أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
84004 98094

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > المنبر الإسلامي العام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 04-25-2015, 05:48 PM
محمود الصرفندي محمود الصرفندي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
الدولة: الأردن - السعودية - مصر
المشاركات: 511
افتراضي الرد العلمي على الأخ عبد الحميد العربي -حول بعض أهل الحديث والدلائل العقلية -

الرد العلمي على الأخ عبد الحميد العربي

الحمد لله رب العالمين ؛ وبعد :

إيقاظ لأولي الألحاظ

فإن بعض المتحمسين ممن يغار على دوحة أهل الحديث والسنة وظلالها قد تقع له تصرفات غير معتبرة في تحقيق الحق ؛ فيقابل الباطل بباطل مثله ، ويرد البدعة بنحوها ، وتولدها كائن من الجهل بالعلم المعين ، أو الكلي - وهذا أنكى ! - ، وموقد نارها : الانفعال الموجب للاستعجال !
وقد حصل هذا من الأخ عبد الحميد العربي - أرشده الله إلى مراضيه ووقاه يوم تلاقيه - في تعليقته - الآتي ذكرها - ، فانفعل غاية الذب عن أهل الحديث ، فاندفع إلى نفي ما لا يعلم ، وعاب بما لا يكون مَن علم ؛ فصدق فيه : المستعجل بفوت حاجته أخلق ، وغير خاف - قول العرب - : أصاب متأمل أو كاد ، وأخطأ مستعجل أو كاد .
فهل الذي - كما قال الأخ عبد الحميد عن ذاته - : (ناقشت فيها إن شاء الله بعلم مسألة نقد المخالف ... بتنسيق بديع لا يتقنه إلا الحذاق من النقاد ) : اتصف بمثل هذه الأحوال يستعجل فيقع في : تجهيل غيره - والحجة له - ، واتهام مخالفه بالسوء ، وعدم ضبط المختلف فيه ، والمتنازع عليه ، وقصور في الاطلاع على مقالة أهل الحديث والسلف في الاستدلال ، وتحريف الكلام المستشهد فيه -(؟!)- ؛ فمن شاء التعرف فليطالع المقال بطوله بتجرد عن الهوى .

وعين النزاع من الكلام ، قولي - في التنبيه - : { ومن المآخذ على ( جماعة ) من أهل الحديث قصرهم تحقيق مقالة العلم على الطريقة التي يعرفونها ، حتى يبالغ ( بعضهم ) بنفي ما سواها من الأدلة العقلية } .

ومع كلام الأخ عبد الحميد العربي - غفر الله له - :
قال : { لو وجه صاحب التعليق هذه الجملة الجائرة إلى غلاة الصوفية وأتباعهم من الدراويش ، وأتباع الروافض الذين ألغوا عقولهم لاستقام حديثه ، واستبشر به فقهاء أهل الحديث ، أما وأنه غفر الله له ( يرمي به بعض أهل الحديث زورا ، موظفا جملا استعارها ثم لاكها دون فقه وتدبر ) ، فلا يقبل منه صنيعه لمجانبته الحقيقة } !

قلت - والله الغافر - :

انتهض الأخ عبد الحميد - غفر الله له - إلى نفي هذه النسبة دون تحقيق لمرادها ، ولا معرفة وجهها ؛ بل ثالثة الأثافي : اتهام صاحبها بما لا يليق بمنهاج المعتدلين ، ولا يلتقي مع دعوة الرفق بين المسلمين ، فزعم : أنها شهادة زور في حق بعض أهل الحديث ، وتم ذلك - كما أفاده ! - : بتوظيف كلام مستعار من غير تدبر ولا روية !
وهذه النسبة المقررة : أفادها شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - في مجموع نقداته العلمية على لفيف من فرق المسلمين وطوائفهم - كما سيأتي - ، فكان ماذا ؟!

ولو طالع الأخ عبد الحميد العربي مناهج المذاهب على مختلف المراتب في تحديد الطرق الموصلة إلى الحقائق بأنواعها - بحسبها لا بالاعتداد بها جميعا - من النقلية ، والعقلية ، والكشفية ، والخبرية .. الخ : ما اعترض بهذا ، ولا تعجل بالاتهام ولا الملام -(!)- ، والأخ داخل في عبارة شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في " مجموع الفتاوى " ( 11 / 338 ) : " فالطريق العقلية والنقلية والكشفية والخبرية والنظرية طريقة أهل الحديث وأهل الكلام وأهل التصوف قد تجاذبها الناس نفيا وإثباتا { فمن الناس من ينكر منها ما لا يعرفه } ومن الناس من يغلو فيما يعرفه { فيرفعه فوق قدره وينفي ما سواه } " .

وهذا حاصل في سائر الخائضين ؛ وغاية اعتماد الأخ عبد الحميد العربي في نفي هذه النسبة يقوم على قاعدة - الظالم أهلها - : إنكار ما لا يعرف ، وقد قيل : من قصر عن شيء عابه ، كما في قوله تعالى : {{ بل كذبُوا بِمَا لم يحيطوا بِعِلْمِهِ }} وقوله : {{ وَإِذ لم يهتدوا بِهِ فسيقولون هَذَا أفك قديم }} .
ولا يعذر بمعرفة ضد ما أنكره من استعمال أهل الحديث للدلالة العقلية ؛ إذ الخوض في قيد لا في إطلاق عام ، فليس القول بــ ( ومن المآخذ على جماعة من أهل الحديث ) كـالتعميم في النسبة -(!)- ، والباعث على مثل هذا : القصور في الاطلاع ، ولا يكاد يسلم خلق من التقصير ، فإن كان كذلك : لا يستعجل ، فمعرفة الخلاف من شرائط العلم عند جماعة من أولي التحقيق ، والوقوف على نبع المقالات يعين في تقويمها وتسديدها إلى جادة الصواب .

والكلام على وقفات متتاليات - بعون رب البريات - :
الوقفة الأولى : ابن تيمية ينتقد بعض أهل الحديث في ترك الاستدلال العقلي ؛ فكان ماذا ؟!
الوقفة الثانية : احتجاج السلف - ومن وافقهم : من أهل الحديث - بالدلائل العقلية .
الوقفة الثالثة : سبب تجهيل المتكلمين للسلف - ومن وافقهم : من أهل الحديث - بالمباحث العقلية ؟!
الوقفة الرابعة : هذه بضاعتك ردت إليك يا عبد الحميد !
الوقفة الخامسة : انكشاف تحريف الأخ عبد الحميد لكلام ابن تيمية !


الوقفة الأولى :
ابن تيمية ينتقد بعض أهل الحديث في ترك الاستدلال العقلي ؛ فكان ماذا ؟!

والكلام على قسمين :
القسم الأول : نقول شيخ الإسلام ابن تيمية المؤيدة لهذه المسألة :

وإليك تالي النقول المؤكدة - وأكتفي ببعضها مما يبين المراد ، ويكشف الحجاب عن قويم الوهاد - :

النقل الأول :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في " مجموع الفتاوى " ( 11 / 358 ) : " وكذلك كثير من أهل الحديث والسنة قد ينفي حصول العلم لأحد بغير الطريق التي يعرفها حتى ينفي أكثر الدلالات العقلية من غير حجة على ذلك " .

وهذا عين ما قررته في التنبيه ؛ فكان ماذا ؟!
فقد بين ابن تيمية في معرض بيان موقف الفرق من الطرق الشرعية الموصلة للمطلوب ، المفيدة للمرغوب هذه النسبة ، ثم وضح نقطة الافتراق في سلوك الطرائق إلى تحقيق المسائل ، فذكر مناهج متباينة في التعامل مع هذه المسالك كالمتكلمين ، والصوفية ، وأهل الحديث والسنة ، وشرع في تقويمها بذكر الموافقين للحق ، ومن تنكبه من المخالفين في سفر مفرد مطبوع ضمن مجموع فتاويه ، لو نظر فيه الأخ لأراحنا واستراح .
ثم : كشف له أحد الفضلاء هذا القول من مقال آخر لي ؛ فكانت البلية تأويله الفاسد مما يضحك الثكلى ، بأن المقصود به الكائنات !!
وسيأتي الرد عليه في الوقفة الخامسة .

النقل الثاني :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في " مجموع الفتاوى " ( 3 / 339 ) : " وقد يقترب من كل من الطائفتين بعض أهل الحديث تارة بعزل العقل عن محل ولايته وتارة بمعارضة السنن به " .
وهذا المقول حينما تعرض ابن تيمية لحال فرقتين : من المتكلمين ، والصوفية ؛ فأهل الكلام عظموا المعقولات وسماهم بالحرفية ، وكثير من المتصوفة على ذم العقل والاشتغال به وسماهم بالصوتية ، ثم بين مقاربة بعض أهل الحديث منهما .

النقل الثالث :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في " بيان تلبيس الجهمية " ( 2 / 536 ) : " فأما ما يفعله طوائف من اهل الكلام من ادخال الخالق والمخلوقات تحت قياس او تمثيل يتساويان فيه فهذا من الشرك والعدل بالله وهو من الظلم وهو ضرب الامثال لله وهو من القياس والكلام الذي ذمه السلف وعابوه ولهذا ظن { طوائف من عامة أهل الحديث } والفقه والتصوف انه لا يتكلم في أصول الدين ولا يتكلم في باب الصفات { بالقياس العقلي وان ذلك بدعة } وهو من الكلام الذي ذمه السلف وكان هذا مما اطمع الأولين فيهم لما رأوهم ممسكين عن هذا كله اما عجزا او جهلا وأما لاعتقاد أن ذلك بدعة وليس من الدين " .

وسيأتي - بإذن المولى - مزيد بيان حول الفرق بين ما وقع لـ ( بعض ) أهل الحديث والسنة من ترك الاستدلال العقلي ، وعموم أهل الحديث من أهل السنة المحضة : السلف - رحمهم الله - واعتمادهم الدليل العقلي في الرد على أهل البدع ، وتقرير بعض أصول الدين الكبرى .

النقل الرابع :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في " الصفدية " ( 1 / 294 ) : " ومن ذلك أن أحدهم يحتج بكل ما يجده من الأدلة السمعية وإن كان ضعيف المتن والدلالة ويدع ما هو أقوى وأبين من الأدلة العقلية إما لعدم علمه بها وإما لنفوره عنها وإما لغير ذلك " .

وهذا كالسابق المذكور من مقارنة يعقدها ابن تيمية بين الفرق المنتسبة للإسلام ، ويوضح علاقتها بالطرق الموصلة للحقائق ، ومكمن دائها ودوائها ، ولذا قال في " الصفدية " ( 1 / 393 ) : " ولهذا عامة ما يؤتى الناس من هذين الوجهين فالمنتسبون إلى أهل الحديث والسنة والجماعة يحصل من بعضهم .. " .

النقل الخامس :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه لله - في " مجموع الفتاوى " ( 19 / 161 ) : " وأيضا فهم إنما يستدلون بالقرآن من جهة إخباره لا من جهة دلالته فلا يذكرون ما فيه من الأدلة على إثبات الربوبية والوحدانية والنبوة والمعاد؛ وأنه قد بين الأدلة العقلية الدالة على ذلك؛ ولهذا سموا كتبهم أصول السنة والشريعة ونحو ذلك .. " .

وهذه قطعة من كلمة تفصيلية حول موقف الفرق المنتسبة للإسلام من أهل الكلام والصوفية وبعض أهل الحديث من بيان القرآن للأدلة العقلية ، فاجتمع هؤلاء على الخروج عن الحجاج العقلية القرآنية ، واختلفوا في الاستدلال على مسائل أصول الدين ، حتى ظن بعض أهل الحديث أن السلف على مجانبة الاستدلال العقلي !
ولذا قال شيخ الإسلام - رحمه الله - في " مجموع الفتاوى " ( 19 / 161 ) بعد ذكره لتلك المذاهب : " والطائفتان يلحقهما الملام " !

النقل السادس :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في " الفتاوى الكبرى " ( 1 / 129 ) : " وإنما يظن عدم اشتمال الكتاب والحكمة على بيان ذلك من كان ناقصا في عقله وسمعه ... وإن كان ذلك كثيرا في كثير من المتفلسفة والمتكلمة، وجهال أهل الحديث والمتفقهة والمتصوفة " .

وهذا الكلام - أيضا - في بيان اشتمال الكتاب والسنة على الدلائل الشافية والبراهين الكافية من الأدلة السمعية والعقلية ، وأن الناس من سائر الفرق اختلفوا في نوع الاشتمال - بعد القول ببيانها ! - ، ومما ذكر : أن جهال أهل الحديث والمتصوفة يكتفون بمجرد الخبر ، ثم حكى ما عليه السلف ومن أتى بعدهم كأحمد وغيره فجمع بين الأمرين .

ثم : هل سيرمي عبد الحميد العربي القائل بهذا بالزور - (؟!) - ، وتوظيف النقول الصريحة لأغراض مشبوهة ؛ كالهجوم على آثار الأئمة - كما فعل بي - ؟!
سيأتي التنبيه على هذا مجددا في الوقفة الرابعة ، والله الموفق .

القسم الثاني : لا يلزم من الانتساب لأهل الحديث الإصابة ، ولا يلزم أن يكون سنيا بالاعتقاد .

كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في وصف جماعة من أهل الحديث و السنة بما سبق بيانه لا يعارض الحق ؛ فإن أهل الحديث كغيرهم في الموافقة والمخالفة على تفاوت يقطع أن يكون أهل الحديث فيه بالمقدمات ، لانتسابهم إلى الحديث والعمل به ، ودعوة الخلائق له ، فلهم ماليس لغيرهم من الإصابة وعظيم الإفادة ، ولا يستحيل في حقهم الغلط ، وإن من أئمة السلف وعلمائهم قد اجتهدوا بما يخالف الكتاب والسنة ، أو قالوا وفعلوا ما يعد عند التحقيق من جمل البدع لدوافع لا محل لذكرها أفادها ابن تيمية في غير ما موضع ،ولي مقالة جمعت فيها عيون كلامه حول هذا المبحث تجدها في كل السلفيين ؛ فكيف بغيرهم ؟!

رابط المقالة :
http://kulalsalafiyeen.com/vb/showth...433#post323433


ومما لم أنقل فيها : قول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في " الصفدية " ( 1 / 293 ) : " فالمنتسبون إلى أهل الحديث والسنة والجماعة يحصل من بعضهم كما ذكرت تفريط في معرفة النصوص أو فهم معناها أو القيام بما تستحقه من الحجة ودفع معارضها فهذا عجز وتفريط في الحق وقد يحصل منهم دخول في باطل إما في بدعة ابتدعها أهل البدع وافقوهم عليها واحتاجوا إلى إثبات لوزامها وإما في بدعة ابتدعوها هم لظنهم أنها من تمام السنة " .

ولعل الأخ عبد الحميد غاب - أو ذهل ! - عن أمرين :

الأمر الأول : المسائل المنسوبة لأهل الحديث لا يلزم نسبتها للسلف ؛ فإن عبد الحميد - كما قال هو! - استعار أقوال ابن تيمية مع التعليق عليها من كتاب { تجديد الدين .. } - وفي الحقيقة : نقلها من مشاركة أخ في ملتقى أهل الحديث ! - تتعلق باستدلال السلف بالدلائل العقلية ، وأراد تنزيلها على كل أهل الحديث ، ولا يعلم أن بينهما فرقا كما أن بينهما اجتماعا ، فمن أهل الحديث من خالف السلف في اعتماد الدلائل العقلية ظنا أن السلف كانوا ينسبونها إلى بدع الاحتجاج !

الأمر الثاني : لا يلزم كون الإنسان من أهل الحديث موافقة السنة بتمام خصالها -(!)- ؛ فكم من أهل الحديث في الصناعة ويحمل البضاعة ، ليس على أصول السنة المحضة ، كأبي بكر ابن العربي ، وأبي الحسن ابن الزاغوني ، وأبي الحسن الأشعري وبعض أصحابه كمحمد بن الحسين البيهقي وغيرهم ، ولهذا يعبر ابن تيمية الحفيد - رحمه الله - في كثير من كتبه عنهم بقوله : ( متكلمة أهل الحديث ) و ( وجمهور متكلمي أهل الحديث من الأشعرية وغيرهم ) يعني : الأشعرية المتكلمة المنتسبة لأهل الحديث لا أن جمهورهم من الأشعرية .
وهذا غير مطرد : بحيث تجد في جماعة المحدثين ممن سلم في منازل الوصول وأحكم الأصول ، فمن الخلائق من يكون إماما في السنة والحديث ، وإماما في الحديث لا السنة ، وهذه سكيكة مطروقة وطريق مسلوكة وسنة مألوفة .

عرفها من تقدم ، وذكرها من تأخر : فقد أخرج ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " ( 1 / 63 ) عن الحافظ الناقد عبد الرحمن بن المهدي - رحمه الله - قوله : " الناس على وجوه فمنهم من هو إمام في السنة إمام في الحديث ، ومنهم من هو إمام في السنة وليس بإمام في الحديث ، ومنهم من هو إمام في الحديث ليس بإمام في السنة ، فأما من هو إمام في السنة وإمام في الحديث : فسفيان الثوري " .

وامتدح محمد بن إدريس الشافعي تلميذه أحمد بن محمد بن حنبل - رحمهما الله - بهذا ، كما ذكر ابن أبي يعلى في " طبقات الحنابلة " ( 1 / 10 ) ، وابن مفلح الحنبلي في " المقصد الأرشد " ( 1 / 65 ) عن الشافعي قوله : " أحمد إمام في ثمان خصال - ومنها - : إمام في الحديث .. وإمام في السنة " .

كما عيب على أبي عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري - رحمه الله - ، صاحب " المستدرك على الصحيحين " بأنه إمام في الحديث لا السنة !
فقد أسند الذهبي في " المعجم " ( 303 ) عن محمد بن طاهر أنه سأل شيخ الإسلام عبد الله بن محمد الأنصاري عن الحاكم ، فقال : " إمام في الحديث رافضي خبيث " .
فقال الذهبي - معقبا - : " كلا ما كان الرجل رافضيا بل كان شيعيا ينال من الذين حاربوا عليا رضي الله عنه ونحن نترضى عن الطائفتين ونحب عليا أكثر من خصومه " .
وقال - أيضا - في " ميزان الاعتدال " ( 3 / 608 ) : " قلت : الله يحب الانصاف، ما الرجل برافضى، بل شيعي فقط " .

والمعنى كما أوضحته وزيادة : من قول ابن الصلاح - رحمه الله - في " فتاويه " ( 213 ) : " السنة ها هنا ضد البدعة وقد يكون الإنسان من أهل الحديث وهو مبتدع ، ومالك رضي الله عنه جمع بين السنتين ، فكان عالما بالسنة أي الحديث ومعتقدا للسنة أي كان مذهبه مذهب أهل الحق من غير بدعة " .

فالسنة تقابل البدعة ، ومن استعمالاتها - كما تقدم - : جمل الاعتقاد ، كما نبه عليه جمع غفير من المحققين وصنف فيه .
قال الشاطبي - رحمه الله - في " الموافقات " ( 4 / 290 ) : " ويطلق أيضًا في مقابلة البدعة؛ فيقال: "فلان على سنة" إذا عمل على وفق ما عمل عليه النبي - صلى الله عليه وسلم- " .

ثم : قد يجد أحدهم بغيته بهذا التفريق بأن كلام ابن تيمية خرج على المخالفين من المنتسبين إلى أهل الحديث كبعض الصوفية الذين استفاض عنهم ذم العقل واستعماله ؟!
يقال : لا مانع من جهة - على ثبوته - ، غير أن ابن تيمية صرح - أيضا - بمن انتسب للسنة مع الحديث كما سبق ، واجتماعهما يحمل على الموافقة في الأصول على صحيح الاعتقاد والفروع من الجريان على منوالهم في الأحكام وغيرها ؛ فاندفع الإيراد .


الوقفة الثانية :
احتجاج السلف - ومن وافقهم : من أهل الحديث - بالدلائل العقلية

بعد إيراد تلك النقول المتضافرة على بيان ترك بعض أهل الحديث الاحتجاج العقلي ، واكتفائهم بالخبر عن دلالته مع أن دلالة الكتاب والسنة ليست بمجرد الخبر على مسائل أصول الدين ، كما قال ابن تيمية - رحمه الله - في " مجموع الفتاوى " ( 19 / 161 ) : " فهم إنما يستدلون بالقرآن من جهة إخباره لا من جهة دلالته " .

واعتباره من البدع التي ذمها من تقدم : من السلف الصالح -(!)- ، كما قال ابن تيمية في " بيان تلبيس الجهمية " ( 2 / 536 ) : " ولهذا ظن { طوائف من عامة أهل الحديث } والفقه والتصوف انه لا يتكلم في أصول الدين ولا يتكلم في باب الصفات { بالقياس العقلي وان ذلك بدعة } وهو من الكلام الذي ذمه السلف " !

تبين لك : أن هذا وقع لطائفة من أهل الحديث والسنة عن اشتباه - يحتاج تعريفه إلى بسط لا محل له - ، وعدم تمييز مقالات السلف في نقد مضامين مقولات المتكلمين ، وحمل كلامهم على العموم ؛ بينما السلف كانوا على الاحتجاج بالمعقول والتفصيل في المجمل من جهة المعاني وقبولها وترك محدث الألفاظ وردها ، ووقع هذا بحسب الحاجة إليه في العصور المتأخرة ، كما فعل الإمام أحمد في كتابه " الرد على الجهمية والزنادقة " ، والدارمي في كتابه " الرد على بشر المريسي " ، وغيرهم ممن لا يحصى عددهم ، ولا يتسع المقام ذكرهم ، وفي ذلك قال أبو عبد الله الذهبي - رحمه الله - في " سير أعلام النبلاء " ( 8 / 144 ) : " فاحتاج العلماء إلى مجادلتهم بالكتاب والسنة، ثم كثر ذلك، واحتج عليهم العلماء أيضا بالمعقول " .

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في " مجموع الفتاوى " ( 19 / 160 ) : " ومع هذا فالرسول بين الأدلة العقلية الدالة عليها؛ فجمع بين الطريقين: السمعي؛ والعقلي ، وبينا أن دلالة الكتاب والسنة على أصول الدين ليست بمجرد الخبر؛ كما تظنه طائفة من الغالطين من أهل الكلام والحديث والفقهاء والصوفية وغيرهم " .

فتبين أن الأدلة الشرعية تنقسم إلى دلائل سمعية ، ودلائل عقلية ، والجمع بينهما هي : كما عبر ابن تيمية - رحمه الله - في " بيان تلبيس الجهمية " ( 5 / 85 ) بقوله : " الطريقة العقلية السلفية الشرعية الكاملة " .
ثم قال - رحمه الله - في موضع آخر " بيان تلبيس الجهمية " ( 5 / 83 ) : " فسلك الإمام أحمد وغيره مع الاستدلال بالنصوص وبالإجماع مسلك الاستدلال بالفطرة ، والأقيسة العقلية الصحيحة المتضمنة للأولى " .
أو على تعبير : ابن مفلح الحنبلي - رحمه الله - في " الآداب الشرعية " ( 1 / 207 ) : " وقد صنف الإمام أحمد كتابا في الرد على الزنادقة والقدرية في متشابه القرآن وغيره ، واحتج فيه بدلائل العقول " .


الوقفة الثالثة :
سبب تجهيل المتكلمين للسلف - ومن وافقهم : من أهل الحديث - بالمباحث العقلية ؟!

يعود ذلك إلى سببين :
السبب الأول : أن بعض أهل الحديث ترك الاستدلال بالحجاج العقلية ؛ كما سبق ذكره : اشتباه المسائل عليهم ، وعدم تمييز مقالات السلف في نقد مضامين مقولات المتكلمين ، وحمل كلامهم في المنع على عموم الاستدلال العقلي !

فقام عليهم أهل البدع من جهتين :
الأولى : استعمال الدلائل العقلية عليهم من جهة إحقاق الباطل ، وتزييف الحق -(!)- ـ ومفارقة بعض أهل الحديث معرفة الأدلة العقلية المستقيمة أضعف حجتهم أمام خصومهم !
الثانية : فإذا انبرى أحدهم - على استيحاء - وتكلم بهذه الصناعة وظهرت البضاعة ، ألزموه بما يعتقده من هجران الاحتجاج العقلي وبدعيته !

قال ابن تيمية - رحمه الله - في " بيان تلبيس الجهمية " ( 2 / 536 ) : " وكان هذا مما اطمع الأولين فيهم لما رأوهم ممسكين عن هذا كله اما عجزا او جهلا وأما لاعتقاد أن ذلك بدعة وليس من الدين ، وقال لهم الأولون رَدُّكُم أيضًا علينا بدعة فإن السلف والأئمة لم يردوا مثل ما رددتم وصار أولئك يقولون عن هؤلاء إنهم ينكرون العقليات وأنهم لا يقولون بالمعقول " .

السبب الثاني : تقديم السلف في حوار الخصوم التنازع للكتاب والسنة ؛ بما فيها من الدلائل السمعية والعقلية ، فيحمل أهل الكلام قولهم بلازم غير ملتزم : حصر الاستدلال بالسمعيات دون المعقولات -(!)- ، فإن المتكلمين يصرحون بعدم بيانها لأصول الدين الكبار بالدلائل العقلية ، فينسبونهم إلى ترك الاحتجاج بها !

وعليه يحمل قول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في " بيان تلبيس الجهمية " ( 1 / 245 - 246 ) : " قالوا بيننا وبينكم الكتاب والسنة فإذا قال لهم ذلك المنازع بيننا وبينكم العقل قالوا نحن مانحكم إلا بالكتاب والسنة ونحو هذا الكلام الذي هو حقيقة أهل الإيمان وشعار أهل السنة والجماعة وحلية أهل الحديث والفقه والتصوف الشرعي قالوا بموجب رأيهم يلزم من هذا أن تكون معرفة الله تعالى لاتحصل إلا بخبر الشارع إذا لم يكن للعقل مجال في إثبات المعرفة وهذا جهل منهم وقول بلا علم فإن أحدًا من هؤلاء لم يقل إن الله تعالى لايعرف إلا بمجرد خبر الشارع الخبر المجرد فإن هذا لايقوله عاقل ... فنقل مثل هذا القول عن طائفة توجد في الأمة أو عن عالم معروف في الأمة من الكذب البين " .


الوقفة الرابعة :
هذه بضاعتك ردت إليك يا عبد الحميد !

لقد اتهمني الأخ عبد الحميد العربي بتالي التهم - مع قلبها عليه - :
1 - قول الزور على بعض أهل الحديث ، فقال : { يرمي به بعض أهل الحديث زورا ، موظفا جملا استعارها } !!
2 - التجريد من الفقه والتدبر ، فقال : { ثم لاكها دون فقه وتدبر } !!
3 - الهجوم على آثار السلف ، فقال : { الهجوم على آثار أئمتنا في ترشيد الأمة إلى الطريق الأمثل .. } - وسأفرد لها مقالا - !!

وجوابه من جهات :

الجهة الأولى : غلواء عبد الحميد في الأوصاف !
نطيع الله فيك ، القائل : {{ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ }} مهما عصيت الله فينا ؛ فالعاقل من تغافل ، لا ضعفا عن المقاومة ولا عجزا عن الإجابة ، وتم التحقيق العلمي وهذا فيه كفاية والله ولي العناية .
والذي ينبغي في أمثالك من الدعاة على منهج السلف - وإن جرحك أصحابك وتركوك ! - التلطف مع إخوانه ، والتنازل لهم بخفض جناحيك ، فالعبرة بالعلم ولا أمير فيه إلا هو ، فأقل اللوم يا عاذل !

وليس إخوانك - على ما فيهم - بأذل عليك من الغزالي ولا الغزالي بأعز على ابن تيمية منا ، فقد حدث عن الإمام أحمد ما لا يخفى من التأويل الفاسد بطريق يقطع بكذبها ، في كتابه " إحياء علوم الدين " ( 1 / 104 ) ، ولم يتهمه ابن تيمية بالكذب ولا تعمده ؛ فكيف بك يا عبد الحميد تتهم غيرك بقول الزور على أهل الحديث -(؟!)- ؛ هذا مع انكشاف غلطك وظهور عورتك !

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في " بيان تلبيس الجهمية " ( 6 / 127 ) : " ولم يكن ممن يتعمد الكذب فإنه كان أجل قدرًا من ذلك وكان من أعظم الناس ذكاء وطلبًا للعلم وبحثًا عن الأمور ولما قاله كان من أعظم الناس قصدًا للحق وله من الكلام الحسن المقبول أشياء عظيمة بليغة ومن حسن التقسيم والترتيب ما هو به من أحسن المصنفين " .

الجهة الثانية : تناقض موقف عبد الحميد !
تقدم بيان قائل تلك المقالة ، ألا وهو : العلم ابن تيمية - رحمه الله - ؛ فهل إنكار عبد الحميد ووصفه إياي بقول الزور على بعض أهل الحديث يشمل من تقلدت كلامه -(؟!)- ، ثم هل أحكام ابن تيمية باعثها : عدم الفقه والتدبر -(؟!)- ، وسيأتي أن الأخ عبد الحميد ممن استعجم عليه المدرك مما يتنزه عنه أقل الطلاب !

قال ابن تيمية - رحمه الله - في " درء التعارض" ( 3 / 103 ) : " ومن اتبع ظنه وهواه فأخذ يشنع على من خالفه بما وقع فيه من خطأ ظنه صواباً بعد اجتهاده، وهو من البدع المخالفة للسنة، فإنه يلزمه نظير ذلك أو وأعظم أو أصغر فيمن يعظمه هو من أصحابه " .
وقال - أيضا - في " منهاج السنة " ( 5 / 280 - 281 ) : " تجده يذم القول وقائله بعبارة، ويقبله بعبارة ، ويقرأ كتب التفسير والفقه وشروح الحديث، وفيها تلك المقالات التي كان يذمها، فيقبلها من أشخاص أخر يحسن الظن بهم، وقد ذكروها بعبارة أخرى، أو في ضمن تفسير آية أو حديث أو غير ذلك .. حتى أن كثيرا من هؤلاء يعظم أئمة، ويذم أقوالا، قد يلعن قائلها أو يكفره، وقد قالها أولئك الأئمة الذين يعظمهم، ولو علم أنهم قالوها لما لعن القائل " .

الجهة الثالثة : حول استعارة عبد الحميد وعدم فهمه !
وما دام أن الأخ عبد الحميد العربي - سدده الله - قد اتهمني باستعارة ما لا أفقه ولم أتدبره ، فدونك ما يقلبه عليه ، لتعلم من الذي استعار ، ولم يفقه ولم يتدبر !
كتب الأخ عبد الحميد العربي تعليقا طويلا ،ثم نبه في آخره قائلا : { وأحيل القارىء على كتاب : تجديد الدين لدى الاتجاه العقلاني الاسلامي المعاصر ، فمنه غالب التنبيه }
ثم : ذكر فقال : { إن العقل لا يستقل بنفسه .. } .
وفيه :

1 ) - هذا التنبيه الذي نسبه عبد الحميد العربي إلى كتاب { تجديد الدين .. } لم يكن من كيسه ، ولا جهد له فيه ، وإنما استعاره من تفريغ الأخ سامي العنزي للكتاب ضمن مقالة نشرها في ملتقى أهل الحديث ، ثم بعد ختم التنبيه والإشارة إلى الكتاب : نقل قولا لابن تيمية هو من تفريغات الأخ سامي لأصل الكتاب في القسم الثاني !
2 ) - وهذا لا يعد عيبا ؛ غير أن عبد الحميد نقله في غير محله ، ويبين ذلك : أن النصوص المنقولة في استدلال السلف بالعقل من كلام ابن تيمية ، هي محل وفاق بيننا ، ولم يقل أحد من السابقين فيهم ما ذكر في بعض أهل الحديث كما أفاده ابن تيمية سابقا ، وعين النزاع في بعض طوائف أهل الحديث الذين اشتبه عليهم موقف السلف من الأدلة العقلية .


الوقفة الخامسة :
انكشاف تحريف الأخ عبد الحميد لكلام ابن تيمية !

سبق بيان استعارة عبد الحميد لتفريغ الأخ سامي العنزي في ملتقى أهل الحديث من كتاب { تجديد الدين .. } ثم عدم تفريقه بين الوفاق الواقع على استدلال السلف بالدلائل العقلية وبين ما نسبه ابن تيمية إلى كثير من أهل الحديث حول اشتباه موقف السلف عليهم ، حتى نسبوا ذلك إلى البدع !
فلم يكتفي الأخ المناضل بهذه المسائل ؛ فأبى إلا كشف تحريفه الأعظم لكلام ابن تيمية ، فسابق المذكور نتج عن قصور في اطلاع عبد الحميد لكلام ابن تيمية حول الاستدلال العقلي بين طائفة من أهل الحديث والسلف ، غير أن تحريفه الآتي ذكره بعد معاينته موضع الاستشهاد من النصوص ، حيث حمل كلام شيخ الإسلام حول بعض أهل الحديث على : ( العلم بالكائنات ) !!!

فقال - هداه الله وكفاه - : { إن شيخ الإسلام في المقطع الذي ذكرت شطره يتكلم عن العلم بالكائنات وكشفها وطرقها المتعددة : حسية ، وعقلية ، وكشفية ، وسمعية ، وضرورية ، ونظرية ، وغير ذلك ، وهي مرتبة عالية يعرفها أهل الاختصاص } !!

وهذا ما لا يليق بآحاد الناس ؛ فكيف بمن ينتسب إلى جمهرة التحقيق العلمي ، وحوزة التدقيق الشرعي ؟!
مع أنه يمتدح جهوده في الكتابة ، وقبل أيام قال : { ناقشت فيها إن شاء الله بعلم مسألة نقد المخالف ... بتنسيق بديع لا يتقنه إلا الحذاق من النقاد } !

وبيان ذلك من جهتين :

الجهة الأولى : تصحيح التحريف .

كتب شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - سفرا نفيسا ، وهو الموسوم بــ : ( طرق الأحكام الشرعية وبيان المتفق عليها ، والمختلف فيها ) في بيان موقف الفرق من الطرق الشرعية - وغيرها - الموصلة للمطلوب ، المفيدة للمرغوب ، وضح فيها نقطة الافتراق في سلوك الطرائق إلى تحقيق المسائل ، فذكر مناهج متباينة في التعامل مع هذه المسالك كالمتكلمين ، والصوفية ، وأهل الحديث والسنة ، وشرع في تقويمها بذكر الموافقين للحق ، ومن تنكبه من المخالفين .
والله الذي لا إله إلا هو : لا يحتاج بيان موضوع الرسالة الوارد فيها الاستشهاد إلى كبير علم ، ولا كثير تدبر ؛ غير أن عبد الحميد العربي أراد تحريف الكلام المتعلق ببعض أهل الحديث وإخراجه عن سياقه الموضوع له ، فزعم : أن الكلام حول العلم بالكائنات وكشفها .. الخ !

تعالوا ننظر :
قال ابن تيمية - رحمه الله - في " مجموع الفتاوى " ( 11/ 335 ) : " أما العلم بالدين وكشفه فالدين نوعان : أمور خبرية اعتقادية وأمور طلبية عملية " .

قلت : إلى آخر رسالته في بيان موقف الطوائف المنتسبة للإسلام حول طرق المعرفة ؛ فجاء عبد الحميد العربي فنقل سطورا في بداية الفصل من الرسالة ليوهم القراء أن كلام ابن تيمية حول بعض أهل الحديث والسنة متعلق كما قال : ( يتكلم عن العلم بالكائنات وكشفها وطرقها المتعددة .. ) !

والحق : أن شيخ الإسلام - رحمه الله - قال في " مجموع الفتاوى " ( 11 / 335 ) : " العلم بالكائنات وكشفها له طرق متعددة: حسية وعقلية وكشفية وسمعية ضرورية ونظرية وغير ذلك وينقسم إلى قطعي وظني وغير ذلك وسنتكلم إن شاء الله تعالى على ما يتبع منها وما لا يتبع في الأحكام الشرعية أعني الأحكام الشرعية على العلم بالكائنات من طريق الكشف يقظة ومناما كما كتبته في الجهاد. أما العلم بالدين وكشفه ... " .

وقد وضح - رحمه الله - أن كلامه عنها سيكون على قسمين :
القسم الأول : العلم بالكائنات فيما لا علاقة له بالأحكام الشرعية .
القسم الثاني : العلم بالكائنات مما يتبع الأحكام الشرعية من طريق { الكشف } كما كتبه في مسائل الجهاد .
ثم شرع ابن تيمية في الكلام عن الطرق المتعلقة بالدين لا العلم بالكائنات كما أوهم عبد الحميد العربي -(!!)- ، فحكى ما يتعلق بموقف المسلمين من الطرق الموصلة ، وخلافهم فيها من جهة الاستدلال ؛ فذكر - على سبيل المثال - : طريق القرآن ، وطريق السنة المتواترة ، وطريق الإجماع من الجهة العقدية ثم كرر الكلام عليها فيما بعد من الجهة الأصولية ، وطريق القياس ، وطريق الاستصحاب ، وطريق المصالح المرسلة من الجهة الأصولية .

وفي أثناء ذكره لعموم الاستدلال بالكتاب والسنة والإجماع على المسائل الكبار من أصول الدين ، قسم فيه الطوائف على طرفي نقيض .
فالقسم الأول : أهل السنة والجماعة ، ممن استدل بها .
والقسم الثاني : أهل الكلام كالجهمية والمعتزلة والأشعرية ، وتركهم الاستدلال بها .

ثم : عاد ابن تيمية إلى ذكر موقف طائفة من أهل الحديث والسنة وغيرها من الدلائل العقلية ، ومقابلتهم لفرق المتكلمين ممن تجاوز في تعظيم العقل والاحتجاج به ، ومنه أتى الاستشهاد لا كما زعم الأخ !

الجهة الثانية : تضافر الكلام يمنع التحريف .
فقد تضافرت عبارات شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في موقف طائفة من أهل الحديث والمتكلمين من المعقولات والاحتجاج بها في أصول الدين الكبار ، والرد على المخالفين ، وتم حكاية نخبة منها في الوقفة الأولى ضمن القسم الأول - ولله الحمد والمنة - ، فماذا سيصنع عبد الحميد العربي عموما ، وبحرف قد خصوصا ؟!
وهذا كاف في الباب ولا حاجة للوقوف على شرحه لـ ( قد ) ونوعها ، لمجيء التصريح في مواضع شتى بعبارات مختلفة ، ثم يقال : أليس اعتراف عبد الحميد بـ ( قد ) على التقليل يعد إقرارا للنسبة لكثير من أهل الحديث والسنة كما أفاده ابن تيمية على مراد قائلها -(؟!)- ، وأما على تقدير التشكيك فهذا دونه خرط القتاد إن استطاع - كطفرة النظام حينها - !

وقد قال شيخ الإسلام - رحمه الله - في " مجموع الفتاوى " ( 19 / 161 ) بعد ذكره لتلك المذاهب : " والطائفتان يلحقهما الملام " !

هذا - والله اعلم - .

يتبع في الحلقة الثانية : الإجابة بالإفادة على بقية الكلام إن أجاب على السؤالات التي طرحتها قبل إنزال الرد ، والله الموفق .


كتبه : أبو حيان محمود بن غازي الصرفندي .
- المدينة النبوية -
- بتاريخ : 6 / 7 / 1436 هـ
الموافق : 25 / 4 / 2015 م

__________________
{ اللهم إني أعوذ بك من خليلٍ ماكر، عينُه تراني، وقلبُه يرعاني؛ إن رأى حسنة دفنها، وإذا رأى سيّئةً أذاعها }

***

{ ابتسم ... فظهور الأسنان ليس بعورة على اتفاق }
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 04-25-2015, 09:27 PM
محب العباد والفوزان محب العباد والفوزان غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2014
المشاركات: 947
افتراضي

جزاك الله خيرا يا شيخ محمود ..
اقتباس:
واحتج عليهم العلماء أيضا بالمعقول
((فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ ءَايَات مُفَصَّلاَتٍ))
فنكلت بهم هذه الحشرات رغم صغرها وكذلك يفعل المعقول بهؤلاء.
__________________
قال بن القيم رحمه الله :
إذا ظفرت برجل واحد من أولي العلم، طالب للدليل، محكم له، متبع للحق حيث كان، وأين كان، ومع من كان، زالت الوحشة وحصلت الألفة وإن خالفك؛ فإنه يخالفك ويعذرك.
والجاهل الظالم يخالفك بلا حجة ويكفرك أو يبدعك بلا حجة، وذنبك: رغبتك عن طريقته الوخيمة وسيرته الذميمة، فلا تغتر بكثرة هذا الضرب
فإن الآلاف المؤلفة منهم لا يعدلون بشخص واحد من أهل العلم، والواحد من أهل العلم يعدل ملء الأرض منهم.
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 04-25-2015, 09:35 PM
عبد الحميد العربي عبد الحميد العربي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 421
افتراضي

أحسنت يا محمود على هذه النقول الطيبة.
وفقك الله لكل خير.
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 04-25-2015, 10:14 PM
مروان السلفي الجزائري مروان السلفي الجزائري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2014
الدولة: سيدي بلعباس -الجزائر -
المشاركات: 1,790
افتراضي


جزاك الله خيرا أخي الفاضل محمود .
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 04-25-2015, 10:33 PM
بدر الجزائري بدر الجزائري غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ التسجيل: May 2014
المشاركات: 37
افتراضي

في ظل توافر التقنية والتقدم العلمي الجميع اصبح يحسن تقنية النسخ واللصق السهلة جدا والغير متعبة والجميع اصبح ينقل كلام اهل العلم من هنا وهناك حتى وان كان لا يحسن تنظيمها ووضعها في مقامها المناسب ...ما شاء الله . ان للشيخ صالح آل الشيخ شريطين معروفين بعنوان :(كيف تقرأ كتب شيخ الاسلام ) انصح بالاستفادة منهما .
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 04-25-2015, 10:51 PM
أحمد البكاري أحمد البكاري غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 100
افتراضي

بارك الله فيك شيخنا محمود على هذا الرد الماتع المليء بالنقولات العلمية والمحلى بالأخلاق السلفية من رفق وتلطف،إلى لين وتألف،فلا شدة فيه ولا تنابز،ولا غلظة فيه ولا تغامز،رغم أنك فجعت قلبي بكلمة الاستعارة!! فإني أحسن الظن بإخواني ولاسيما الشيخ عبد الحميد
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 04-25-2015, 10:57 PM
ابوخزيمة الفضلي ابوخزيمة الفضلي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: May 2012
المشاركات: 1,952
افتراضي رسالة من محمود الصرفندي

إن كان منك تراجعا عما كتبته ، ومنها : ما رددته عليك في هذا المقال ، واتهامي بقول الزور على بعض أهل الحديث ، وعدم الفقه والتدبر ، فاللهم لك الحمد ، قال الله تعالى : {{ وكفى الله المؤمنين القتال }} .

وإن كان ينبغي منك : أن تبين لما قلت عني : [ طريقة الأخ في الهجوم على آثار أئمتنا في ترشيد الأمة إلى الطريق الأمثل .. ] بالحجة لا مجرد الإنشاء -(!)- ،ولا أعلم أهي كالسابق أم لا ؟

وأيضا : عدت فنقلت قول شيخ الإسلام حول صبيغ واتباع المتشابه ، ووضعت الإحمرار على بعض كلامه حول سوء القصد ، والجهل ، واتباع المتشابه ، والشك ، وترك غير المعلوم إلى المعلوم .. !

فإن أردت هذا ، فله جواب - ولله الحمد والمنة - ؛ خاصة أنك وصفت نفسك بمحبة الصراحة في مثل هذه المقامات .
وإن لم ترده - فلله الحمد والمنة - .
ونصيحتي لك - وأسلم لأخيك - : كن واضحا ، فلن ينفعك إلا عملك الصالح .
(أحببنا أن ننوه أن الشيخ محمود الصرفندي ليس عنده أنترنت وإنما ينزل مقالاته من أحد أصحابه الجيران وبعض الأحيان من هاتفه بصعوبة، لذا اقتضى التنويه)
__________________
قال سفيان بن عيينة رحمه الله : ( من جهل قدر الرّجال فهو بنفسه أجهل ).


قال شيخُ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله- كما في «مجموع الفتاوى»:

«.من لم يقبل الحقَّ: ابتلاه الله بقَبول الباطل».

وهذا من الشواهد الشعرية التي إستشهد بها الشيخ عبد المحسن العباد في كتابه
رفقا أهل السنة ص (16)
كتبتُ وقد أيقنتُ يوم كتابتِي ... بأنَّ يدي تفنَى ويبقى كتابُها
فإن عملَت خيراً ستُجزى بمثله ... وإن عملت شرًّا عليَّ حسابُها
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 04-25-2015, 11:06 PM
عماد الشريف عماد الشريف غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Sep 2011
الدولة: الأردن
المشاركات: 873
افتراضي

جزاك الله خيرا ابو حيان
__________________
اللهم رب جبرائيل ومكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك ................
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 04-26-2015, 02:12 AM
ساهر عيسى ساهر عيسى غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 257
افتراضي

الاخوة الاحبة

مشايخنا الافاضل

عبد الحميد العربي

محمود الصرفندي

جزاكم الله خيرا

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 04-26-2015, 12:21 PM
ابو همام محمد السلفي ابو همام محمد السلفي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Nov 2013
المشاركات: 193
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابوخزيمة الفضلي مشاهدة المشاركة
إن كان منك تراجعا عما كتبته ، ومنها : ما رددته عليك في هذا المقال ، واتهامي بقول الزور على بعض أهل الحديث ، وعدم الفقه والتدبر ، فاللهم لك الحمد ، قال الله تعالى : {{ وكفى الله المؤمنين القتال }} .

وإن كان ينبغي منك : أن تبين لما قلت عني : [ طريقة الأخ في الهجوم على آثار أئمتنا في ترشيد الأمة إلى الطريق الأمثل .. ] بالحجة لا مجرد الإنشاء -(!)- ،ولا أعلم أهي كالسابق أم لا ؟

وأيضا : عدت فنقلت قول شيخ الإسلام حول صبيغ واتباع المتشابه ، ووضعت الإحمرار على بعض كلامه حول سوء القصد ، والجهل ، واتباع المتشابه ، والشك ، وترك غير المعلوم إلى المعلوم .. !

فإن أردت هذا ، فله جواب - ولله الحمد والمنة - ؛ خاصة أنك وصفت نفسك بمحبة الصراحة في مثل هذه المقامات .
وإن لم ترده - فلله الحمد والمنة - .
ونصيحتي لك - وأسلم لأخيك - : كن واضحا ، فلن ينفعك إلا عملك الصالح .
(
للتذكير ..
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:07 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.