أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
52230 98094

العودة   {منتديات كل السلفيين} > منابر الأخوات - للنساء فقط > منبر الأخوات العام - للنساء فقط

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 08-04-2010, 04:53 PM
أم عائشة أم عائشة غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2010
المشاركات: 282
افتراضي فلما جاء زماننا هذا بشِع الأمر و قَبُح، فإنّ الناس قد هجروا أدبَ دينهم، و مروءة أسلاف

"مما يُستخرج به الضّحكُ أن يٌحدّثَك المُحدِّث أو الكاتب بشيء سخيف لا يُعقَل، و هو يُبدي لك الجدَّ كل الجد فيما يُحدِّث أو يكتب. و لكنه عندئذ لا يريد إلا إضحاكَك. فإذا جاء امرؤٌ يفعل ذلك و هو لا يريد إلا الجدّ، لأنه قد بنى حديثَه عليه عند نفسِه و عند سامعه أو قارئه، فهذا هو المضحك المحزنُ معا.
و لكن من العجيب أن يكون هذا السّمت الأخير، هو سمتُ أكثر الذين يكتبون اليوم في تاريخ الإسلام. و من البلوى أن يأتي هذا في زمن أصبحنا فيه و أصبح الناس، و كلّ حرف مكتوب يُعدّ عندهم كأنه تنزيلٌ يتلقّونه بالثقة و التسليم لا يكاد امرؤ منهم ينظر في مأتاه من أين أتَى، و لا في منتهاه إلى أين ينتهي. فإذا اجتمع إلى هذه البلوى بلوى الهوى المخلوط بالغلوّ، خرج الأمرُ كلّه من الضحك و الحزن، إلى الهلاك المطبق الذي يغتال العقولَ و النفوس جميعا.
... و قبل أن أفضي إلى الأمثلة التي تبين عن الفساد و الضلال، أحبّ أن يعلم من لم يكن يعلم، أنّ أسلافَنا رضي الله عنهم و غفر لهم، منذ ألّفُوا كتبَهم ، وضعُوا لها قواعِدَ يعرفها أهلُ هذا العلم، و يجهلها من جنحَ عن أصولهم و عمى عليه طريقُهم, فهم منذ بدأوا يكتبون أسّسوا كتبَهم على إسنادِ الأخبار إلى رواتِها، و بَرئوا من عهدة الرواية بهذا الإسناد، و لم يبالوا بعد ذلك أن يكون الخبرُ صحيحاً أو ضعيفًا أو زائدا أو ناقصاً أو موضوعاً مكذوباً، لأنهم كانوا يعلمون حالَ الرواة و منازلهم من الصدق و الكذب، و من الوَرع و الاستخفاف، و من الأمانة و الهوى. و كأنهم أرادوا بهذا أنْ يجعلوا كتبَهم في التاريخ و غير التاريخ سجِلا لما قد قيل في زمانِهم وما قبل زمانهم، و ما كان يقوله قومٌ، و ما كان يقوله آخرون، مهما تعارضَ القولان أو اختلفا أو تناقضا, و تركوا للعلماء تمييزَ الحق من الباطل، و الصدق من الكذب، على أساسِهم المشهور، وهو معرفة الرجال الذي رووا هذه الأخبار أو تكذّبوها. هذا الطبري مثلا يقول في فاتحة كتابه في التاريخ:"فما يكن في كتابي هذا من خبرٍ ذكرناه عن بعض الماضين، مما يستنكره قارئه، أو يستشنعه سامعُه، من أجل أنه لم يعرف له وجهاً صحيحاً، و لا معنى في الحقيقة، فليعلمْ أنه لم يُؤت في ذلك من قِبلنا، و إنما أتِي من بعض ناقليه إلينا، و إنما أدّينا ذلك على نحو ما أدّي إلينا". و من عرف كتابَه و كتب القوم، عرف يقيناً صدقَ ما يقول، فإنه يأتي بالخبر لا يصِحّ أبدا، و بالخبر الصحيح الذي لا شك فيه، و لا يعرض لهما بتصديق أو تكذيب، ثم تراه في موضع آخر قد احتاج إلى البيان عن حالِ هذين الخبرَين ، فعندئذ يُميِّز لك ما هو صحيح عنده و ما هو باطل من هذين الخبرين. فهو كما قال، إنما يؤدي إلى الناس ما أدِّي إليه. و كان الناسُ على عهدهم أهلَ دين و تقوى، لا يستحل امرؤ منهم-إلا من ضلّ- أن يحتجَّ في دين الله، و لا في تاريخ الناس و الحكم عليهم، بخبر لا يدري أصَدَقَ قائلُه فيما روى أم كذب. ثم جاء من بعدهم قومٌ خلطوا عامةَ الأخبار بلا إسنادٍ إلى رواتِها، فاجتمع الغثُّ و السمين و الصحيح و السقيم، و الصادق و المكذوب. و لكن لم يزل دين الناس يعصمهم من شرّ هذا الخلط المُضلّ، فأمسكوا ألسنتهم عن الخوض في المطاعن و المثالب بلا بينة و لا حجة. فلما جاء زماننا هذا بشِع الأمر و قَبُح، فإنّ الناس قد هجروا أدبَ دينهم، و مروءة أسلافِهم، و علمَ كتبهم، و اقتحموا بالجهالة على الظنون المردية، و استخفّهم الهوى حتى أخذوا الباطلَ و عارضوا به الحقّ بلا تمحيص و لا رواية و لا فهم. وشابهوا زمنَ هذه الحضارة الغالبة عليهم، فاجترأوا و تهوّروا و استغلظوا معاني و ألفاظاً يتقاذفونها في ألسنتهم و كتُبهم، و قد نفى الشيطان من قلوبِهم كل معاني الوَرَع و مخافةَ العذاب يوم القيامة، حتى قذفوا بالغيب من مكانٍ بعيد.."
---------------
"ألسنة المفترين" لمحمود محمد شاكر,مجلة المسلمون. العدد 4 سنة 1952 _نقلتُه من كتاب"جمهرة مقالات الأستاذ شاكر" لتلميذه عادل سليمان جمال.
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 08-04-2010, 08:21 PM
أم زيد أم زيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 5,264
افتراضي

سلمت يداك يا أم عائشة على نقل هذا المقال الجميل.
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:14 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.