سلسلة مقالات بعنوان "حقيقة الإخوان الجدد" الحلقة4/ الدكتور محمد بن الحبيب ابو الفتح

[ابو اميمة محمد74]

سلسلة مقالات بعنوان "حقيقة الإخوان الجدد" الحلقة4/ الدكتور محمد بن الحبيب ابو الفتح
حقيقة الإخوان الجدد (4)

الانتكاسة الثانية: موقف "الإخوان الجدد" من علم الكلام

مُذْ عرفنا الدعوة السلفية، وأخذناها عن دعاتها وأعلامها في هذا الزمان، عرفنا أن هذه الدعوةَ شديدةُ التنفير من علم الكلام وذمّه، حتى خرج علينا "الإخوان الجدد" داعين إلى تصحيح هذا الموقف السلفي، بدعوى أن كثيرا مما تربينا عليه ليس صحيحا، وأن علينا تركَ المألوف، واقتحامَ المخوف... مُدَّعِين أن علم الكلام "علمٌ معتبرٌ ومعيارٌ"، مُلَبِّسِين بدعوى التفصيل في علم الكلام، وأن منه مذموم عند السلف ومنه غير ذلك، مشجعين طلبةَ العلم على الولوغ فيه على أنه فَنٌّ من الفنون.
فما موقف السلف من علم الكلام ؟ وهل لهم في ذمه من تفصيل؟
قبل الحديث عن موقف السلف والسلفية من علم الكلام لا بد من التعريف به، وبتاريخ ظهوره على سبيل الإيجاز الشديد؛ ليتبين لنا سبب تنفير السلف منه.
* تعريف علم الكلام :
عُرِّف علمُ الكلام بتعريفات كثيرة من أحسنها:
قول ابن خلدون: "هو علمٌ يتضمن الحجاج عن العقائد الإيمانية بالأدلة العقلية" (مقدمة ابن خلدون ص 458).
وقال حاجي خليفة: "... ثم إنّ التكاليف منها بدني، ومنها قلبي، وهو المختص بالإيمان، وما يجب أن يُعتقد، وهذه هي: العقائد بالذات، والصفات، والنبوات والأخرويات، والقدر، والاحتجاج عن هذه بالأدلة العقلية هو : علم الكلام " (كشف الظنون ص 1/ 31).
من خلال التعريف يظهر سببٌ رئيسٌ من أسباب ذم السلف لعلم الكلام -كما ستأتي النقول المتواترة عنهم- ألا وهو اعتمادُ هذا العلم على العقل، وجعلُه أساسا وأصلا في تقرير مسائل الاعتقاد، فما وافق ما قرره المتكلمون بعقولهم من النقل قبلوه، وما خالفه ردوه بدعوى أنه آحاد، أو حَرَّفُوهُ وَلَوْوا عنقه ليوافق ما قَرَّرَته عقولُهم، وذلك بناءً على اعتبارِهم الأدلةَ العقلية قطعية، واعتبارِهم الأدلة النقلية من الكتاب والسنة ظنية، فلما خاضوا في العقائد -وهي أمور غيبية- بعقولهم المجردة، اختلفوا اختلافا شديدا تَبَعاً لاختلاف وتفاوت عقولهم ومداركهم، فضلوا وأضلوا، ومنهم من بلغ به الحد إلى الكفر والزندقة. نسأل الله السلامة والعافية.
*ظهور علم الكلام:
"علم الكلام" بمعناه الاصطلاحي المعروف اليوم، ظهر مع ظهور الفرق الكلامية بعد المائة الهجرية الأولى.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "...أول ما ظهر هذا الكلام في الإسلام بعد المائة الأولى من جهة الجعد بن درهم، والجهم بن صفوان، ثم صار إلى أصحاب عمرو بن عبيد كأبي الهذيل العلاف، وأمثاله" (منهاج السنة النبوية 8/1).
*موقف السلف من علم الكلام:
منذ ظهور بوادر علم الكلام في عهد الصحابة رضي الله عنهم بادروا إلى إنكار بوادره، ونُقِل عنهم النهي عن الخوض في أسبابه، وسد ذرائعه، ثم تتابع السلف على ذم علم الكلام جيلا بعد جيل، واشتد نكيرُهم على أهله بعد قيامِهِ على سوقه، وظهور فرق كلامية متناحرة، خرجت على الأمة ببدع عقدية مفسقة، وأخرى مكفرة.
ومن أهل العلم من ألف في ذم الكلام وأهله، مثل أبي إسماعيل الهروي الأنصاري 481هـ في كتابه الماتع "ذم الكلام وأهله"، في خمسة عشر بابا، مؤصلا لذلك بما ورد من الآثار في الأمر بالاعتصام بالسنة، والتحذير من الأئمة المضلين، والنهي عن الجدال والمراء في الدين، وبيان منزلة السنة، والنهي عن معارضتها بالرأي.... ، جعل الباب الأخير منها في إنكار أئمة الإسلام لما أحدثه المتكلمون، مرتبا الأئمة على خمس طبقات، بدءا بطبقة الصحابة رضي الله عنهم.
ويكفي في ذم الكلام اتفاق الأئمة الأربعة على ذمه، وتحريم الدخول فيه.
· قال الغزالي رحمه الله بعد أن حكى اختلاف الناس في حكم تعلم علم الكلام: "...وإلى التحريم ذهب الشافعي، ومالك، وأحمد بن حنبل، وسفيان، وجميع أئمة الحديث من السلف.. وقد اتفق أهل الحديث من السلف على هذا، لا ينحصر ما نقل عنهم من التشديدات فيه؛ وقالوا: ما سكت عنه الصحابة مع أنهم أعرف بالحقائق وأفصح بترتيب الألفاظ من غيرهم – إلا لعلمهم بما يتولد منه من الشر" (الإحياء1/95).
· وقال شيخ الإسلام: " ....وكذلك الاستدلال على حدوث العالم بطريق الجسم والعرض إنما ابتدعها في الاسلام هؤلاء، وهذا أصلُ علمِ الكلام الذي أطبق على ذمه أئمة الإسلام من الأولين والآخرين" (بيان تلبيس الجهمية 4/624).
فما هي أقوال الأئمة الأربعة وغيرهم في علم الكلام؟ وهل لهم في ذمه من تفصيل؟
ترقبوا الجواب في المقال الآتي إن شاء الله.