أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
23530 94165

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > منبر الأئمة و الخطباء > خطب نصية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 04-27-2014, 01:24 AM
أبو زيد العتيبي أبو زيد العتيبي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
المشاركات: 1,603
Lightbulb سلسلة مقال الخطيب ( 43 ) : الأمانة بين صيانة المؤمنين وخيانة المنافقين والمشركين .



الأمانة بين صيانة المؤمنين وخيانة المنافقين والمشركين .

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه . أما بعد :

فقال – تعالى - : { إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً * لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً } [الأحزاب : 72 - 73] .

إن حفظ الأمانة وصيانتها من الضياع ورعاية حقوقها من الاختلال من أعظم الصفات وأشرف الخصال ، لا يبلغها العبد إلا عند كمال مروءته ونُبْل أخلاقه فهي من أرفع أوصاف الكاملين كالملائكة والمرسلين والأنبياء ، والمؤمنين الصالحين الأتقياء .

اتصف بها الرسل الكرام والأنبياء العظام ، كما قال – تعالى – حكاية عن ؛ نُوحٍ ، وهُودٍ ، وصَالِحٍ ، ولُوطٍ ، وشُعَيْبٍ ، وموسى – عليهم السلام – أن كل واحد قال لقومه : { إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ } ، وقال – تعالى – على لسان بعضهم - :{ وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ } .

وكانت صفة الأمانة زينة سجاياهم وكرم شمائلهم وكل من رآهم عرفهم بها ، فهذا نبينا - عليه الصلاة والسلام – كان لا يعرف قبل بعثته إلا بالصادق الأمين وكان موضع ثقة أهل مكة ومستودع أماناتهم ، وانظر إلى نبي الله موسى - عليه السلام – في موقف واحد علم عنه القوة والأمانة ، فقالت المرأة : { يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ }[القصص : 26] .

وهي صفة جبريل - عليه السلام - ، كما قال – تعالى – في سورة التكوير - : { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21) } ، وقال – تعالى – في سورة الشعراء - :{ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ (194)}.

وبالجملة فصلاح الأمور العظام لا يكون إلا بالأمناء ولذلك جعل الله سفرائه بينه وبين خلقه الأمناء الناصحين ، وأمرهم بتبليغها حتى يحملها الناس عنهم .

وحقيقة الأمانة في الآية جاء في بيان معناها عدد من الأقوال عن السلف الكرام ، منها : عن ابن عباس – رضي الله عنهما - : يعني بالأمانة : الطاعة . أي : طاعة الله ورسوله . وقال ابن مسعود – رضي الله عنه - : أنها في كل الفرائض وأشدها أمانة المال . وقال أبو الدرداء – رضي الله عنه - : غسل الجنابة أمانة . وقال أبي بن كعب – رضي الله عنه - : من الأمانة أن ائتمنت المرأة على فرجها . وقال زيد بن أسلم : الأمانة ثلاثة : الصلاة، والصوم، والاغتسال من الجنابة .

قال ابن كثير – رحمه الله - : " وكل هذه الأقوال لا تنافي بينها، بل هي متفقة وراجعة إلى أنها التكليف، وقبول الأوامر والنواهي بشرطها، وهو أنه إن قام بذلك أثيب، وإن تركها عُوقِبَ " ( تفسير القرآن العظيم : 6/ 489 ) .

فنخلص من ذلك إلى أن الأمانة ترجع إلى حفظين :

الأول / حفظ حقوق الله ، وأصلها حفظ التوحيد من دنس الشرك ، وحفظ السنة من خزعبلات البدع ، وحفظ الطاعة من العصيان والفسق والفجور .

والثاني / حفظ حقوق العباد ، وأصلها حفظ دمائهم فلا تسفك ، وحفظ أعراضهم فلا تنتهك ، وحفظ أموالهم فلا تسرق ولا تسلب .

قال السعدي – رحمه الله - : " فانقسم الناس -بحسب قيامهم بها وعدمه- إلى ثلاثة أقسام : منافقون ، أظهروا أنهم قاموا بها ظاهرًا لا باطنًا ، ومشركون ، تركوها ظاهرًا وباطنًا ، ومؤمنون ، قائمون بها ظاهرًا وباطنًا . فذكر اللّه - تعالى - أعمال هؤلاء الأقسام الثلاثة، وما لهم من الثواب والعقاب فقال: { لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا } " انتهى .

والناظر في واقعنا يجد أن الأمانة قد انتقصت ووقعت فيها الخيانة في جميع الحقوق ، ولم يقم كثير من العباد بواجب الصيانة والحفظ لما ائتمنوا عليه ، وذلك من عدة جهات :

من جهة الدين حصلت الخيانة من أهل البدع المغلظة فتسلطوا على الدين بالتغيير والتبديل .

ومن جهة حقوق العباد اجتمع فجور البدعة مع ظلم السياسة على سفك الدماء وانتهاك الأعراض ، وسلب الأموال . وهناك طابور ثالث من النفعيين أذناب للأصناف السابقة يدعمون الخائنين ، ويشاركونهم في الخيانتين .

وفي الآية وقفات وتنبيهات وعبر وعظات :

الوقفة الأولى / عظم حق الأمانة فإنه بسبب الوفاء بها وحفظها ورعاية حقوقها تكون النجاة في الدنيا والآخرة ، وبخيانتها والتفريط بها وتضييعها يكون العقاب ، { لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ } .

ولعظم حقها فإنها تقف على أحد جانبي الصراط يوم القيامة ، كما قال - عليه الصلاة والسلام -: " و ترسل الأمانة و الرحم فتقومان جنبتي الصراط يمينا و شمالا " ( مسلم ) . فسبحان الله ، ما أعظمها وما أشد حرمتها .

الوقفة الثانية / إن الله – تعالى – أمر بها وأثنى على المتصفين بها ، ونهى عن الخيانة وذم أهلها ، كقوله – سبحانه - : { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا } [النساء:58]. وقوله : { وَالَّذِينَ هُمْ لأمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ } [المعارج:32] ، وقوله : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنفال:37] .

وقد حث عليها النبي - صلى الله عليه وسلم – كما في قوله : " أد الأمانة إلى من ائتمنك و لا تخن من خانك " ( صحيح الجامع : 240 ) . وقوله :" أربع إذا كن فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا صدق الحديث و حفظ الأمانة و حسن الخلق و عفة مطعم " ( صحيح الجامع : 873 ) . وقوله: " إن كنتم تحبون أن يحبكم الله ورسوله فحافظوا على ثلاث خصال : صدق الحديث وأداء الأمانة وحسن الجوار " ( الصحيحة : 2998 ) .

الوقفة الثالثة / إن من الناس من طبعه أكثف وأغلظ وأقسى من الحجارة فهو لا يبالي بالأمانة ولا يحفظها بل يضيعها ويفرط فيها ، فالجمادات من السموات والأرض والجبال بصخورها وأحجارها خير منه ؛ لأنها خافت من تضييع الأمانة فلم تحملها : { إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً } ، فلقسوة قلبه وكثافة طبعه خان أمانة ربه .

الوقفة الرابعة / إن عرض الأمانة على السموات والأرض والجبال كان تخييراً وليس أمراً ، ومن حسن اختيارهن وكمال إرادتهن وخشية عدم الوفاء بحقوق الأمانة وصيانتها أبين ذلك تعظيماً لله - تعالى – فهو إدراك حقيقي ، كما في قوله - تعالى - في سورة البقرة عن الحجارة -: { وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ }

الوقفة الخامسة / إن سبب الإخلال بالأمانة وعدم حفظها هو الجهل والظلم ، فما لم يتخلص العبد من جهله وظلمه بأن يتعلم القرآن ، ويعمل به وإلا هلك { إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً}.

وبسبب جهل كثير من العباد وظلمهم فإن الأمانة ترفع ، كما قال عليه السلام : " أول ما تفتقدون من دينكم الأمانة " ( صحيح الجامع : 2570 ) . وقال : " أول ما يرفع من الناس الأمانة و آخر ما يبقى من دينهم الصلاة و رب مصل لا خلاق له عند الله تعالى " ( صحيح الجامع : 2575 ) .

الوقفة السادسة / إن خيانة الأمانة من صفات المنافقين ، كما قال – تعالى - : { لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ } ، وقد دلت السنة على ذلك فقال – عليه الصلاة والسلام – : " آيةُ المُنافقِ ثلاثٌ : إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا وَعدَ أخْلَفَ ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ " ( مُتَّفَقٌ عَلَيهِ ) .

الوقفة السابعة / إن مع عظم حق الأمانة إلا أنه لا يجوز الحلف بها ، لقول رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَنْ حَلَفَ بِالأمَانَةِ فَلَيْسَ مِنَّا " ( رواه أَبُو داود وصحح الألباني ) .

فاللهم اجعلنا من الأمناء الناصحين ، ومن الأتقياء المخلصين .





رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:39 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.