أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
78231 86507

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > منبر الأئمة و الخطباء > خطب نصية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 06-28-2013, 11:00 PM
أسامة أسامة غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
الدولة: غزة - فلسطين
المشاركات: 365
افتراضي للشرِّ والفساد متيقظون وعن الخير والآخرة غافلون. الشيخ: فؤاد أبو سعيد حفظه الله

للشرِّ والفساد متيقظون
وعن الخير والآخرة غافلون
«إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، فَمَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ».
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ}.
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِّنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}.
«أَمَّا بَعْدُ؛ فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ».
قال سبحانه وتعالى: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ* مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ}. (الأنبياء: 1– 3)، وقال سبحانه: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}. (النحل: 1)
فعلا! {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ} وكثير من الناس للشرِّ والفساد متيقظون، وعن الخير والآخرة غافلون.
قال البغويُّ: [{أَتى أَمْرُ اللَّهِ}، أَيْ: جَاءَ وَدَنَا وَقَرُبَ، ... {فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ}، .. وأَمْرُ اللَّهِ ... المراد منه القيامة. وقال ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ}. (الْقَمَرِ: 1)؛ قَالَ الْكُفَّارُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: (إِنَّ هَذَا يَزْعُمُ أَنَّ الْقِيَامَةَ قَدْ قَرُبَتْ فَأَمْسِكُوا عَنْ بَعْضِ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ حَتَّى تَنْظُرُوا مَا هُوَ كَائِنٌ)، فَلَمَّا لَمْ يَنْزِلْ شَيْءٌ قالوا: (مَا نَرَى شَيْئًا مِمَّا تُخَوِّفُنَا به)، فَنَزَلَ قَوْلُهُ: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ}. (الْأَنْبِيَاءِ: 1)، فَأَشْفَقُوا، فَلَمَّا امْتَدَّتِ الْأَيَّامُ قَالُوا: (يَا مُحَمَّدُ! مَا نَرَى شيئا من ذلك!) فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَتى أَمْرُ اللَّهِ}، فَوَثَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم ورفع الناس رؤوسهم إلى السماء، وَظَنُّوا أَنَّهَا قَدْ أَتَتْ حَقِيقَةً، فنزلت: {فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ} فاطمأنوا. وَالِاسْتِعْجَالُ: طَلَبُ الشَّيْءِ قَبْلَ حِينِهِ.
وَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ -وَأَشَارَ بِأُصْبُعَيْهِ- وَإِنْ كَادَتْ لَتَسْبِقُنِي».
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ بَعْثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ، وَلَمَّا مَرَّ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِأَهْلِ السَّمَوَاتِ مَبْعُوثًا إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالُوا: (اللَّهُ أَكْبَرُ! قَامَتِ السَّاعَةُ)]. بتصرف يسير من تفسير البغوي ط إحياء التراث (3/ 70)
وقال رحمه الله: [{اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ}، ... يعني اقْتَرَبَ مِنَ النَّاسِ {حِسَابُهُمْ}، أَيْ وَقْتُ مُحَاسَبَةِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ عَلَى أَعْمَالِهِمْ، يَعْنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، نَزَلَتْ فِي مُنْكِرِي الْبَعْثِ، {وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ}، عَنِ التَّأَهُّبِ لَهُ.
{مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ}، يَعْنِي مَا يُحْدِثُ اللَّهُ مِنْ تَنْزِيلِ شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ يُذَكِّرُهُمْ وَيَعِظُهُمْ بِهِ. .... ومَا قَالَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيَّنَهُ مِنَ السُّنَنِ وَالْمَوَاعِظِ سِوَى مَا في القرآن، وإضافته إِلَى الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ لِأَنَّهُ قَالَ بِأَمْرِ الرَّبِّ، {إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ}، يعني اسْتَمَعُوهُ لَاعِبِينَ لَا يَعْتَبِرُونَ وَلَا يتعظون.
{لاهِيَةً}، سَاهِيَةً غَافِلَةً، {قُلُوبُهُمْ}، مُعْرِضَةً عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، ... {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا}، يعني أَشْرَكُوا، قَوْلُهُ: ... {هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ}، أَنْكَرُوا إِرْسَالَ الْبَشَرِ، وَطَلَبُوا إِرْسَالَ الْمَلَائِكَةِ، {أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ}، يعني أتحضرون السِّحْرَ وَتَقْبَلُونَهُ، وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ، وتَعْلَمُونَ أنه سحر.
قالَ لهم مُحَمَّدُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ} ... أَيْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ، {وَهُوَ السَّمِيعُ}، لِأَقْوَالِهِمْ، {الْعَلِيمُ}، بِأَفْعَالِهِمْ...]. تفسير البغوي ط إحياء التراث (3/ 282)
إلى الغافلين المخدوعين، ولهواهم عابدين، ولا يذكرون يوم الدين، قال لهم ولأمثالهم أبو العتاهية:
المَرْءُ يَخْدَعُهُ مُنَاهْ، ** وَالدّهرُ يُسرَعُ في بَلاهْ
يا ذا الهوى مَهْ لا تكنْ ** مِمّنْ تَعَبّدَهُ هَوَاهْ!
واعلمْ بأنَّ المرءَ مُرْ ** تَهَنٌ بما كَسَبَتْ يَداهْ
كَمْ مِنْ أخٍ لكَ لا تَرَى ** مُتَصَرِّفاً، فِيمَا تَرَاهْ
أمسَى قريبَ الدارِ في ** الأجداثِ قدْ شحطتْ نواهْ
قَدْ كانَ مُغْتَرّاً بِيَوْ ** مِ وَفاتِهِ، حتى أتَاهْ
النّاسُ في غَفَلاتِهِمْ، ** والموتُ دائرةٌ رحاهْ
وَرَوَى ابن عساكر فِي تَرْجَمَةِ "عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ"، ... عن عامر بن رَبِيعَةَ: أَنَّهُ نَزَلَ بِهِ رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ، فَأَكْرَمَ عَامِرٌ مَثْوَاهُ، وَكَلَّمَ فِيهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَهُ الرَّجُلُ فَقَالَ: إِنِّي اسْتَقْطَعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَادِيًا فِي الْعَرَبِ، وَقَدْ أَرَدْتُ أَنْ أقطعَ لَكَ مِنْهُ قِطْعَةً تَكُونُ لَكَ وَلِعَقِبِكَ مِنْ بَعْدِكَ. فَقَالَ عَامِرٌ: لَا حَاجَةَ لِي فِي قَطِيعَتِكَ، نَزَلَتِ الْيَوْمَ سُورَةٌ أَذْهَلَتْنَا عَنِ الدُّنْيَا: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ}. تفسير ابن كثير ت سلامة (5/ 332)
كثير من الناس في غَفَلاتهم نائمون، وفي سهَرهم ماجنون، غفلوا عن حسرة تنتظرهم، ولهفةٍ تختطفهم، {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ}. (مريم: 39)
لا يؤمنون ولا يصدقون؛ لأنهم في الحياة الدنيا يلهون ويلعبون، وهؤلاء هم الكفار والمشركون، وتشبَّه بهم -وللأسف- كثير من المسلمين؛ فانشغلوا بما في الحياة الدنيا من لعب ولهو وزينة، وتفاخر وتكاثر في الأموال والأولاد، يتفاخرون بالمليونيَّات التي تجوبُ الميادين؛ لماذا؟؟
هل تجوب الميادين يجأرون إلى الله تعالى أن يرفع عنهم ظلم الظالمين؟
أم ليستغيثوا ربهم الرحمن الرحيم ليزود بلادهم بالبركات ورغد العيش والخيرات؟
أم خرجوا ليرفعوا أكفَّ الضراعة للنصر على أعداء الأمة والدين؟
أم خرجوا ليدعوا الله سبحانه أن يحفظ البلاد والعباد ليسود الأمن ويحل السلام؟
إن خرجوا ويخرجون للتباهي والتفاخر: أيُّهم أكثرُ جمعا؟ أيهم أكثرُ عددا؟ أيهم أكثر تأييدا؟ أيهم أكثر حشدا؟ أيهم أكثر نفيرا؟ فهم في غفلة يترددون، وفي غيهم يعمهون، فاللهم احفظ مصرَ وأهلَها، والشامَ وأهلَه، وسائرَ بلادِ المسلمين، احفظ أهلها من كل سوء، ومن كل المتربصين والظالمين وأعداء الدين.
غاب عن المليونيات في الميادين توحيدُ ربِّ العالمين، والإخلاصُ لله تعالى في حبِّ وطنهم واحترامِ المواطين، وغاب الحفاظ على ممتلكات الآخرين، زاعمين بأنها مظاهرات سلمية، ومسيرات هادئة شرعية، غاب ذلك وبقي اللهو والعبث والتفاخر والتكاثر، وتبادل التهم، وتقاذف السب والشتم.
عباد الله! {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}. (الحديد: 20)
نعم! إن ما يجري هنا وهناك من غفلة عما يرضي اللهَ تعالى، وعما يخلِّصُ الإنسانِ من رجس الشيطان، ويحررُ الأوطان من أعداء الرحمن، {كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا}. وإن رُفِعت راياتٌ دينية مخدِّرة، وشعارات وطنية مطمئنة -زعموا-!!! وأين النفع العائد منهما على دين أو وطن؟؟!!
لكن؛ هل ستبقى الأمور كذلك؟ {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ* وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ}. (الأنبياء: 96، 97)
الغافل يجري هنا وهناك، ويسب ويشتم، ويكفر ولا يدري أن بينه وبين حسابه ومحاسبته، وانتهاء حياته وقرب آخرته، يوما أو يومين، أ ساعة أو ساعتين، أ دقيقة أو دقيقتين، فعجبا ولا ينتهي العجب!! فقد {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ}.
[هذا تعجٌّب من حالة الناس، وأنه لا ينجع فيهم تذكير، ولا يرعون إلى نذير، وأنهم قد قربَ حسابهم، ومجازاتُهم على أعمالهم الصالحةِ والطالحة، والحالُ أنهم في غفلة معرضون، أي: غفلةٌ عما خلقوا له، وإعراضٌ عما زجروا به. كأنهم للدنيا خلقوا، وللتمتع بها ولدوا، وأن الله تعالى لا يزال يجدد لهم التذكيرَ والوعظ، ولا يزالون في غفلتهم وإعراضهم، ولهذا قال: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} يذكرُهم ما ينفعهم ويحثهم عليه، وما يضرهم ويرهبهم منه {إِلا اسْتَمَعُوهُ} سماعا تقوم عليهم به الحجة، {وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ} أي: قلوبهم غافلةٌ معرضةٌ لاهيةٌ بمطالبها الدنيوية، وأبدانُهم لاعبةٌ، قد اشتغلوا بتناول الشهوات والعملِ بالباطل، والأقوالِ الردية، مع أن الذي ينبغي لهم أن يكونوا بغير هذه الصفة، تُقْبِلُ قلوبهم على أمر الله ونهيِه، وتستمعُه استماعا تفقهُ المرادَ منه، وتسعى جوارحهم، في عبادة ربهم، التي خُلقوا لأجلها، ويجعلون القيامة والحسابَ والجزاءَ منهم على بال، فبذلك يتمُّ لهم أمرُهم، وتستقيمُ أحوالهم، وتزكوا أعمالهم، =وينصرهم الله على من عاداهم=.
وفي معنى قوله: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ} قولان:
أحدهما: أن هذه الأمة هي آخر الأمم، ورسولها آخر الرسل، وعلى أمته تقوم الساعة، فقد قرب الحساب منها بالنسبة لما قبلها من الأمم، لقوله صلى الله عليه وسلم "بعثت أنا والساعة كهاتين" وقرن بين إصبعيه، السبابة والتي تليها.
والقول الثاني: أن المراد بقربِ الحسابِ الموت، وأن من مات، قامت قيامته، ودخل في دار الجزاء على الأعمال، وأن هذا تعجُّبٌ من كلِّ غافلِ معرض، لا يدري متى يفجأه الموت، صباحا أو مساء، فهذه حالة الناس كلِّهم، إلا من أدركته العناية الربانية، فاستعد للموت وما بعده.
ثم ذكر ما يتناجى به الكافرون الظالمون على وجه العناد، ومقابلةِ الحقِّ بالباطل، وأنهم تناجوا، وتواطأوا فيما بينهم، أن يقولوا في الرسول صلى الله عليه وسلم: إنه بشر مثلكم، فما الذي فضله عليكم، وخصه من بينكم، فلو ادعى أحد منكم مثل دعواه، لكان قوله من جنس قوله، ولكنه يريد أن يتفضل عليكم، ويرأس فيكم، فلا تطيعوه، ولا تصدقوه، وأنه ساحر، وما جاء به من القرآن سحر، فانفروا عنه، ونفروا الناس، وقولوا: {أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} هذا وهم يعلمون أنه رسول الله حقا بما شاهدوا من الآيات الباهرة ما لم يشاهد غيرهم، ولكن حملهم على ذلك الشقاء والظلم والعناد، والله تعالى قد أحاط علما بما تناجوا به، وسيجازيهم عليه، ولهذا قال: {قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ} أي: الخفي والجلي {فِي السَّمَاءِ وَالأرْضِ} أي: في جميع ما احتوت عليه أقطارهما {وَهُوَ السَّمِيعُ} لسائر الأصوات، باختلاف اللغات، على تفنن الحاجات {الْعَلِيمُ} بما في الضمائر، وأكنته السرائر]. تفسير السعدي (ص: 518)
وهذا يشبه حالَ كثير من المتأسلمين -إن صح التعبير- لا ينتبهون للسنة، ولا يهتدون بهدي النبي صلى الله عليه وسلم، ويستجيبون لطعن الطاعنين عليه.
لذا؛ حذرنا الله جل جلاله من السير على نهج الكافرين، بألاّ نستخدم قلوبنا وأعيننا وآذاننا إلاّ في طاعة الله وطاعة رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وما لا يغضبهما، قال سبحانه: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}. (الأعراف: 179)
فيا أيها المسلمون! احذروا أن تكونوا من الغافلين.
لا تكونوا ممن قال فيهم الجبار جل جلاله: {إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ* أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}. (يونس: 7، 8)
إن الذين غفلوا عن دين الله وأعرضوا عن آيات الله، هؤلاء {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} حصلوا على شهادات، وفي أيديهم صناعات، ومنهم أصحاب رتب في الدنيا عالية، ومكانة بين أقوامهم راقية، ويا للأسف {وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ}. (الروم: 7)
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْقُلُوبُ أَوْعِيَةٌ، وَبَعْضُهَا أَوْعَى مِنْ بَعْضٍ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ، أَيُّهَا النَّاسُ! فَاسْأَلُوهُ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ، فَإِنَّ اللهَ لَا يَسْتَجِيبُ لِعَبْدٍ دَعَاهُ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ غَافِلٍ". مسند أحمد (11/ 235، رقم 6655) صحيح الترغيب (2/ 133، ح 1652) (حسن لغيره).
فتوبوا إلى الله واستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
**الخطبة الثانية**
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين وبعد؛
إن الغفلة تكثر في الأسواق والملاعب الرياضية والمهرجانات، وبرامج (عرب أيدول) وأماكن التجمعات والمتنزهات، في الحدائق وعلى شواطئ البحار، عند الأفراح والأعراس وأمام شاشات التلفزة، خصوصا إذا كان هناك ما يبث مباشرة من لعب ولهو أو باطل، أو خبرٍ عاجل أو آجل.
لكن يذهب هذه الغفلةَ والحال هذه ذكر الله جل جلاله، فـ"مَنْ دَخَلَ السُّوقَ، فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، بِيَدِهِ الخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، كَتَبَ اللَّهُ لَهُ أَلْفَ أَلْفِ حَسَنَةٍ، وَمَحَا عَنْهُ أَلْفَ أَلْفِ سَيِّئَةٍ، وَرَفَعَ لَهُ أَلْفَ أَلْفِ دَرَجَةٍ". سنن الترمذي (3428) صحيح الترغيب (1694).
وتزداد الغفلة وينعدم ذكرُ الله تعالى واليومِ الآخر، في بيوت الدعارة والفجور، ومجالس المسكر والمخدرات، وحانات الخمور، ولا تذهب الغفلة من هاهنا إلا بترك المكان والتحوُّل عنه، فالذي قتل تسعا وتسعين نفسا ما استيقظ من غفلة القتل إلا بعد أن ترك المكان الذي تعوَّد فيه الغفلة. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، ... قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَحَوَّلُوا عَنْ مَكَانِكُمُ الَّذِي أَصَابَتْكُمْ فِيهِ الْغَفْلَةُ». سنن أبي داود (436)
وللتخلص من الغفلة الناشئة عن ذلك والابتعادِ عن صفات الغافلين أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى أعمال نعملها، وأذكارٍ نقولها منها: أن نقوم الليل بعشر آيات: فـ«مَنْ قَامَ بِعَشْرِ آيَاتٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الغَافِلِينَ، وَمَنْ قَامَ بِمِائَةِ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ القَانِتِينَ، وَمَنْ قَامَ بِأَلْفِ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ المُقَنْطِرِينَ». سنن أبي داود (1398)، وفي رواية ترشد إلى تلاوة القرآن: «مَنْ قَرَأَ مِائَةَ آيَةٍ فِي لَيْلَةٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ، وَمَنْ قَرَأَ مِائَتَيْ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ الْقَانِتِينَ».
ومما يذهب الغفلة الحفاظ على الصلوات الخمس في أوقاتها: فـ"من حافظ على هؤلاء الصلوات المكتوبات؛ لم يكتب من الغافلين، ومن قرأ في ليلة مائة آية كتب من القانتين". الصحيحة (657)
والإكثار من الصوم في شعبان يزيل الغفلة، للحديث: "شعبان بين رجب ورمضان، يغفل الناس عنه، ترفع فيه أعمال العباد، فأحب أن لا يرفع عملي إلا وأنا صائم". حسنه في الصحيحة (1898)
أما يوم القيامة فهو يوم الحسرة والندامة، على الكافرين والمفرطين في حق الله سبحانه، والغافلين والمعرضين عن آيات رب العالمين، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يُؤْتَى بِالْمَوْتِ كَهَيْئَةِ كَبْشٍ أَمْلَحَ، فَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا أَهْلَ الجَنَّةِ! فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ، فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ! هَذَا المَوْتُ، وَكُلُّهُمْ قَدْ رَآهُ، ثُمَّ يُنَادِي: يَا أَهْلَ النَّارِ! فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ، فَيَقُولُ: وهَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ! هَذَا المَوْتُ، وَكُلُّهُمْ قَدْ رَآهُ، فَيُذْبَحُ ثُمَّ يَقُولُ: يَا أَهْلَ الجَنَّةِ! خُلُودٌ فَلاَ مَوْتَ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ! خُلُودٌ فَلاَ مَوْتَ، ثُمَّ قَرَأَ: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ}. (مريم: 39)، وَهَؤُلاَءِ فِي غَفْلَةٍ أَهْلُ الدُّنْيَا {وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ}. (مريم: 39)". صحيح البخاري (4730)
فاتقوا الله ربكم، وأحسنوا الظن به، وأملوا فيما عنده، واعملوا صالحاً، ولا تكونوا من الغافلين.
ثم صلوا وسلموا على البشير النذير والسراج المنير نبيكم محمد بن عبد الله فقد أمركم بذلك ربكم فقال عز من قائل: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}. (الأحزاب:56)
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، وارضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين: أبي بكر و عمر و عثمان و علي ، وعن سائر الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك يا أرحم الراحمين.
«اللهم إنا نعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والبخل، والهرم والقسوة، والغفلة والعيلة، والذلة والمسكنة، ونعوذ بك من الفقر والكفر، والفسوق والشقاق والنفاق، والسمعة والرياء، ونعوذ بك من الصمم والبكم، والجنون والجذام، والبرص وسيء الأسقام».
«اللهم إنا نعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والبخل، والهرم وعذاب القبر، وفتنة الدجال، اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها».
اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر إنك على كل شيء قدير.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
عباد الله! إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون؛ فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نِعَمِه يزدْكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
كتب وألف بين الجمل ونقل من المظان: أبو المنذر فؤاد بن يوسف أبو سعيد.
الزعفران- الوسطى- غزة
17 شعبان 1434 هلالية،
وفق: 28/ 6/ 2013 شمسية.
__________________
إن الدعوة السلفية دعوة بالحسنى، وليست حركةً حزبيَّة، دعوة لدين الإسلام دين السلم والسلام، والأمن والأمان، نسالم من يسالمنا، ونعادي من يعادينا.
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:04 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.