أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا
17053 | 151323 |
#1
|
|||
|
|||
ضبط اللسان بين النصح والغيبة
بسم الله الرحمن الرحيم
ضوابط الكلام بين النصح والغيبة أحمد الله بمحامده التي هو لها أهل، المحمود في كل حين وعلى كل حال، الذي بحمده يستفتح كل أمر ذي بال، حمدا كثيرا دائما وأبدا، والصلاة والسلام على النبي المصطفى، إمام المتقين، وخاتم النبيين، وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد: رب أصلح لي قلبي ونيتي؛ رب أصلح لي قلبي واحفظ لي لساني؛ معنى النصيحة: يقال: فلان ينصح لفلان، إذا كان يريد له الخير إرادة خالصة لا غش فيها، وفلان يغشه إذا أظهر إرادة الخير ولكن باطنه يريد السوء، كالنقود المغشوشة والأوراق المزورة، فظاهرها صحيح سليم وحقيقتها كذب وتزوير، قال تعالى: {ليْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلّهِ وَرَسُولِهِ}، أي أن الضعفاء والمرضى والعاجزين إذا تخلفوا عن الجهاد غير مؤاخذين ولا ملومين إذا ما أخلصوا لله ورسوله قصدهم وحبهم، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "الدين النصيحة" ثلاثا قالوا: لمن؟ قال: "لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم". الحقوق قسمان: وبيان ذلك أن الحقوق قسمان: حق لله وحق لعباده، فحق الله إخلاص التوحيد والعبادة، وإتيان محابه، والابتعاد عن مساخطه، والصبر على قدره، -والصبر على القدر إنما يحسن في القدر الذي يجرى على العبد بغير اختياره ولا يكون مأْموراً بدفعه ومنازعته بقدر آخر، وأَما إِذا كان مأْموراً بدفعه ومنازعته بقدر هو أَحب إِلى الله منه- وهو مأْمور به أَمر إِيجاب أَو استحباب- فإِسقاط دفعه وعدم السعي في رده بما يرضي الله تعالى فهو عين العجز، والله تعالى يلوم على العجز-. وحقوق العباد قسمان: خاص وعام؛ أما الخاص فمثل حق الوالدين والزوجة والولد والجار وغيرهم من الأفراد، وأما العام فالناس نوعان: رعاة ورعية؛ فالرعاة القيام بحقوقهم من الطاعة في المعروف والإرشاد والتوجيه والنصح والتنبيه على حقوق الرعية من العدل والحماية وغير ذلك، وأما حقوق الرعية فلزوم جماعتهم، فإن مصلحتهم لا تتم إلا بالاجتماع والتوحد، وترك معاداتهم والبغي عليهم، والاعتصام بحبل الله جميعا وعدم التفرق والاختلاف، وإرشادهم وحب الصالحين منهم، والدعاء لجميعهم وإرادة الخير لكافتهم، تحقيقا لقوله صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى". وأما النصيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتدخل في حق الله بالتصديق بنبوّته ومحبته، والتزام طاعته في أمره ونهيه، وموالاة من والاه ومعاداة من عاداه، وتوقيره، وتعظيمه وتعظيم سنته، وإحيائها بعد موته، والذبّ عنها ونشرها والدعاء إليها، والتخلّق بأخلاقه الكريمة صلى الله عليه وسلم، والسير على طريقته ووفق منهاجه في العلم والعمل، وكذا النصح لكتاب الله بقراءته والتفقه فيه والعمل بموجبه، والذب عنه وتعليمه، وتقديمه على الأحكام والآراء والسياسات الناتجة عن عقول لم تتنور بنور الله تعالى المنزل على رسوله؛ ولا بد مع هذين الحقين من التسليم والإذعان وعدم الحرج في النفوس. أصل الدين: هذا هو الدين وأصله هو حُسْن النية وإخلاص القصد؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: "ثلاث لا يغِلُّ عليهن قلبُ مسلم: إخلاص العمل لله، ومناصحة ولاة الأمور، ولزوم جماعة المسلمين، فإن دعوتهم، تحيط من ورائهم"، أي أن هذه الخصال الثلاث لا يحقد عليها قلب مسلم ولا يبغضها ولا يكرهها بل يحبها ويرضاها، فلا يبقى فيه غل أيا كان مع هذه الثلاثة، بل تنفي عنه كل غله وتنقيه منه، فإن القلب يغل على الشرك والغش وعلى خروجه عن جماعة المسلمين بالبدعة والضلالة، ودواء هذا الغل بتجريد الإخلاص والنصح ومتابعة السنة. والمقصود ذكر ضوابط الكلام في الناس وبيان أحكامه الأصلية والاستثنائية، وأنها دائرة بين الوجوب والحرمة؛ فنقول: الأصل حفظ اللسان: الأصل حفظ اللسان من القول إلا حقا، وعدم الخوض في أعراض الناس زورا وبهتانا، قال صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليتق الله وليقل حقا أو ليسكت"، وقال: "بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه"، وقد حرم الله تعالى أذية المؤمنين أو إساءة الظن بهم أو غيبتهم فقال: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا}، وقال تعالى: { إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ}. معنى الغيبة وحكمها: فالغيبة مما اتفق علماء الأمة على حرمتها الشديدة، فلقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع: "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا"، وقال صلى الله عليه وسلم: "أتدرون ما الغيبة"، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: "ذكرك أخاك بما يكره"، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: "إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته"، فالغيبة أن يذكر المسلم أخاه بما فيه من عيب من غير أن يحوج إلى ذكره، ومن هنا قيل: واعلم أن من الصدق ما يقوم مقام الكذب في القبح والمعرة، ويزيد عليه في الأذى والمضرة، وهى: الغيبة، والنميمة والسعاية، وأما البهت فهو رمي البريء والقول عليه ما لم يفعله. وقال الله تعالى: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ}، فإنه سبحانه شبه تمزيق عرض الأخ في غيبته بتمزيق لحمه في حال غيبة روحه وموته، فالغيبة ضد الأخوة إذ مقتضاها من الذم والعيب والطعن ضد مقتضى الأخوة من التراحم والتواصل والتناصر، ولما كان المغتاب محبا لذلك معجبا به شبه بمن يحب أن يأكل لحم أخيه ميتا، ومحبته لذلك قدر زائد على مجرد أكله، فتأمل إخباره تعالى عنهم بكراهة أكل لحم الأخ ميتا ووصفهم بذلك والإنكار عليهم أن يحب أحدهم ذلك، فاحتج عليهم بما كرهوه على ما أحبوه، وشبه لهم ما يحبونه بما هو أكره شيء إليهم، فلهذا النفرة والابتعاد عن مثل هذا وقبحه مستقرة في العقل والفطرة والحكمة، والشرع زادها تحريما وقبحا، وجعل جهة التحريم كونه أخًا أخوة الإيمان؛ ولذلك تغلظت الغيبة بحسب حال المؤمن، فكلما كان أعظم إيماناً كان اغتيابه أشد قبحا. الهمز واللمز: ومن جنس الغيبة الهمز واللمز، قال تعالى: {وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ}، وقال: {وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ}، وقال: {هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ}، وقال: {وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ}، فإن كلاهما فيه عيب الناس والطعن عليهم، كما في الغيبة، لكن الهمز هو الطعن بشدة وعنف، بخلاف اللمز فإنه قد يخلو من الشدة والعنف، والهمز بالفعل واللمز بالقول، فصاحبه يزدري الناس وينتقصهم، والباعث عليه الكبر كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الكبر بطر الحق وغمط الناس". العلم والعدل شرطان لابد منهما: والكلام في الناس مبني على العلم والعدل لقوله تعالى: {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}، و وأمر بالعدل على أعداء المسلمين فقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}. إن من وفقه الله تعالى يذكر ما للناس وما عليهم، فيبسط حجج هؤلاء وحجج الآخرين والجواب عنها، على عادة أهل العلم والدين والعدل من سلف الأمة وأئمتها في إنصاف مخالفيهم والبحث معهم، ولا يسلك طريق جاهل ظالم متعد يبرك على ركبتيه، ويفجر عينيه ويصول بمنصبه لا بعلمه، وبسوء قصده وخلقه لا بحسن فهمه وأدبه، ويغلظ القول في المسألة بتكفير القائل بها أو تبديعه وتضليله، وإيجاب ضرب عنقه أو عزله وهجره، ليبهت خصمه ويمنعه عن بسط لسانه وعرض حجته والجري معه في ميدانه، فيصادر عليه، والله سبحانه عند لسان كل قائل، وهو له يوم الوقوف بين يديه عما قاله سائل. وقد قام أئمة الإسلام بهذا الدور خير قيام، وكانوا أعدل الناس وأقومهم بالحق وأرحمهم للخلق، فدافعوا بألسنتهم وأقلامهم عن كتاب الله وسنة رسوله، وجاهدوا بأنفسهم رؤوس الضلال والفتنة، ووقفوا موقف الأبطال من دعاة البدعة، وصبروا على ما لاقوه في سبيل إعلاء كلمة التوحيد من العنت والمحنة، ولم يفتروا ولا قصروا حتى أظهر الله منهج أهل السنة والجماعة، ونشر عقيدة الحق بعد أن كانت الغلبة لأهل الباطل من المتكلمين والفلاسفة والصوفية عبر تاريخ المسلمين وبعد انقضاء القرون المفضلة الثلاث. فاعتمدوا في كل ما خاض فيه الناس على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، معتصمين بحبل الله المتين، بعيدين عن التقليد والهوى، بعيدين عن الطائفية والتعصب المقيت، وأقاموا العدل في أحكامهم على الناس وعلى أقوالهم وأفعالهم، آخذين بعين الاعتبار ما يسوغ فيه الاختلاف والخطأ عن اجتهاد وتأويل صحيح، حريصين على مجانبة الظلم الذي حرمه الله تعالى على نفسه وجعله محرما على عباده، وعلى الخرص والظن والقول على الله بغير علم واتباع ما تهوى الأنفس، ولم يفتهم تأليف القلوب ووحدة الصفوف والجماعة على الحق قولا وعملا وحالا، بل كانوا مع مخالفيهم من إخوانهم المؤمنين كاليدين تغسل إحداهما الأخرى، وقد لا ينقلع الوسخ إلا بنوع من الخشونة مما لابد منه؛ لكن ذلك يوجب من النظافة والنعومة ما نحمد معه ذلك التخشين، ومن عرف الحق رحم الخلق. وكمثال على ذلك ما قاله شيخ الإسلام بعدما لقيه من الوشاية والسجن والتعذيب والتنكيل من أعدائه في مصر، في رسالة إلى أهله وأنصاره في دمشق يدعوهم إلى تأليف القلوب وجمع الكلمة وإصلاح ذات البين، ويحذرهم فيها من أذية من أذاه أو إهانتهم: "وأول ما أبدأ به من هذا الأصل: ما يتعلق بي؛ فتعلمون -رضي الله عنكم- أني لا أحب أن يؤذى أحد من عموم المسلمين -فضلا عن أصحابنا- بشيء أصلا لا باطنا ولا ظاهرا، ولا عندي عتب على أحد منهم، ولا لوم أصلا، بل لهم عندي من الكرامة والإجلال والمحبة والتعظيم أضعاف أضعاف ما كان كل بحسبه، ولا يخلو الرجل: إما أن يكون مجتهدا مصيبا أو مخطئا أو مذنبا؛ فالأول: مأجور مشكور، والثاني: مع أجره على الاجتهاد فمعفو عنه مغفور له، والثالث: فالله يغفر لنا وله ولسائر المؤمنين، فنطوي بساط الكلام المخالف لهذا الأصل، كقول القائل: فلان قصر، فلان ما عمل، فلان أوذي الشيخ بسببه، فلان كان سبب هذه القضية، فلان كان يتكلم في كيد فلان، ونحو هذه الكلمات التي فيها مذمة لبعض الأصحاب والإخوان، فإني لا أسامح من أذاهم من هذا الباب ولا حول ولا قوة إلا بالله،...، فلا أحب أن ينتصر من أحد بسبب كذبه علي أو ظلمه وعدوانه فإني قد أحللت كل مسلم، وأنا أحب الخير لكل المسلمين، وأريد لكل مؤمن من الخير ما أحبه لنفسي، والذين كذبوا وظلموا فهم في حل من جهتي، وأما ما يتعلق بحقوق الله فإن تابوا تاب الله عليهم وإلا فحكم الله نافذ فيهم، فلو كان الرجل مشكورا على سوء عمله لكنت أشكر كل من كان سببا في هذه القضية لما يترتب عليه من خير الدنيا والآخرة؛ لكن الله هو المشكور على حسن نعمه وآلائه وأياديه التي لا يقضى للمؤمن قضاء إلا كان خيرا له، وأهل القصد الصالح يشكرون على قصدهم، وأهل العمل الصالح يشكرون على عملهم، وأهل السيئات نسأل الله أن يتوب عليهم". قال شيخ الإسلام: "والكلام في الناس يجب أن يكون بعلم وعدل لا بجهل وظلم كحال أهل البدع"، وقال أيضا: "وأما أهل السنة فيتولون جميع المؤمنين ويتكلمون بعلم وعدل ليسو من أهل الجهل ولا من أهل الأهواء"، وقال في الجواب الصحيح: "فالمؤمنون الذين تاب الله عليهم من الجهل والظلم هم أتباع الأنبياء عليهم السلام فإن الأنبياء بعثوا بالعلم والعدل"، قال تعالى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى}، فرسول الله ليس ضالا جاهلا ولا غاويا متبعا هواه، وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً}. فالهدى يتضمن العلم النافع ودين الحق يتضمن العمل الصالح ومبناه على العدل، كما قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ}، وأصل العدل هو العدل في حق الله تعالى بعبادته وحده لا شريك له، فإن الشرك ظلم عظيم، كما قال لقمان لابنه: {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}. وفي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه لما نزلت {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: أينا لم يظلم نفسه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس هو كما تظنون إنما هو الشرك ألم تسمعوا إلى قول العبد الصالح: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}". قال شيخ الإسلام: "ولما كان أتباع الأنبياء هم أهل العلم والعدل كان كلام أهل الإسلام والسنة مع الكفار وأهل البدع بالعلم والعدل لا بالظن وما تهوى الأنفس"، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "القضاة ثلاثة: قاضيان في النار وقاض في الجنة؛ رجل علم الحق وقضى به فهو في الجنة ورجل علم الحق وقضى بخلافه فهو في النار ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار". ثم قال رحمه الله تعالى معلقا: "فإذا كان من يقضي بين الناس في الأموال والدماء والأعراض إذا لم يكن عالما عادلا كان في النار فكيف بمن يحكم في الملل والأديان وأصول الإيمان والمعارف الإلهية والمعالم الكلية بلا علم ولا عدل كحال أهل البدع والأهواء الذين يتمسكون بالمتشابه المشكوك ويدعون المحكم الصريح من نصوص الأنبياء ويتمسكون بالقدر المشترك المتشابه في المقاييس والآراء ويعرضون عما بينهما من الفروق المانعة من الإلحاق والاستواء كحال الكفار وسائر أهل البدع والأهواء الذين يمثلون المخلوق بالخالق والخالق بالمخلوق ويضربون لله المثل بالقول الهزء". والمقصود أن الله سبحانه وتعالى أرسل رسله بالعلم النافع والعمل الصالح، فمن اتبع الرسل حصل له سعادة الدنيا والآخرة، وكان من أولياء الله تعالى، وإنما دخل في البدع من قصر في اتباع الأنبياء علما وعملا، فأعرض عما جاءوا به، فلم يحصل العلم النافع ولا قام بالعدل الواجب، بل قد يعارضه بأنواع من الآراء والسياسات الفاسدة. (يتبع) كتبه فتحي |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|