من إنصاف الشيخ الألباني رحمه الله مع مَن يظهر منه إنكار السنة

[مسعودالجزائري]

من إنصاف الشيخ الألباني رحمه الله مع مَن يظهر منه إنكار السنة
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد ولد آدم، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فهذه صورة وتعامل من إمام العصر، ومحدث الوقت الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى اتجاه من يظهر منه إنكار السنة، بل اتجاه من نصحه من قبل، بل اتجاه من طعن فيه مع ظهور القصد السيء من الطاعن.
جاء في الشريط (رقم 631) من (سلسلة الهدى والنور) السؤال التالي:
« السائل: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد:
تحدثتم جزاكم الله خيرا عن المعادين للسنة، وها أنا سأضرب بعض الأمثلة، وسأسألكم بعض الأسئلة إن شاء الله رب العالمين.
الشيخ الألباني: تفضل.
السائل: يقول المدعو زاهد الكوثري -وأنا ألقبه دائما بالبائد- يقول: اتفق - طبعا تعليقا على الحديث الصحيح الذي رواه مسلم رحمه الله، ورواه البيهقي وغيرهم: خلق الله التربة يوم السبت- قال-وضع علامة (1) وقال: اتفق الناس على أن السبت لم يقع فيه خلق، وأن ابتداء الخلق يوم الأحد. كما ذكره الحافظ وعبد القادر القرشي في الجامع من طبقاته مؤاخذا مسلما في تخريجه إلخ. ثم نقل الإمام البيهقي -هذا أنا أقرأ لك من تعليقاته على كتاب الإمام البيهقي رحمه الله.
الشيخ: نعم نعم.
السائل: يقول في آية «أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء» عن الأستاذ أبي بكر بن فورك -إن كان صحيحا- قال: ولكن يريد معنى قول الله عز وجل «أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء» أي من فوقها، وضع أيضا علامة (2) على هذه الكلمة، وقال: وهذا إخراج للآية عن ظاهرها من غير داع، فليكن من في السماء هو خاسف سدوم بأمر الله.
الشيخ: يعني الملائكة.
السائل: وأبو بكر بن فورك على جلالة قدره في علم أصول الدين كثيرا ما يطيش سهمه في باب التأويل. هذا واحد.
الثاني: الذي لم يبد إلى الآن وهو الضال الموجود حاليا في مصر: محمد الغزالي يقول: كثيرا من المحدثين لا يعرفون الفقه، ويضرب مثالا على هؤلاء الذين لا يعرفون الفقه بفضيلتكم. يقول: مثل محمد ناصر الدين الألباني، الذي يصحح حديث: لولا حواء لم تخن أنثى زوجها الدهر، ولولا بني إسرائيل لم يخنز اللحم » يزعم -فض الله فاه- بأنّك ليس عندك فقه، لأنّك صححت هذا الحديث، ويقول: لو وجدت كلمة في حديث مثلا: « لا يقتل مسلم بكافر » قال: لو وجدت علّة قادحة في هذا الحديث، ماذا أفعل؟ سألوه الذين يناظروه ما هي العلة ؟ قال: لو قتل أعرابي مسلم مهندسا أمريكيا أو يهوديا فماذا أفعل ؟
هل أطبق هذا الحديث؟ يعني يعتبر هذه علة.
الشيخ: لا يطبِّق لأنه أمريكي.
السائل: وأخيرا سأله أحد المحررين أجرى معه لقاء في مجلة الشرق الأوسط العدد (173) يوم 18 أكتوبر 1989 يقول: أفهم من ذلك أنّك تحب النكت وتضحك منها. قال: نعم. أحب النكتة وأضحك لها من كل قلبي. فقال له المحرر: هل تحفظ نكتة أو أكثر فتذكرها لنا. قال: هناك نكتة أعجبتني جدا عن إخواننا المتديِّنين المتشددين..
الشيخ الألباني: «إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ ».
السائل: (أكمل القصة)..سؤالي: البائد والضلالي الحالي ما حكمهما في الإسلام ؟ وهما يستهزئان بالسنة ويردانها على عقلهما ولسفاهتهما يردان السنة ومع ذلك يقولون عن أهل السنة أنهم هم الضالون وجزاك الله خيرا..وسؤالي الثاني: هو أنهما أنّه في هذه المناظرة في جريدة المسلمين أكثر من قول أنا ابا حنيفة رحمه الله كان يأخذ القياس ويقدمه على حديث الآحاد، ويقول: أن مالكا كان يقدم عمل أهل المدينة على حديث الآحاد. فنريد جوابا على هذين السؤالين جزاكم الله كل خير.
الشيخ الألباني رحمه الله تعالى: بارك الله فيك، أنت مَبَيِّن رجل جوعان. وأجوبتك هذه تحتاج إلى سهرة خاصة..
أولا: أنا أقول: « وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى » وأرجو من إخواننا الحاضرين جميعا وبخاصة من كان منهم طالبا للعلم ألاّ يُؤخَذ بالعاطفة وأن لا ينساق معها بحيث أنها تهوي به في واد سحيق خِلاف ما يُريد من التمسك بالكتاب والسنة. فالكتاب والسنة فيها العدل والحكمة، والآية التي ابتدأت جوابي بها أولاً هي التي تناسب المقام الذي أنا في صدد الكلام فيه.
والجواب عن بعض تلك الأسئلة التي جاءت فيها سمعنا من كلام هذا الذي ابتلي المسلمون به اليوم المسمى بمحمد الغزالي. أقول: « وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ » ولكي نكون مع هذه الآية وليس عليها وليس مخالفين لها، أريد أن تفرِّقوا معي بين من يُنكر السنة جملة وتفصيلا، وبين من ينكر أطرافا منها أو أفرادا منها.
الذي ينكر السنة جملة وتفصيلا فهو كافر، لا يؤمن بالله ورسوله وإن زعم بأنه يؤمن بالله ورسوله، فإنما يكون منافقا يقول بلسانه ما ليس في قلبه، ولكن ليس كذلك من أنكر أحاديث قلت أو كثُرت من السنة، ولكنه في واقع أمره أنه يؤمن بالكثير الطيب منها، فهذا في اعتقادي جازما لا يجوز تكفيره وحسبُنا أننا نحكم بضلاله.
لأن الذي يُنكر اولا حديثا من أحاديث الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم إن كان من اهل العلم بالحديث - وانتبهوا جيّدا حتى تكونوا فقهاء حقا ولو في مسألة واحدة كهذه المسألة- لو أنكر رجل حديثا ما وقال هذا حديث غير صحيح ضعيف أو موضوع، وكان إنكاره قائما على قواعد علماء الحديث فهذا: أولا: لا يجوز تكفيره، بل لا يجوز تضليله بل يجب علينا أن نؤجِّره وأن نُثيبه خيرا. لأنه مجتهد وتعلمون قوله عليه السلام: « إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر واحد ». هذا حكم من أنكر حديثا وهو هذا الحديث في واقع أمره غير مأزور، لكن المُنكر لم تتبين له صحته بناء على قواعد علماء الحديث. فهذا مأجور غير مأزور.
مرتبة أخرى: زيد من الناس أنكر حديثا وليس من أهل الحديث بل ولا من أهل الفقه والعلم إنما هو من عامة الناس. كيف أنكر الحديث؟ سأل شيخا يظنه عالما شو رأي الشيخ في هذا الحديث؟ قال له: لا. هذا الحديث باطل، هذا الحديث موضوع. فاعتقد هذا الرجل العامي ما سمعه من ذاك الشيخ فهذا ليس آثما.
يعود البحث عن الشيخ فتطبق عليه المراحل الثلاثة فأيّها صدقت فيه أي إن كان ينكر السنة جملة وتفصيلا فهو في الجملة أنكر هذا الحديث لهذا السائل، أو يؤمن كأصل بالسنة ولكنه أنكر حديثا ليس من طريقة علماء الحديث وإنما من طريق الهوى فهذا ضال كما ذكرنا آنفا. أو أنكر هذا الحديث بناء على اجتهاد علمي منه فقد عرفتم. هذه المراتب لا بد من ان تكون راسخة في أذهاننا. وعلى استعراضها دائما يجب أن نحكم على الكوثري وعلى الغزالي والذين ينحون منحاهم في انكار الأحاديث.
أنا أفرّق جدا بين الكوثري وبين الغزالي. الكوثري حقيقة وهذا أقوله انطلاقا من الآية السابقة: « وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى » هذا الشيخ زاهد الكوثري كان في زمانه أخشى أن أقول أعلم أهل الأرض بالحديث، خاصة بالمصطلح والرجال، قد لا يكون له سعة اطلاع على متون الأحاديث وطرق الأحاديث والحكم على كل حديث بالصحة والضعف، الذي يقتضيه أفقه العلمي الواسع واطلاعه المديد الطويل بسبب إقامته في عاصمة الإسلام يومئذ ألا وهي استنبطول التي فيها من كتب الحديث المخطوطة ما لم يخطر على بال بشر.
هذا الرجل إن لم أقل إنه كان أعلم أهل زمانه بهذا التحديد فهو لا شك أنه من اعلم أهل زمانه ولكنه أضلّه الله على علم. أي إنه لم يستفد من علمه..والآفة الأخرى الشعوبية أي ضد العربية أي العرب أنفسهم، فمن هنا أتي الرجل ولذلك تجد منه انحرافا خطيرا جدا جدا في العقيدة وفي السنة في الأحاديث.
أما الغزالي فليس في العير ولا في النفير كما يقال لا يعرف شيئا من علم الحديث، الحديث عنده هواه، الحديث عنده عقله، وليت عقله كان عقل إنسان وصل في الدرجة العليا من الكمال وليس ذلك إلاّ لإنسان واحد هو محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإذا سمعتم طعنا من هذا الرجل حديث من أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام..أنا أقول أولا: ليته اتهم الألباني فإنه رجل أعجمي لعل أصله أصلي أنا، أعجمي أيضا، فلو اتهمني أنا وحدي بقلة الفقه لهان الأمر، رجل إنسان من المسلمين، لكن أنا ما صححت هذا الحديث لوحدي، هذا الحديث مروي في الصحيح،..، فإذا هو لا يطعن في الألباني بل يطعن في البخاري الذي هو سلف الألباني، ويطعن في الأمة التي تلقت هذا الحديث بالقبول، ولم يرفض الحديث هذا إلا من كان مثله في منهجه اللاعقلاني.
ولا أقول العقلي لأن هؤلاء الذين ينكرون الأحاديث بعقولهم لا عقول عندهم سليمة، لذلك فالرجل في الواقع أنا اعتبره داعية ضلال، لكن ليس عندي من الجرأة العلمية ما يمكِّنني أو يُساعدني على الحكم عليه بالتكفير لأن أصعب شيء بالنسبة للعالم المسلم هو أن يكفر مسلما يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ولا ينكر أمرا معلوما من الدين بالضرورة...
والآن آتي لتفصيل موجز جدا، من كان يعتقد في حديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قاله، حديث واحد، يعتقد أن الرسول عليه السلام قاله، ومع ذلك هو يقول هذا الحديث ما دخل في عقلي، وأنا لا أومن به فهذا كافر،..، لأنه جمع بين نقيضين من ناحية اعتقد أن الرسول تكلّم بهذا الحديث، ومن ناحية أخرى قال ما دخل في عقله، فهو ينكره، أما إنسان آخر كهذا الغزالي أنا ما أستطيع أن أقول أن الإنسان الأول هو الغزالي..، ما ظهر منه فيما أعلم شيء من هذا، أما هو فيشك في صحّة هذا الحديث الذي رواه البخاري ويغمز من قناة أحد الرواة، ولو بكلمة يا أخي البخاري معصوم! الألباني معصوم!،..
الجواب: لا. لا. إذا هو ينكر الحديث غير معتقد أن الرسول قاله، ومن هنا ينجو من التكفير الذي يجوز للعالم المسلم أن يوجهه إلى مسلم مثل هذا الغزالي لكنه يُضلل،..، ما سبب ضلال هذا الرجل وأمثاله ؟ ينكرون على بعض إخواننا وأنا معهم الذين يتسرّعون وهم من عامة المسلمين، فيقول: أنا أفهم من الحديث الفلاني كذا، هو ليس عالما وليس طالب علم، لكن يقول: أنا هيك أفهم يا أخي، ,وأنا هيك اجتهدت، طيب إنت مالَك من أهل الاجتهاد، وابتُلي الغزالي بأمثال هؤلاء فسحب الجهل على الآخرين من النابغين في العلم والمتخصصين في الكتاب والسنة وفقه السلف الصالح، فاتهمهم بأنهم لا فقه عندهم.
هذا الغزالي وأمثاله ينكر على هؤلاء، لأنه يوجب عليهم ما نحن نوجبه عليهم، انطلاقا من قوله تعالى: « فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ». الغزالي أمي في علم الحديث، كذاك الأمي في علم الفقه، فما ينكره الغزالي على الأمي الذي يدّعي الفقه في آية أو في حديث، هو يَرِد عليه أيضا حينما يصحح أو يضعف وهو أمي في علم الحديث، إذا هو خالف قوله تعالى « فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ».. وذنب الخاصة أشد عند الله عز وجل من ذنب العامة..فنسأل الله عز وجل أن يحفظنا..
سائل آخر: الآية: « وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى » مُش في هذه الآية أن نذكر محاسن الرجل، بعض محاسنه، ولا نطلق أنه داعية ضلالة على الإطلاق كما ذكرتم آنفا؟
الشيخ: كيف قلت داعية ضلالة ؟
السائل: قبل قليل الغزالي داعية ضلالة.
الشيخ: فيما كنا نتحدث عليه.
السائل: هذا هو.
الشيخ: طبعا. »
انتهى ما أردت نقله، مما يبين فضل الإمام الألباني، وإنصافه في التعامل مع المخالف، حتى أنه عدل عن كلمة مبتدع إلى كلمة ضال، فرحمه الله رحمة واسعة، وجمعنا الله به في جنات النعيم، إنه نعم المولى، ونعم النصير.
وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه والتابعين بإحسان.

[محمد مداح الجزائري]

جزاك الله خيرا..