الرد على فتوى ياسين العجلوني في جواز اتخاذ الرجل 50 جارية سورية ملكاً لليمين!!

**علي بن محمد أبو هنية** · #1 12-25-2013, 03:21 PM

الرد على فتوى ياسين العجلوني في جواز اتخاذ الرجل 50 جارية سورية ملكاً لليمين!!

الحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله, وعلى آله وصحبه ومن والاه, أما بعد:
فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالمًا؛ اتخذ الناس رؤساء جهالًا، فسئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا». متفق عليه
وعن الإمام الشعبي قال: «لا تقوم الساعة حتى يصير العلم جهلًا، والجهل علماً». رواه ابن أبي شيبة
فقد اطلعت كما اطّلع غيري على ما نشر في الصحف والمجلات والمواقع والشبكات تحت عنوان: (شيخ سلفي يبيح اتخاذ الرجل 50 جارية سورية ملكاً ليمينه)!!! وهو عبارة عن فتوى لشخص اسمه (ياسين العجلوني) من الأردن وكم تعجبت عندما قرأت هذا العنوان! وازداد عجبي لما قرأت المضمون!! وملخص الفتوى ومضمونها: "أن هذا الرجل قد أفتى نيابة عن علماء الشام وسوريا! بجواز أن تطلب المرأة السورية من الرجل المسلم القادر على كسوتها وسترتها وإيوائها أن يدخلها في عقد ملك اليمين، كي تصير ملكًا ليمينه، أي من الجواري والإماء, وذلك علاجًا لمسألة التهجير الواقع على أهلنا في سوريا، بحيث أن النساء في سوريا المهجرات لا يجدن من يغطي نفقاتهن ولا يجدن من يحرص على حفظهن وحفظ أمنهن، فيجوز لهن أن يطلبن الدخول في عقد زواج ملك اليمين، بحيث يصير هذا الرجل سيدًا لها وتصير هي ملك يمينه، وتطبق فيها أحكام ملك اليمين, فيحق للمرأة السورية التي تريد الزواج بالرجل المسلم زواج ملك اليمين بعقد ملك اليمين أن يصير سيدها، وتصير أمة له، وهذا العقد لا يحتاج إلا أن تستبرئ المرأة نفسها بحيضة، ويسجل هذا العقد عند المشايخ أو عند كاتب العدل أو عند القاضي السوري أو عند القاضي في البلد الذي هاجرت إليه، ويسجل هذا العقد في المحاكم المدنية أو المحاكم الشرعية، أو يعلن على وسائل الاتصال المعروفة، ولأن تصير هذه المرأة ملكًا له، بعد أن تقول له: ملكتك نفسي بعقد ملك اليمين، تصير هذه المرأة مولاته ويصير هو سيدها، فتصير هي أمة له وجارية له وخادمة له، عليه كسوتها، وعليه حفظها، وعليه رعايتها صحيًا وبدنيًا، وعليه نفقتها ونفقة من في حياضه من ولد أو أخ أو غير ذلك، إذ يدخل هؤلاء في حكم ملك اليمين بعد أن تصرح المرأة بهذا اللفظ (ملكتك نفسي)، وهذا يكون مقابل أجر معلوم ومبلغ معلوم، يدفعه لها هذا الرجل المسلم المقتدر لكي يكفيها ويأويها".
وتأتي هذه الفتوى -الباطلة من أساسها- لتزيد من حجم المعاناة ومن آلام إخواننا السوريين المظلومين وأخواتنا السوريات المضطهدات, ولتكبر دائرة الإساءة إلى شعب مسلم ذاق الويلات, وتوالت عليه النكبات, وتمتهن كرامة وعفة حرائره المؤمنات, في وقت عجيب عصيب, خذلهن فيه القريب والغريب, وهي لشيخ! لا يعرف بنشاط علمي ولا دعوي على الصعيد المحلي -بله العالمي-, إلا أنه لا زال يخرج على المسلمين بفتاوى غريبة عجيبة عرجاء, يخبط فيها خبط عشواء, ويركب متن عمياء, ومن تتبع أكثر كلامه المهزول, علم حقيقة ما أقول.
* والرد على هذه الفتوى المغلوطة من عدة وجوه:
أولاً: العنونة والإبراز للقائل وهو (الشيخ ياسين العجلوني) بأنه: "شيخ سلفي"! ثم قول: "قيادي بالتيار السلفي في الأردن", والعجلوني هذا لا يُعرف بأنه من المشايخ السلفيين من قريب ولا من بعيد, ولا يعلم عنه السلفيون أنه ينتسب إلى السلفية أصلاً حتى يكون قيادياً بارزاً أو مغموراً فيها! مع التحفظ البالغ على كلمات: (قيادة, وتيار) إذ لا وجود لها في الدعوة السلفية.
ولكن يبدو أن السلفية أصبحت عند بعض الناس وصفاً لكل ذي لحية طويلة, أو ثوب قصير حتى ولو كان من ألد خصومها! وأصبح يلصق بها كل شخص أو قول غريب عنها, بائن منها!
ولا ينقضي العجب من الإعلام الذي يحاول الزج باسم السلفية في كل أمر منكر, أو يقحمها في كل جديد مستغرب!
ثانياً: قول العجلوني هذا: "نيابة عن علماء الشام وسوريا"!
ولا نعلم عالماً في الشام وسوريا أقره على فتواه هذه, بل رد كثير منهم عليها وبينوا بطلانها! كالعلامة الشيخ علي الحلبي في الأردن, والدكتور عبد المنعم رئيس تجمع علماء الثورة السورية في إدلب - سوريا, وغيرهم.
وليت شعري من هو الذي خوّل هذا الرجل أن يتكلم باسمه من العلماء, فليأتنا باسم واحد منهم, وهل عجز العلماء عن الكلام حتى يدعوا أهل الفهاهة يتحدثون باسمهم وينوبون عنهم؟!
ثالثاً: احتجاجه لتجويز اتخاذ حرائر سوريا جواري وإماء ملكاً لليمين بحديث صحيح في الصحيحين, ولكنه وضعه في غير موضعه, وفهمه على غير وجهه, والحديث هو: عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من أشراط الساعة: أن يرفع العلم، ويظهر الجهل، ويفشو الزنى، ويشرب الخمر، ويذهب الرجال، وتبقى النساء؛ حتى يكون لخمسين امرأة قيم واحد». متفق عليه
وكان الواجب عليه أن يرجع إلى كلام العلماء لفهم الحديث, لا أن يعتمد على فهمه واجتهاده دون اعتبار لكلام أهل الاختصاص فضلاً عن النظر في عواقب الأمور.
ولأهل العلم عدة تفاسير لهذا الحديث, فمنهم من عده زواجاً وولاية وقياماً على أمرهن, ومنهم من ربطه بكثرة الزنا واختلال الموازين, ومنهم من رآه بسبب كثرة القتل في الحروب والمعارك, ومنهم من جعله شيئاً كونياً بكثرة المواليد من الإناث وقلة الذكور, ومنهم من رأى أن هذه النساء زوجات وقريبات الرجل ممن يمونهن ويؤويهن, وغير ذلك, ولم أرَ أحداً من العلماء أشار إلى أنه سبب شرعي يجيز للنساء الدخول تحت ملك يمين الرجل ليصبحن عنده إماء وجواري وخادمات يتمتع بهن مقابل ما يجري عليهن من النفقة!!:
جاء في "تحفة الأحوذي" (5/234): "القيّم: أي من يقوم بأمرهن, واللام للعهد إشعاراً بما هو معهود من كون الرجال قوامين على النساء, وكأن هذه الأمور الخمسة -في الحديث- خصت بالذكر لكونها مشعرة باختلال الأمور التي يحصل بحفظها صلاح المعاش والمعاد وهي: الدين؛ لأن رفع العلم يخل به, والعقل؛ لأن شرب الخمر يخل به, والنسب؛ لأن الزنى يخل به, والنفس والمال؛ لأن كثرة الفتن تخل بهما.
قال الكرماني: وإنما كان اختلال هذه الأمور مؤذناً بخراب العالم لأن الخلق لا يتركون هملاً ولا نبي بعد نبينا صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين فيتعين ذلك".
وقال السندي في "حاشيته على ابن ماجه" (7 / 412): القيم:"مِنْ يَقُوم بِأَمْرِهِنَّ, وَيُمْكِن أَنْ يُرَاد ذَلِكَ بِسَبَبِ أَنَّهُ يَنْكِحهُنَّ لَكِنْ حِينَئِذٍ يَرْجِع إِلَى الْجَهْل وَفُشُوّ الزِّنَا مَعَ عَدَم دَلَالَة اللَّفْظ عَلَى هَذَا الْخُصُوص" .
وقال القاري في "مرقاة المفاتيح" (15 / 431): "ويقل الرجال: أي وجودهم المطلوب منهم نظام العالم ويكثر النساء أي ممن لا يتعلق بظهورهن الأمر الأهم بل وجودهن مما يكثر الغم والهم, ويقتضي تحصيل الدينار والدرهم حتى يكون لخمسين امرأة القيم: بكسر التحتية المشددة أي القائم الواحد أي المنفرد لمصالحهن, وليس المراد أنهن زوجات له بل أعم منها ومن الأمهات والجدات والأخوات والعمات والخالات".
وهنا فرق مهم بين الأخذ بالحديث على أنه إخبار من النبي صلى الله عليه وسلم عن واقع مستقبل حتمي كائن وهو ما سيكون في آخر الزمان من أشراط الساعة وعلاماتها التي لا حول لنا ولا قوة بها, وبين من اعتبره أمراً شرعيًّا يسعى المسلم إليه ويحرص عليه! وهذا صنيع من لا يفرق بين الخبر والإنشاء, وهو باب معروف في اللغة العربية يعرفه أصغر طالب علم.
رابعاً: إن العجلوني المتعالم هذا قد أخذ بآخر الحديث وترك أوله الذي جاء في معرض الذم للأمور المذكورة من علامات الساعة, وهي: فشوّ الجهل, ورفع العلم الشرعي, وكثرة الزنى, وشرب الخمور, وكثرة النساء... فصاحبنا هنا بدل أن يعتبره دليلاً على انقلاب الموازين, ونكبات المسلمين لاقترانه بما سبق؛ اعتبره أمراً شرعياً يجب تطبيقه ولا حول ولا قوة إلا بالله!
خامساً: الإسلام حث ورغّب في عتق الرقاب, قال تعالى ذاكراً الطاعات التي تنفع العبد يوم القيامة: ﴿فَكُّ رَقَبَة﴾, وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل عضو منه عضواً من النار حتى يعتق فرجه بفرجه». متفق عليه
وشرع الله الكفارات في كثير من الأمور ككفارة اليمين, وقتل الخطأ, والظهار, والجماع في نهار رمضان, وغيرها من أجل إخراج الناس من الرق إلى الحرية, والعجلوني هنا يريد العكس أن يخرج نساء سوريا من سعة الحرية ويدخلهن في ضيق الرق والعبودية! فأي جهل هذا؟!
سادساً: أن العجلوني تراجع عن فتواه بعد ثلاثة أيام من صدورها, ولم يحتمل ما ناله بسببها من الإهانة والتوبيخ, وما انهال عليه من ردود أهل العلم, بسبب تجرؤه على دين الله, وعلى خلقه.
ولكن للأسف لم نجد من يشير إلى هذا التراجع ولو من بعيد!
سابعاً: الحلُّ الحقيقي للأزمة السورية, ولأخواتنا الأبيات الصامدات الشريفات العفيفات المحصنات أن يتوجهن إلى الله لرفع ما حل بهنّ من بلاء, وأن يهبّ المسلمون حكاماً ومحكومين لنجدتهن ونصرتهن ودفع البلاء عنهن, والنظر إليهن بعين الرحمة بإيوائهن وإكرامهن والزواج الشرعي بهن, وهو أقل ما يمكن فعله تجاههن, لا أن يُنظر إليهن بنظرة وحشية غايتها إشباع الرغبات الجنسية والغرائز الحيوانية عند أمثال هذا المفتي وغيره ممن تسول له نفسه المساس بأعراض هؤلاء المؤمنات, والذي لا ندري لو كانت النكبة لدولة مسلمة أخرى شقيقة غير سوريا-ممن يختلف أهلها في ألوانهم و-أو- ألسنتهم عن أهلنا في سوريا-هل كان سيصدر مثل هذه الفتاوى الجائرة في حق نسائها أم أنه اتباع الهوى وحظوظ النفس فقط. والله المستعان.

والله من وراء القصد

والحمد لله رب العالمين

كتبه: (أبو عبد الله) علي أبو هنيّة
عناتا/القدس
الأربعاء/25/12/2013م
أصل المقال مكتوب لجريدة القدس ردًّا على ما أنزلوه يوم الاثنين المنصرم

أبو متعب فتحي العلي · #2 12-25-2013, 03:40 PM

بوركتم حفظكم الله تعالى

عمارالفهداوي · #3 12-25-2013, 05:06 PM

بوركتم شيخنا نفع الله بكم...

ابو الحارث مهدي بلقاسم · #4 12-25-2013, 05:51 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة علي بن محمد أبو هنية

رابعاً: إن العجلوني المتعالم هذا قد أخذ بآخر الحديث وترك أوله الذي جاء في معرض الذم للأمور المذكورة من علامات الساعة, وهي:
فشوّ الجهل, ورفع العلم الشرعي

وكثرة الزنى, وشرب الخمور, وكثرة النساء...
فصاحبنا هنا بدل أن يعتبره دليلاً على انقلاب الموازين, ونكبات المسلمين لاقترانه بما سبق؛ اعتبره أمراً شرعياً يجب تطبيقه ولا حول ولا قوة إلا بالله!

أخذُهُ بآخرِ الحديثِ وتركه أوله = لأنه ينبئ عن " فشوّ الجهل عنده, ورفع العلم الشرعي إن كان هو أهله
وهذا ما يجعلنا ندرك جيداً موقع المقالات المأثورة عن السّلف - رحمهم الله - في شأن الفتوى وخطورتها

منها ما رواه ابن عبد البر - رحمه الله -:
"أن رجلاً دخل على ربيعة بن عبد الرحمن ـ شيخ الإمام مالك ـ فوجده بيكي! فقال له: ما يبكيك؟ وارتاع لبكائه،
فقال له: أمصيبة دخلت عليك ؟
فقال: لا، ولكن استفتي من لا علم له! وظهر في الإسلام أمر عظيم!
قال ربيعة: ولبعض من يفتي ههنا أحق بالسجن من السراق"

جامع بيان العلم وفضله - (2 / 201)

علّق العلامة ابن حمدان الحراني على هذه القصة فقال :

" قلت: فكيف لو رأى ربيعة زماننا وإقدام من لا علم عنده على الفتيا مع قلة خبرته وسوء سيرته وشؤم سريرته؟
وإنما قصده السمعة والرياء ومماثلة الفضلاء والنبلاء والمشهورين المستورين، والعلماء الراسخين والمتبحرين السابقين،
ومع هذا فهم يُنْهَون فلا ينتهون، ويُنَبّهون فلا ينتبهون،
قد أملي لهم بانعكاف الجهال عليهم، وتركوا ما لهم في ذلك وما عليهم"
صفة الفتوى: (11)

.