أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
37005 89305

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > منبر الأئمة و الخطباء > خطب نصية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10-18-2013, 07:02 PM
أسامة أسامة غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
الدولة: غزة - فلسطين
المشاركات: 365
افتراضي أموالنا بين النعمة والنقمة


أموالنا بين النعمة والنقمة
إنَّ الحمدَ لله، نحمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمَّداً عبدُه ورسولُه.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران:102).
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} (النساء:1).
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} (الأحزاب:70، 71).
أما بعد: فإن خيرَ الكلامِ كلامُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.
أخبرنا سبحانه أننا سنُبتلى في الأموال والأنفس فقال: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} (آل عمران: 186).
ونهانا الاعتداء على الأموال بالباطل، والرشوة ونحو ذلك فقال سبحانه: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (البقرة: 188)
فأموال المسلمين محرَّمة على المسلمين إلا بما أذن به الله، وسمح به الشرع، كالمواريث والهبة والعطية والبيع والشراء وسائر أنواع المعاملات المباحة، قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} (النساء: 29)،
فأموال المسلمين محرمة، كدمائهم وأعراضهم فقد قال صلى الله عليه وسلم فى خطبته يوم النحر بمنى: "إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا فى شهركم هذا, فى بلدكم هذا". رواه مسلم من حديث جابر.
لذلك أمرنا ديننا بالحفاظ على أموال الضعفاء واليتامى فقال: {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا} (النساء: 2)،
ونهانا حتى عن الاقتراب من أموالهم إلا بالحسنى والمعروف فقال: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} (الأنعام: 152).
وحذّر سبحانه من الاستيلاء على أموال اليتامى، فإنّ كلَّ لقمةٍ تؤكلُ من مال اليتيم دون وجه حق فإنما هي جمرة من نار يأكلها، قال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} (النساء: 10).
ومن وقع في إثم الربا وأراد أن يرجع إلى الله سبحانه فالله يقبله بشرط التوبة النصوح؛ {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} (البقرة: 279).
والمال فتنة إن لم يُتَّق الله في تحصيله أو إنفاقه، {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} (الأنفال: 28).
والمال نعمة لمن اتقى الله في اكتسابه وإنفاقه، {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (التوبة: 41)
قَالَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ رضي الله تعالى عنه: بَعَثَ إِلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ عَلَيَّ ثِيَابِي وَسِلَاحِي، ثُمَّ آتِيهِ، فَفَعَلْتُ فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ، فَصَعَّدَ إِلَيَّ الْبَصَرَ ثُمَّ طَأْطَأَ، ثُمَّ قَالَ: «يَا عَمْرُو! إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَبْعَثَكَ عَلَى جَيْشٍ فَيُغْنِمُكَ اللَّهُ، وَأَرْغَبُ لَكَ رَغْبَةً مِنَ الْمَالِ صَالِحَةً»،
قُلْتُ: إِنِّي لَمْ أُسْلِمْ رَغْبَةً فِي الْمَالِ، إِنَّمَا أَسْلَمْتُ رَغْبَةً فِي الْإِسْلَامِ فَأَكُونُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «يَا عَمْرُو! نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحِ لِلْمَرْءِ الصَّالِحِ». الأدب المفرد (ص: 112، ح 299)، فالمال ليس مكروها على كل حال، فـ«نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحِ لِلْمَرْءِ الصَّالِحِ».
والقرب والبعد في مكانة العبد عند الله ليست بالمال والغني، والعدم والفقر، فأغنى الناس قاطبة قارون، وهو في النار، وفقراء المهاجرين رضي الله تعالى عنهم في الجنة، قال سبحانه: {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} (سبأ: 37)،
ونبه الشرع وحذر من الانشغال بالأموال عن طاعة الله سبحانه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (المنافقون: 9)
عبادَ الله! المؤمن من حقِّه أن يكون موصوفا بين الناس بالأمانة؛ فقد قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: "أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِالْمُؤْمِنِ؟ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ، وَالْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ فِي طَاعَةِ اللهِ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ الْخَطَايَا وَالذَّنُوبَ". مسند أحمد ط الرسالة (39/ 381، ح 23958)، الصحيحة (549).
والمال يستخدم في الدنيا لنتقوَّى به على طاعة الله، وأبيح لنا اكتسابه بالطرق المشروعة لا المحرمة، فإذا خيرنا بين أعراضنا وأموالنا قدمنا أموالنا فداء لأعراضنا، لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ذُبُّوا بأموالِكم عن أعراضكم"،
قالوا: (يا رسول الله! كيف نذبُّ بأموالنا عن أعراضنا؟) قال: "يعطى الشاعرُ ومَنْ تخافون من لسانه". الصحيحة (1461): [رواه السهمي في "تاريخ جرجان" (182) والديلمي (2 / 154)].
وكل ما مُنِحَ العبدُ وأعطيه من قِبَلِ الدولة والسلطان وغيره دون تعرَّض له فهو مال حلال للعبد، فقد قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«ما آتاك الله من أموال السلطان من غير مسألة ولا إشراف فكُلْه وتموَّلْه». صحيح الجامع (5503)، الصحيحة (2209).
«ما آتاك الله من هذا المال من غير مسألة ولا إشراف فخذْه فتموَّلْه أو تصدقْ به وما لا فلا تتبعه نفسك». صحيح الجامع (5504)، الصحيحة (2209).
إن بعض الناس يستدين من غيره وهو لا ينوي إعادته إلى أصحابه، فـ«من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله». صحيح الجامع (5980)، [حم خ هـ] عن أبي هريرة.
وبعضهم يتسوَّلون ويمدون أيديهم إلى الناس ليس لحاجتهم إلى الأموال ولكن ليجمعوها ويكدسوها ويكنزوها، لتكثر عندهم ويصبحوا من أصحاب الثراء، فـ«من سأل الناس أموالهم تكثرا، فإنما يسأل جمر جهنم فليستقل منه أو ليستكثر». صحيح الجامع (6278)، [حم م د] عن أبي هريرة.
ولا بد للمحتاج من السؤال، لكن متى يجوز له ذلك؟ استمعوا إلى ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم: «من سأل وله قيمة أوقية؛ فقد ألحف». صحيح الجامع (2112)، [د حب] عن أبي سعيد. الصحيحة (1719).
و"من سأل الناس وله ما يغنيه؛ جاء يوم القيامة ومسألته في وجهه خموش، أو خدوش أو كدوح" قيل: (وما الغنى؟) قال:
"خمسون درهما أو قيمتها من الذهب". صحيح الجامع (2109)، [حم 4 ك] عن ابن مسعود. الصحيحة (499). وفي رواية:
«من سأل وله أربعون درهما فهو الملحف». صحيح الجامع (2111)، [ن] عن ابن عمرو. الصحيحة (1719). وفي رواية:
«من سأل شيئا وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر من جمر جهنم" قالوا: (وما يغنيه؟) قال: "قدر ما يغدِّيه ويعشِّيه». صحيح الجامع (2110) [حم د حب ك] عن سهل بن الحنظلية. صحيح الترغيب (799).
و«من سأل من غير فقر فكأنما يأكل الجمر». صحيح الجامع (6281) [حم ابن خزيمة الضياء] عن حبشي بن جنادة. غاية المرام (151)، صحيح الترغيب (796).
هذا من يسأل الناس أموالهم وهو غير محتاج، فكيف بمن يسرق أموالهم؟ قال سبحانه: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ* فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (المائدة: 38، 39).
تقطع يده فمن تاب تاب الله عليه، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: كَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَطَالَ الْقِيَامَ، ثُمَّ رَكَعَ، فَأَطَالَ الرُّكُوعَ، ثُمَّ رَفَعَ فَأَطَالَ -... فِي السُّجُودِ نَحْوَ ذَلِكَ- وَجَعَلَ يَبْكِي فِي سُجُودِهِ وَيَنْفُخُ، وَيَقُولُ: "رَبِّ! لَمْ تَعِدْنِي هَذَا؛ وَأَنَا أَسْتَغْفِرُكَ، رَبِّ! لَمْ تَعِدْنِي هَذَا وَأَنَا فِيهِمْ"، فَلَمَّا صَلَّى قَالَ:
"عُرِضَتْ عَلَيَّ الْجَنَّةُ، حَتَّى لَوْ مَدَدْتُ يَدِي لَتَنَاوَلْتُ مِنْ قُطُوفِهَا، وَعُرِضَتْ عَلَيَّ النَّارُ، فَجَعَلْتُ أَنْفُخُ خَشْيَةَ أَنْ يَغْشَاكُمْ حَرُّهَا، وَرَأَيْتُ فِيهَا سَارِقَ بَدَنَتَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَأَيْتُ فِيهَا أَخَا بَنِي دَعْدَعٍ، سَارِقَ الْحَجِيجِ، فَإِذَا فُطِنَ لَهُ قَالَ: هَذَا عَمَلُ الْمِحْجَنِ، ... "، أهـ مسند أحمد ط الرسالة (11/ 374)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ، يَسْرِقُ البَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ، وَيَسْرِقُ الحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ» قَالَ الأَعْمَشُ: (كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ بَيْضُ الحَدِيدِ، وَالحَبْلُ كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ مِنْهَا مَا يَسْوَى دَرَاهِمَ). البخاري (6783).
وقال الهيثمي رحمه الله تعالى: [فَائِدَةٌ: جَاءَ فِي رِوَايَةٍ: «أَنَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَطَعَ فِيمَا ثَمَنُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ» ، وَفِي أُخْرَى: «قَطَعَ فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا لَا أَقَلَّ» ، ... وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَيْرِيزٍ، قَالَ سَأَلْنَا فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ عَنْ تَعْلِيقِ الْيَدِ فِي عُنُقِ السَّارِقِ أَمِنَ السُّنَّةِ؟ فَقَالَ: «أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِسَارِقٍ فَقُطِعَتْ يَدُهُ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَعُلِّقَتْ فِي عُنُقِهِ». الزواجر عن اقتراف الكبائر (2/ 238).
وقال الذهبي: [قَالَ الْعلمَاء وَلَا تَنْفَع السَّارِق تَوْبَته إِلَّا أَن يرد مَا سَرقه، فَإِن كَانَ مُفلسًا تحلَّل من صَاحب المَال وَالله أعلم]. الكبائر للذهبي (ص: 98).
وهذه الأحكام تنطبق على من سرق من مال محرز محصن في بيت، أو في صندوق ونحوه، أما إذا كان المال سائبا، كأنْ كان موضوعا على النافذة المطلَّة على الطريق مثلا، أو دفنه خارج البيت في أرضه فلا قطع، أو أكل من ثمار معلقة ولم يأخذ، فيغرم قيمة المال المأخوذ مرتين يدفعها، لأنه لا يسمى سرقة، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ؟ فَقَالَ: «مَنْ أَصَابَ بِفِيهِ مِنْ ذِي حَاجَةٍ غَيْرَ مُتَّخِذٍ خُبْنَةً؛ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَمَنْ خَرَجَ بِشَيْءٍ مِنْهُ؛ فَعَلَيْهِ غَرَامَةُ مِثْلَيْهِ وَالْعُقُوبَةُ، وَمَنْ سَرَقَ مِنْهُ شَيْئًا بَعْدَ أَنْ يُؤْوِيَهُ الْجَرِينُ فَبَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ؛ فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ». سنن أبي داود (1710).
عباد الله! لقد أُمِرنا بالصدقات والزكوات والتطوعات لكن؛ لم نؤمر بإنفاق جميع ما نملك من أموال، فقد قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لكعب بن مالك: «أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك». صحيح الجامع (1387) [ق 3] عن كعب بن مالك. مختصر مسلم (1918).
وإذا أردتم أن تكثر أموالكم فصلوا أرحامكم، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ أَعْجَلَ الطَّاعَةِ ثَوَابًا صِلَةُ الرَّحِمِ، حَتَّى إِنَّ أَهْلَ الْبَيْتِ لِيَكُونُوا فَجَرَةً، فَتَنْمُو أَمْوَالُهُمْ، وَيَكْثُرُ عَدَدُهُمْ إِذَا تَوَاصَلُوا، وَمَا مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ يَتَوَاصَلَونَ فَيَحْتَاجُونَ». صحيح ابن حبان (2/ 182، ح 440) حسن لغيره انتظر الصحيحة (918 و 978).
والمال ينمو ويزيد بالصدقات والزكوات، فإذا منع الناس زكاة أموالهم منعوا من أسباب النمو والبركة،
عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: أَقْبَلَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «لَمْ يَمْنَعْ قَوْمٌ زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا». المعجم الكبير للطبراني (12/ 446، ح 13619) صحيح الجامع (5204)، الصحيحة (106).
وتوبوا إلى الله واستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
***الخطبة الآخرة***
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين وبعد،
في حجة الوداع خطب النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقَالَ: "إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاَثٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو القَعْدَةِ، وَذُو الحِجَّةِ، وَالمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ، أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟" قُلْنَا: (اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ!) فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ:
«أَلَيْسَ ذَا الحِجَّةِ؟» قُلْنَا: (بَلَى!) قَالَ: «أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟» قُلْنَا: (اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ!) فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ:
«أَلَيْسَ البَلْدَةَ؟» قُلْنَا: (بَلَى!) قَالَ: «فَأَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟» قُلْنَا: (اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ!) فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ:
«أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ؟» قُلْنَا: (بَلَى!) قَالَ:
"فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ" ... "وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ، فَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ، أَلاَ فَلاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي ضُلَّالًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ، أَلاَ لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ، فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ يَبْلُغُهُ أَنْ يَكُونَ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ" ... "أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ، أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ" مَرَّتَيْنِ. صحيح البخاري (5550).
عباد الله! إن الأموال إذا مات العبد بقيت وراءه ولم ترافقه في قبره، ولم صاحبه على الصراط، ولا يوم الحساب، لكنه يحاسب على كل درهم ويسأل عنه: "مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبْتَهُ وفيما أَنْفَقْتَهُ".
فالفقراء يوم القيامة لا يتأخرون على الصراط، عن عبد الله بن عَمرو، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:
«تَجْتَمِعُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، فيُقَالُ: أَيْنَ فُقَرَاءُ هَذِهِ الأُمَّةِ ومَسَاكِينُهَا؟ فَيَقُومُونَ، فَيُقَالُ لَهُمْ: مَاذَا عَمِلْتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا ابْتَلَيْتَنَا فَصَبَرْنَا، وولَّيْتَ الأُمُورَ =والأموال= والسُّلْطَانَ غَيْرَنَا. فَيَقُولُ اللهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: صَدَقْتُمْ. فَيَدْخُلُونَ الجَنَّةَ قَبْلَ النَّاسِ بِزَمَانٍ، وتَبْقَى شِدَّةُ الحِسَابِ عَلَى ذَوِي الأَمْوَالِ والسُّلْطَانِ». قالوا: (فأينَ المؤمنونَ يومَئذٍ؟) قال:
«تُوضَعُ لَهُمْ كَرَاسِيُّ مِنْ نُورٍ، مُظَلَّلٌ عَلَيْهِمُ الغَمَامُ، يَكُونُ ذَلِكَ اليَوْمُ أَقْصَرَ عَلَى المُؤْمِنِينَ مِنْ سَاعَةٍ مِنْ نَهَارٍ». المعجم الكبير للطبراني جـ 13، 14 (ص: 553، ح 14445)، ونحوه في صحيح الترغيب (3/ 132، ح 3187)
ألا و صلوا -عباد الله- على الهادي البشير، محمد أكرم رسول وخير نذير؛ فقد أمركم بذلك اللطيف الخبير: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً } (الأحزاب: 56).
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولك محمَّدٍ صاحب الوجه المنير، وارضَ اللهمَّ عن خلفائه الأربعة -أبي بكر وعمر وعثمان وعلي- وعن الآل والصحب ومَن على نهجهم إلى الله يسير؛ وعنَّا معهم بعفوك وكرمك يا عزيز يا قدير.
اللهم طهر مجتمعاتنا من أسباب الفتن والفساد، وأُسرَنا من موجباتِ الهلاك والعقاب، وهيئ لنا من أمرنا رشدا، وأصلح لنا شؤوننا، واغفر لنا ذنوبنا، وكفر عنا سيئاتنا، وتوفنا مع الأبرار يا ذا الجلال والإكرام.
عباد الله، {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } (النحل: 90). فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم.
{.. وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} (العنكبوت:45).
ألف بين جملها: أبو المنذر فؤاد بن يوسف أبو سعيد
الزعفران- المغازي- الوسطى- غزة
ثالث أيام التشريق 1434 هلالية،
وفق: 18/ 10/ 2013 شمسية.
__________________
إن الدعوة السلفية دعوة بالحسنى، وليست حركةً حزبيَّة، دعوة لدين الإسلام دين السلم والسلام، والأمن والأمان، نسالم من يسالمنا، ونعادي من يعادينا.
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:14 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.