أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا
12029 | 98094 |
#1
|
|||
|
|||
تأليف القلوب واتّفاق الكلمة من الاعتصام بحبل الله عزّ وجلّ !
قال شيخ الإسلام وعلم الأعلام أبو العبّاس ابن تيميّة - رحمه الله تعالى - في " المجموع / 3 / 227"
وَالنَّاسُ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ كَانَ بَيْنَ الْحَنْبَلِيَّةِ وَالْأَشْعَرِيَّةِ وَحْشَةٌ وَمُنَافَرَةٌ. وَأَنَا كُنْت مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ تَأْلِيفًا لِقُلُوبِ الْمُسْلِمِينَ وَطَلَبًا لِاتِّفَاقِ كَلِمَتِهِمْ وَاتِّبَاعًا لِمَا أُمِرْنَا بِهِ مِنْ الِاعْتِصَامِ بِحَبْلِ اللَّهِ وَأَزَلْت عَامَّةَ مَا كَانَ فِي النُّفُوسِ مِنْ الْوَحْشَةِ وَبَيَّنْت لَهُمْ أَنَّ الْأَشْعَرِيَّ كَانَ مِنْ أَجَلِّ الْمُتَكَلِّمِينَ الْمُنْتَسِبِينَ إلَى الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَنَحْوِهِ الْمُنْتَصِرِينَ لِطَرِيقِهِ كَمَا يَذْكُرُ الْأَشْعَرِيُّ ذَلِكَ فِي كُتُبِهِ. وَكَمَا قَالَ أَبُو إسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ: إنَّمَا نَفَقَتْ الْأَشْعَرِيَّةُ عِنْدَ النَّاسِ بِانْتِسَابِهِمْ إلَى الْحَنَابِلَةِ وَكَانَ أَئِمَّةُ الْحَنَابِلَةِ الْمُتَقَدِّمِينَ كَأَبِي بَكْرٍ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَبِي الْحَسَنِ التَّمِيمِيِّ وَنَحْوِهِمَا يَذْكُرُونَ كَلَامَهُ فِي كُتُبِهِمْ بَلْ كَانَ عِنْدَ مُتَقَدِّمِيهِمْ كَابْنِ عَقِيلٍ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ، لَكِنَّ ابْنَ عَقِيلٍ لَهُ اخْتِصَاصٌ بِمَعْرِفَةِ الْفِقْهِ وَأُصُولِهِ وَأَمَّا الْأَشْعَرِيُّ فَهُوَ أَقْرَبُ إلَى أُصُولِ أَحْمَدَ مِنْ ابْنِ عَقِيلٍ وَأَتْبَعُ لَهَا فَإِنَّهُ كُلَّمَا كَانَ عَهْدُ الْإِنْسَانِ بِالسَّلَفِ أَقْرَبَ كَانَ أَعْلَمَ بِالْمَعْقُولِ وَالْمَنْقُولِ. وَكُنْت أُقَرِّرُ هَذَا لِلْحَنْبَلِيَّةِ - وَأُبَيِّنُ أَنَّ الْأَشْعَرِيَّ، وَإِنْ كَانَ مِنْ تَلَامِذَةِ الْمُعْتَزِلَةِ ثُمَّ تَابَ، فَإِنَّهُ كَانَ تِلْمِيذَ الجبائي وَمَالَ إلَى طَرِيقَةِ ابْنِ كُلَّابٍ وَأَخَذَ عَنْ زَكَرِيَّا الساجي أُصُولَ الْحَدِيثِ بِالْبَصْرَةِ، ثُمَّ لَمَّا قَدِمَ بَغْدَادَ أَخَذَ عَنْ حَنْبَلِيَّةِ بَغْدَادَ أُمُورًا أُخْرَى، وَذَلِكَ آخِرُ أَمْرِهِ كَمَا ذَكَرَهُ هُوَ وَأَصْحَابُهُ فِي كُتُبِهِمْ. وَكَذَلِكَ ابْنُ عَقِيلٍ كَانَ تِلْمِيذَ ابْنِ الْوَلِيدِ وَابْنِ التَّبَّانِ الْمُعْتَزِلِيَّيْن ثُمَّ تَابَ مِنْ ذَلِكَ، وَتَوْبَتُهُ مَشْهُورَةٌ بِحَضْرَةِ الشَّرِيفِ أَبِي جَعْفَرٍ. وَلَمَّا أَظْهَرْت كَلَامَ الْأَشْعَرِيِّ - وَرَآهُ الْحَنْبَلِيَّةُ - قَالُوا: هَذَا خَيْرٌ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ الْمُوَفَّقِ وَفَرِحَ الْمُسْلِمُونَ بِاتِّفَاقِ الْكَلِمَةِ. وَأَظْهَرْت مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي مَنَاقِبِهِ أَنَّهُ لَمْ تَزَلْ الْحَنَابِلَةُ وَالْأَشَاعِرَةُ مُتَّفِقِينَ إلَى زَمَنِ القشيري فَإِنَّهُ لَمَّا جَرَتْ تِلْكَ الْفِتْنَةُ بِبَغْدَادَ تَفَرَّقَتْ الْكَلِمَةُ وَمَعْلُومٌ أَنَّ فِي جَمِيعِ الطَّوَائِفِ مَنْ هُوَ زَائِغٌ وَمُسْتَقِيمٌ. مَعَ أَنِّي فِي عُمْرِي إلَى سَاعَتِي هَذِهِ لَمْ أَدْعُ أَحَدًا قَطُّ فِي أُصُولِ الدِّينِ إلَى مَذْهَبٍ حَنْبَلِيٍّ وَغَيْرِ حَنْبَلِيٍّ، وَلَا انْتَصَرْت لِذَلِكَ، وَلَا أَذْكُرُهُ فِي كَلَامِي، وَلَا أَذْكُرُ إلَّا مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ سَلَفُ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتُهَا...وَأَمَّا مَا أَذْكُرُهُ فَأَذْكُرُهُ عَنْ أَئِمَّةِ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ بِأَلْفَاظِهِمْ وَبِأَلْفَاظِ من نَقل إجْمَاعهمْ مِنْ عَامَّةِ الطَّوَائِفِ. هَذَا مَعَ أَنِّي دَائِمًا وَمَنْ جَالَسَنِي يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنِّي: أَنِّي مِن أَعْظَمِ النَّاسِ نَهْيًا عَنْ أَنْ يُنْسَبَ مُعَيَّنٌ إلَى تَكْفِيرٍ وَتَفْسِيقٍ وَمَعْصِيَةٍ، إلَّا إذَا عُلِمَ أَنَّهُ قَدْ قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ الرسالية الَّتِي مَنْ خَالَفَهَا كَانَ كَافِرًا تَارَةً وَفَاسِقًا أُخْرَى وَعَاصِيًا أُخْرَى وَإِنِّي أُقَرِّرُ أَنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ خَطَأَهَا: وَذَلِكَ يَعُمُّ الْخَطَأَ فِي الْمَسَائِلِ الْخَبَرِيَّةِ الْقَوْلِيَّةِ وَالْمَسَائِلِ الْعَمَلِيَّةِ. وَمَا زَالَ السَّلَفُ يَتَنَازَعُونَ فِي كَثِيرٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَلَمْ يَشْهَدْ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى أَحَدٍ لَا بِكُفْرِ وَلَا بِفِسْقِ وَلَا مَعْصِيَةٍ كَمَا أَنْكَرَ شريح قِرَاءَةَ مَنْ قَرَأَ {بَلْ عَجِبْت وَيَسْخَرُونَ} وَقَالَ: إنَّ اللَّهَ لَا يَعْجَبُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِي فَقَالَ إنَّمَا شريح شَاعِرٌ يُعْجِبُهُ عِلْمُهُ. كَانَ عَبْدُ اللَّهِ أَعْلَمَ مِنْهُ وَكَانَ يَقْرَأُ {بَلْ عَجِبْت} . وَكَمَا نَازَعَتْ عَائِشَةُ وَغَيْرُهَا مِنْ الصَّحَابَةِ فِي رُؤْيَةِ مُحَمَّدٍ رَبَّهُ وَقَالَتْ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللَّهِ الْفِرْيَةَ وَمَعَ هَذَا لَا نَقُولُ لِابْنِ عَبَّاسٍ وَنَحْوِهِ مِنْ الْمُنَازِعِينَ لَهَا: إنَّهُ مُفْتَرٍ عَلَى اللَّهِ. وَكَمَا نَازَعَتْ فِي سَمَاعِ الْمَيِّتِ كَلَامَ الْحَيِّ وَفِي تَعْذِيبِ الْمَيِّتِ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَقَدْ آلَ الشَّرُّ بَيْنَ السَّلَفِ إلَى الِاقْتِتَالِ. مَعَ اتِّفَاقِ أَهْلِ السُّنَّة عَلَى أَنَّ الطَّائِفَتَيْنِ جَمِيعًا مُؤْمِنَتَانِ، وَأَنَّ الِاقْتِتَالَ لَا يَمْنَعُ الْعَدَالَةَ الثَّابِتَةَ لَهُمْ، لِأَنَّ الْمُقَاتِلَ وَإِنْ كَانَ بَاغِيًا فَهُوَ مُتَأَوِّلٌ وَالتَّأْوِيلُ يَمْنَعُ الْفُسُوقَ. وَكُنْت أُبَيِّنُ لَهُمْ أَنَّمَا نُقِلَ لَهُمْ عَنْ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ مِنْ إطْلَاقِ الْقَوْلِ بِتَكْفِيرِ مَنْ يَقُولُ كَذَا وَكَذَا فَهُوَ أَيْضًا حَقٌّ، لَكِنْ يَجِبُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْإِطْلَاقِ وَالتَّعْيِينِ. وَهَذِهِ أَوَّلُ مَسْأَلَةٍ تَنَازَعَتْ فِيهَا الْأُمَّةُ مِنْ مَسَائِلِ الْأُصُولِ الْكِبَارِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ " الْوَعِيدِ " فَإِنَّ نُصُوصَ الْقُرْآنِ فِي الْوَعِيدِ مُطْلَقَةٌ كَقَوْلِهِ {إنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} الْآيَةَ وَكَذَلِكَ سَائِرُ مَا وَرَدَ: مَنْ فَعَلَ كَذَا فَلَهُ كَذَا. فَإِنَّ هَذِهِ مُطْلَقَةٌ عَامَّةٌ. وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْ السَّلَفِ مَنْ قَالَ كَذَا: فَهُوَ كَذَا. ثُمَّ الشَّخْصُ الْمُعَيَّنُ يلتغي حُكْمُ الْوَعِيدِ فِيهِ: بِتَوْبَةِ أَوْ حَسَنَاتٍ مَاحِيَةٍ أَوْ مَصَائِبَ مُكَفِّرَةٍ أَوْ شَفَاعَةٍ مَقْبُولَةٍ. وَالتَّكْفِيرُ هُوَ مِنْ الْوَعِيدِ. فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ تَكْذِيبًا لِمَا قَالَهُ الرَّسُولُ، لَكِنْ قَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ حَدِيثَ عَهْدٍ بِإِسْلَامِ أَوْ نَشَأَ بِبَادِيَةِ بَعِيدَةٍ. وَمِثْلُ هَذَا لَا يَكْفُرُ بِجَحْدِ مَا يَجْحَدُهُ حَتَّى تَقُومَ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ. وَقَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ لَم يَسْمَع تِلْكَ النُّصُوصَ أَوْ سَمِعَهَا وَلَمْ تَثْبُتْ عِنْدَهُ أَوْ عَارَضَهَا عِنْدَهُ مُعَارِضٌ آخَرُ أَوْجَبَ تَأْوِيلَهَا، وَإِنْ كَانَ مُخْطِئًا، وَكُنْت دَائِمًا أَذْكُرُ الْحَدِيثَ الَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي الرَّجُلِ الَّذِي قَالَ: " {إذَا أَنَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي ثُمَّ اسْحَقُونِي، ثُمَّ ذروني فِي الْيَمِّ فَوَاَللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلَيَّ لَيُعَذِّبَنِي عَذَابًا مَا عَذَّبَهُ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ، فَفَعَلُوا بِهِ ذَلِكَ فَقَالَ اللَّهُ لَهُ: مَا حَمَلَك عَلَى مَا فَعَلْت. قَالَ خَشْيَتُك: فَغَفَرَ لَهُ} ". فَهَذَا رَجُلٌ شَكَّ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ وَفِي إعَادَتِهِ إذَا ذُرِّيَ، بَلْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ لَا يُعَادُ، وَهَذَا كُفْرٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، لَكِنْ كَانَ جَاهِلًا لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ وَكَانَ مُؤْمِنًا يَخَافُ اللَّهَ أَنْ يُعَاقِبَهُ فَغَفَرَ لَهُ بِذَلِكَ. وَالْمُتَأَوِّلُ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ الْحَرِيصُ عَلَى مُتَابَعَةِ الرَّسُولِ أَوْلَى بِالْمَغْفِرَةِ مِنْ مِثْلِ هَذَا. |
#2
|
|||
|
|||
جزاك الله خيراً أخي الفاضل جاهد ؛ على النقل القيم المفيد السديد ؛ نفع الله بك ...
ورحم الله شيخ الإسلام وأسكنه الفردوس الأعلى ؛ وصدق رحمه الله : وَمَا زَالَ السَّلَفُ يَتَنَازَعُونَ فِي كَثِيرٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَلَمْ يَشْهَدْ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى أَحَدٍ لَا بِكُفْرِ وَلَا بِفِسْقِ وَلَا مَعْصِيَةٍ .... |
|
|