لله وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، فقال له ابن عمر: أما الصلاة على رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- فحَسنة، ولكن رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- ما علمنا أن نصلي عليه في هذا الموطن، ولم يعلِّمنا إلا أن نقول: (الحمد لله على كل حال)، فزجره أن يقول: صلى الله على رسول الله.
فهذه كلها تدلل على قاعدة: (الأصل في العبادات التحريم).
والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

انتهى (الجزء الأول) ويتبع (الجزء الثاني).

تفريغ : أم زيد

من هنـا تجميع روابط الدروس المفرَّغة
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 06-08-2012, 05:27 PM
أم زيد أم زيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 5,264
افتراضي الدرس الثامن / الجزء الثاني

[الـدَّرس الثَّـامِن]
(الجزء الثَّاني)



إن الحمدَ لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذُ باللهِ مِن شرورِ أنفسِنا ومِن سيئاتِ أعمالِنا، مَن يهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومَن يضللْ فلا هاديَ له. وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحده لا شَريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه.
أما بعد:
بناء على ما قررنا في شرحنا للقاعدة الأخيرة أن الأصل في العبادات الحظر والمنع، لو سأل سائل فقال: ما حُكم الصلاة الرجبيَّة -مثلا-؟ تعرفون إيش الصلاة الرجبية؟
الصلاة الرجبية: صلاة تؤدى في التكايا والزوايا، تصلى مائة ركعة في رجب خاصة، وفي كل ركعة تُقرأ أم الكتاب و{قل هو الله أحد} عشر مرات، ويتعبدون الله تعالى بها في كل رجب، ولا سيما في ليلة المنتصف من رجب، يقوم يصلي بعد صلاة العشاء، ويصلي مائة ركعة، في كل ركعة يقرأ [الفاتحة] ويقرأ {قل هو الله أحد} عشر مرات، إيش حكم هذه الصلاة؟ نريد جوابًا علميًّا بناء وتفريعًا على الأصل الذي قررناه وشرحناه والمعمول به عند أهل العلم.
إيش يمكن أن يقول طالب العلم؟ [مداخلة]
يا من تصلي هذه الصلاة لا يحل لك أن تصليها حتى يتبرهن عندك دليلٌ من كتابٍ أو سُنة أن هذه عبادة يحبها الله، فما لم يَقم دليل؛ فالأصل في مثل هذه العبادة وما هو على شاكلتها؛ الأصل فيه المنع.
فكيف وقد ذكر الإمام أبو شامة المقدسي -شيخ الإمام النووي وتلميذ ابن الصلاح-رحم الله الجميع-في كتابه البديع «الباعث على إنكار البدع والحوادث»- قال: «في رحلتي إلى بيت المقدس جاءني رجل من نابلس، وقال لي: إني وضعتُ الأحاديث التي فيها فضل الصلاة الرجبية، وكذبتُ فيها على رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-».
ينبغي أن تقول: حتى يثبت، ما تقول: حتى يَرِد، ما تقول: هذا لا أتعبد بهذه العبادة حتى يَرِد عن رسول الله؛ يجب أن تقول: حتى (يثبت) مش يرِد.
يقول: أنا وضعتُ هذه الصلاة، أنا الذي كذبت على النبي، قال: واستتابني وتوَّبتُه، تاب، قال: أنا كذبت على النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- في هذه الصلاة، وبقيت الصلاة للآن موجودة، بقيت هذه الصلاة لهذه الساعة تُصلَّى في الزوايا والتكايا.
كذلك إحياء ليلة النصف من شعبان، ابن كثير في تفسير «سورة الدخان» {إنا أنزلناهُ في ليلةٍ مباركة} يزيِّف ويضعِّف قولَ من قال إن ليلة القدر ليلة النصف من شعبان، ويقول ليلة القدر قطعًا هي في رمضان لأن الله يقول: {إنا أنزله} أي القرآن {في ليلة القدر}، فرجل يقوم ليلة النصف من شعبان، ويعتقد أن لها أجرا وفضلا، فما لم يرد دليل في هذه الصلاة؛ فممنوع هذا الاعتقاد.
لكن من قام ليلة النصف من شعبان كسائر الليالي، ليلة من الليالي وافق أن يسر الله له أن تكون ليلة النصف من شعبان، مثل الليلة التي قبلها والليلة التي بعدها، ولم يعتقد فيها أجرا؛ فهذا مما أطلقه الشرع، فالشرع أطلق قيام أي ليلة من الليالي.
لكن أن تقوم فقط ليلة النصف من شعبان، وأن تصوم فقط النصف من شعبان، ولم يثبت عن رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- شيء من ذلك؛ فالأصل في العبادات المنع، وبالتالي هذه العبادات كلُّها مردودة.
فكل عبادة من صلاة أو صيام أو حج، إيش حج؟
بدعة كانت قديمة معروفة عند أهل دمشق، وعرفت في العصور الأولى، تسمى التعريف، كان الناس يوم عرفة يتجردون من المَخيط وهم في دمشق، ويلبسون ملابس الإحرام، ويقفون في المساجد يتضرعون يتوجهون للقِبلة ويسألون الله تعالى!
أبو شامة بحث هذه المسألة أيضا في كتابه «الباعث» بحثًا عجيبا ونقل عن جملة من الأعيان من التابعين من أهل الشام أنهم كانوا لا يَخرجون بعد عصر يوم عرفة، كانوا يبقون من بيوتهم، ولا يخرجون يقفون مع الدهماء ومع العوام.
فلا يجوز تعبُّد الله عز وجل بأي عبادة من العبادات إلا إن ثبت ذلك.
لا يجوز لك أن تؤذن في وقت لا يشرع لك الشرع الأذان؛ لأن الأصل في الأذان التوقيف، لا يجوز لك أن تزيد على الأذان.
أتَعلمون أن خلاف المسلمين في بعض مسائل في الأذان، والأذان -في «سنن النسائي»- سبعة عشر كلمة، يقول ابن عباس، يعد الكلمات!
يعني إذا اختلفنا نحن في الأذان، هل الصلاة على النبي من الأذان ولا ليس من الأذان؟
يا جماعة، إذا نحن ما اتفقنا في عبادة تُنشر على الملأ وتُفعل في غير خفاء، ويُصاح بها صياحا وتُفعل في كل يوم وليلة خمس مرات، إذا ما اتفقنا عليها إيش نتفق؟
فالخلاف في الصلاة على النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- هل هي من الأذان ولا ليس من الأذان خلاف خطير، لا من حيث الماهية، من حيث النوعية، مسألة خطيرة جدا.
ابن عباس يقول: «الأذان سبعة عشر كلمة، آخرها: لا إله إلا الله»، والنبي يقول: «من قال مثل ما قال المؤذِّن (ثم) صلَّى علي».. يعني الصلاة علي (ثم) إيش يعني؟ ليست الأذان.
طيب شو فيها يا شيخ نصلي على النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- بعد الأذان في الميكروفون؟
طيب لو قرأنا الفاتحة بعد الصلاة شو فيها؟ شو الفرق؟
طيب؛ نقرأ الفاتحة في خطبة الزواج، إيش رايكم؟ قراءة الفاتحة عبادة ولا عادة؟ تدخل في (الأصل في الأشياء الإباحة) ولا تدخل في (الأصل في العبادات المنع)؟ تدخل في (الأصل في [العبادات المنع]).
طيب يا جماعة النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- في زمنه كان فيه فاتحة ولا ما فيه فاتحة؟ فاتحة لنا ولا كانت عندهم؟ طيب كان عندهم زواج ولا ما كان عندهم زواج؟ طيب كانوا حريصين على الخير ولا مش حريصين على الخير؟ طيب؛ إيش كانوا يقولون في أعراسهم، في الخطبة إيش كانوا يقولون؟ إيش كانوا يقولون نقول.
يمكن نحن نفعل شيئًا أحسن مما فعله النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-؟
طيب ... لو قرأنا {قل أعوذ بربِّ الناس} {قل أعوذ بربِّ الفلق} إيش المشكلة؟
أزيدكم شيئًا:
العادات إذا انقلبت عبادات وأصبح الناس يفعلونها على أنها عبادة، أو أنزلوها منزلةَ العبادة من حيث أنها فرضٌ لازمٌ، وحتم واجب؛ فينبغي للقدوات أن لا يفعلوها على هذا الوجه وأن يتركوها.
طيب؛ أزيدكم شيئا آخر:
السُّنة التي يحبها الله، المشروعة، إذا فعلها الناس على وجهٍ يُفهم منه أنها أصبحت واجبًا؛ فعلى أهل الفضل أن يتركوها بين الحين والحين.
النبي عليه السلام قام رمضان ليلتين تداعى الناس من كل مكان؛ فترك القيام، ما أظهر القيام قيام رمضان، إيش قال؟ قال: «مخافة أن تُفرض عليكم» فالنبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- [...] ما أظهر القيام في الجماعة وعلَّل قال: «مخافة أن تُفرض عليكم».
عمر رأى الناس يصلون ويتركون كما كان الناس -كما في «موطأ مالك»- في زمن أبي بكر، يصلون عِزِين متفرِّقين، وكل جماعة بإمام، تأمل عمرُ فكَّر عمر: ليش النبي ما صلى جماعة؟ ليش ما جمع الناس على إمام واحد؟ قال: النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- ما جمع الناس؛ مخافة أن تفرض عليهم، والآن ما فيه وحي؛ فأنا أجمعهم.
فالعِلة التي خشيها -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- ممنوعة، وأصل الاجتماع على الجماعة مشروع؛ لأن النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- فعله مرات قليلة، ولم يداوم عليه من أجلِ عِلة، فالعِلة انتفت، وأصل المشروعية حاصل؛ فجمعَ النساء على تميم الداري فأمَّ بهن، وجمع الرجال على أُبي بن كعب، ونظر إليهم فقال -وكان يصلي آخر الليل- فقال: «واللهِ إنَّ التي ينامون عنها خير من التي يُصلونها، نعمت البدعةُ هذه».
يعني: أحدث جديدا ليس بمعنى الإحداث الذي ليس له أصل؛ وإنما بمعنى أن المداومة ما داوم عليها النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-، وفعل النبي يأذن لأمثالنا أن نداوم عليها، لأننا لو داومنا نحن -عمر ومن بعده-؛ ما كانت واجبة على الأمة.
فبعض الناس يقول لك: كيف ما في في الدين بدعة حسنة وعمر يقول: «نعمت البدعة هذه»؟ نقول: يا مسكين! مش فاهم شو عمر فعل؟! اصنع صنيع عمر، وصنيعُ عمر على العين والرأس، فعمر أراد إحداث الاجتماع والمداومة على الاجتماع وهو مشروع وليس بممنوع، وكان الاجتماع أصله مشروعا، والمداومة عليه ممنوعة لعِلة في زمن رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-، فزالت هذه العِلة بوفاتِه -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-.
هكذا ينبغي أن نفهم هذه القاعدة لما نقول: الأصل في العبادات المنع.
فالأصل في العبادات المنع.
طيب؛ «صلاة الرجل في جماعة خير من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة» الحديث في «الصحيحين»، يا جماعة! تعالوا نصلي سُنة الظهر القبلية جماعة؟ إيش رايكم؟ أو الآن نقوم نصلي سُنة العشاء في جماعة؟ واحد يقول: النبي عليه السلام يقول: «صلاة الرجل في جماعة خير من صلاة الفذ بسبع وعشرين»؟
نقول: يا جماعة! هذا الحديث كيف الصحابة فعلوه؟ وكيف طبقوه؟ وكيف فهموه ينبغي أن نفهمه.
هل فهم الصحابة -وقبلهم رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- أن صلاة المرء في جماعة خير من صلاة الفذ، أي صلاة؟ ولا صلاة معيَّنة؟ [صلاة معينة] أي صلاة؟ الفريضة.
طيب، لو كانت صلاة النوافل جماعة مشروعة، وفُهم أن الله يحبها، أما فعلها الصحابة؟
فلذا -يا إخواني- ما ينبغي أن نفهم الأحاديث النبوية -ولا سيما في باب العبادات- إلا كما فهمها أصحاب رسول الله؛ إلا في الواقع الذي ينبغي أن نُنزِلها في الواقع الذي طُبقت وفعلت فيه.
أما واحد يضحك علينا ويستدل لنا بحديث عام ويسرق عقولنا، ويُنسينا ما كان عليه الأصحاب، وما كان عليه القرون المفضَّلة من الصحابة والتابعين وتابعين [الذين] زكاهم النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- حيث قال: «خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم» قالها مرتين أو ثلاثا كما في «الصحيح»، «ثم يظهر السِّمن وتسبق شهادةُ أحدِهم يمينَه، ويمينُه شهادتَه؛ فهذا تغرير.
ولذا -يا إخواني- الأصل في العبادات التوقيف.
طيب؛ نحن الآن نصلي قيام رمضان جماعة صحيح؟ هذا مشروع ولا ممنوع؟ مشروع، ليش؟ لما أسلفنا، والنبي أعطانا مشروعية فقال: «مَن صلى مع الإمام حتى ينصرف كتبت له قيام ليلة»؛ يعني: فِعله ينبغي أن يُضم إلى قوله، والصحابة فهموا المداومة.
لو واحد قال: يا جماعة! اليوم ربنا يُعصى في الأرض، وفيه حفلات عيد ميلاد، نحن بدنا نقول الليل في المسجد، وبدنا نصلي قيام الليل جماعة مثل ما نصلي لقيام رمضان، طيب الأصل في العبادات المشروعية ولا المنع؟ مشروع هذا ولا ممنوع؟ نتداعى لصلاة قيام الليل ليلة من الليالي؟ مشروع ولا ممنوع؟ ممنوع.
طيب؛ أضرب لكم مثلا آخر:
شاب، أو مجموعة من الشباب يسكنون في غرفة -في غربة، في جامعة-، واحد منهم قام توضأ وصلى، فاستيقظ الآخر فنظر إليه فوجده يصلي فتوضأ ووقف بجانبه، ما اتفقوا ولا تواطؤوا على قيام هذه الليلة، هذا الفعل مشروع ولا ممنوع؟ مشروع، ليش مشروع؟ لأن النبي عليه السلام لما كانت نوبته من ميمونة فدخل ابن عباس ووجد النبي واقفا يصلي، فتوضأ ووقف بجانبه، فالنبي إيش فعل فعلناه.
لكن لما نصير نصيّح: يا جماعة كل يوم أربعاء بعد العشاء بدنا نقوم الليل!
أنت تستدرك على الشرع، الشرع يقول: كل رمضان نقوم الليل جماعة، سمعنا وأطعنا، لا نزيد.
لو الشرع جاء كل يوم أربعاء؛ قلنا: كل يوم أربعاء، لو قال: كل يوم سبت؛ قلنا كل يوم سبت.
فالأصل في العبادات المنع حتى يأتي الدليل، فإن جاء الدليل فنستخدمه كما استخدمه السابقون، كما فعله النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- وكما فهمه الصحابة عن لسان الرسول -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-.
إن أذِنوا لنا أن نتوسع قليلا؛ كفِعل عمر لما داوم لِعِلة، عمر رأس المهديِّين، وعمر مُلهَم، وصنيع عمر حُجة.
طيب؛ عثمان.
يا شيخ مش عثمان زاد أذان يوم الجمعة؟ [...] عثمان زاد الأذان، قلنا: على العين والرأس، ما ورد عن عثمان نقول فيه، عثمان زاد أذان؛ على العين والرأس، لكن: وين عثمان زاد الأذان؟!
السوق اتسع، والدنيا اتسعت، والمؤذن ما فيه مكبرات صوت، والمؤذن يؤذن والناس يتبايعون في الأسواق، فعثمان بنى مكانًا في السوق بعيدا عن المسجد يُسمى الزوراء، فكان المؤذن يصعد على الزوراء فيُذكر أهل السوق بالأذان، ليش عثمان فعل هذا؟ لأن صوت الأذان لا يصل إلى السوق، فذَكَّرهم في السوق بالأذان حتى يتهيؤوا لصلاة الجمعة، فيأتون الجمعة.
فعثمان لم يُحدِث أذانا، لأن الصوت ينبغي أن يصل السوق، ولم يصل الصوت للسوق، بنى مكانا يصعد عليه المؤذِّن فيذكرهم بالصلاة.
طيب؛ لو كان الصوت يصل السوق، أأحدث عثمان هذا الأذان؟ لا.
يقول الإمام الشاطبي رحمه الله في أواخر كتابه «الاعتصام» قال: «فلما تقادم الزمنُ نقل هشام بنُ عبد الملك الأذان الذي أحدثه عثمان من السوق، فأصبح يؤذَّن في المسجد».
من الذي أحدث الأذان الثاني في المسجد؟ هشام بن عبد الملك، هل هشام بن عبد الملك فعلُه مقبول؟ لا والله ليس بمقبول.
فِعل الخلفاء الراشدين الأربعة: «عليكم بسُنتي وسُنة الخلفاء المهديين الراشدين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ» أفضل.
ولذا الشافعي رحمه الله في كتابه «الأم» يقول: «وما كان في زمن رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- وزمن صاحبيه أبي بكر وعمر أحب إليَّ مما أحدثهُ عثمان من الأذان للجمعة» هذا كلام الشافعي.
يا أخي! عثمان ما أحدث يعني ابتدع، دعت حاجة لإيجاد الأذان ليسمع أهل السوق.
في «البخاري» كان النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- كان بلال يؤذِّن فيصعد النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- على المنبر، أين كان الناس تصلي الجمعة القبلية، والنبي يخطب؟ يستحيل، والأصل في العبادات المنع، ما نصلي الصلاة إلا على ما ورد في الشرع، ولم يرِد دليل صحيح لصلاة السُّنَّة القبلية، فالأصل في صلاة السُّنَّة القَبلية ممنوعة مش مشروعة ويحرم أداؤها، والنبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- قال: «من كان مُصليًّا فليصلِّ ركعتين أو أربعًا» فالجمعة لها سُنة بعديَّة لقوله الصحيح: «من كان مُصليًّا فليصلِّ ركعتين أو أربعًا»، إن شئت صلِّ ركعتين أو أربع ركعات بعد الجمعة، أما أن تصلي قبل الجمعة فهذه الصلاة ممنوعة وليست بمشروعة، ليش ممنوعة؟ لأنَّ الوقت هذا أصلاً مُحدَث، كان في زمن بني أميَّة، وفي زمن النبي وزمن أبي بكر وزمن عمر كانوا يؤذنون ويصعد الإمام على المنبر على طول ويخطب مباشرة، وفي زمن عثمان كذلك، لكن في زمن عثمان الناس ما كانوا يصلهم الأذان فأحدث لهم ليُبلغهم ليجهزوا أنفسهم للصلاة، هذا الذي فعله عثمان، أما عثمان ما فعل أذانا ثانيا في المسجد حتى يكون هنالك مجال لصلاة السُّنة القَبلية، فما لم يثبت حديث لصلاة سُنة الجمعة القبلية يحرم علينا أن نصليها ولا يجوز لنا أن نصليها؛ فهي في عداد الممنوع وليست في عداد المشروع.
هذه بعض الأمثلة التطبيقية المهمة التي تلزمنا، كل ذِكر تداوم عليه من رأسك ولم يرِد عن النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- وتعتقد أن له خاصية أو أن له فضلا يلقنك إياه راقٍ -زعم- أو شيخ وهو لم يثبت في شرع الله سبحانه وتعالى؛ هذا افتئات على الشرع، تعدٍّ على الشرع.
الذي يقول لك: قُل كذا 444 مرة،4444 مرة مثل الصلوات النارية، وواحد راقي يقول لك اقرأ كذا 77 مرة و90 مرة و30 من رأسه! هذه من خواص لا يعرفها إلا الأنبياء، هذه أشياء أخذها خاصية -الذِّكر0.
فلا يجوز أن تتعدى طورك، ولا يجوز لك أن تتعدى على شرع الله سبحانه وتعالى.
فكل راقي إن أن أراد يقول لك تقرأ الفاتحة سبع مرات، تقول: نعم، ورد عند الترمذي أن أبا سعيد الخدري لما رقى سيد القوم قرأ عليه الفاتحة سبع مرات وأقره رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- على العين والرأس، إقرار النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- ... على العين والرأس.
أما أن نزعم أن هنالك أسرارًا للصلوات وللأذكار وللأوراد، وِرد البحر، وِرد البر، وِرد النار، ورد الإيش! هذه كلها ما أنزل الله بها من سلطان.
الأصل في هذه الأمور المنع.
ورحم الله الإمام النووي ،كان عمليا، وكان مباركا، وكان موفقًا، نشأ في سورية، وبيئة صوفية، فيها أوراد، وفيها خلط في الأذكار التي يُعبد الله تعالى بها، ووُجد افتراءات واختراعات وموروثات أخذها التلاميذ والمريدون من المشايخ، فألَّف كتابًا بديعًا سماه «الأذكار» جمع فيه الأذكار الواردة عن النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-، وذكر كل الأذكار الواردة عن النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-، فقضى على الخرافات بِمثل هذا الكتاب، وببركة وصدق نية قائله -والله حسيبه ولا نزكي على الله أحدا- وضع الله له القبول، وأصبح الناس يأخذون الأذكار النووية، وفي الأذكار النووية غُنية، حتى قالوا في أمثلتهم: «بِع الدَّار واشترِ الأذكار» من شدة القَبول الذي وضعه الله تعالى لهذا الكتاب.
فالأذكار الواردة عن سيد الأخيار عن محمد -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- فيها الغنية وفيها الكفاية.
ولذا يا إخواني -بارك الله فيكم-: الأصل في كل ما يُتعبد الله به من عبادات وأذكار وصيام وصلوات وتقديس بِقاع، ما نقدس أي بقعة، نحن نقدس ونحترم ونعظم ما عظمه الله: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}.
انظروا إلى الحجر، عندنا في الحج نوعان من الحجر: حجر تأخذه وتحذفه عبادةً في رمي الشيطان، وحجر تُقبِّله عبادةً اتباعا للنبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-! لا إله إلا الله! ما الذي جعلنا نُقبِّل هذا الحجر ونرمي ذاك الحجر؟! وهذا حجر وهذا حجر؟! ما الذي جعلنا نفعل هذا؟ الشرع أمرنا أن نُقبل هذا وأمرنا أن نرمي هذا، هذا هو الشرع.
فما ورد في الشرع تعبَّدْنا الله تعالى به، ليس لعقولنا دَور إلا أن نفحص الخبر وصحة الخبر.
فالعبادات الأصل فيها التوقيف، لا يجوز لنا أن نفعل شيئا من العبادات التي نتعبد الله بنا وليس لنا على ذلك دليل.
فكل من طلب منك أن تعبد ربَّك بذِكر أو بصيام أو صلاة أو تعظيم مكانٍ، فإذا أتى بالدليل فعلى العين والرأس، ما أتى بالدليل؛ فلا.
لذا عُمر صرَّح بهذا فقال: «والله؛ إني أعلمُ أنك حجر لا تضرُّ ولا تنفع، ولكنِّي رأيتُ رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- يُقبِّلك فقَبَّلتُك» اتباع تام للنبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-.
طيب؛ نأتي لقاعدة جديد وبها نختم مجلسَنا حتى لا يطول إن شاء الله.
البيت الرابع والعشرين يقول الناظم:
24. وَسَـائِــلُ الْأُمـورِ كَـالمَقـاصِــدِ ... وَاحْكُـمْ بِهَـذَا الحُـكْـمِ لِلـزَّوائِــدِ
(الوسيلة): ما يُتقرب بها إلى الغير، وما تكون بين يدي الغاية، هذه الوسيلة.
و(المقصَد): قصدتُ الشيء أتيتُه، أي: الشيء الذي تُريده وتجعل الوسيلة بين يديه، بمثابة السُلَّم للسطح، السُّلَّم وسيلة للصعود على السطح.
يقول الناظم: (وَسَـائِــلُ الْأُمـورِ) الوسيلة للحلال حلال، والوسيلة للمكروه مكروه، والوسيلة للحرام حرام، والوسيلة للواجب واجب، فتُعطي الوسيلةَ حكم الغاية.
الشرع أمرنا بأشياء هو لا يُريدها، وإنما أمر بها لتكون وسيلةً لشيء آخر.
يعني: الشرع طلب منا أن نتوضأ، ليش الشرع طلب منا الوضوء؟ الوضوء عبادة ولا وسيلة؟ وسيلة لعبادة، إيش العبادة؟ الصلاة.
النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- -في «الترمذي»-وهو الحديث الأول في «الترمذي»- يقول: «لا صلاة لمن لا وضوء له»، إذا الإنسان صلى من دون وضوء؛ لا صلاة له، فالوضوء وسيلة.
الصلاة واجبة، والصلاة لا تصح إلا بالوضوء، إيش حُكم الوضوء؟ واجب.
متى انتقض الوضوء؛ فيجب على الإنسان أن يتوضأ؛ لأن حكم الوسائل حُكم المقاصد.
طيب؛ إيش حكم الوضوء لصلاة الضحى؟ حتى تصح صلاة الضحى؛ نتوضأ، فالوضوء شرط لصحة الصلاة.طيب.
الوضوء يتعبد الله به هو عبادة يتعبد الله به؟
يعني: الآن ونحن جالسون رجل خرج على المُوضَّأ دخل توضأ، ثم خرج ودخل، خرج ودخل! يا أبا فلان! إيش تعمل؟ قال: الوضوء عبادة وأنا أعبد الله بالوضوء!
يا حبيبنا! الوضوء وسيلة، توضأ، اعبد الله بالوسيلة، صلِّ ركعتين، روح جدد الوضوء، ما فيه مشكلة.
توضأ، اجعل وضوءك وسيلة، صلِّ ركعتين، وروح جدد الوضوء، ما فيه مشكلة، النبي توضأ وهو متوضئ، لكن بعد أن جعل الوضوء وسيلة.
لذا: لما كان الشرع لا يريد الوضوء لذاته؛ وإنما أراده وسيلة، فإذا نقضتَ وضوءك بكل ناقِض، بعشر نواقض تتوضأ كم مرة؟ مرة واحدة.
وكذلك الغُسل: لو الإنسان نقضَ غُسله بعدة أسباب: امرأة كانت جنبا وحائضا فاغتسلت، تغتسل كم مرة؟ غُسلا واحدا، هو وسيلة، ما فيه داعي تغتسل مرتين.
ولا فيه داعي لمن أكل لحم الجزور وأخرج ريحا وبال وتغوط في مرات متعددات، على كل ناقض من النواقض يتوضأ وضوءا! فكل هذه وسائل تكفيها الوضوء الواحد.
طيب؛ إذا كنت لا تحضر صلاة الجمعة إلا بأن تسعى لها وأن تمشي لها، إيش حكم المشي والسعي لصلاة الجمعة؟ واجب، ليش واجب؟ لأن صلاة الجمعة واجبة {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} فالله يقول: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}، فصلاة الجمعة واجبة، ولا يمكن للإنسان أن يؤديها إلا بأن يسعى إليها، فالسعي وسيلة، والجمعة مقصد، وحُكم الوسائل حُكم المقاصد.
فلو سألك سائل فقال: إيش حكم السعي لصلاة الجمعة؟ واجب؛ لأن فرض الجمعة لا يسقط من الذمة إلا بالسعي، وحُكم الوسائل حُكم المقاصد:
وَسَـائِــلُ الْأُمـورِ كَـالمَقـاصِــدِ
طيب؛ إيش حكم الجلوس بين يدي العلماء وفي حلقات الذِّكر؟ وسيلة الطلب، وسيلة أن تتفقه في الدِّين، وسيلة تحقيق قول النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: «طلب العلم فريضة -أو واجب- على كل مسلم» هذا الحديث له طرق عديدة جدا، أول من حسَّنه المِزي، وللسيوطي جزء مطبوع في طُرقه.
فالوسيلة التي تتحصل فيها على العلم واجبة، النبي يقول: «إنما العلم بالتعلُّم».
النبي قال: «طلب العلم» ولم يحدِّد الوسيلة، فكل وسيلة تحصل بها على العلم؛ فحينئذ تجب عليك.
يعني إنسان لا يقرأ ولا يكتب؛ يجب عليه أن [...] للركب بين يدي العلماء، ما يحسن القراءة ولا الكتابة.
فالوسيلة لطلب العلم واجبة، لكن غير محصورة بشيء خاص.
لكن: أبرك الوسائل وأكثرها أجرا وأقلها خطرا وأبعدها عن المزالق والعوائق والقواطع والمصائب والبلايا والرزايا أن تجلس بين يدي المشايخ، لا أن تجلس أمام نِت، أو أمام شريط! مع أن الجلوس أمام الشريط وسيلة، النبي قال: «طلب العلم» لم يحدِّد الوسيلة؛ لكن الذي حدد هذا الطلب وحدد هذا النوع من الطلب: القرون السابقة الفاضلة، فأن نبقى على هديِهم وأن نسير على منوالهم؛ فهذا آمن طريق، وأخصر طريق، وأفضل طريق، وأقرب طريق.
لكن بأي طريق؛ لو قرأت كتابا، سمعت شريطًا، اتصلت بالشيخ على الهاتف، كل هذه وسائل.
وقول النبي: «طلب العلم» تشمل كل هذه الوسائل، النبي ما حدد الوسائل، لكن الوسيلة التي أحبها الله، وارتضاها الله للسابقين من الأولين، من المزكَّين هذه الوسيلة؛ وسيلة الجلوس؛ طلب العلم في حلقات الذِّكر، هذه أبرك الوسائل، وأقربها إلى الله سبحانه وتعالى.
المشي للمسجد عبادة ولا غير عبادة؟ ليش المشي للمسجد عبادة؟ كل خطوة ترفع درجة وتحط سيئة وتكتب حسنة، ولما كان المشي للمسجد عبادة حكمه حكم العبادة؛ قال النبي في «سنن أبي داود» من حديث كعب بن عجرة -رضي الله تعالى عنه-: «إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءَه، ثم خرج عامدًا إلى المسجد؛ فلا يُشبِّكنَّ بين أصابعه فهو في الصلاة» متى يبدأ الإنسان في الصلاة؟ من الوسيلة، مجرد ما تخرج من بيتك للمسجد ممنوع تشبك إيديك وأنت ماشي هذا التشبيك.
طيب؛ النبي عليه السلام في «البخاري» قال: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا» وشبَّك بين أصابعه، إيش حكم التشبيك بين الأصابع؟
أنبهكم على فائدة:
الناس يذكرون: «المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص» وكلمة (المرصوص) لم تَرِد ولا في أي رواية من روايات الحديث، أسقطها لما تستدل بالحديث لا تقل (المرصوص) لم ترد ولا في أي رواية من الروايات، لا تقل: «المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص» قُل كما قال رسول الله: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا» وشبَّك بين أصابعه.
قال العلماء: التشبيك بين الأصابع بعد الصلاة غير حُكمه قبل الصلاة، النبي شبَّك بعد الصلاة نشبِّك بعد الصلاة، قبل الصلاة وفي الطريق للمسجد ممنوع، ما فعله النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- نستدل به على القيد الذي ورد فيه، النبي صلى وقام بعد الصلاة وقال: «المؤمن للمؤمن...» وشبَّك بين أصابعه، نشبِّك بعد الصلاة، وقبل الصلاة ما يُشبك، ليش؟ لأن الأصل في العبادات المنع، إذا شبكت أصابعك عبادة؟ [...].
طيب النبي نهاك، الأصل في الأشياء الحل حتى يأتي صارف، التشبيك بين الأصابع ممنوع في المسجد وممنوع أنت تمشي في الطريق، هذا ترفع ما يُفعل في المسجد، والنبي قال: «فإنه في صلاة» وأنت ماشي قال: «فلا يشبِّكنَّ بين أصابعه فإنه في الصلاة» من بيتك جعل النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- المشي للمسجد وهو وسيلة فأعطاه حكم المقصد وهو انتظار الصلاة، انتظار الصلاة وسيلة، فالنبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- قال في انتظار الصلاة: «انتظار الصلاة للصلاة» قال: «فذلكم الرباط» فهو في صلاة، وسيلة الانتظار أجرها عند الله أجر من كان مصليًّا، فالوسائل لها حُكم المقاصد.
طيب؛ رجل كما علِمنا لا تُقبل صلاتُه إلا بالوضوء، ولم يجد ماء إلا بالشراء، فهل يجب عليه شراء الماء أو لا يجب؟ يُنظر: إذا كان سعر الماء سعر مثله يجب عليه أن يشتري، ولو يسيرا بنزر يسير يشتري، أما لو طُلب منه أن يدفع أموالا مضاعفة وبأسعار عالية فهذا ليس بقوام المشتري، هذا يدخل تحت {فإن لم يجِدوا} فصَّلنا {فإن لم يجِدوا} إيش معناه في الدرس الماضي.
فلما كان الوضوء وسيلة للصلاة، والصلاة لا تُقبَل إلا بالوضوء، والوضوء وسيلة لمقصد، وللوسيلة حُكم المقصد؛ فيجب شراء الماء على من يجده بسعره فيجب عليه أن يشتريه.
طيب؛ النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- يقول: «كفى بالمرء إثمًا أن يضيِّع من يَقوت»، «كفى بالمرء إثمًا أن يضيِّع من يَعول»، رجل مليان عنده أموال كثيرة يجب عليه العمل؟ ما يضيع من يعول.
طيب؛ إنسان لا يجد مالا، وإذا ما اشتغل؛ أولاده يضيعون، ويسألون الناس، وحتى لا يُضيع من يعول والنفقة على الأولاد واجبة، والوسيلة للنفقة السعي في العمل، فحُكم السعي في العمل حُكم النفقة.
فالذي يستطيع العمل ويجلس ولا يعمل، هذا ممدوح في الشرع ولا مذموم؟ مذموم وليس بممدوح إن ترتب على عدم عمله ضياع أهله.
يقول عمر: «إني لأرى الشاب فأرى تنسُّكه فيعجبني فأسأل عن مهنته فيُقال لي لا يعمل، فيسقط من عيني»! فالإنسان يحرم عليه أن يضيع من يعول.
فإذا كنت لا تستطيع أن تتجنب تضييع من تعول إلا بالكسب؛ فالكسب في حقك واجب، والوسائل لها حكم المقاصد، وهي شيء زائد عن المقاصد، فهي لا تُراد لذاتها؛ وإنما تراد لثمرتها، وتُراد للشيء الذي ينبني عليها.
طيب؛ أنت تبيع في السوق، تبيع فاكهة بما فيها العنب، وعندك بساتين عنب، فجاءك رجل يشتري منك 2 كيلو، 3 كيلو ويبيع خمرا، حلال تبيع له العنب ولا حرام؟ إيش الجواب؟ [حرام]، لا أنا أقول: حلال... طيب؛ هو مش له أولاد؟... يشتري 2 كيلو 3 كيلو يصنع خمرا؟!
فجاءك واحد بياع خمر جاي يشتري منك من البسطة 2، 3 كيلو، بناء على أي قاعدة؟ الأصل في الأشياء الحل.
طيب؛ جاء يتفق معك يشتري كل منتوجك وكل ما عندك في المزرعة من عنب، فيه أحد يشتري لأولاده مزرعة كاملة عنب؟ حلال تبيع له ولا حرام؟ حرام تبيع له، شو الفرق أنك تبيع 2 كيلو حلال، وتبيع له منتوج المزرعة حرام؟ هل حرام بيع العنب للذي يصنع الخمر حرام لذاته؟ لو كان حراما لذاته لَحَرم أن نبيع كيلو ونصف كيلو والحبة تصير حراما، لكن هو حرام لغيره، حرام أن تبيعه العنب على أن يكون وسيلة لصنع الخمر، فإن لم يكن وسيلة لصنع الخمر؛ لك أن تبيعه.
يعني: واحد عنده مصنع مربى، يعمل مُربَّى عنب، وجاء يشتري منك كل منتوجك من العنب، حلال ولا حرام؟ المربَّى حلال، الأصل في الأشياء الحل، فالوسيلة لصُنع الحِل، الوسيلة للحلال حلال، صنع المربى حلال، بيع العنب لمن يصنع المربى حلال، بيع العنب حلال، الوسيلة لصنع العنب حلال؛ فبيع العنب ثمرة البستان بتمامه لمن يصنع المربى حلال.
شخص يصنع خمرًا تبيعه [العنب] حرام.
طيب؛ رجل حداد يصنع علب زجاج أو علب حديد، يُنظر إيش يوضع في العلب، إذا هذه العلب يُصنع فيها الخمر تصنيعها حرام؛ لأن الوسيلة للحرام حرام، فالخمر لا تُباع بالزجاجات أو لا تُباع إلا بعلب، فالذي يريد أن يملأ هذه الزجاجات الفارغة خمرًا يحرم عليك أن تبيعه.
طيب، واحد عنده مصنع ماء، عنده مصنع عصير، عنده مُخلَّلات، فتبيعه الآنية التي توضع فيها هذه الأشياء، الحلال ما أحل الله، والحرام ما حرم الله، والوسيلة للحلال حلال، والوسيلة للحرام حرام.
طيب؛ واحد أجَّر بيته، تأجير البيت حلال ولا حرام؟ حلال، لكن تؤجر بيتك -والعياذ بالله- لقوم أصحاب عُهر وأصحاب زنا، يجوز تؤجر بيتك لامرأة تأتي بالرجال بالحرام بالزنا في البيت؟ حرام، تأجير البيت، أو تأجير المحل، عندك مجموع محال، تؤجر لواحد يبيع خمرا، حرام، الوسيلة للحرام حرام.
طيب؛ عندك محال واحد أراد أن يتأجر منك بنكًا ربويًّا، يصير تؤجره المحل؟ ليش حرمة التأجير؟ الوسيلة للحرام حرام، البنك حرام، فيحرم عليك أن تؤجره.
وكذلك البيع، وكذلك الحداد، أو النجار، أو المواسرجي، أو الدهَّان، دخل يعمل محلا، فعلِم من قرائن الأحوال أن هذا محل خمر، فيحرم على الحداد أنه يصنع حديدا للخمارة، ويحرم على الدهَّان أن يصنع دهان الخمارة، ويحرم على النجار أن يعمل رفوفا.. لأن الوسيلة للحرام حرام، والوسيلة للمُباح مباح.. وهكذا.
والوسيلة للواجب واجب، إيش حكم السعي في حق الفقير؟ واجبة، لا يستطيع أن يتخلص من الإثم «كفى بالمرء إثما» إلا بالسعي، هو يسعى، الواجب عليه السعي، والله الرزاق، السعي لا يلزم منه الرزق، لكن هو يسعى يأخذ بالأسباب.
طيب؛ نتوسع شوية: امرأة متبرجة، وأنت تبيع ملابس، جاءتك تشتري منك اللباس الذي تلبسه وتتبرج فيه، حرام تبيعها ولا حلال؟ حرام تبيعها.
طيب؛ امرأة مستورة جاءت تشتري لباسا فاضحا لكن هي لا تظهر فيه، تتزين فيه لزوجها، إيش هذا الحكم؟ حلال، ليش حلال؟ الأصل في الأشياء الحل، الأصل في الملابس الحل، «البس ما شئت» النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- يقول، البسي ما شئت، فالمرأة تلبس ما تتزين به لزوجها، وما تعفه ويعفها، وما يترتب على ذلك؛ هذا ليس بحرام، هذا أمر الأصل فيه الحل.. وهكذا.
فكل وسيلة للحرام حرام، وكل وسيلة للمباح مباح، وكل وسيلة واجب واجب، وكل وسيلة للمكروه مكروه.
فالناظم يقول في هذه القاعدة التي عبَّر الناظم بهذا البيت على قاعدة: (الوسائل لها حُكم المقاصد).
يقول الناظم: (وَسَـائِــلُ الْأُمـورِ) مضاف ومضاف إليه؛ يعني كأنه يقول: الوسائل..
وَسَـائِــلُ الْأُمـورِ كَـالمَقـاصِــدِ: الوسائل لها حكم المقاصد.
... وَاحْكُـمْ بِهَـذَا الحُـكْـمِ لِلـزَّوائِــدِ: [...] الوسيلة للحلال حلال، الوسيلة للواجب واجب، الوسيلة للحرام حرام، وهكذا.
ولذا: يمكن لنفس الفعل يكون حلالا وعبادة في بعض الأحايين، ويكون حراما في بعض الأحايين، يكون حلالا في حق بعض الأشخاص، حراما في بعض الأشخاص، هذا يلتقي مع موضوع النية.
يعني: إنسان يضع الطيب والعطر على بدنه، ويضع الطيب ويكون هذا الطيب وسيلة لأن يُميِّل النساء إليه، إيش حكم هذا؟ حرام.
طيب؛ يضع الطيب ويحضر الجماعة لأن الملائكة تشهد الصلوات وتشهد الجمعة، حتى يدخل الرائحة الطيبة على المسجد وعلى إخوانه المُصلين، إيش حكم الطيب هذا؟ هذا مندوب، مش حلال، هذا مندوب، النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- قال: «فليُصب من طيبه ما شاء» فهذا المندوب، فأنا واضع طيب، وجاي للجماعة، والملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم، والنبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- رغَّبنا بالطيب في الجماعة والجمعة فوضعتُ الطيب؛ سُنة، أجر.
لكن: رجل فاجر -والعياذ بالله تعالى- يضع الطيب ليميِّل النساء، أو امرأة تضع الطيب لتميل الرجال، إيش حكم المرأة تضع الطيب؟ آثمة وزانية!
يقول النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- في حديث عند ابن ماجه والنسائي في «الكبرى» عن أبي هريرة -والحديث خطير جدا-، يقول النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: «أيما امرأةٍ استعطرت ليجد الرجالُ ريحها؛ فهي زانية، وعليها غُسل الجنابة».
أعيد الحديث.. الحديث مهم، وفيه أحكام، وبعض الناس يلعب بالحديث، وبعض الشياطين يسوِّلون لشيطانات باسم الدين فيتطيَّبنَ! وأدقق على الحديث قليلا وأختم مجلسي، لا أريد أن أطيل لعلي وصَّلت ما أريد من القاعدتين بالأمثلة.
الحديث: عن أبي هريرة -أخرجه النسائي في «الكبرى» وابن ماجة وغيرهما- يقول النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: «أيما امرأةٍ استعطرت ليجد الرجالُ ريحها؛ فهي زانية، وعليها غُسل الجنابة».
«أيما امرأةٍ استعطرت»: أي وضعت عطرا طِيبا «ليجد الرجالُ ريحها؛ فهي زانية، وعليها غُسل الجنابة».
طيب؛ نتخيل الآن.. يجوز نتخيل المرأة؟! هب أن امرأة.. واحد يقول لي: الوسيلة للحرام حرام! هو محق لو قال!!
طيب؛ رجل يجامع أهله ويتخيل غيرها، حلال ولا حرام؟ هذا حرام.
هب أن امرأة قلنا لها: يا أختاه أنت خرجتِ متطيبة وحرام عليك هذا، والنبي يقول في الحديث: «أيما امرأةٍ استعطرت ليجد الرجالُ ريحها؛ فهي زانية، وعليها غُسل الجنابة»، فقالت: الحديث صحيح... والنبي يقول: «أيما امرأةٍ تعطرت ليجد الرجالُ ريحها» وأنا ما تعطرت ليجد الرجال ريحي، أنا تعطرت لأني أحب الفل أو أحب الورد أو أحب الياسمين، أنا الله يعلم من قلبي أني ما تعطرت حتى أميِّل الرجال إلي، ولا خاطر في بالي الرجال! والنبي يقول: «أيما امرأةٍ تعطرت ليجد الرجالُ ريحها»، وأنا لما تعطرت ولا خطر ببالي الرجال أبدا، وبالتالي كيف يسقط علي الحديث؟!
هذا كلام يظهر منه علم! صحيح؟ طيب؛ كيف نرد على هذه المرأة؟ [الوسائل لها حكم المقاصد]
نحن طلبة علم.. نقف شوي عند اللام، «أيما امرأةٍ تعطرت (ليجد) الرجالُ ريحها» استدلالها صحيح إذا كانت اللام للتعليل، اللام في العربية على ضروب لها عدة معانٍ، فاللام (لِ) -هذه- لها عدة معانٍ، فنقول لها: يا أختاه أنت فهمت الحديث: «أيما امرأةٍ تعطرت ليجد الرجالُ ريحها» فهمت أن هذه اللام لام التعليل، وأنت وضعتِ الطيب وليس قصدك، وليس العلة من وضعك للطِّيب أن يجد الرجال ريحَك، كلامُكِ صحيح، إذا كانت اللام للتعليل، لكن: ارجعي لمعنى النصوص، هل كُل لام في النصوص الشرعية للتعليل؟ الله يقول في «القصص» في اتخاذ فرعون موسى في أوائل «القصص» قال: {فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} آل فرعون التقطوا موسى، هل معقول آل فرعون التقطوا موسى حتى يُدخل عليهم الحُزن؟ لا، فيه لام في العربية تسمَّى (لام العاقبة)، يعني: فرعون التقط موسى وعاقبةُ أمرِ موسى أن يكون عدوًّا وأن يُدخل الحزَنَ على نفس فرعون، فمستحيل أن يلتقطه ليكون له عدوا، فهنالك لام تسمى (لام العاقبة)، وقد ورد في بعض الأحاديث -لكن الحديث لم يثبت ولم يصح بالزيادة- قال: «من كذَب عليَّ (ليضلَّ الناسَ) فليتبوأ مقعده في النار» زيادة: (ليضلَّ الناسَ) لم تثبت، ولو ثبتت فاللام هذه ليست لام التعليل؛ وإنما هذه لام العاقبة، فكل من يَكذب على رسول الله؛ لا محالة أن يضل الناس، اللام (ليضلَّ الناسَ) ليست لام التعليل؛ وإنما هي لام العاقبة.
فقول الله تعالى: {فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ} اللام لام العاقبة.
وقول النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: «أيما امرأة تعطرت ليجد الرجال ريحها» هذه اللام لام العاقبة، كل من يشم الرجالَ رائحته من النساء؛ فهذا يذكِّرهم بالنساء، معقول امرأة تمر أمامك وريحة الطيب تفيح منها، وأنت لا تتذكر النساء؟
عند أحمد في «المسند» من حديث عبد الله بن مسعود: أن النبي كان يسير في الطريق، فرأى امرأة تسير في الطريق فأتى أهله.
امرأة لابس العبي.. مجرد ما تنظر للمرأة تتذكر الشهوة، فالنبي كان يسير في الطريق فرأى امرأة فتذكر النساء فأتى أهله، وقال -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: «من رأى امرأة فليأت أهله» فيها زيادة لم تثبت: «فإن معها الذي معها» هذه زيادة لم تثبت.
فالمرأة تُذكَّر الرجل بالشهوة، تخيل امرأة تمر بك، وواضعة الطيب، إيش عاقبة أمرها هذه؟ يجد الرجال ريحها، فاللام هذه ليست لام التعليل، ليش ليست لام التعليل؟ لأن النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- قال: «طِيبُ النساء لونٌ لا رائحة فيه» المرأة إذا أرادت أن تتطيب تضع اللون وتغطي هذا اللون، لا تضع الرائحة، طِيبُ النساء لونٌ تمر أمام الرجال واللون على وجهها لا رائحة له وتغطي وجهها، طيب المرأة لون لا رائحة له، كانت المرأة تكتحل تضع أشياء على وجهها؛ فالأصل في طيبها أنه لون لا رائحة فيه.
أما إن وضعت الرائحة؛ فلا محالة أنها إن مرت بين الرجال؛ فعاقبة أمرها أن يشتهيها الرجال.
ولذا قول النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: «أيما امرأة تعطرت ليجد الرجالُ ريحها» هذه اللام لام العاقبة، لام الصيرورة والعاقبة، يصير أمرها، عاقبة أمرها «ليجد الرجالُ ريحها؛ فهي زانية» وإذا أرادت أن تصلي بعد ما تخرج بالعطر في عملها -مدرِّسة، أو موظفة في بنك أو موظفة في شركة أو سكرتيرة-؛ يحرم عليها شرعًا أن تصلي حتى تغتسل؛ يعني: كأنها زنت على الحق والحقيقة، المرأة التي تخرج وتضع الطيب ويشم الرجال الطيب منها؛ فإنه لا يُقبل لها صلاة حتى تغتسل.
قال النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: «فهي زانية، وعليها غُسل الجنابة»؛ فكأنها زانية على الحق والحقيقة.
وهذا من التدابير الوقائية لأن الوسيلة في التطيب زنا، فجعلها النبي زانية؛ فالوسائل لها حكم المقاصد.
قوله: «فهي زانية» وقوله: «أيما امرأة تطيبت» فجعل النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- الطيبَ زنا، فأن تضع المرأةُ الطيب وتخرج جعل حُكمها حُكم المرأة التي يُزنى بها، فلا يَقبل الله لها صلاةً حتى تغتسل من الجنابة.
وهذا الحديث دليل من أدلة قاعدة: (الوسائل لها حكم المقاصد).
بذا نكون قد وقفنا عند البيت الرابع والعشرين....
انتهى (الجزء الثاني).

تفريغ : أم زيد

من هنـا تجميع روابط الدروس المفرَّغة

رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:54 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.