أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
20995 84309

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > منبر العقيدة و التوحيد

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 07-14-2022, 10:45 PM
ابو عبد الرحمن المهناوي ابو عبد الرحمن المهناوي غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
الدولة: شرق الجزائر (سكيكدة)
المشاركات: 37
افتراضي اضافة الشطر الثاني من مقالة (تحزب النساء )

موقف المرأة المترجلة من الحق
الناس ثلاثة اصناف :
صنف الاول :من يؤمن بالحق وينصاع له قويا كان او ضعيف ،كالتلميذ الوفي مع شيخه والابن البار مع والديه والعامل(الولي ) الصادق المنصف مع أميره (الخليفة )أو الأجير المؤمن الأمين مع سيده )وهؤلاء هم :(الصالحين المصلحين)
صنف الثاني :لا ينقاد للحق الا في حالة الضعف فإذا قوي سعى لقهر من له الفضل عليه ومحاولة الانقلاب عليه ولو كان النبي أو معلمه أو أباه (وهؤلاء هم الذين يسعون الى العلو و الفساد في الأرض ويعون ما إليه يقصدون من الإفساد (جند إبليس)وكذلك المعتدون(الدال مشددة) بأنفسهم ،المأسورين لأهوائهم الذين لا يفرقون بين اراءهم والحق (ما أريكم إلا ما أراء)- الآية- فيترتب على سلوكهم الفساد في الأرض بدون قصد الإفساد(أو قل المهندسون من الانقلابيين والعمليون)
الصنف الثالث :من ليس لهم موقف نابع عن قناعة ذاتية ،فهم مع من غلب صالحا كان أو طالحا (الذين يساقون كالقطيع).جاء في الاثر عن علي رضي الله عنه :(الناس ثلاث :عالم رباني ومتعلم على سبيل النجاة (هؤلاء هم الصالحين المصلحين )وهمج رعاع متبعين لكل ناعق لم يستضيؤا بنور العلم وهم :( الرعاع المغفلين المتبعين لكل ناعق من الانقلابيين .)
فالمرأة المترجلة لا تستطع ان تنفك عن السلوك الانقلابي إلا إذا لم تجد من تنقلب عليه كالسفهاء المدمنين(الأذلاء المنكسرين)أو النسويين المائعين(المخنثين) أو الماديين الاستغلاليين (كالديوث والبخيل والطماع ) فهؤلاء لا تهمهم القوامة بقدر ما تهمهم مصالحهم المادية أو المعنوية ومن يوفرها لهم كان من كان؟ ولو على حساب دينهم أو مروءتهم (رجولتهم.)


كيف تهدم المرأة المترجلة أسرتها ومجتمعها ؟
وقال الله تعالى((الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا))الآية – وقال تعالى((وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى))-الآية -وجاء في الحديث الصحيح((لن يفلحوا قوما ولو أمرهم امرأة)) الحديث ،فالمرأة المترجلة اذا قدر الله عليها أن اقترنت برجل مؤمن (( القوي و الأمين )) عملت على ترويضه وسلخه بالتدريج من مصدر رجولته وهو: (التدين الصحيح) إلى أن تصل إلى هدفها وهو:أن تصير هي الآمرة الناهية ،علانية أو من وراء الستار،لا يهمها ذالك لانها لا تعترف بقوامة الرجل ولا بملكيته ولا تراه حتى مشاركا لها في توجيه وتربية أولادهم ،(فهو و أولاده و ماله ملكا لها ) فهي لا تريد منه إلا حاجتها النفسية إن كانت عفيفة ،و ان يكون مجرد غطاء لما تقوم به مع وحشياتها .وإلا فالحرب سجال إلى أن ينصاع احد الطرفين ،وإثناء ذلك تستقوي عليه بالحمقاء و الخانعين من دويها(وما أكثر هذا الصنف من أشباه الرجال الذين ينتصرون لبناتهم أو أخواتهم ظالمات أو مظلومات)أو الاستعانة عليه بالكهنة والمشعوذين ،وكذلك تعمل على تحزيب الأولاد ضده وتأليبهم عليه و تحيط نفسها ببناتها أولا، ثم بالضعاف من الذكور وتبعد وتغييب الأقوياء المنصفين وان كانوا صالحين ,وبهذا تغرس الكراهية والفرقة بين البنين والبنات من جهة وبين النبهاء والمغفلين من الأولاد من جهة أخرى،و هكذا تصير هذه الأسرة حلبة صراع بين الذكور و الإناث من جهة وبين السلبيين المنقادين للمترجلات والايجابيين الثائرين على ترجل النساء بما فيهم الأمهات .فأسرة مثل هذه لا توفق الى التآلف والاستقرار ولا تهتدي إلى الطريق المستقيم في الدين ولا إلى الخلق القويم في التعامل مع المخلوقين، لان التدين الصحيح لا تصل إليه ألا بالعقل الحر السليم (الفطرة السوية) بعد توفيق الله ،والخلق القويم لا تصل إليه إلا بقوة الإرادة والتجرد من حظوظ النفس(الطمع في ما في أيدي الناس) بعد إعانة الله أما القلوب المنكوسة(أشباه اليهود) والعقول المغيبة (أشباه النصارى) فمستقرهم في الغي أو الضلال أعادنا الله من أوصاف المغضوب عليهم والضالين.إن مثل هذه الأسر والاعراش لا مطمع لأحد في إصلاحها أو تغييرها(إلا أن يشاء الله)بل الهروب منها هو الأولى مع الاحتراز من العقوق و قطيعة الرحم
فهذه التجمعات والاعراش المحسوبة على المسلمين في الظاهر تجدهم من ألذ أعدائهم في أوقات المحن والحروب، والتأريخ خير شاهد (عرش بني أعداس (غجر الجزائر ) نموذجا ،وغيرها من الاعراش النسوية التي تخرج ويتخرج منها الكثير من الخونة(الحركى :عملاء المستدمر المنافقين )الخائنين لدينهم وبني جلدتهم

الاثار السلبية لترجل المراة
الآثار السلبية على الذكور :إن الذكر المتربى بين المترجلات إما أن يشركوه في جلساتهن فينهل من أوصافهن ما الله به عليم أو يبعدوه ان كان فطنا معارضا فينشاء مغيبا لا يعرف حقائق الأمور إلا أن يشاء الله له الهداية ،والقلة من الرجال من يستطيع الانفلات من مخالب هؤلاء النسوة الماكرات فهن كالعقارب تلسع ما لم يقطع ذيلها ، نسأل الله أن يطلق سراح المأسورين بحبائلهن، فالضحايا لهؤلاء الماكرات منشغلون بالبحث عن أنفسهم ،أن بقيت لهم عقول؟من أن يبحثوا عن الدين الصحيح الذي تبنى عليه الرجولة ،
إذا، فترجل النساء هو حرب على عقول الذكور ورجولتهم، ((فلا دين بلا عقل ولا رجولة بلا دين)). إن هذه الوكالة عن ابليس التي تقوم بها المرأة المترجلة لم يستطع القيام بها إلا اليهود (أحفاد القردة و الخنازير)ومن شابههم من المنافقين، ((فهنيئا لكي ايتها الرعناء هذه النيابة عن شيخكي الملعون وهذه المنافسة لأخس عبيده))
الآثار السلبية على الإناث:فالمرأة التي تتربى مع مترجلات تتأثر بأوصافهن لا محالة وإلا صارت منبوذة مبعدة ويتسلطن عليها بالذم والتقريع إلى أن تفقد الثقة بنفسها فتصر تابعة رغم انفها وهناك قاعدة في علم النفس تسمى(التوحد بالمعتدي ) تقول:إذا قهرت من طرف شخص ظالم، توحدت معه (تقمصت شخصيته)وصرت تمارس أسالبه في الظلم مع غيرك بلا شعور منك إلى أن تتعود تلك الأساليب،وهو المثال الساري بين الناس من قولهم: (تقليد المغلوب للغالب) -تعقيب- : (إن لم يكن لك تدين مبني على قواعد صحيحة مع وعي –المهناوي – أما الذكية الأنانية فتتتلمذ على كبراتهن حتى تصير مثلها أو أعلى درجة منها فيكونون كتلة داخل الأسرة يصعب اختراقها ويصرن يتلاعبن بعقول المحيطين بهن من المغفلين فيرفعون المنصاع الجاهل وان كان أحمقا أو فاسقا ويحطون من قيمة صاحب المبدأ والدين المتفطن لألاعبهن وان كان احرص الناس على مصلحتهن. وقائدهن (شكلا )من يسير في فلكهن ويحقق لهن رغباتهن وان كان من أحمق او افسق الناس ، فإذا تبرم أو تعثر تخلين عنه ورموه بكل نقيصة واستبدلوه بغيره من المأسورين بحبائلهن.

هل للمرأة المترجلة توبة ؟ومن ما تتوب؟

ان تعامل الناس بعضهم مع بعض عادة تراعى فيه ثلاثة جوانب وهي :الجانب الأدبي –الجانب التنظيمي –والجانب العلمي – ولكن بعض المتسلطين يخلط بين هذه الجوانب ويستغل حياء الناس وجهلهم أو تملقهم ليمرر لهم قناعات وسلوكيات ما هي بعلمية ولا أدبية .
الاول: الجانب الادبي ،فإذا تعاملت مع أي شخص فأول جانب الذي يجب عليك ان ترعيه هو الجانب الأدبي: هل هذا المتعامل معه على دينك او على غير دينك ؟– وهل هو يكبرك أم يصغرك (علما أوسنا )؟هل هو من أرحامك أو من الأباعد ؟–هل هو جارك أو من غير جرأنك؟-– فإن لهؤلاء الأفاضل حقوق ليس لغيرهم من التوقير و التبجيل والإكرام.
الثاني :الجانب التنظيمي :هل هذا المتعامل معه، شيخك أم تلميذك ؟هل هو أباك أم ابنك ؟هل هو ولي أمرك أو احد رعيتك؟هل هو سيدك أم أجيرك؟ وهل هو قائدك أم جندييك. فإن لهؤلاء الكبار من الانقياد والطاعة فيغير معصية الله والنصيحة بالمعرف ما ليس لغيرهم ،والرحمة والشفقة على الصغار منهم ما ليس لغيرهم (ملاحضة):ان الشيخ والوالد يجتمع فيهما الجانبان :الأدبي والتنظيمي ولهذا قدموا على غيرهم .
الثالث:الجانب العلمي :ان التعامل مع الناس في هذا الجانب يجب ان يكون المعتبر فيه هو الدليل في النقليات والبرهان في العقليات ولا اعتبار للكبير و الصغير و لا للأمير والحقير وللغني والفقير إذ أن الناس سواسية في مسائل العلم والعمل به والمقدم هو صاحب الحجة كبيرا كان أم صغير أميرا كان أم حقيرا غنيا كان أم فقيرا ولجهل عوام الناس وأنصاف المتعلمين بما فيهم المتدينين بهذا المبدأ تراهم ينبهرون بالوجهاء من هذه الأصناف فيتبنون كلامهم ويقلدون سلوكهم كأقوال و أفعال صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم ولا يناقشونها او يعترضون عليها وكأنها وحي منزل من الحكيم الخبير. ويزدرون الصغار من هؤلاء ويطعنون في نواياهم ويسفهون أقوالهم وينتقدون سلوكهم ولو كانت الحجة معهم بل و يصفونهم بالأوصاف المقززة لتنفير الناس عنهم
وما علاقة المرأة المترجلة بهذا الكلام ؟
فعلاقتها كالتالي:
إن المرأة المترجلة متسلقة على كل هذه الجوانب وابغض خصومها اليها هو العلم الشرعي أو حتى المنطقي فإن تدينت فبالقشر لا بالروح (إي بالمفهوم النصراني لا بالمفهوم الإسلامي ،من أن التدين هو علاقة بين العبد وربه في المسجد ولاعلاقة له بالمجتمع توجيها وتنظيما ) أو تسترت ببعض الأدب فهو إلى الإفرنجي أقرب (من انبساط واختلاط مع غيرالمحارم تراها خراجة ولاجة بلا ضرورة و لا حاجة سافرة الوجه متعطرة ، وقد توجت كل هذه الانحرفات بالصلف و قلة الحياء ) اما الجانب التنظيمي فلا ترى فوقها أحدا لا أبوها ولا آخوها ولا زوجها ولا حتى ابنها بعد بلوغه سن الرشد، الكل تحت سلطانها و يجب أن يعترفوا بعبقريتها و ينصاعوا لأوامرها ويترقبوا مخططاتها وإلا طالهم الابعاد والتأليب
وألان فلنرجع الى السؤال :
من ما تتوب المرأة المترجلة؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور ((...الكبر بطر الحق وغمط الناس))أي رد الحق واحتقار الناس ، وقد تبين أن المرأة المترجلة تتحاشى (تبتعد عن) العلم الذي و يجلي حقيقتها و يعرفها -"-الراء مشدد-" نفسها ، والأدب الأصيل الذي يقيد سلوكها ويحد من نزواتها ،والتنظيم الشرعي العرفي الذي يحجر عليها ويلزمها حدودها ،ألآ يعد هذا كبرا ؟ إذا، فالتوبة تكون من الكبر.قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
((لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر قال أحد الصحابة (رضي الله عنهم ) الرجل منا يحب ان يكون ثوبه حسنا ونعله حسن ؟فقال عليه السلام : إن الله جميل ويحب الجمال .(( الكبر بطر الحق وغمط الناس))
وهذه بعض النقول من كتاب مؤعظة المؤمنين من احياء علوم الدين لعلامة الديار الشامية المحدث الزاهد الشيخ جمال الدين القاسمي رحمه الله يتكلم فيها عن الكبر:(حقيقته و بواعثه وعلاجه)من صفحة43 –الى54 وإن كان الكلام عن الكبر جاء و كأنه موجه للرجال ، فالكبر ليس خاص بالرجال ولا بالنساء ، فهو صفة ،من اتصف بها فهو المقصود .
كِتَابُ ذَمِّ الْكِبْرِ وَالْعُجْبِ
مَا وَرَدَ فِي ذَمِّ الْكِبْرِ
قَالَ تَعَالَى: (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ) [الْأَعْرَافِ: ١٤٦] وَقَالَ تَعَالَى: (كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ) [غَافِرٍ: ٣٥]
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرٍ» .
وَجَاءَ فِي فَضْلِ التَّوَاضُعِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ» .
وَعَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «طُوبَى لِمَنْ تَوَاضَعَ فِي غَيْرِ مَسْكَنَةٍ، وَأَنْفَقَ مَالًا جَمَعَهُ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ، وَرَحِمَ أَهْلَ الذُّلِّ وَالْمَسْكَنَةِ، وَخَالَطَ أَهْلَ الْفِقْهِ وَالْحِكْمَةِ» .
وَعَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مَنْ تَوَاضَعَ لِلَّهِ رَفَعَهُ اللَّهُ، وَمَنْ تَكَبَّرَ وَضَعَهُ اللَّهُ، وَمَنِ اقْتَصَدَ أَغْنَاهُ اللَّهُ، وَمَنْ بَذَّرَ أَفْقَرَهُ اللَّهُ، وَمَنْ أَكْثَرَ ذِكْرَ اللَّهِ أَحَبَّهُ اللَّهُ» .
وَقَالَ «الفضيل» وَقَدْ سُئِلَ عَنِ التَّوَاضُعِ «: أَنْ تَخْضَعَ لِلْحَقِّ وَتَنْقَادَ لَهُ، وَلَوْ سَمِعْتَهُ مِنْ صَبِيٍّ قَبِلْتَهُ، وَلَوْ سَمِعْتَهُ مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ قَبِلْتَهُ» .
بَيَانُ حَقِيقَةِ الْكِبْرِ وَآفَتِهِ:
اعْلَمْ أَنَّ الْكِبْرَ يَنْقَسِمُ إِلَى بَاطِنٍ وَظَاهِرٍ، فَالْبَاطِنُ هُوَ خُلُقٌ فِي النَّفْسِ، وَالظَّاهِرُ هُوَ أَعْمَالٌ تَصْدُرُ مِنَ الْجَوَارِحِ، وَتِلْكَ الْأَعْمَالُ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى، وَآفَتُهُ عَظِيمَةٌ وَغَائِلَتُهُ هَائِلَةٌ، وَكَيْفَ لَا تَعْظُمُ آفَتُهُ وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ» وَإِنَّمَا صَارَ حِجَابًا دُونَ
الْجَنَّةِ ; لِأَنَّهُ يَحُولُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ أَخْلَاقِ الْمُؤْمِنِينَ كُلِّهَا، وَهُوَ رَأْسُ أَخْلَاقِ الْمُتَّقِينَ،
وَبِالْجُمْلَةِ فَمَا مِنْ خُلُقٍ ذَمِيمٍ إِلَّا وَصَاحِبُ الْعِزِّ وَالْكِبْرِ مُضْطَرٌّ إِلَيْهِ لِيَحْفَظَ بِهِ عِزَّهُ، وَمَا مِنْ خُلُقٍ مَحْمُودٍ إِلَّا وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْهُ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَفُوتَهُ عِزُّهُ، فَمِنْ هَذَا لَمْ يُدْخِلِ الْجَنَّةَ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْهُ.
وَشَرُّ أَنْوَاعِ الْكِبْرِ مَا يَمْنَعُ مِنَ اسْتِفَادَةِ الْعِلْمِ وَقَبُولِ الْحَقِّ وَالِانْقِيَادِ لَهُ،
: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) [فُصِّلَتْ: ٢٦] .
فَكُلُّ مَنْ يَتَّضِحُ لَهُ الْحَقُّ عَلَى لِسَانِ أَحَدٍ وَيَأْنَفُ مِنْ قَبُولِهِ، أَوْ يُنَاظِرُ لِلْغَلَبَةِ وَالْإِفْحَامِ لَا لِيَغْتَنِمَ الْحَقَّ إِذَا ظَفِرَ بِهِ فَقَدْ شَارَكَهُمْ فِي هَذَا الْخُلُقِ بَيَانُ مَا بِهِ التَّكَبُّرُ:
الْأَوَّلُ: الْعِلْمُ، وَمَا أَسْرَعَ الْكِبْرَ إِلَى بَعْضِ الْعُلَمَاءِ فَلَا يَلْبَثُ أَنْ يَسْتَشْعِرَ فِي نَفْسِهِ كَمَالَ الْعِلْمِ فَيَسْتَعْظِمَ نَفْسَهُ وَيَسْتَحْقِرَ النَّاسَ وَيَسْتَجْهِلَهُمْ وَيَسْتَخْدِمَ مَنْ خَالَطَهُ مِنْهُمْ.
وَسَبَبُ كِبْرِهِ بِالْعِلْمِ أَمْرَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ اشْتِغَالُهُ بِمَا يُسَمَّى عِلْمًا وَلَيْسَ عِلْمًا فِي الْحَقِيقَةِ، فَإِنَّ الْعِلْمَ الْحَقِيقِيَّ مَا يَعْرِفُ بِهِ الْعَبْدُ رَبَّهُ وَنَفْسَهُ وَخَطَرَ أَمْرِهِ فِي لِقَاءِ اللَّهِ وَالْحِجَابِ مِنْهُ، وَهَذَا يُورِثُ الْخَشْيَةَ وَالتَّوَاضُعَ دُونَ الْكِبْرِ، قَالَ تَعَالَى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) [فَاطِرٍ: ٢٨] .
ثَانِيهِمَا: أَنْ يَخُوضَ فِي الْعِلْمِ، وَهُوَ خَبِيثُ الدُّخْلَةِ رَدِيءُ النَّفْسِ سَيِّئُ الْأَخْلَاقِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَشْتَغِلْ أَوَّلًا بِتَهْذِيبِ نَفْسِهِ وَتَزْكِيَةِ قَلْبِهِ بِأَنْوَاعِ الْمُجَاهَدَاتِ فَبَقِيَ خَبِيثَ الْجَوْهَرِ، فَإِذَا خَاضَ فِي الْعِلْمِ صَادَفَ الْعِلْمُ مِنْ قَلْبِهِ مَنْزِلًا خَبِيثًا فَلَمْ يَطِبْ ثَمَرُهُ وَلَمْ يَظْهَرْ فِي الْخَيْرِ أَثَرُهُ، وَقَدْ ضَرَبَ «وهب» لِهَذَا مَثَلًا فَقَالَ: الْعِلْمُ كَالْغَيْثِ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ حُلْوًا صَافِيًا فَتَشْرَبُهُ الْأَشْجَارُ بِعُرُوقِهَا فَتُحَوِّلُهُ عَلَى قَدْرِ طَعُومِهَا فَيَزْدَادُ الْمُرُّ مَرَارَةً وَالْحُلْوُ حَلَاوَةً، فَكَذَلِكَ الْعِلْمُ يَحْفَظُهُ الرِّجَالُ فَتُحَوِّلُهُ عَلَى قَدْرِ هِمَمِهَا وَأَهْوَائِهَا، فَيَزِيدُ الْمُتَكَبِّرَ كِبْرًا وَالْمُتَوَاضِعَ تَوَاضُعًا، وَهَذَا ; لِأَنَّ مَنْ كَانَتْ هِمَّتُهُ الْكِبْرَ هُوَ جَاهِلٌ فَإِذَا حَفِظَ الْعِلْمَ وَجَدَ مَا يَتَكَبَّرُ بِهِ فَازْدَادَ كِبْرًا، وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ خَائِفًا مَعَ عِلْمِهِ فَازْدَادَ عِلْمًا عَلِمَ أَنَّ الْحُجَّةَ قَدْ تَأَكَّدَتْ عَلَيْهِ فَيَزْدَادُ خَوْفًا.
الثَّانِي الْعَمَلُ وَالْعِبَادَةُ: وَلَيْسَ يَخْلُو عَنْ رَذِيلَةِ الْكِبْرِ وَاسْتِمَالَةِ قُلُوبِ النَّاسِ الْعُبَّادِ
وَلَعَلَّهُ فِي مَقْتِ اللَّهِ بِإِعْجَابِهِ وَكِبْرِهِ، وَهُوَ غَافِلٌ عَنْ هَلَاكِ نَفْسِهِ، فَهَذِهِ عَقِيدَةُ الْمُغْتَرِّينَ، وَأَمَّا الْأَكْيَاسُ مِنَ الْعِبَادِ فَيَقُولُونَ مَا كَانَ يَقُولُهُ السَّلَفُ بَعْدَ انْصِرَافِهِ مِنْ عَرَفَاتٍ: «كُنْتُ أَرْجُو الرَّحْمَةَ لِجَمِيعِهِمْ لَوْلَا كَوْنِي فِيهِمْ
الثَّالِثُ: التَّكَبُّرُ بِالْحَسَبِ وَالنَّسَبِ، فَالَّذِي لَهُ نَسَبٌ شَرِيفٌ يَسْتَحْقِرُ مَنْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ النَّسَبُ وَإِنْ كَانَ أَرْفَعَ مِنْهُ عَمَلًا وَعِلْمًا، وَقَدْ يَتَكَبَّرُ بَعْضُهُمْ فَيَأْنَفُ مِنْ مُخَالَطَةِ النَّاسِ وَمُجَالَسَتِهِمْ، وَقَدْ يَجْرِي عَلَى لِسَانِهِ التَّفَاخُرُ بِهِ فَيَقُولُ لِغَيْرِهِ: مَنْ أَنْتَ وَمَنْ أَبُوكَ فَأَنَا فُلَانٌ ابْنُ فُلَانٍ، وَمَعَ مِثْلِي تَتَكَلَّمُ! .
الرَّابِعُ: التَّفَاخُرُ بِالْجَمَالِ، وَذَلِكَ أَكْثَرُ مَا يَجْرِي بَيْنَ النِّسَاءِ وَيَدْعُو ذَلِكَ إِلَى التَّنَقُّصِ وَالثَّلْبِ وَالْغِيبَةِ وَذِكْرِ عُيُوبِ النَّاسِ.
الْخَامِسُ: الْكِبْرُ بِالْمَالِ وَذَلِكَ يَجْرِي بَيْنَ الْأُمَرَاءِ وَالتُّجَّارِ فِي لِبَاسِهِمْ وَخُيُولِهِمْ وَمَرَاكِبِهِمْ فَيَسْتَحْقِرُ الْغَنِيُّ الْفَقِيرَ وَيَتَكَبَّرُ عَلَيْهِ، وَكُلُّ ذَلِكَ جَهْلٌ بِفَضِيلَةِ الْفَقْرِ وَآفَةِ الْغِنَى.
السَّادِسُ: الْكِبْرُ بِالْقُوَّةِ وَشِدَّةِ الْبَطْشِ وَالتَّكَبُّرِ بِهِ عَلَى أَهْلِ الضَّعْفِ.
السَّابِعُ: التَّكَبُّرُ بِالْأَتْبَاعِ وَالْأَنْصَارِ وَالْعَشِيرَةِ وَالْأَقَارِبِ.
فَهَذِهِ مَجَامِعُ مَا يَتَكَبَّرُ بِهِ الْعِبَادُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ.
نَسْأَلُهُ تَعَالَى الْعَوْنَ بِلُطْفِهِ وَرَحْمَتِهِ.
بَيَانُ أَخْلَاقِ الْمُتَوَاضِعِينَ وَمَجَامِعِ مَا يَظْهَرُ فِيهِ أَثَرُ التَّوَاضُعِ وَالتَّكَبُّرِ:
اعْلَمْ أَنَّ التَّكَبُّرَ يَظْهَرُ فِي شَمَائِلِ الرَّجُلِ كَصَعَرٍ فِي وَجْهِهِ وَيَظْهَرُ فِي مِشْيَتِهِ وَتَبَخْتُرِهِ فَمِنَ الْمُتَكَبِّرِينَ مَنْ يَجْمَعُ ذَلِكَ كُلَّهُ، وَمِنْهُمْ

مَنْ يَتَكَبَّرُ فِي بَعْضٍ وَيَتَوَاضَعُ فِي بَعْضٍ،
رُوِيَ أَنَّ «عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ» أَتَاهُ لَيْلَةً ضَيْفٌ وَكَانَ يَكْتُبُ فَكَادَ السِّرَاجُ يُطْفَأُ، فَقَالَ الضَّيْفُ: أَقُومُ إِلَى الْمِصْبَاحِ فَأُصْلِحُهُ؟ فَقَالَ: لَيْسَ مِنْ كَرَمِ الرَّجُلِ أَنْ يَسْتَخْدِمَ ضَيْفَهُ، قَالَ: أَفَأُنَبِّهُ الْغُلَامَ؟ فَقَالَ: هِيَ أَوَّلُ نَوْمَةٍ نَامَهَا، فَقَامَ وَمَلَأَ الْمِصْبَاحَ زَيْتًا، فَقَالَ الضَّيْفُ: قُمْتَ أَنْتَ بِنَفْسِكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَ: ذَهَبْتُ وَأَنَا عمر، وَرَجَعْتُ وَأَنَا عمر مَا نَقَصَ مِنِّي شَيْءٌ، وَخَيْرُ النَّاسِ مَنْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ مُتَوَاضِعًا.
بِهِ.
بَيَانُ الطَّرِيقِ فِي مُعَالَجَةِ الْكِبْرِ وَاكْتِسَابِ التَّوَاضُعِ:
اعْلَمْ أَنَّ الْكِبْرَ مِنَ الْمُهْلِكَاتِ وَإِزَالَتُهُ فَرْضُ عَيْنٍ، وَلَا يَزُولُ بِمُجَرَّدِ التَّمَنِّي، بَلْ بِالْمُعَالَجَةِ، وَفِي مُعَالَجَتِهِ مَقَامَانِ:
أَحَدُهُمَا: قَلْعُ شَجَرَتِهِ مِنْ مَغْرِسِهَا فِي الْقَلْبِ.
الثَّانِي: دَفْعُ الْعَارِضِ مِنْهُ بِالْأَسْبَابِ الَّتِي قَدْ يُتَكَبَّرُ بِهَا.
الْمَقَامُ الْأَوَّلُ فِي اسْتِئْصَالِ أَصْلِهِ:
عِلَاجُهُ عِلْمِيٌّ وَعَمَلِيٌّ، وَلَا يَتِمُّ الشِّفَاءُ إِلَّا بِمَجْمُوعِهِمَا:
أَمَّا الْعِلْمِيُّ: فَهُوَ أَنْ يَعْرِفَ نَفْسَهُ وَيَعْرِفَ رَبَّهُ تَعَالَى، وَيَكْفِيهِ ذَلِكَ فِي إِزَالَةِ الْكِبْرِ، فَإِنَّهُ مَهْمَا عَرَفَ نَفْسَهُ حَقَّ الْمَعْرِفَةِ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَلِيقُ بِهِ إِلَّا التَّوَاضُعُ، وَإِذَا عَرَفَ رَبَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ لَا تَلِيقُ الْعَظَمَةُ وَالْكِبْرِيَاءُ إِلَّا بِاللَّهِ. قَالَ تَعَالَى: (قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ) [عَبَسَ: ١٧ فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: (مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ) [عَبَسَ: ١٨، ١٩] ثُمَّ امْتَنَّ عَلَيْهِ فَقَالَ: (ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ) [عَبَسَ: ٢٠] وَهَذَا إِشَارَةٌ إِلَى مَا تَيَسَّرَ لَهُ فِي مُدَّةِ حَيَاتِهِ إِلَى الْمَوْتِ
. وَأَمَّا آخِرُهُ فَهُوَ الْمَوْتُ الْمُشَارُ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: (ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ) [عَبَسَ: ٢١ ٢٢]
وَأَمَّا الْعِلَاجُ الْعَمَلِيُّ: فَهُوَ التَّوَاضُعُ لِلَّهِ بِالْفِعْلِ، وَلِسَائِرِ الْخَلْقِ بِالْمُوَاظَبَةِ عَلَى أَخْلَاقِ
الْمُتَوَاضِعِينَ كَمَا وَصَفْنَاهُ مِنْ شَمَائِلِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْ أَحْوَالِ الصَّالِحِينَ، وَلَا يَتِمُّ التَّوَاضُعُ بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ إِلَّا بِالْعَمَلِ،
الْمَقَامُ الثَّانِي: فِيمَا يَعْرِضُ مِنَ التَّكَبُّرِ بِالْأَسْبَابِ السَّبْعَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ:
ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ ذَمِّ الْجَاهِ أَنَّ الْكَمَالَ الْحَقِيقِيَّ هُوَ الْعِلْمُ وَالْعَمَلُ، فَأَمَّا مَا عَدَاهُ مِمَّا يَفْنَى بِالْمَوْتِ فَكَمَالٌ وَهْمِيٌّ، وَنَحْنُ نَذْكُرُ طَرِيقَ الْعِلَاجِ مِنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ:

آفة الآفات الْكِبْرُ بِالْعِلْمِ
: وَهُوَ أَعْظَمُ الْآفَاتِ وَعِلَاجُهُ بِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ حُجَّةَ اللَّهِ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ آكَدُ، وَأَنَّهُ يُحْتَمَلُ مِنَ الْجَاهِلِ مَا لَا يُحْتَمَلُ عُشْرُهُ مِنَ الْعَالِمِ، فَإِنَّ مَنْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى عَنْ مَعْرِفَةٍ وَعِلْمٍ فَجِنَايَتُهُ أَفْحَشُ وَخَطَرُهُ أَعْظَمُ.
فَمَتَى زَالَ الْإِشْفَاقُ وَالْحَذَرُ غَلَبَ الْأَمْنُ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ، وَذَلِكَ يُوجِبُ الْكِبْرَ، وَهُوَ سَبَبُ الْهَلَاكِ، فَالْكِبْرُ دَلِيلُ الْأَمْنِ وَالْأَمْنُ مُهْلِكٌ، وَالتَّوَاضُعُ دَلِيلُ الْخَوْفِ، وَهُوَ مُسْعِدٌ.
فَإِذَنْ مَا يُفْسِدُهُ الْعِبَادُ بِإِضْمَارِ الْكِبْرِ وَاحْتِقَارِ الْخَلْقِ أَكْثَرُ مِمَّا يُصْلِحُهُ بِظَاهِرِ الْأَعْمَالِ.
فَهَذِهِ مَعَارِفُ بِهَا يُزَالُ دَاءُ الْكِبْرِ عَنِ الْقَلْبِ، إِلَّا أَنَّ النَّفْسَ بَعْدَ هَذِهِ الْمَعْرِفَةِ قَدْ تُضْمِرُ التَّوَاضُعَ، وَتَدَّعِي الْبَرَاءَةَ مِنَ الْكِبْرِ وَهِيَ كَاذِبَةٌ، فَإِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ عَادَتْ إِلَى طَبْعِهَا، فَعَنْ هَذَا لَا

يَنْبَغِي أَنْ يُكْتَفَى فِي الْمُدَاوَاةِ بِمُجَرَّدِ الْمَعْرِفَةِ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ تَكْمُلَ بِالْعَمَلِ، وَتُجَرَّبَ بِأَفْعَالِ الْمُتَوَاضِعِينَ فِي مَوَاقِعِ هَيَجَانِ الْكِبْرِ مِنَ النَّفْسِ، وَبَيَانُهُ أَنْ يَمْتَحِنَ النَّفْسَ بِالِامْتِحَانَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى اسْتِخْرَاجٍ مَا فِي الْبَاطِنِ، وَالِامْتِحَانَاتُ كَثِيرَةٌ، فَمِنْهَا وَهُوَ أَوَّلُهَا: أَنْ يُنَاظِرَ فِي مَسْأَلَةٍ مَعَ وَاحِدٍ مِنْ أَقْرَانِهِ، فَإِنْ ظَهَرَ شَيْءٌ مِنَ الْحَقِّ عَلَى لِسَانِ صَاحِبِهِ فَثَقُلَ عَلَيْهِ قَبُولُهُ وَالِانْقِيَادُ لَهُ وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَنْبِيهٍ فَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ فِيهِ كِبْرًا دَفِينًا، فَلْيَتَّقِ اللَّهَ فِيهِ وَيَشْتَغِلْ بِعِلَاجِهِ.
أَمَّا مِنْ حَيْثُ الْعِلْمُ فَبِأَنْ يُذَكِّرَ نَفْسَهُ خِسَّةَ نَفْسِهِ، وَخَطَرَ عَاقِبَتِهِ وَأَنَّ الْكِبْرَ لَا يَلِيقُ إِلَّا بِاللَّهِ تَعَالَى.
وَأَمَّا الْعَمَلُ فَبِأَنْ يُكَلِّفَ نَفْسَهُ مَا ثَقُلَ عَلَيْهِ مِنَ الِاعْتِرَافِ بِالْحَقِّ، وَأَنْ يُطْلِقَ اللِّسَانَ بِالْحَمْدِ وَالثَّنَاءِ، وَيُقِرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالْعَجْزِ، وَيَشْكُرَهُ عَلَى الِاسْتِفَادَةِ وَيَقُولَ: «مَا أَحْسَنَ مَا فَطِنْتَ لَهُ، وَقَدْ كُنْتُ غَافِلًا عَنْهُ فَجَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا كَمَا نَبَّهْتَنِي لَهُ» فَالْحِكْمَةُ ضَالَّةُ الْمُؤْمِنِ فَإِذَا وَجَدَهَا يَنْبَغِيَ أَنْ يَشْكُرَ مَنْ دَلَّهُ عَلَيْهَا.
فَإِذَا وَاظَبَ عَلَى ذَلِكَ مَرَّاتٍ مُتَوَالِيَةً صَارَ ذَلِكَ لَهُ طَبْعًا، وَسَقَطَ ثِقَلُ الْحَقِّ عَنْ قَلْبِهِ، وَطَابَ لَهُ قَبُولُهُ، وَمَهْمَا ثَقُلَ عَلَيْهِ الثَّنَاءُ عَلَى أَقْرَانِهِ بِمَا فِيهِمْ فَفِيهِ كِبْرٌ.
بَيَانُ غَايَةِ الرِّيَاضَةِ فِي خُلُقِ التَّوَاضُعِ:
اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْخُلُقَ كَسَائِرِ الْأَخْلَاقِ لَهُ طَرَفَانِ وَوَسَطٌ، فَطَرَفُهُ الَّذِي يَمِيلُ إِلَى الزِّيَادَةِ
يُسَمَّى تَكَبُّرًا، وَطَرَفُهُ يَمِيلُ إِلَى النُّقْصَانِ يُسَمَّى تَخَاسُسًا وَمَذَلَّةً، وَالْوَسَطُ يُسَمَّى تَوَاضُعًا، وَالْمَحْمُودُ أَنْ يَتَوَاضَعَ فِي غَيْرِ مَذَلَّةٍ وَتَخَاسُسٍ، فَإِنَّ:
كِلَا طَرَفَيْ قَصْدِ الْأُمُورِ ذَمِيمُ
وَأَحَبُّ الْأُمُورِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَوْسَاطُهَا، فَمَنْ يَتَقَدَّمْ عَلَى أَمْثَالِهِ فَهُوَ مُتَكَبِّرٌ، وَمَنْ يَتَأَخَّرْ عَنْهُمْ فَهُوَ مُتَوَاضِعٌ، أَيْ وَضَعَ شَيْئًا مِنْ قَدْرِهِ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ، وَالْعَالِمُ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهِ دَنِيءٌ فَتَنَحَّى لَهُ عَنْ مَجْلِسِهِ وَأَجْلَسَهُ فِيهِ، ثُمَّ تَقَدَّمَ وَسَوَّى لَهُ نَعْلَهُ، وَغَدَا إِلَى بَابِ الدَّارِ خَلْفَهُ فَقَدْ تَخَاسَسَ وَتَذَلَّلَ، وَهُوَ أَيْضًا غَيْرُ مَحْمُودٍ، بَلِ الْمَحْمُودُ عِنْدَ اللَّهِ الْعَدْلُ، وَهُوَ أَنْ يُعْطِيَ كُلَّ ذِي حَقِّ حَقَّهُ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَوَاضَعَ بِمِثْلِ هَذَا لِأَقْرَانِهِ وَمَنْ يَقْرُبُ مِنْ دَرَجَتِهِ، فَأَمَّا تَوَاضُعُهُ لِلسُّوقِيِّ فَبِالْقِيَامِ وَالْبِشْرِ فِي الْكَلَامِ وَالرِّفْقِ فِي السُّؤَالِ وَإِجَابَةِ دَعْوَتِهِ وَالسَّعْيِ فِي حَاجَتِهِ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ، وَأَنْ لَا يَرَى نَفْسَهُ خَيْرًا مِنْهُ فَلَا يَحْتَقِرُهُ، وَلَا يَسْتَصْغِرُهُ، وَهُوَ لَا يَعْرِفُ خَاتِمَةَ أَمْرِهِ.

كتبه أبو عبد الرحمن المهناوي الأثري
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:30 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.