أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
6870 100474

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > المنبر الإسلامي العام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 08-15-2009, 04:23 AM
ابو هيثم الدوسري ابو هيثم الدوسري غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 23
Arrow اعتقاد أهل السنة والجماعة في الصحابة رضوان الله عليهم

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مسلمونَ)) [آل عمران:102].

((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)) [النساء:1].

((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)) [الأحزاب:70-71].

أمّا بعد..

فلا زال أعداء الإسلام على مختلف أديانهم ومشاربهم، يكيدون للإسلام وأهله، منذ أن أظهر الله هذا الدين، وأعز أتباعه. يحملهم على ذلك الحسد والغيرة، والحقد والضغينة، التي امتلأت بها قلوبهم على أهل هذا الدين، فتنوعت أساليبهم في حرب هذا الدين، وتعددت مكايدهم؛ فكان من بين تلك المكايد:ما استهدف الخلفاء والأمراء بالقتل غيلة وغدراً؛ حيث كان أول الضحايا: ثلاثة من الخلفاء الراشدين هم: عمر، وعثمان، وعلي رضي الله عنهم فـعمر قتله مجوسي حاقد. وعثمان قُتل على إثر مؤامرة يهوديـة تولى كبرها عبد الله بن سبأ اليهودي. وعلي قتله مبتدع مارق، من أتباع ذي الخويصرة، الذي طعن في النبي صلى الله عليه وسلم واتهمه بعدم العدل في القسم يوم حنين.

ولأهمية هذا الموضوع نجد عامة كتب الاعتقاد عند أهل السنة تبين بشكل جلي اعتقاد أهل السنة والجماعة في الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، ولا يمكن أن نجد كتاباً من كتب أهل السنة التي تبحث جوانب العقيدة المختلفة إلا ونجد هذا المبحث، ككتاب شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي، والسنة لـابن أبي عاصم، والسنة لـعبد الله بن أحمد بن حنبل، والإبانة لـابن بطة.. وغيرها، بل كل إمام من أئمة السنة حينما يذكر عقيدته ولو في ورقة واحدة أو أقل، لابد وأن يشير إلى موضوع الصحابة إما من جهة فضلهم، أو فضل الخلفاء الراشدين، أو من جهة عدالتهم والنهي عن سبهم والطعن فيهم، أو الإشارة إلى الكف والإمساك عما شجر بينهم.

وللعلم فإن عدالة الصحابة عند أهل السنة من مسائل العقيدة القطعية، أو مما هو معلوم من الدين بالضرورة، ويستدلون لذلك بأدلة كثيرة من الكتاب والسنة. قال ابن تيمية في الصارم المسلول، وكذلك قال الإمام أحمد وغيره: (كل من صحب النبي صلى الله عليه وسلم سنة أو شهراً أو يوماً أو رآه مؤمناً به، فهو من أصحابه، له من الصحبة بقدر ذلك).

أدلة عدالتهم من الكتاب والسنة:

أولاً: من الكتاب:

يقول الله عز وجل: ((لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً)) [الفتح:18]. فهذه الآية ظاهرة الدلالة على تزكية الله لهم تزكية لا يخبر بها ولا يقدر عليها إلا الله، وهي تزكية بواطنهم وما في قلوبهم، ومن هنا رضي عنهم، قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: (والرضا من الله صفة قديمة، فلا يرضى إلا عن عبد علم أنه يوافيه على موجبات الرضا، ومن رضي الله عنه لم يسخط عليه أبداً، فكل من أخبر الله عنه أنه رضي عنه فإنه من أهل الجنة، وإن كان رضاه عنه بعد إيمانه وعمله الصالح؛ فإنه يذكر ذلك في معرض الثناء عليه والمدح له، فلو علم أنه يتعقب ذلك بما يسخط الرب لم يكن من أهل ذلك). الصارم المسلول.وقال ابن حزم: (فمن أخبرنا الله عز وجل أنه علم ما في قلوبهم، ورضي عنهم، وأنزل السكينة عليهم، فلا يحل لأحد التوقف في أمرهم أو الشك فيهم البتة). الفصل في الملل والنحل.و في صحيح مسلم من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل النار إن شاء الله من أصحاب الشجرة أحد الذين بايعوا تحتها».

وبقول الله تعالى: ((مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً)) [الفتح:29]. قال الإمام مالك رحمه الله تعالى: (بلغني أن النصارى كانوا إذا رأوا الصحابة رضي الله عنهم الذين فتحوا الشام، يقولون: والله لهؤلاء خير من الحواريين فيما بلغنا، وصدقوا في ذلك، فإن هذه الأمة معظمة في الكتب المتقدمة، وأعظمها وأفضلها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد نوه الله تبارك وتعالى بذكرهم في الكتب المنزلة والأخبار المتداولة، ولهذا قال سبحانه وتعالى هنا: ((ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ)) ثم قال: ((وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ)) أي: فراخه، ((فَآزَرَهُ)) أي: شده، ((فَاسْتَغْلَظَ)) أي: شب وطال، ((فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ)) أي: فكذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم آزروه وأيدوه ونصروه، فهو معهم كالشطء مع الزراع ليغيظ بهم الكفار). الاستيعاب لابن عبد البر، وقال ابن الجوزي: (وهذا الوصف لجميع الصحابة عند الجمهور). زاد المسير. ويقول الله تعالى: ((لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ)) [الحشر:8] إلى قوله تعالى:
((وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)) [الحشر:10]. وقالت عائشة رضي الله عنها: (أمروا أن يستغفروا لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبوهم) رواه مسلم

قال أبو نعيم: (فمن أسوأ حالاً ممن خالف الله ورسوله وآب بالعصيان لهما والمخالفة عليهما، ألا ترى أن الله تعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يعفو عن أصحابه ويستغفر لهم ويخفض لهم الجناح، قال تعالى:
((وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ)) [آل عمران:159] وقال: ((وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ)) [الشعراء:215].

فمن سبهم وأبغضهم وحمل ما كان من تأويلهم وحروبهم على غير الجميل الحسن؛ فهو العادل عن أمر الله تعالى وتأديبه ووصيته فيهم. لا يبسط لسانه فيهم إلا من سوء طويته في النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته والإسلام والمسلمين). الإمامة: (ص:375-376)، لأبي نعيم

وعن مجاهد، عن ابن عباس قال: (لا تسبوا أصحاب محمد؛ فإن الله قد أمر بالاستغفار لهم، وقد علم أنهم سيقتتلون). رواه أحمد في الفضائل رقم (187، 1741)

و قوله تعالى: ((وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)) [التوبة:100]. قال ابن تيمية: (فرضي عن السابقين من غير اشتراط إحسان، ولم يرض عن التابعين إلا أن يتبعوهم بإحسان). الصارم المسلول: (572).

وقوله تعالى: ((لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنْ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى)) [الحديد:10].

والحسنى: الجنة، قال ذلك مجاهد وقتادة. تفسير ابن جرير: (27/128)

و قوله تعالى: ((لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)) [التوبة:117].

وقد حضر غزوة تبوك جميع من كان موجوداً من الصحابة، إلا من عذر الله من النساء والعجزة، أما الثلاثة الذين خلفوا فقد نزلت توبتهم بعد ذلك.

ثانياً: من السنة:

عن أبي سعيد، قال: «كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف شيء، فسبه خالد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تسبوا أحداً من أصحابي، فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهباً ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه» رواه البخاري ومسلم. فإن قيل: فلم نهى خالداً عن أن يسب أصحابه إذا كان من أصحابه أيضاً، وقال: «لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه» قلنا: لأن عبد الرحمن بن عوف ونظراءه من السابقين الأولين الذين صحبوه في وقت كان خالد وأمثاله يعادونه فيه، وأنفقوا أموالهم قبل الفتح وقاتلوا، وهم أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد الفتح وقاتلوا، وكلاً وعد الله الحسنى،و

قال صلى الله عليه وسلم لـعمر: «وما يدريك، لعل الله اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» رواه البخاري ومسلم. وقيل: المعنى إن أعمالهم السيئة تقع مغفورة، فكأنها لم تقع، قال النووي: (قال العلماء: معناه الغفران لهم في الآخرة، وإلا فإن توجب على أحد منهم حد أو غيره أقيم عليه في الدنيا. ونقل القاضي عياض الإجماع على إقامة الحد، وأقامه عمر على بعضهم ،قدامة بن مظعون قال: (وضرب النبي صلى الله عليه وسلم مسطحاً الحد، وكان بدرياً). صحيح مسلم بشرح النووي: (16/56، 57).

قال ابن القيم: (والله أعلم، إن هذا خطاب لقوم قد علم الله سبحانه أنهم لا يفارقون دينهم، بل يموتون على الإسلام، وأنهم قد يقارفون بعض ما يقارفه غيرهم من الذنوب، ولكن لا يتركهـم سبحانه مصرين عليها، بل يوفقهم لتوبة نصوح واستغفار وحسنات تمحو أثر ذلك، ويكون تخصيصهم بهذا دون غيرهم؛ لأنه قد تحقق ذلك فيهم، وأنهم مغفور لهم، ولا يمنع ذلك كون المغفرة حصلت بأسباب تقوم بهم، كما لا يقتضي ذلك أن يعطلوا الفرائض وثوقاً بالمغفرة، فلو كانت قد حصلت بدون الاستمرار على القيام بالأوامر لما احتاجوا بعد ذلك إلى صلاة ولا صيام ولا حج ولا زكاة ولا جهاد، وهذا محال). الفوائد لابن القيم.

و عن أبي موسى الأشعري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «النجوم أمنة للسماء، فإذا ذهبت النجوم أتى أهل السماء ما يوعدون، وأنا أمنة لأصحابي، فإذا ذهبت أنا أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون» رواه مسلم الأمنة: هي الأمان.

و عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أكرموا أصحابي، فإنهم خياركم» رواه الإمام أحمد، والنسائي، والحاكم بسند صحيح، انظر: مشكاة المصابيح: (3/1695)، ومسند الإمام أحمد بتحقيق أحمد شاكر: (1/112).وفي رواية أخرى: «احفظوني في أصحابي». رواه ابن ماجة: (2/64)، وأحمد: (1/18)، والحاكم: (1/114)، وقال: صحيح ووافقه الذهبي، وقال البوصيري: إسناد رجاله ثقات-زوائد ابن ماجة (3/53)،

وهناك أحاديث أخرى ظاهرة الدلالة على فضلهم بالجملة، أما فضائلهم على التفصيل فكثيرة جداً. وقد زعم بعض أهل الأهواء أن الصحبة لا تصح إلا لمهاجري وأنصاري، وحينئذ لا تثبت عدالة من جاء بعدهم إلا بما تثبت به عدالة غيرهم من التابعين فمن بعدهم، وهذا غلط لم يقل به أحد من أهل السنة، ونظيره المذهب المروي عن سعيد بن المسيب أنه لا يعد الصحابي إلا من أقام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة أو سنتين وغزا معه غزوة أو غزوتين وهذا لا يصح (انظر: التقييد والإيضاح (ص:297) للحافظ العراقي) عن سعيد والإجماع على خلافه، قال الحافظ العلائي رحمه الله: (والإجماع منعقد في كل عصر على عدم اعتبار هذا الشرط في اسم الصحابي، كيف والمسلمون في سنة تسع وما بعدها من الصحابة آلاف كثيرة، وكذلك من أسلم زمن الفتح من قريش وغيرها ولم يصحب النبي صلى الله عليه وسلم إلا زمناً يسيراً، واتفق العلماء عـلى أنهـم من جملة الصحابة). كتاب تحقيق منيف الرتبة (ص:43)، وانظر: فتح الباري (7/4).



وقال تعالى في مدح الصحابة: ((مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا)) [الفتح:29]، وقال تعالى: ((وَمَالَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنْ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)) [الحديد:10].

وأكثر أهل العلم على أن المراد بالفتح هنا فتح مكة وقيل الحديبية وفيه نظر، وقد ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله فتح مكة وأنه (الفتح الأعظم الذي أعز الله به دينه ورسوله وجنده وحزبه الأمين، واستنقذ به بلده وبيته الذي جعله هدى للعالمين من أيدي الكفار والمشركين، وهو الفتح الذي استبشر به أهل السماء، وضربت أطناب عزه على مناكب الجوزاء، ودخل الناس به في دين الله أفواجاً، وأشرق به وجه الأرض ضياءً وابتهاجاً، خرج لـه رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتائب الإسلام وجنود الرحمن سنة ثمان لعشر مضين من رمضان) زاد المعاد (3/394).وهذا فتح مكة لأن الحديبية كانت في السنة السادسة في ذي القعدة على قول عروة في أحد قوليه، والزهري ومحمد بن إسحاق وغيرهم.

وقد أنزل الله جل وعلا على نبيه صلى الله عليه وسلم منصرفـه مـن الحديبية: ((إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا)) [الفتح:1] فسمى الله تعالى هذا الصلح فتحاً، وأما الفتح المذكور في سـورة الحديد وسورة النصر وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا هجرة بعد الفتح» متفق عليه من حديث ابن عباس، فلا ريب أنه فتح مكة فهو الفتح الأعظم وهذا أمر واضح. والمقصود بيان دلالة الآية على عظيم مقام الصحابة وكبير قدرهم، وعلى تفاوت منازلهم وتفضيل بعضهم على بعض، وأن من أنفق من قبل فتح مكة وقاتل أعظم أجراً وأعلى منـزلة ممن أنفق من بعد الفتح وقاتل، وقد وعد الله تعالى كلاً من الطائفتين الجنة، فتحقق بهذا أن من أسلم بعد فتح مكة من الطلقاء وغيرهم وجـاهـد في سبيل الله وأنفق ماله أنه داخل في قوله تعالى: ((وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى)) [النساء:95].

فمن أعمل لسانه وسخر قلمه في الطعن فيهم أو رميهم بالنفاق أو شكك في إسلامهم وأورد الاحتمالات بدون بيان من الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وبدون برهان قام عليه الدليل، فقد ردَّ على الله خبره، وافترى على هؤلاء الصحابة بهتاناً وإثماً مبيناً، ومثل هذا لا يصدر إلا ممن قلَّ دينه وعظم ظلمه واسودَّ قلبه، وبلغ منه الجهل بالكتاب والسنة وسيرة القوم مبلغاً عظيماً، وقد قال شيخ الإسلام رحمه الله: (فالطلقاء الذين أسلموا عام الفتح مثل معاوية وأخيه يزيد وعكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية والحارث بن هشام وسهيل بن عمرو قد ثبت بالتواتر عند الخاصة إسلامهم وبقاؤهم على الإسلام إلى حين الموت). الفتاوى (4/466).





مناقب الصحابة:

1- إن الله عز وجل زكى ظاهرهم وباطنهم، فمن تزكية ظواهرهم وصفهم بأعظم الأخلاق الحميدة، ومنها: ((أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ)) [الفتح:29].. ((وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ * وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ)) [الحشر:8-9].

2- توفيق الله عز وجل لهم لأعظم خلال الخير ظاهراً وباطناً أخبرنا أنه رضي عنهم وتاب عليهم، ووعدهم الحسنى.

3- أمرنا بالاستغفار لهم، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإكرامهم، وحفظ حقوقهم ومحبتهم، ونهينا عن سبهم وبغضهم، بل جعل حبهم من علامات الإيمان، وبغضهم من علامات النفاق.

4- هم خير القرون، وأماناً لهذه الأمة، ومن ثم يكون اقتداء الأمة بهم واجباً، بل هو الطريق الوحيد إلى الجنة: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي» رواه أحمد (4/126، 127) وأصحب السنن والدارمي.

منزلة الصحبة لا يعدلها شيء:

قال الحافظ ابن حجر ذاكراً ما يدل على ذلك: (فمن ذلك ما قرأت في كتاب أخبار الخوارج تأليف محمد بن قدامة المروزي -ثم ذكر سنده- إلى أن قال: عن نبيج العنزي عن أبي سعيد الخدري، قال: (كنا عنده وهو متكئ، فذكرنا علياً ومعاوية، فتناول رجل معاوية، فاستوى أبو سعيد الخدري جالساً فذكر قصته حينما كان في رفقة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها أبو بكر ورجل من الأعراب -إلى أن قال أبو سعيد -: ثم رأيت ذلك البدوي أتي به عمر بن الخطاب وقد هجا الأنصار، فقال لهم عمر: لولا أن له صحبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أدري ما نال فيها لكفيتكموه) رواه أحمد (3/51) دون كلام عمر، ورواه بلفظه علي بن الجعد (2/956)، قال الهيثمي (4/92): رجاله ثقات، وعزاه ابن حجر ليعقوب بن شيبة، كما في إسناده عنه (1/20)، وعزاه شيخ الإسلام لأبي ذر الهروي، الصارم المسلول (590). الإصابة: (1/20-22)

قال ابن عمر: (لا تسبوا أصحاب محمد، فلمقام أحدهم ساعة خير من عمل أحدكم أربعين سنة) رواه أحمد في فضائل الصحابة: (1/57)، وابن ماجة (1/31)، الأعظمي، وابن أبي عاصم (2/484) وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجة (1/32).

قال الإمام أحمد في عقيدته: (فأدناهم صحبة هو أفضل من القرن الذين لم يروه ولو لقوا الله بجميع الأعمال). شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي: (1/160).

وقال النووي: (وفضيلة الصحبة ولو لحظة، لا يوازيها عمل، ولا تنال درجتها بشيء، والفضائل لا تؤخذ بالقياس، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء). مسلم بشرح النووي: (16/93).

قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: (إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه فابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد فوجد قلوب الصحابة خير قلوب العباد، فجعلهم الله وزراء نبيه يقاتلون على دينه) رواه الإمام أحمد (1/379) من طريق عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش عن عبد الله وسنده حسن.

فصل في صفات أهل السنة:

من سمات أهل السنة والجماعة وعلامات أهل الأثر والاتباع: سلامة قلوبهم وألسنتهم للصحابة الأخيار وحملة الشريعة الأتقياء الأبرار، والذب عن حرماتهم وأعراضهم من رموز الجراحين وثلب العابثين وألسنة الحاقدين، والزجر والتغليظ على من تعلق بخيوط الأوهام.

قال صلى الله عليه وسلم: «إذا ذكر أصحابي فأمسكوا، وإذا ذكر النجوم فأمسكوا، وإذا ذكر القدر فأمسكوا». أخرجه الطبراني في الكبير: (2/78/2)، وأبو نعيم في الحلية: (4/108)، وفي الإمامة من حديث ابن مسعود، وقواه الألباني بطرقه وشواهده: السلسلة الصحيحة (1/34).

قال أبو نعيم رحمه الله: (فالإمساك عن ذكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر زللهم، ونشر محاسنهم ومناقبهم، وصرف أمورهم إلى أجمل الوجوه، من أمارات المؤمنين المتبعين لهم بإحسان، الذين مدحهم الله عز وجل بقوله: ((وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ)) [الحشر:10]. الإمامة (ص:373). ويقول -أيضاً- في تعليقه على الحديث المشار إليه: (لم يأمرهم بالإمساك عن ذكر محاسنهم وفضائلهم، إنما أمروا بالإمساك عن ذكر أفعالهم وما يفرط منهم في ثورة الغضب وعارض الموجدة). الإمامة: (347)

ولذلك فمن منهج أهل السنة الإمساك عن ذكر هفوات الصحابة، وتتبع زلاتهم، وعدم الخوض فيما شجر بينهم.

قال ابن عباس رضي الله عنه: "لا تسبوا أصحاب محمد e؛ فلمقام أحدهم ساعة (يعني: مع النبي e) خيرٌ من عبادة أحدكم عمرة"."شرح الطحاوية" (ص 532)، وقال الألباني: "صحيح".

وقال ابن مسعود رضي الله عنه: "إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد e خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه، وابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد e، فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيه، يقاتلون على دينه، فما رآه المسلمون حسناً؛ فهو عند الله حسن، وما رأوه سيئاً؛ فهو عند الله سيىء"."شرح الطحاوية" (ص 532)، وقال الألباني: "حسن موقوفاً". أخرجه الطيالسي وأحمد وغيرهما بسند حسن، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي. وذكر قتادة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (من كان منكم متأسياً فليتأس بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم؛ فإنهم كانوا أبرّ هذه الأمة قلوباً، وأعمقها علماً، وأقلها تكلفاً، وأقومها هدياً، وأحسنها حالاً، قوماً اختارهم الله تعالى لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم في آثارهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم) رواه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضلهوفيه انقطاع. قال شيخ الإسلام رحمه الله: (وقول عبد الله بن مسعود: (كانوا أبر هذه الأمة قلوباً، وأعمقها علماً، وأقلها تكلفاً)؛ كلام جامع بيّنَ فيه حسن قصدهم ونياتهم ببر القلوب، وبين فيه كمال المعرفة ودقتها بعمق العلم، وبين فيه تيسر ذلك عليهم وامتناعهم من القول بلا علم بقلة التكلف)منهاج السنة.



وقد أنكر الإمام أحمد رحمه الله على من جمع الأخبار التي فيها طعن على بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغضب لذلك غضباً شديداً وقال: (لو كان هذا في أفناء الناس لأنكرته) فكيف في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أنا لم أكتب هذه الأحاديث، قال المروذي: قلت لـأبي عبد الله: فمن عرفته يكتب هذه الأحاديث الرديئة ويجمعها أيهجر؟ قال: نعم يستأهل صاحب هذه الأحاديث الرديئة الرجم) رواه الخلال في السنة (3/501) بسند صحيح

وقال الإمام الطحاوي : ((ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا نفرِّطُ في حبِّ أحدٍ منهم ، ولا نتبرأ من أحدٍ منهم ، ونبغض من يبغضهم وبغير الخير يذكرهم ، ولا نذكرهم إلاّ بخير؛ وحبُّهم دين وإيمان وإحسان ، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان))من عقيدته الطحاوية.

وقال الإمام ابن أبي حاتم رحمه الله (فأما أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم الذين شهدوا الوحي والتنـزيل، وعرفوا التفسير والتأويل، وهم الذين اختارهم الله عز وجل لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ونصرته وإقامة دينه وإظهار حقه، فرضيهم له صحابة، وجعلهم لنا أعلاماً وقدوة، فحفظوا عنه صلى الله عليه وسلم ما بلغهم عن الله عز وجل وما سن وما شرع وحكم وقضى وندب وأمر ونهى وأدب، ووعوه وأتقنوه، ففقهوا في الدين، وعلموا أمر الله ونهيه ومراده بمعاينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومشاهدتهم منه تفسير الكتاب وتأويله، وتلقفهم منه واستنباطهم عنه، فشرفهم الله عز وجل بما مَنَّ عليهم وأكرمهم به من وضعه إياهم موضع القدوة، فنفى عنهم الشك والكذب والغلط والريبة والغمز وسماهم عدول الأمة، فقال عز ذكره في محكم كتابه: ((وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ)) [البقرة: 143] فـفسر النبي صلى الله عليه وسلم عن الله عز ذكره قوله: ((وَسَطًا)) قال: عدلاً، فكانوا عدول الأمة وأئمة الهدى، وحجج الدين ونقلة الكتاب والسنة، وندب الله عز وجل إلى التمسك بهديهم والجري على منهاجهم والسلوك لسبيلهم والاقتداء بهـم فقـال: ((وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى...)) [النساء:115] كتاب الجرح والتعديل (1/7).

وقال الخطيب البغدادي ـ رحمه الله تعالى ـ بعد أن استشهد بآيات كريمة وأحاديث شريفة على مكانتهم وفضلهم :

((والأخبار في هذا المعنى تتسع ، وكلّها مطابقة لما ورد في نصّ القرآن؛ وجميع ذلك يقتضي طهارة الصحابة ، والقطع على تعديلهم ونزاهتهم؛ فلا يحتاج أحدٌ منهم مع تعديل الله تعالى لهم المطِّلِع على بواطنهم إلى تعديل أحد من الخلْق له؛ فهم على هذه الصفة إلا أن يثبت على أحد ارتكاب ما لا يحتمل إلاّ قصد المعصية؛ فيحكم بسقوط العدالة ، وقد برّأهم الله من ذلك ، ورفعَ أقدارَهم عندَه . على أنه لو لم يَرِد من الله عز وجل ورسوله فيهم شيء مما ذكرناه لأوجبت الحال التي كانوا عليها من الهجرة والجهاد والنصرة وبذل المهج والأموال ، وقتل الآباء والأولاد ، والمناصحة في الدين ، وقوّة الإيمان واليقين القطع على عدالتهم ، والاعتقاد لنزاهتم ، وأنهم أفضل من جميع المعدلين المزكين الذين يجيئون من بعدهم أبد الآبدين .
هذا مذهب كافّة العلماء ، ومَن يُعتدُّ بقوله من الفقهاء))الكفاية ص95.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى ـ : ((ومن أصول أهل السنة والجماعة : سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كما وصفهم الله به في قوله تعالى : { والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاًّ للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم } ، وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله : ((لا تسبُّوا أصحابي؛ فوالذي نفسي بيده لو أنّ أحدكم أنفق مثل أُحدٍ ذهبـًا ما بلغ مُدَّ أحدِهم ولا نَصِيفَه)) ، ويقبلون ما جاء به الكتاب والسنة والإجماع من فضائلهم ومراتبهم ... ويتبرؤون من طريقة الروافض الذين يبغضون الصحابة ويسبّونهم ، وطريقة النواصب الذين يؤذون أهل البيت بقولٍ أو عمل .
ويُمسكون عمّا جرى بين الصحابة ، ويقولون : إن هذه الآثار المروية في مساويهم منها ما هو كاذب ، ومنها ما قد زيدَ فيه ونقّص وغيّر عن وجهه ، والصحيح منه هم فيه معذورون : إما مجتهدون مصيبون ، وإما مجتهدون مخطئون .

ومَن نظر في سيرة القوم بعلم وبصيرة وما منَّ الله عليهم به من الفضائل علم يقينـًا أنهم خيرُ الخلْق بعد الأنبياء ، لا كان ولا يكونُ مثلهم ، وأنهم الصفوة من قرون هذه الأمة التي هي خير الأمم وأكرمها على الله))العقيدة الواسطية.

وقـال الإمام محمد بن صبيح بن السماك(علمت أن اليهود لا يسبون أصحاب موسى عليه السلام، وأن النصارى لا يسبون أصحاب عيسى عليه السلام فما بالك يا جاهل سببت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم؟ وقد علمتُ من أين أُتيت، لم يشغلك ذنبك، أما لو شغلك ذنبك لخفتَ ربك، لقد كان في ذنبك شغل عن المسيئين فكيف لم يشغلك عن المحسنين؟ أما لو كنت من المحسنين لما تناولت المسيئين ولرجوت لهم أرحم الراحمين، ولكنك من المسيئين، فمن ثَّم عبت الشهداء والصالحين، أيها العائب لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لو نمت ليلك وأفطرت نهارك، لكان خيراً لك من قيام ليلك وصوم نهارك مع سوء قولك في أصحاب محمد، فويحك! لا قيام ليلٍ ولا صوم نهار وأنت تتناول الأخيار، فأبشر بما ليس فيه البشرى إن لم تتب مما تسمع وترى ويـحك! هؤلاء شرفوا في أحد، وهؤلاء جاء العفو عن الله تعالى فيهم فقال: ((إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمْ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ)) [آل عمران:155] فما تقول فيمن عفا الله عنه؟ وبمَ تحتج يا جاهل إلا بالجاهلين، شر الخلف خلفُُُُ شتم السلف، والله لواحد من السلف خير من ألف من الخلف) رواه المعافى بن زكريا الجريري في كتابه الجليس الصالح (2/392) بأطول من هذاو انظر ترجمة الامام محمد بن السماك في: تاريخ بغداد (5/368)..

وقال الإمام أبو نعيم الأصبهاني رحمه الله عن الصحابة: (سمحت نفوسهم رضي الله عنهم بالنفس والمال والولد والأهل والدار، ففارقوا الأوطان، وهاجروا الإخوان، وقتلوا الآباء والإخوان، وبذلوا النفوس صابرين، وأنفقوا الأموال محتسبين، وناصبوا من ناوأهم متوكلين، فآثروا رضاء الله على الغنى، والذل على العز، والغربة على الوطن، هم المهاجرون الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون حقاً، ثم إخوانهم من الأنصار أهـل المواساة والإيثار أعز قبائل العرب جاراً، واتخذ الرسول عليه السلام دارهم أمناً وقراراً، الأَعفّاء الصبر والأصدقاء الزهر ((وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ)) [الحشر:9] فمن انطوت سريرته على محبتهم، ودان الله تعالى بتفضيلهم ومودتهم، وتبرأ ممن أضمر بغضهم فهو الفائز بالمدح الذي مدحهم الله تعالى فقال: ((وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيم ٌ)) [الحشر:10].

فالصحابة رضي الله عنهم هم الذين تولى الله شرح صدورهم، فأنزل السكينة على قلوبهم، وبشرهم برضوانه ورحمته فقال: ((يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ)) [التوبة:21].

جعلهم خير أمة أخرجت للناس، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويطيعون الله ورسوله، فجعلهم مثلاً للكتابين -لأهل التوراة والإنجيل - خير الأمم أمته، وخير القرون قرنه، يرفع الله من أقدارهم إذ أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بمشاورتهم لما علم من صدقهم وصحة إيمانهم، وخالص مودتهم ووفور عقلهم، ونبالة رأيهم، وكمال نصيحتهم، وتبين أمانتهم رضي الله عنهم أجمعين). الإمامة والرد على الرافضة (209-211). و قيل: (كل خير فيه المسلمون إلى يوم القيامة من الإيمان والإسلام والقرآن والعلم والمعارف والعبادات ودخول الجنة والنجاة من النار وانتصارهم على الكفار وعلو كلمة الله فإنما هو ببركة ما فعله الصحابة الذين بلغوا الدين وجاهدوا في سبيل الله، وكل مؤمن آمن بالله فللصحابة رضي الله عنهم الفضل إلى يوم القيامة) . من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وانظر: طريق الهجرتين للإمام ابن القيم رحمه الله (ص:362).وقال الامام المقدسي في لمعة الاعتقاد (وأصحابه خير أصحاب الأنبياء عليهم السلام وأفضل أمته أبو بكر الصديق ثم عمر الفاروق ثم عثمان ذو النورين ثم علي المرتضى رضي الله عنهم أجمعين ، لما « روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : كنا نقول والنبي صلى الله عليه وسلم حي : أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي فيبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينكره » وصحت الرواية عن علي رضي الله عنه أنه قال : " خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ولو شئت سميت الثالث " ، وروى أبو الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « ما طلعت الشمس ولا غربت بعد النبيين والمرسلين على أفضل من أبي بكر » ، وهو أحق خلق الله بالخلافة بعد النبي صلى الله عليه وسلم لفضله وسابقته ، وتقديم النبي صلى الله عليه وسلم له في الصلاة على جميع الصحابة رضي الله عنهم ، وإجماع الصحابة على تقديمه ومبايعته ، ولم يكن الله ليجمعهم على ضلالة ثم من بعده عمر رضي الله عنه لفضله وعهد أبي بكر إليه ، ثم عثمان رضي الله عنه ، لتقديم أهل الشورى له ، ثم علي رضي الله عنه ، لفضله وإجماع أهل عصره عليه .
هؤلاء الخلفاء الراشدون المهديون الذين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم : « " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ » ، وقال صلى الله عليه وسلم : « " الخلافة من بعدي ثلاثون سنة » ، فكان آخرها خلافة علي رضي الله عنه .
ونشهد للعشرة بالجنة كما شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال : « " أبو بكر في الجنة ، وعمر في الجنة ، وعثمان في الجنة ، وعلي في الجنة ، وطلحة في الجنة ، والزبير في الجنة ، وسعد في الجنة ، وسعيد في الجنة ، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة ، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة » وكل من شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة شهدنا له بها كقوله : « " الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة » ، وقوله لثابت بن قيس : « " إنه من أهل الجنة » )

وقال شيخ الاسلام في لاميته :

حب الصحابةكلهم لي مذهب................ومودة القربى بها أتوسل

ولكلهم قدر وفضل ساطع..................لكنّما الصديق منهم أفضل

سب الصحابة: السب هو: الكلام الذي يقصد به الانتقاص والاستخفاف، وهو ما يفهم من السب بعقول الناس على اختلاف اعتقاداتهم، كاللعن والتقبيح، ونحوهما. الصارم المسلول: (ص:561). سب الصحابة بالكفر والردة أو الفسق، جميعهم أو معظمهم: لا شك في كفر من قال بذلك لأمور من أهمها:

- أن مضمون هذه المقالة أن نقلة الكتاب والسنة كفار أو فساق، وبذلك يقع الشك في القرآن والأحاديث؛ لأن الطعن في النقلة طعن في المنقول.

- أن في هذا تكذيباً لما نص عليه القرآن من الرضا عنهم والثناء عليهم (فالعلم الحاصل من نصوص القرآن والأحاديث الدالة على فضلهم قطعي) الرد على الرافضة: (ص:19)ومن أنكر ما هو قطعي فقد كفر.

- أن في ذلك إيذاءً له صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم أصحابه وخاصته، فسب المرء خاصته، والطعن فيهم يؤذيه ولا شك. وأذى الرسول صلى الله عليه وسلم كفر كما هو مقرر.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية مبيناً حكم هذا القسم: (وأما من جاوز ذلك إلى أن زعم أنهم ارتدوا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا نفراً قليلاً لا يبلغون بضعة عشر نفساً، أو أنهم فسقوا عامتهم، فهذا لا ريب أيضاً في كفره؛ لأنه مكذب لما نصه القرآن في غير موضع من الرضا عنهم، والثناء عليهم، بل من يشك في كفر مثل هذا فإن كفره متعين.. -إلى أن قال-: وكفر هذا مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام). الصارم المسلول: (ص:586–587).

وقال الهيتمي رحمه الله: (ثم الكلام -أي الخلاف- إنما هو في سب بعضهم، أما سب جميعهم فلا شك في أنه كفر). الصواعق المحرقة: (ص:379).

و ذكر بعض العلماء أدلة أخرى منها:

1- قوله تعالى: ((مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ)) [الفتح:29] إلى قوله: ((لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّارَ)) [الفتح:29] استنبط الإمام مالك رحمه الله من هذه الآية كفر من يبغضون الصحابة؛ لأن الصحابة يغيظونهم، ومن غاظه الصحابة فهو كافر، ووافقه الشافعي وغيره. الصواعق المحرقة (ص:317)، وتفسير ابن كثير: (4/204)، والخبر بإسناده في السنة للخلال (ص:478).

2- حديث أنس عند الشيخين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار» وفي رواية: «لا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق».

ولـمسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يبغض الأنصار رجل آمن بالله واليوم الآخر» فمن سبهم فقد زاد على بغضهم، فيجب أن يكون منافقاً لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر. الصارم المسلول: (ص:581).

3- ما ثبت عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه ضرب بالدرة من فضله على أبي بكر، ثم قال عمر: (أبو بكر كان خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في كذا وكذا) ثم قال عمر: (من قال غير هذا أقمنا عليه ما نقيم على المفتري). فضائل الصحابة للإمام أحمد: (1/300) وصححه ابن تيمية في الصارم: (ص:585).

وكذلك قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب: (لا يفضلني أحد على أبي بكر وعمر إلا جلدته حد المفتري). فضائل الصحابة: (1/83)، والسنة لابن أبي عاصم: (2/575)، عن طريق الحكم بن جحل، وسنده ضعيف لضعف أبي عبيدة بن الحكم، انظر: فضائل الصحابة (1/83)، لكن له شواهد أحدها عن طريق علقمة عن علي عند ابن أبي عاصم في السنة (2/48)، حسن الألباني إسناده، والآخر عن سويد بن غفلة عن علي عند اللالكائي (7/1295).

فإذا كان الخليفتان الراشدان عمر وعلي رضي الله عنهما يجلدان حد المفتري من يفضل علياً على أبي بكر وعمر، أو من يفضل عمر على أبي بكر، مع أن مجرد التفضيل ليس فيه سب ولا عيب، علم أن عقوبة السب عندهما فوق هذا بكثير. الصارم المسلول: (ص:586).

من سب بعضهم سباً يطعن في دينهم: روى أبو محمد بن أبي زيد عن سحنون، قال: (من قال في أبي بكر وعمر وعثمان وعلي: إنهم كانوا على ضلال وكفر، قتل، ومن شتم غيرهم من الصحابة بمثل ذلك نكل النكال الشديد) الشفا للقاضي عياض: (2/1109).

وقال هشام بن عمار: سمعت مالكاً يقول: (من سب أبا بكر وعمر قتل، ومن سب عائشة رضي الله عنها قتل؛ لأن الله تعالى يقول فيها: ((يَعِظُكُمْ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ)) [النور:17] فمن رماها فقد خالف القرآن، ومن خالف القرآن قتل). الصواعق المحرقة: (ص:384).

أما قول مالك رحمه الله في الرواية الأخرى: (من سب أبا بكر جلد، ومن سب عائشة قتل، قيل له: لم؟ قال: من رماها فقد خالف القرآن) فالظاهر والله أعلم أن مقصود مالك رحمه الله هنا في سب أبي بكر رضي الله عنه فيما دون الكفر، يوضحه بقية كلامه عن عائشة رضي الله عنها، حيث قال: (من رماها فقد خالف القرآن) فهذا سب مخصوص يكفر صاحبه ولا يشمل كل سب؛ وذلك لأنه ورد عن مالك القول بالقتل فيمن كفر من هو دون أبي بكر. الشفا: (2/1109)..

قال الهيتمي، مشيراً إلى ما يقارب ذلك عند كلامه عن حكم سب أبي بكر: (فيتلخص أن سب أبي بكر كفر عند الحنفية، وعلى أحد الوجهين عند الشافعية، ومشهور مذهب مالك أنه يجب به الجلد، فليس بكفر، نعم. قد يخرج عنه ما مر عنه في الخوارج أنه كفر، فتكون المسألة عنده على حالين: إن اقتصر على السب من غير تكفيرلم يكفره وإلا كفر). الصواعق: (ص:386)..

وقال أيضاً: (وأما تكفير أبي بكر ونظرائه ممن شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة فلم يتكلم فيها أصحاب الشافعي. والذي أراه الكفر فيها قطعاً). الصواعق: (ص:385)..

وقال الخرشي: (من رمى عائشة بما برأها الله منه، أو أنكر صحبة أبي بكر، أو إسلام العشرة، أو إسلام جميع الصحابة، أو كفر الأربعة، أو واحداً منهم؛ كفر). الخرشي على مختصر خليل: (8/74). وقال البغدادي: (وقالوا بتكفير كل من أكفر واحداً من العشرة الذين شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، وقالوا بموالاة جميع أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكفروا من أكفرهن، أو أكفر بعضهن). الفرق بين الفرق: (ص:360)،.

والمسألة فيها خلاف مشهور، أما القائلون بعدم كفر من هذه حاله، فقد أجمعوا على أنه فاسق؛ لارتكابه كبيرة من كبائر الذنوب، يستحق التعزير والتأديب على حسب منزلة الصحابي، ونوعية السب.

وإليك بعض أقوال الأئمة في ذلك:

قال الهيتمي: (أجمع القائلون بعدم تكفير من سب الصحابة على أنهم فساق). الصواعق المحرقة: (ص:383).

وقال ابن تيمية: (قال إبراهيم النخعي: كان يقال: شتم أبي بكر وعمر من الكبائر، وكذلك قال أبو إسحاق السبيعي: شتم أبي بكر وعمر من الكبائر التي قال الله تعالى فيها: ((إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ)) [النساء:31].

وإذا كان شتمهم بهذه المثابة فأقل ما فيه التعزير؛ لأنه مشروع في كل معصية ليس فيها حد ولا كفارة.. وهذا مما لا نعلم فيه خلافاً بين أهل الفقه والعلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتابعين لهم بإحسان، وسائر أهل السنة والجماعة، فإنهم مجمعون على أن الواجب الثناء عليهم، والاستغفار لهم، والترحم عليهم.. وعقوبة من أساء فيهم القول.اللاكائي)

وقال القاضي عياض: (وسب أحدهم من المعاصي الكبائر، ومذهبنا ومذهب الجمهور أنه يعزر ولا يقتل). مسلم بشرح النووي: (16/93).

وقال عبد الملك بن حبيب: (من غلا من الشيعة إلى بغض عثمان والبراءة منه أدب أدباً شديداً، وإن زاد إلى بغض أبي بكر وعمر، فالعقوبة عليه أشد، ويكرر ضربه، ويطال سجنه حتى يموت). الشفا: (2/1108)، وعنه الصارم المسلول (ص:569).

سب صحابي لم يتواتر النقل بفضله سباً يطعن في الدين:

،أما من لم تتواتر النصوص بفضله، فقول جمهور العلماء بعدم كفر من سبه؛ وذلك لعدم إنكاره معلوماً من الدين بالضرورة، إلا أن يسبه من حيث الصحبة.

قال الإمام محمد بن عبد الوهاب: (وإن كان ممن لم يتواتر النقل في فضله وكماله، فالظاهر أن سابه فاسق، إلا أن يسبه من حيث صحبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه يكفر). الرد على الرافضة: (ص:19).

سب بعضهم سباً لا يطعن في دينهم وعدالتهم: قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وأما إن سبهم سباً لا يقدح في عدالتهم ولا في دينهم، مثل وصف بعضهم بالبخل أو الجبن أو قلة العلم أو عدم الزهد ونحو ذلك، فهو الذي يستحق التأديب والتعزير، ولا نحكم بكفره بمجرد ذلك، وعلى هذا يحمل كلام من لم يكفرهم من العلماء). الصارم المسلول: (ص:586).

أقوال بعض الأئمة في الصحابة ومن طعن فيهم:

قال الإمام أبو زرعة رحمه الله: (إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا حق والقرآن حق، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى وهم زنـادقـة) رواه الخطيب في الكفاية (ص:97) وابن عساكر في تاريخه (38/32).

و قال إبراهيم بن ميسرة: (ما رأيت عمر بن عبد العزيز ضرب إنساناً قط إلا إنساناًَ شتم معاوية فضربه أسواطاً). اللالكائي في أصول أهل السنة (7/1266).

وقال عبد الله بن أحمد: (سألت أبي عن رجل سب رجلاً مـن أصحـاب الـنبي صلى الله عليه وسلم قال أرى أن يضرب، فقلت: له حد؟ فلم يقف على الحد؛ إلا أنه قال: يضرب وما أراه على الإسلام) اللالكائي في أصول أهل السنة (7/1266). وقال رحمه الله: (ومن انتقص أحداً من أصحاب رسول الله أو أبغضه لحـدث كان منه أو ذكر مساويه، كان مبتدعاً حتى يترحم عليهم ويكـون قـلبه لهم سليماً) مناقب أحمد لابن الجوزي (210).

وقال الفضل بن زياد: سمعت أبا عبد الله، وسئل عن رجل انتقص معاوية وعمرو بن العاص أيقال له: رافضي؟ قال: إنه لم يجتري عليهما إلا خبيئة سوء، ما يبغض أحد أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وله داخلة سوء.رواه ابن عساكر في تاريخه (59/210)، وانظر: السنة للخلال (447).

وسئل المعافى بن عمران: أين عمر بن عبد العزيز من معاوية بن أبي سفيان؟ فغضب من ذلك غضباً شديداً وقال: لا يقـاس بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد، أما معاوية صاحبه وصهره وكاتبه وأمينه على وحي الله عز وجل.رواه ابن عساكر في تاريخه (59/208).

وقيل للإمام أحمد هل يقاس بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد؟ قال معاذ الله قيل: فـمعاوية أفضل من عمر بن عبد العزيز؟ قـال: أي لعمـري، قـال النبي صلى الله عليه وسلم «خير الناس قرني» السنة للخلال (435).

و قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله – لما قرئ عليه كلام سيد قطب في معاوية وعمرو بن العاص ::كلام قبيح !! هذا كلام قبيح سب لمعاوية وسب لعمرو بن العاص ؛ كل هذا كلام قبيح، وكلام منكر. معاوية وعمرو ومن معهما مجتهدون أخطأوا . والمجتهدون إذا أخطأوا فالله يعفوا عنا وعنهم).

قال السائل: قوله: (إن فيهما نفاقاً) أليس تكفيراً ؟ قال الشيخ عبد العزيز - رحمه الله -: (هذا خطأ وغلط لا يكون كفرا ؛ فإن سبه لبعض الصحابة، أو واحد من الصحابة منكرٌ وفسق يستحق أن يؤدب عليه - نسأل الله العافية - ولكن إذا سب الأكثر أو فسقهم يرتد لأنهم حملة الشرع. إذا سبهم معناه قدح في الشرع.

قال السائل: ألا ينهى عن هذه الكتب التي فيها هذا الكلام ؟ قال سماحة الشيخ عبد العزيز - رحمه الله -: ينبغي أن تمزق. (شرح رياض الصالحين لسماحته بتاريخ يوم الأحد 18/7/1416).

وقال الشيخ ربيع بن هادي المدخلي ( فيعلم الله مني وأشهده وكفى به شهيداً أنني أحب أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلّم- جميعاً وأعظمهم جميعاً وأذب عنهم جميعاً طول حياتي باطناً وظاهراً، وأفديهم بنفسي وأولادي بل بالأمة جميعاً إن كان ذلك بيدي، وأشهد الله أنه ما كان ولا يكون مثلهم.

وأعادي من يعاديهم وأوالي من يواليهم وأبغض من يبغضهم أو أحداً منهم،)وقال أيضا (ولا شك أن أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلّم- خير أمة أخرجت للناس لا كان ولا يكون مثلهم، وإني لعلى مذهب السلف فيهم، وإني لعلى مذهب ابن المبارك لما قيل له: أيهما أفضل معاوية أو عمر بن عبدالعزيز؟ فقال: لغبار في أنف معاوية وهو يجاهد مع رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- خير من عمر بن عبدالعزيز.

وأدين الله بأنه لو أنفق أحد خيار المسلمين مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه.)من مقالاته الكر على الخيانة والمكر.

وقد عدَّ أهل العلم ذلك زندقة وقرروا أنه (لا يبسط لسانه فيهم إلا من ساءت طويته في النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته والإسلام والمسلمين) كتاب الإمامة (ص:376) للإمام أبي نعيم الأصبهاني..

فهم خير الناس للناس، وأفضل تابع لخير متبوع، وهم الذين فتحوا البلاد بالسنان والقلوب بالإيمان، ولم يعرف التاريخ البشري منذ بدايته تاريخاً أعظم من تاريخهم ولا رجالاً دون الأنبياء أفضل منهم ولا أشجع وصلى الله وسلّم على رسوله محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان.

جمعه أخوكم أحمد غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين .
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 08-15-2009, 03:35 PM
عبدالله المقدسي عبدالله المقدسي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: القدس
المشاركات: 545
افتراضي

جزاك الله خيرا.
__________________
[COLOR="Purple"][FONT="ae_Cortoba"][CENTER]كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض يوما خيلا وعنده عيينة بن حصن بن بدر الفزاري فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا أفرس بالخيل منك فقال عيينة وأنا أفرس بالرجال منك فقال له النبي صلى الله عليه وسلم وكيف ذاك قال خير الرجال رجال يحملون سيوفهم على عواتقهم جاعلين رماحهم على مناسج خيولهم لابسو البرود من أهل نجد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذبت [COLOR="Red"]بل خير الرجال رجال أهل اليمن والإيمان يمان إلى لخم وجذام و عاملة[/COLOR][/CENTER][/FONT][/COLOR]
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 08-16-2009, 04:47 AM
ابو هيثم الدوسري ابو هيثم الدوسري غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 23
افتراضي

وجزاك أخي كل خير فهذا واجبنا نحو الصحابة .
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:14 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.