أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
83712 98094

العودة   {منتديات كل السلفيين} > منبر الموسوعات العلمية > قسم الأشرطة المفرغة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 02-06-2011, 09:32 PM
عمربن محمد بدير عمربن محمد بدير غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: الجزائر
المشاركات: 12,045
Lightbulb {ويخوفونك بالذين من دونه} - للشيخ العيد شريفي

بسم الله الرحمن الرحيم
{ويخوفونك بالذين من دونه}
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله، وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
"يأيها الذين أمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون"
"يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا"
"يأيها الذين أمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما"
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
من حين إلى حين نتناول بعض القضايا، التي تكون عاجلة لعلاجها، وإن كانت من الأمور التي تناولناها سابقا، لكن لابد من مراجعة هذه القضايا وضبطها، وما دفعني إلى الكلام حول هذا الموضوع، هو أني في يوم من الأيام كنت أتدارس في قضية في مجلس أخوي مع بعض أهل الطب حول هذه اللحوم الموجودة على الساحة، أيهما أفضل لحم الضأن أو البقر، ولحم الضأن كما ينقل إلينا أن فيها كلسترول، وغير ذلك، فلما كان التناول بهذه الصيغة، وبهذه الصورة، وكان أحد أهل الاختصاص بيننا، وكعادتي في مثل هذه القضايا، أرجع الأمر إلى العقيدة أولا وأخيرا، فقلت لهم قبل الكلام على هذه الجزئية ـ هذه اللحوم وما فيها من كلسترول وغير ذلك ـ لعلي أعود فأقول كلمة هي أعظم من ذلك، والتي ستزيل الإشكال بعدها مرة واحدة، فقلت: إذا كان الله تبارك وتعالى، هو الذي شرع ما شرع من أحكام، أباح للمسلم عند الضرورة أكل الميتة، وكان قبل ذلك قد حرمها، هذا التحريم يدل على أمر موجود فيها، وهذا الأمر هو معلوم عند الجميع وهو في قوله عز وجل:" وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ"(¬1)، يعني مادامت هذه الميتة محرمة،
¬__________
(¬1) الأعراف (157)
فليس هناك أي شك عند كل مسلم صاحب إيمان، ألاَّ يعتقد أن فيها خبث، مادامت محرمة، إذا فيها خبث، فهذا الذي حرم هذا الخبيث، هو الذي أباحه، إذا هذا الأمر قائم على أن الله تبارك وتعالى هو خالق كل شيء ومالكه، فإذا غاب هذا الجانب العقدي الإيماني، فلابد من أن يبقى التخوف من أكل الميتة، عندما يريد الإقدام عليها في حال الضرورة، قال المولى عز وجل:" وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"(¬1)، " وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَواتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا"(¬2)، يعني هو المتصرف في كل ما بين السماوات والأرض، خاضع لأمره، لا يعزب عن أمره مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، هذه الرؤية العقدية الإيمانية هي التي تجعل الإنسان يقدم على الأشياء التي كانت خبيثة، لأن الله الذي حرمه لما فيه من الخبث قد أذن له بأخذه، فما كان فيه من خبث، سيزال بإذن الله تبارك وتعالى، ولهذا قال تبارك وتعالى مبينا لنا تصرفه في هذا الكون:"ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ"(¬3)، يعني منقادين، عرض الأمانة على السماوات والأرض، ماذا كان منهما؟ ليدرك الإنسان أن هذه المخلوقات تسبح بحمد ربها تخضع لأمر ربها "فأبين أن يحملنها وأشفقن منها"(¬4)هي ليست مخلوقات مُسَيَّبَة، وإنما هي خاضعة لأمر الله، ولهذا قال تعالى مبينا مدى خضوع هذه المخلوقات له وخشيتها له:"لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ"(¬5)، هذا كله يجعل المسلم في راحة تامة من هذا الكون، إذا كان عبدا لله، متى حقق عبوديته لله فإنه
¬__________
(¬1) آل عمران (189)
(¬2) المائدة (17)
(¬3) فصلت (11)
(¬4) الأحزاب (72)
(¬5) الحشر (21)
سيعيش في اطمئنان وفي راحة تامة، ولهذا لما كان الرسول صلى الله عليه وسلم على جبل أحد وتحرك أحد، ماذا كان منه صلى الله عليه وسلم يرسل له خطابا، فيقول له"اسكن أحد" من أين جاء هذا الأصل، لعلمه أن الله هو المتصرف فيه لا يتحرك كما يريد وكما يشاء فقال له "اسكن أحد ما عليك نبي وصديق وشهيدان"(¬1)
¬__________
(¬1) البخاري (3496)
فما كان من أحد إلا أن يسكن، هذه العقيدة التي يجب أن نعيش بها في هذا الكون، لما خرج يوشع للجهاد في سبيل الله ومالت الشمس للغروب، وفي شريعته لا حق له الجهاد بعد غروب الشمس، وهو يريد القتال في ذلك الوقت، فما كان منه إلا أن يقول تلك المقولة العظيمة ويخاطب الشمس مباشرة "إنك مأمورة وأنا مأمور"(¬1)، ما معنى إنك مأمورة وأنا مأمور، معنى ذلك أن دورانك في الأرض، أشعتك التي تخرجينها من الأرض، إنك مأمورة، فلا يتغير مما أنت عليه من شيء إلا بعد إذن من الله عز وجل، وهكذا في الكون كله، لأنه على علم بأن الله هو المتصرف في هذا الكون، لما قال إبراهيم عليه الصلاة السلام لمن ادعى الربوبية، :" أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ" ماذا قال ذاك العفريت "قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ" "قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ"(¬2)، إن كنت حقيقة ربا متصرفا في هذا الكون فعليك أن تعكس السنة الكونية التي أجراها الله تعالى، ولهذا الذي يعكسها هو ربها، ولهذا كلما غربت الشمس تستأذن، أين تفعل ذلك، لا علم لنا في أي نقطة في أي جهة في أي مدار، إلا أنها تسجد تحت عرش الرحمن وتستأذن في الخروج، فلا تتحرك إلا من بعد أن يأذن لها الله تبارك وتعالى، حتى يأتي اليوم الموعود، فتستأذن في الخروج فيأمرها أن تسير على عكس ما كانت عليه، فتخرج من مغربها، ولهذا كان ذاك الخطاب من ذاك النبي إلى الشمس مباشرة، "إنك مأمورة وأنا مأمور" توقفي، فما كان منها إلا أن تتوقف، هذا فيه دلالة على أن الله هو المتصرف، فكذلك كل أمر من الأمور في هذا الكون يخضع لأمره سبحانه
¬__________
(¬1) البخاري (3124)
(¬2) البقرة (258)
وتعالى، إذا رسخ هذا المعتقد نفس الإنسان، فلا يخشى بعد ذلك شيئا، ما دام أننا قلنا هذا في هذه الجزئية، في هذا الأمر، وقد أَقْدَمْتَ عليها بسم الله، كل ما فيها لأن الذي حرمها هو الذي أذن لك، فالإقدام الأول لو كان لك ما يسعك من الأكل ثم تقدم عليها، فإنه سيصيبك الضرر، لأنك أقدمت عليها باسمك، والآن تقدم عليها باسم الله، ولهذا ماذا قال عبيد بن الجراح، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَمَّرَ عَلَيْنَا أَبَا عُبَيْدَةَ نَتَلَقَّى عِيرًا لِقُرَيْشٍ وَزَوَّدَنَا جِرَابًا مِنْ تَمْرٍ لَمْ يَجِدْ لَنَا غَيْرَهُ فَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ يُعْطِينَا تَمْرَةً تَمْرَةً، - قَالَ - فَقُلْتُ كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ بِهَا قَالَ نَمَصُّهَا كَمَا يَمَصُّ الصَّبِيُّ ثُمَّ نَشْرَبُ عَلَيْهَا مِنَ الْمَاءِ فَتَكْفِينَا يَوْمَنَا إِلَى اللَّيْلِ وَكُنَّا نَضْرِبُ بِعِصِيِّنَا الْخَبَطَ ثُمَّ نَبُلُّهُ بِالْمَاءِ فَنَأْكُلُهُ قَالَ وَانْطَلَقْنَا عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ فَرُفِعَ لَنَا عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ كَهَيْئَةِ الْكَثِيبِ الضَّخْمِ فَأَتَيْنَاهُ فَإِذَا هي دَابَّةٌ تُدْعَى الْعَنْبَرَ قَالَ: قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَيْتَةٌ ثُمَّ قَالَ لاَ بَلْ نَحْنُ رُسُلُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَفِى سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدِ اضْطُرِرْتُمْ فَكُلُوا قَالَ فَأَقَمْنَا عَلَيْهِ شَهْرًا وَنَحْنُ ثَلاَثُ مِائَةٍ حَتَّى سَمِنَّا قَالَ وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا نَغْتَرِفُ مِنْ وَقْبِ عَيْنِهِ بِالْقِلاَلِ الدُّهْنَ وَنَقْتَطِعُ مِنْهُ الْفِدَرَ كَالثَّوْرِ - أَوْ كَقَدْرِ الثَّوْرِ - فَلَقَدْ أَخَذَ مِنَّا أَبُو عُبَيْدَةَ ثَلاَثَةَ عَشَرَ رَجُلاً فَأَقْعَدَهُمْ في وَقْبِ عَيْنِهِ وَأَخَذَ ضِلَعًا مِنْ أَضْلاَعِهِ فَأَقَامَهَا ثُمَّ رَحَلَ
أَعْظَمَ بَعِيرٍ مَعَنَا فَمَرَّ مِنْ تَحْتِهَا وَتَزَوَّدْنَا مِنْ لَحْمِهِ وَشَائِقَ فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ « هُوَ رِزْقٌ أَخْرَجَهُ اللَّهُ لَكُمْ فَهَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ فَتُطْعِمُونَا ». قَالَ فَأَرْسَلْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْهُ فَأَكَلَهُ.(¬1)ذاك الأكل منهم وهي ميتة، قبل أن يبلغهم حل ميتة البحر، أكلوا وادهنوا لمدة تسعة عشر يوما تقريبا، حتى بدنوا، من أين جاءت هذه البَدَانَة، لو كانت ميتة خبيثة لأصبحت وبالا وخطرا عليهم، لأنهم أقدوا عليها باسم الله، قال الراوي في إحدى الروايات "حتى ثابت إلينا أجسامنا وألواننا" يعني ادهنوا بها حتى تغيرت ألوانهم، على هذا الأساس نقول:
¬__________
(¬1) مسلم (5109)
لما قال المولى عز وجل:"ويحل لكم الطيبات" معنى ذلك أن كل ما أحله الله فهو طيب، هذا الخطاب موجه للإنسان العادي الذي لم تتغير هيأته، أما إذا طرأ على الإنسان شيء في جسده كمرض أو غير ذلك، فتلك أمور أخرى، لأهل الاختصاص القول فيها، قد يكون شيئا طيبا، فيتناوله الإنسان فيلحق به ضررا، كيف ذلك، هناك شيء تغير عند هذا الإنسان في جسمه فكان سببا في إلحاق الضرر به، أما الطيب فيبقى بإذن الله طيبا، فكيف نقول في قوله تعالى :"يحل لكم الطيبات" نقول هذه المقولة أن فيها من كلسترول وغير ذلك، فقلت لهم نعود مادام بنينا هذا على هذا المعتقد وكل أمر نعيش به لابد أن يكون مآله إلى المعتقد، فهذه التحاليل الطبية التي وصلت إلينا، بأن اللحوم الحمراء فيها كلسترول، علما أن إبراهيم عليه السلام قد دعا لهذا اللحم "فَجَاءَ إِبْرَاهِيمُ بَعْدَمَا تَزَوَّجَ إِسْمَاعِيلُ يُطَالِعُ تَرِكَتَهُ فَلَمْ يَجِدْ إِسْمَاعِيلَ فَسَأَلَ امْرَأَتَهُ عَنْهُ فَقَالَتْ خَرَجَ يَبْتَغِي لَنَا ثُمَّ سَأَلَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ فَقَالَتْ نَحْنُ بِشَرٍّ نَحْنُ فِي ضِيقٍ وَشِدَّةٍ فَشَكَتْ إِلَيْهِ قَالَ فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرَئِي عَلَيْهِ السَّلَامَ وَقُولِي لَهُ يُغَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِهِ فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ كَأَنَّهُ آنَسَ شَيْئًا فَقَالَ هَلْ جَاءَكُمْ مِنْ أَحَدٍ قَالَتْ نَعَمْ جَاءَنَا شَيْخٌ كَذَا وَكَذَا فَسَأَلَنَا عَنْكَ فَأَخْبَرْتُهُ وَسَأَلَنِي كَيْفَ عَيْشُنَا فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّا فِي جَهْدٍ وَشِدَّةٍ قَالَ فَهَلْ أَوْصَاكِ بِشَيْءٍ قَالَتْ نَعَمْ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ السَّلَامَ وَيَقُولُ غَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِكَ قَالَ ذَاكِ أَبِي وَقَدْ أَمَرَنِي أَنْ أُفَارِقَكِ الْحَقِي بِأَهْلِكِ فَطَلَّقَهَا وَتَزَوَّجَ مِنْهُمْ أُخْرَى فَلَبِثَ عَنْهُمْ إِبْرَاهِيمُ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ
أَتَاهُمْ بَعْدُ فَلَمْ يَجِدْهُ فَدَخَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ فَسَأَلَهَا عَنْهُ فَقَالَتْ خَرَجَ يَبْتَغِي لَنَا قَالَ كَيْفَ أَنْتُمْ وَسَأَلَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ فَقَالَتْ نَحْنُ بِخَيْرٍ وَسَعَةٍ وَأَثْنَتْ عَلَى اللَّهِ فَقَالَ مَا طَعَامُكُمْ قَالَتْ اللَّحْمُ قَالَ فَمَا شَرَابُكُمْ قَالَتْ الْمَاءُ قَالَ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي اللَّحْمِ وَالْمَاءِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ يَوْمَئِذٍ حَبٌّ وَلَوْ كَانَ لَهُمْ دَعَا لَهُمْ فِيهِ"(¬1)فتلك الحياة التي كانوا يعيشونها كلها لحم، وقد دعا لهم بالبركة، فالأمر الذي لابد للإنسان إذا أراد أن ينظر في هذه القضايا، هذه التحاليل التي وصلتنا عن طريق أولئك الكفرة، هي تحاليل أجريت على لحومهم، ولحومهم كلها ميتة، وأنا أتكلم في المجلس مع الطبيب، فيخبرني أن بعض الأطباء السوريين قد لأجروا تحاليل على اللحوم، فأول ما أخذوا شاة، فقال الذابح لها بسم الله، الله أكبر، ثم أخذوا شريحة وأدخلوها للمخبر، ثم جاءوا بشاة ثانية ونحروها بدون ذكر اسم الله عليها، ثم أدخلوا شريحة منها إلى المخبر، ثم جاءوا للثالثة وصعقوها، ثم أدخلوا شريحة منها إلى المخبر، فسبحان الله يقول إن التحاليل الأولى لم يرد فيها وأي شيء، الثانية فيها بعض الأشياء لكنها قليلة، ولهذا ماذا قال نبيكم،عن عائشة ولم يذكرا عن حماد ومالك عن عائشة أنهم قالوا يا رسول الله إن قوما حديثو عهد بالجاهلية يأتون بلحمان لا ندري أذكروا اسم الله عليها أم لم يذكروا أفنأكل منها فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم سموا الله وكلوا"(¬2)، وهذا راجع إلى صلة الإنسان بالله تعالى، وقد كان من جملة الحاضرين، أطباء كفار يراقبون مجريات هذه الحقائق، لأن هذا المصدر مصدر رباني، أنظروا إلى التداوي، ماذا قال النبي في
¬__________
(¬1) البخاري (3364)
(¬2) صحيح سنن أبي داود (2453)
لتداوي، يعني في هذا المضمار ما هو شائع عند الكفار، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:" ما مررت ليلة أسري بي بملإ إلا قالوا يا محمد مر أمتك بالحجامة"(¬1)، لما فيها من شفاء، الآن في ألمانيا، فتحوا مستشفيات خاصة بالحجامة، هذا يدل على أن القضية قضية ارتباط الإنسان بربه سبحانه، ولما كانت صلتنا بربنا هي أعظم وأعز شيء في حياتنا، يأبى أعداء الله إلا أن يفصلوا ويجعلوا بيننا وبين ربنا حاجزا، يبعدوننا عن صلتنا بربنا، ولهذا قال الله تبارك وتعالى لنبيه والخطاب موجه إلينا بالتبعية:" وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ"(¬2)، والآية جاءت في الأصنام" إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ"(¬3)، لكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، كما قال:" وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا"(¬4)، فقد نزلت في بني إسرائيل، فقال عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه وأرضاه:( خشيت على نفسي والله تبارك وتعالى يقول :"وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا")، إذا "بالذين من دونه" من أصنام ومما يخاف، يعني كل شيء من دمن الله يبثون الرعب في قلوبنا به، قالوا اللحوم فيها كذا، الاحتباس الحراري، ألف ونزا الخنازير،هذا كله تخويف بغير الله عز وجل، قال تعالى في الآية الأخرى:" إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ"(¬5)، فكل من يخوف المؤمنين بغير الله اعلم أن ذلك وحي من الشيطان، لإبعاد المؤمنين عن الرحمن، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لاَ يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يُخَوِّفُ بِهِمَا
¬__________
(¬1) صحيح ابن ماجة (3470)
(¬2) الزمر (36)
(¬3) هود (54)
(¬4) النساء (29)
(¬5) آل عمران (175)
عِبَادَهُ فَإِذَا كُسِفَا فَافْزَعُوا إِلَى الصَّلاَةِ"(¬1)، لأنهما لا يتحركان إلا تحت نظام رباني حكيم، لكن من حين إلى آخر يأتي الأمر منه سبحانه عز وجل بأن يحصل مثل هذا، وبإذن منه، ليعود الناس إليه ويخشوه، ولهذا قال عليه السلام "فافزعوا إلى الصلاة"، وأمر الصحابة بالاستغفار والصدقة في مثل ذلك الحال، يعني الهروب إلى الله عز وجل ليصرف، فيدخل النبي صلى الله عليه و سلم في الصلاة فلا يفرغ منها حتى تخرج من تلك الهيئة، لكن الآن أصبحت الآية الربانية، ظاهرة طبيعية، لا ننكر أن هناك نظام فلكي وتفسيرات مادية، لكن هذا لا يخرج عن تصرف الله في هذا الكون، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه و سلم أنها قالت:"كان النبي صلى الله عليه و سلم إذا عصفت الريح قال اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به وأعوذ بك من شرها وشرما فيها وشر ما أرسلت به، قالت: وإذا تخيلت السماء تغير لونه، وخرج ودخل، وأقبل وأدبر، فإذا مطرت سري عنه، فعرفت ذلك في وجهه، قالت عائشة فسألته فقال: لعله يا عائشة كما قال قوم عاد "فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا""(¬2)
قال تعالى:" بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ"(¬3)، لهذا نريد من الإنسان دائما أن تكون حياته مرتبطة بالله، فكل حركة وكل سكون في هذا الكون هو بأمره سبحانه عز وجل، وآيات من آياته "وما نرسل بالآيات إلا تخويفا"(¬4)أي ليخوف الناس ليعودوا إليه، لكن الكفار! "ويخوفونك بالذين من دونه"(¬5)
¬__________
(¬1) البخاري (993) وأبو داود (1179) وغيرهما واللفظ لأبي داود.
(¬2) مسلم (
(¬3) الأحقاف (24)
(¬4) الإسراء (59)
(¬5) الزمر (36)
يخوفونك بأن الأرض تزلزل ... ـ لا ضير أن الأمر كذلك من الناحية العلمية المادية ـ أما نحن فندرك أنه هو المتصرف في هذا الكون، فلا يخرج هذا الكون عما هو عليه إلا من بعد إذنه، إذا ف"يخوفونك بالذين من دونه" أصل هذا التأصيل، المجتمعات اليوم تتكلم على الاحتباس الحراري، وفرضوا على الدول التي تنتج البترول غرامات ليأكلوا أمول المسلمين، والهدف من هذا كله ، هو أن يصرفوا المسلمين عن الاتصال بالله عز وجل، لأنهم يعلمون علم يقين أن هذا الدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، إذا تمسك به أهله سار الكون على أحسن نظام، وأصبحوا هم القوة المسيطرة على الكون،أحب من أحب وكره من كره، فلابد من صرف المسلمين عن التوجه إلى لله، ولهذا فقد أمد الله الفئة المؤمنة بشيء ما أعطاه للكفار، أعطاها التصرف في هذا الكون بطاعة الله عز وجل لا بغيرها، لأنهم حققوا العبودية له، وهذا التحقيق للعبودية لله عز وجل يحدث خيرا، وبين سبحانه عز وجل أن ما يحدث من فساد، ليس الاحتباس الحراري ولا أي شيء كان، وإنما سببه الأول والأخير هو الذنوب والمعاصي، من أجل ذلك بقي المجتمع المسلم على ما هو عليه من ترك لطاعة الله عصيان لأوامره تعالى، لأن القضية قضية احتباس حراري، ولكن إذا علمنا أنها آيات من آيات الله، فإن ذلك يدفعنا للمحاسبة والرجوع إلى الله، قال تعالى:" ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ"(¬1)قال بعض أهل العلم:(ومن آثار الذنوب والمعاصي أنها تحدث في الأرض أنواعًا من الفساد في المياه والهواء والزرع والثمار والمساكن، قال تعالى:"ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ")(¬2)
¬__________
(¬1) الروم(41)
(¬2) الأنوار الساطعات للشيخ عبد العزيز السلمان ج (2) ص(425) من الشاملة
_قال مجاهد:( إذا ولي الظالم سعى بالظلم والفساد فيحبس بذلك القطر فيهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد ثم قرأ ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ثم قال أما والله ما هو بحركم هذا ولكن كل قرية على ماء جار فهو بحر وقال عكرمة ظهر الفساد في البر والبحر أما إني لا أقول لكم بحركم هذا ولكن كل قرية على ماء وقال قتادة أما البر فأهل العمود وأما البحر فأهل القرى والريف قلت وقد سمي الله تعالى الماء العذب بحرا فقال هو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج وليس في العالم بحر حلو واقفا وإنما هي الأنهار الجارية والبحر المالح هو الساكن فتسمى القرى التي على المياه الجارية باسم تلك المياه وقال ابن زيد ظهر الفساد في البر والبحر قال الذنوب قلت أراد أن الذنب سبب الفساد الذي ظهر وإن أراد أن الفساد الذي ظهر هو الذنوب نفسها فيكون قوله ليذيقهم بعض الذي عملوا لام العاقبة والتعليل وعلى الأول فالمراد بالفساد والنقص والشر والآلام التي يحدثها الله في الأرض بمعاصي العباد فكل ما أحدثوا ذنبا أحدث لهم عقوبة كما قال بعض السلف كل ما أحدثتم ذنبا أحدث الله لكم من سلطانه عقوبة والظاهر والله أعلم إن الفساد المراد به الذنوب وموجباتها ويدل عليه قوله تعالى ليذيقهم بعض الذي عملوا فهذا حالنا وإنما أذاقنا الشيء اليسير من أعمالنا فلو أذاقنا كل أعمالنا لما ترك على ظهرها من دابة ومن تأثير معاصي الله في الأرض ما يحل بها من الخسف والزلازل ويمحق بركتها وقد مر رسول الله على ديار ثمود فمنعهم من دخول ديارهم إلا وهم باكون ومن شرب مياههم ومن الاستسقاء من أبيارهم حتى أمر أن لا يعلف العجين الذي عجن بمياههم لنواضح الإبل لتأثير شؤم المعصية في الماء وكذلك شؤم تأثير الذنوب في نقص الثمار وما ترى به من الآفات وقد ذكر الإمام أحمد في مسنده في ضمن حديث قال وجدت في خزائن بعض بني أمية حنطة الحبة بقدر نواة التمرة وهي في صرة مكتوب عليها كان هذا ينبت في زمن من العدل وكثير من هذه الآفات أحدثها الله سبحانه وتعالى بما أحدث العباد من الذنوب )(¬1)هذا يدل على أن هذه التأثيرات حقيقتها الذنوب لا غير، كما جعل للطاعة سببا للخير جعل للمعصية آثارا سلبية، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم ليتأكد هذا المعنى القرآني:" يا معشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المئونة وجور السلطان عليهم ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم"(¬2)معنى هذا أن هذا الفساد الذي نراه اليوم من أوبئة وأمراض حادثة لم يعرفها أسلافنا، حقيقتها الذنوب والمعاصي، لآن الله تعالى يسلط على عباده بسبب الذنوب والمعاصي ما يسلط عليهم من خلقه وجنده، وبسبب التطفيف، مجرد هذه المعصية، تصاب الأمة بمنع المطر من السماء وشدة المعاش، ثانيا:جور السلطان، أنظر إلى نتائج هذه الذنوب والمعاصي، حتى لا نلوم غيرنا، فالقضية ليست احتباس حراري كما يظنون، الإشكالية في تشخيص الداء، هم الآن يخرجوننا عن إصلاح ما يجب إصلاحه لاستقامة الأمور، فيصرفوننا الآن إلى التخويف بغير الله، إذا إنتبهوا جيدا لهذه القضايا، إذا لم نشخص الأمر جيدا ضعنا وضيعنا من معنا، إذا لابد من العودة إلى النظر الصحيح لهذه الأمور، ولهذا قال تعالى عن الكفار"ويخوفونك بالذين من دونه"(¬3)،
¬__________
(¬1) التفسير القيم لابن القيم ج (2) ص(84)
(¬2) السلسلة الصحيحة (4009)
(¬3) الزمر (36)
أنظر ماذا قال تعالى عند كلامه عن ملك السماوات و الأرض:" وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"(¬1)
يعني ملكه نافذ في السماوات و الأرض لأنه على كل شيء قدير، ليس له الملك فقط ولا يملك التصرف، بل هو على كل شيء قدير، أي لا يصرف ولا يزيل ملكه للسماوات والأرض أحد، قال تعالى :" لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ بْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ بْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَواتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"(¬2)، فالله تبارك وتعالى بهذه الآية يزيل أي فكرة من ذهن الإنسان، بأن هناك غيره يتصرف في هذا الكون، ويؤكد هذا في الآية الأخرى:" أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ"(¬3)، فبعد ملك الله للسماوات والأرض، إلى أين تفر، " مَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ" تنتصرون به أو يتولاكم، إذا لابد من الرجوع إليه، قال تعالى:" تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ، الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا"(¬4)، حتى لا نخاف الذين من دونه، لأنهم ادعوا له الولد وادعوا له الشريك، فهو ينفي ذلك ويقول:" وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا" أي بتقدير منه.
¬__________
(¬1) آل عمران (189)
(¬2) المائدة (17)
(¬3) البقرة (107)
(¬4) الفرقان(1-2)
وما دعانا للكلام على هذا الموضوع هو هذا البعد العقدي، مثل هذا الفراغ العقدي، وخاصة جانب الجهل بالله عز وجل، وعدم معرفة المسلمين بربهم، فهذه المسائل قائمة على معرفة الإنسان بربه وهذا قال تعالى: "ويخوفونك بالذين من دونه" فقد وجدوا سبيلا لإبعادنا عن ربنا فخوفونا بغير ذلك، بما يحدث في الكون كما سماها عز وجل:"وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا"(¬1)، ليردنا إليه فأصبحت هذه الآيات كارثة، ما معنى كارثة، معنى ذلك عندما ترى واقعة من الوقائع تمر، مياه جارفة، زلازل ...
¬__________
(¬1) الإسراء (59)
موقع هذه الكوارث على زعمهم ظالم، والمولى عز وجل عليم حكيم، يضع الشيء في نصابه وفي مكانه، وسبحان الله من منا يرى الزلزال ولا يهتز كيانه من هذا الأمر فكأنه نوع من المساس في جانب الباري سبحانه عز وجل، لضعف معرفته بربه، لضعف إيمانه يهتز كيانه في الداخلي، أما من كان عارفا بالله فيعلم علم يقين أن الله عز وجل لا يحدث أمرا من الأمور إلا لحكمة بالغة، لأن الرؤية التي نرى بها نحن رؤية بشرية قاصرة، أما الرؤية الربانية فلا يعلمها إلا هو وما قصة موسى مع الخضر عنكم ببعيد، وسبحان الله تبدأ القصة بأمر عظيم، تبدأ بنقر الطير في الماء فيقول الخضر لموسى ما علمي وعلمك يا موسى ـ هذا الذي من أجله أنت رحلت، وهذا الذي أرسلت به وخصك الله به من علم (رسالة كاملة من عند الله) وهذا ما اختصصت به وجئتني من أجله وتركت الرسالة لتتعلم مني ـ من علم الله إلا كما نقص هذا العصفور في هذا البحر(¬1)، الله أكبر، إذا في كل أمر من الأمور إذا بدا أنه بخلاف ما يجب أن يكون ـ لضعف إيمان أو لعدم تدبر أو لسهو أو لغفلة ـ فراجع نفسك، في كل أمر من الأمور التي تطرأ عليك أو على غيرك، وانسب التقصير لنفسك، وسلم لله واعلم أنه لا يفعل شيئا إلا لحكمة بالغة، فلما بدأ بتكسير السفينة، ماذا قال موسى مما أوتيه من شرع ، هذا منكر، هم فعلوا فيهم الخير فحملوهم عليها ثم يقابلون بكسر السفينة، "قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا"، ماذا قال له الخضر، "قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا"، ثم ساروا حتى أدركوا العلام فقتله، بالنسبة إلينا نحن ورؤيتنا البشرية القاصرة هو منكر، في نهاية المطاف، قال له الآن سأخبرك بالأمور على صورتها الحقيقية كما هي عند الله تعالى، وهذا تقريب لجريان القدر فينا والرؤية البشرية القاصرة والحكمة الربانية الكاملة، فلما بدأ يكلمه عن كل أمر من الأمور،
¬__________
(¬1) البخاري (4725)
أما السفينة فكان يأخذ كل سفينة، فكسرت بعضها لينجو كلها، وأما الغلام فسيكون كافرا ويلحق بأهله من المتاعب والمشاق ما يلحق، أما الجدار فكذا وكذا، فالآن تبينت الأمور، إذا هذا الأمر، لا يصل المسلم إلى هذه الدرجة من التسليم لله عز وجل فيما يجريه عليه من قضاء وقدر إلا بمعرفته بربوبيته وأسمائه وصفاته فيتحقق بعد ذلك كمال التوكل والثقة بما عند الله تبارك وتعالى، وسبحان الله عز وجل كما قلتها وسأقولها دائما وأبدا، سيظل من يعيش مع القرآن وستظل السنة هما الحديان والموجهان، وسبحان الله في هذه الأيام وقعت عندي خصومة بين طرفين تنازعا على منزل ثم ظهر الحق لأحدهما واعترف الثاني به ووعد بإعادته له، فقلت في نفسي، إن هذا الرجل في سعة وفي خير، لو فتح علينا فتح الله عليه، فإذا بي أصلي العشاء فقرأت سورة الضحى ، وما كنت قاصدا والله، قرأت تلقائيا، فإذا بي أقرأ "أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى، وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى، وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى"(¬1)، إلى أين يا عبد الله، تتعلق بالبشر وما عنهم هو من عند الله، فثق بخزائنه الملأى، فقلت والله سيظل الكتاب والسنة هما الهاديان والحاديان والموجهان، فكأنما الثلج سقط على قلبي واسترحت بعدها راحة تامة، هذا هو العيش مع الله، وهذا هو حقيقة التوحيد، هذا كله لأبين أن حقيقة هذه المعرفة بالله أين توصل الإنسان في حياته العلمية العملية،
فالبعد عن السنة والبعد عن العيش بالكتاب والسنة والجهل بالله عز وجل هو الذي يوصل الإنسان إلى مثل هذا التخوف من الآيات الكونية ولهذا يقول عليه الصلاة والسلام، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أربع في أمتي من أمر الجاهلية لن يدعهن الناس : النياحة و الطعن في الأحساب
¬__________
(¬1) الضحى (6-8)
و العدوى: أجرب بعير فأجرب مائة بعير، من أجرب البعير الأول ؟! والأنواء: مطرنا بنوء كذا و كذا"(¬1)ويقول في الحديث الثاني:"لا يعدي شيء شيئا لا يعدي شيء شيئا ( ثلاثا ) . فقام أعرابي فقال : يا رسول
الله إن النُقبة تكون بمشفر البعير أو بعجبه فتشمل الإبل جربا؟ قال: فسكت ساعة فقال : ما أعدى الأول؟ لا عدوى و لا صفر و لا هامة ، خلق الله كل نفس فكتب حياتها و موتها و مصيباتها و رزقها"(¬2)، لا يعدي شيء شيئا، هذا رد على ما يتناقله أهل الجاهلية، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال هي من الجاهلية، هذه العدوى التي سرى بين الناس أنه متى كان الجرب في إنسان وخالط الآخرين تعدى ذلك للغير تلقائيا، وهذا ما يدعيه الأطباء اليوم ويعتقده كل الأطباء، وهو ما يسمونه بالمرض المعدي، فجاء النبي ليزيل فكرة العدوى الذاتية، يعني متى وجدت في هذا لزاما أن تنتقل إلى هذا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان الأمر أمر عدوى، فالأول من أعداه؟ و الجواب، أصابه الله بهذا المرض، معنى ذلك أن الثاني كذلك قد أصابه الله بالمرض، ليست العدوى التي تنتقل بذاتها، وفي هذا المجال رسالة قيمة للدكتور البار، صاحب كتاب (خلق الإنسان بين الطب والقرآن)، كتب فيها، (العدوى بين الطب والسنة)، وأراد أن يوصل إلى
¬__________
(¬1) السلسلة الصحيحة(735)
(¬2) السلسلة الصحيحة (1152)
الناس صحة كلام النبي صلى الله عليه وسلم فقال في الطب، توجد حالة يسمونها[حامل الجرثومة السليم] يعني أن من الناس من تصل إليه الجرثومة التي هي سبب هذا المرض، لكن يعطيه الله تبارك وتعالى من المناعة بحيث لا تؤثر فيه، ثم ينقلها لغيره، فبهذا التفسير أصبحت العدوى بهذا المفهوم الموجود اليوم غير سليم، وإنما هي بإذن الله عز وجل لا غير، يعني أن هذا الهلع وهذا التخويف كله ليبعدونا عن الله عز وجل ويزيلوا عنا الثقة بالله، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم "لا عدوى و لا صفر و لا هامة ، خلق الله كل نفس فكتب حياتها و موتها و مصيباتها و رزقها"(¬1)، هذا ما يجعلنا نعزز ثقتنا بالله عز وجل، ومع هذا فقد قال صلى الله عليه وسلم:"فر من المجذوم كما تفر من الأسد"(¬2)لا يرد صحيح على مريض، هذا ليس المقصود من وراء ذلك عدم الإصابة بالداء، أو غير ذلك، وإنما هي حمية للعقيدة أكثر من كل شيء، ولهذا في واقعة الطاعون لما أراد الصحابة غزو بلد فوجدوا فيها الطاعون فاختلفوا في نهاية المطاف كان الرأي رأي مسلمة الفتح وهو عدم الدخول حافظا على الصحابة وغير ذلك "فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَكَانَ مُتَغَيِّبًا فِي بَعْضِ حَاجَتِهِ فَقَالَ إِنَّ عِنْدِي فِي هَذَا عِلْمًا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ قَالَ فَحَمِدَ اللَّهَ عُمَرُ ثُمَّ انْصَرَفَ"(¬3)، هذه تسمى الحمية حتى لا يقع بإذن الله المرض، وحتى لا يقع الإنسان إذا هذه البلدة وأصابه شيء فيقول أصابتني عدوى ولا يعزو ذلك إلى الله تعالى، فيصبح يرى أن العدوى أصابته وأن المرض أصابه ولا يجعل ذلك من قدر الله فيعود
¬__________
(¬1) السلسلة الصحيحة (1152)
(¬2) السلسلة الصحيحة (783)
(¬3) متفق عليه البخاري(5729) ومسلم (5915)
على نفسه باللائمة، وهذه من نعم الله علينا أن خصنا بأشياء ولله الحمد والمنة وأعطانا النبي صلى الله عليه وسلم ما يكفينا من جرعات لدفع مثل هذه المصائب هذه الجرعات هي جرعات إيمانية عقدية ولهذا يقول الله تبارك وتعالى لنبيه وللمؤمنين:" يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ"(¬1)، معنى هذا أن الله كافيك، وكافي من اتبعك من المؤمنين، حسبك أي كافيك، ويقول:" وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ"(¬2)، أي حتى إذا أرادوا خيانتك، فإن حسبك الله، أي كافيك ودافع شرهم عنك، ويقول تعالى:"الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ"(¬3)،
¬__________
(¬1) الأنفال (64)
(¬2) الأنفال (62)
(¬3) آل عمران (173)
ويقول تعالى:" وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ"(¬1)، أي كافيه يهمه، أي يجعل له هماً وغماً، ولهذا قال تعالى:" فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ"(¬2)، وقال تعالى:"أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ"(¬3)، ولهذا نجد في مثل هذه المواطن، أين تزعزع الإيمانيات وتبلغ القلوب الحناجر، ثمة لابد من العودة إلى الإيمان والعقيدة، فلا يدفع الشرور عنا إلا باللجوء إليه سبحانه وتعالى، ولهذا يقول للمؤمنين في رد شر الكافرين عنهم:" وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا"(¬4)، هذا الجانب العملي، هذا الجانب العقدي، هذا اللجوء إلى الله هو الذي يدفع شر الشرور، لأن فيه العودة إلى الله عز وجل، وفيه الثقة بالله عز وجل، ففي قوله تعالى:" لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا" أصبحت القضية بين الله وبينهم، وتصبح أدنى الأسباب منا هي الواقية، ولهذا في غزوة بدر لما التقى الجمعان ألف مدججة بالسلاح مع ثلاث مائة واثنا عشر غير مستعدة للقتال حتى قال المولى عز وجل:" وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ"(¬5)، فيتلك اللحظة، وقف أكبر الناس المختصين في ينظرون كيف يقف هؤلاء الشرذمة أمام هذا الجيش العرمرم المدجج بالسلاح، بحثوا عن سبيل وعن سبب، فما وجدوا إلا أن قالوا كما قال المولى عز وجل:" إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ"(¬6)، اعلموا جيدا أن الشيء الذي نجابه به الكفار هو ديننا، وأول شيء في ديننا هو معرفتنا بربنا، في تلك اللحظة تكفل الله عز وجل بهم في قوله تعالى:" إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ"(¬7)،
¬__________
(¬1) الطلاق (3)
(¬2) البقرة (137)
(¬3) الزمر (36)
(¬4) آل عمران (120)
(¬5) الأنفال (7)
(¬6) الأنفال (49)
(¬7) الأنفال (9)
أعطاهم ألفا من الملائكة وفي الآية الأخرى زادهم خمسة آلاف من الملائكة، فالجانب الذي نحتاجه لرد المصائب، هو العودة إلى الله لأن الأمر بيده لهذا قلت إن الله تعالى يعطي لهذه الأمة ما يدفعون به كل الشرور عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ عَلَى حِرَاءٍ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِىٌّ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ فَتَحَرَّكَتِ الصَّخْرَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- "اهْدَأْ فَمَا عَلَيْكَ إِلاَّ نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ"(¬1)، قوة جاءت من معرفة النبي بأن اله هو المتصرف، ولهذا لما استل الرجل السيف وقال له يا محمد من يمنعك مني في تلك اللحظة لا وجود إلا لتوحيد الربوبية، في تلك اللحظة لابد أن توحيد الربوبية وتحقيقه وأن الله هو المتصرف في الكون ولا حركة ولا سكون إلا من بعد إذنه سبحانه وتعالى، قال الله(¬2)فسقط السيف من يد الرجل ولهذا عن أَنَسٍ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَعِدَ أُحُدًا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ فَرَجَفَ بِهِمْ
¬__________
(¬1) مسلم (6400)
(¬2) البخاري (2910)
فَقَالَ اثْبُتْ أُحُدُ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ"(¬1)، ومن الجرعات الإيمانية التي يعطيها المولى عز وجل لدفع هذه المصائب التي تحل بنا من حين إلى آخر، عن أبان بن عثمان قال سمعت عثمان يعني ابن عفان يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من قال بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات لم تصبه فجأة بلاء حتى يصبح ومن قالها حين يصبح ثلاث مرات لم تصبه فجأة بلاء حتى يمسي"(¬2)، يعني متى قال الإنسان هذه الكلمات فإنه لن يصيبه شيء إلا أن يصيبه قبل قولها، وهذا يصبح تقصير منه، ولهذا جاء تمام الحديث "وقال فأصاب أبان بن عثمان الفالج فجعل الرجل الذي سمع منه الحديث ينظر إليه فقال له ما لك تنظر إلي فوالله ما كذبت على عثمان ولا كذب عثمان على النبي صلى الله عليه وسلم ولكن اليوم الذي أصابني فيه ما أصابني غضبت فنسيت أن أقولها." كأن الرجل أراد أن يقول لأبان ها أنت قد قلت الدعاء وقد أصابك ما أصابك، فأخبره أبان بما أخبره وواثق مما يقول، قال له إياك أن تشك فيما أخبرتك عن الرسول صلى اله عليه وسلم، لا تصيبه فجأة بلاء ولا يضره شيء، لأنه قال بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم، قال صاحب مشكاة المصابيح: لم تفجأه فاجئة بلاء حتى الليل ، ومن قالها حين يمسي لم تفجأه فاجئة بلاء حتى يصبح إن شاء الله )) يعني من قال ذلك في الصباح يحفظه الله من كل ضرر مفاجئ حتى يغيب الشمس ، ومن قالها في المساء يحفظه الله كذلك حتى يطلع الفجر ، وفي شرح السنة (( لم تفجأه فاجئة حتى يمسي ... وحتى يصبح )) .
¬__________
(¬1) البخاري (3675)
(¬2) صحيح سنن أبي داود (5088)
قال القاري : وفي الغايتين أعني حتى يصبح و حتى يمسي إيماء إلى أن ابتداء الحفظ من الفجاءة والمضرة عقب قول القائل في أي : جزأ من أجزاء الليل أو النهار بل وفي سائر أثناءهما،(¬1)يعني المقصود هذا إذا أنت تخلفت أو سهوت عن قولها، ثم ذكرت بعد زمن فإنه سينفعك قولها بإذن الله منذ قولك إياها، فإذا أصابك شيء فاعلم أنك لم تقلها من قبل، فلكونك تخلفت عن قولها أصبت، فكل مسلم قد أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم لقاحا يعصمه من كل بلاء، ولا تخشى من عواقبه، عن خَوْلَةَ بِنْتَ حَكِيمٍ السُّلَمِيَّةَ قالت سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ:" مَنْ نَزَلَ مَنْزِلاً ثُمَّ قَالَ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ. لَمْ يَضُرُّهُ شيء حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ"(¬2). كان فيه ما كان، إذا أنت نزلت ذلك المنزل فقل تلك الكلمات فإنه لهن يضرك شيء، عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه قال سمعت رجلا من أسلم قال كنت جالسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجل من أصحابه فقال يا رسول الله لدغت الليلة فلم أنم حتى أصبحت قال:"ماذا" قال:عقرب، قال:"أما إنك لو قلت حين أمسيت أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم تضرك إن شاء الله"(¬3).
¬__________
(¬1) مشكاة المصابيح ج: 8 ص: 280 (من الشاملة)
(¬2) صحيح مسلم (7053)
(¬3) صحيح سنن أبي داود (3898)
وفي رواية للإمام أحمد: قال سهيل: "فكان أهلنا قد تعلموها فكانوا يقولونها فلدغت جارية منهم فلم تجد لها وجعا"(¬1)، حمية ربانية، لكن الإشكالية لما تركنا هذا الجانب العقدي، أنظر كيف حمانا شرعنا، هذا عند وجود الداء، وبعد وجود الداء كذلك بإذن الله عز وجل، هذه تسمى حمية ربانية للمسلم، وما هي إلا تعاويذ يقولها، وبعد قولها فلن يلحق به مكروه، ولا ضر، لأنه لجأ إلى رب هذه المخلوقات جميعا، لذلك نقول دائما وأبدا لابد من الرسوخ في معرفة الله عز وجل، هذا الشيء والله لا تدركه حتى ترسخ قدمك في معرفو الله عز وجل، بربوبيته وأسمائه وصفاته، قال تعالى:" وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ" بمعنى كافيه، يوم الخندق، كيف كانت الأوضاع؟ كانت معركة بالمنظار البشري خسارة، أحاط المشركون بالمدينة واليهود من الجهة الأخرى، لكن ثم كان التوكل "هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما" ماذا كانت النتيجة؟ ماذا قال المولى عز وجل؟ في هذه الغزوة بالذات وفي آخر لحظة يسلم أحد المشركين، فيخبئ بين المشركين وبين اليهود، هذه الأولى، في اللحظات الحرجة، أنظر كيف يقذف الله الإيمان في قلب هذا الرجل، قال تعالى:" فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا"(¬2)، فأخذوا جيشهم وهربوا، فلابد أن تعود هذه الثقة بالله عز وجل التي هي أصل حياتنا، ولن تكون إلا بمعرفة الله عز وجل، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ ذَكَرَ رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ سَأَلَ بَعْضَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يُسْلِفَهُ أَلْفَ دِينَارٍ فَقَالَ ائْتِنِي بِالشُّهَدَاءِ أُشْهِدُهُمْ فَقَالَ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا قَالَ فَأْتِنِي بِالْكَفِيلِ قَالَ كَفَى بِاللَّهِ كَفِيلًا قَالَ صَدَقْتَ
¬__________
(¬1) مسند الإمام أحمد (7885)
(¬2) الأحزاب (9)
فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَخَرَجَ فِي الْبَحْرِ فَقَضَى حَاجَتَهُ ثُمَّ الْتَمَسَ مَرْكَبًا يَرْكَبُهَا يَقْدَمُ عَلَيْهِ لِلْأَجَلِ الَّذِي أَجَّلَهُ فَلَمْ يَجِدْ مَرْكَبًا فَأَخَذَ خَشَبَةً فَنَقَرَهَا فَأَدْخَلَ فِيهَا أَلْفَ دِينَارٍ وَصَحِيفَةً مِنْهُ إِلَى صَاحِبِهِ ثُمَّ زَجَّجَ مَوْضِعَهَا ثُمَّ أَتَى بِهَا إِلَى الْبَحْرِ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ تَسَلَّفْتُ فُلَانًا أَلْفَ دِينَارٍ فَسَأَلَنِي كَفِيلَا فَقُلْتُ كَفَى بِاللَّهِ كَفِيلًا فَرَضِيَ بِكَ وَسَأَلَنِي شَهِيدًا فَقُلْتُ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا فَرَضِيَ بِكَ وَأَنِّي جَهَدْتُ أَنْ أَجِدَ مَرْكَبًا أَبْعَثُ إِلَيْهِ الَّذِي لَهُ فَلَمْ أَقْدِرْ وَإِنِّي أَسْتَوْدِعُكَهَا فَرَمَى بِهَا فِي الْبَحْرِ حَتَّى وَلَجَتْ فِيهِ ثُمَّ انْصَرَفَ وَهُوَ فِي ذَلِكَ يَلْتَمِسُ مَرْكَبًا يَخْرُجُ إِلَى بَلَدِهِ فَخَرَجَ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ يَنْظُرُ لَعَلَّ مَرْكَبًا قَدْ جَاءَ بِمَالِهِ فَإِذَا بِالْخَشَبَةِ الَّتِي فِيهَا الْمَالُ فَأَخَذَهَا لِأَهْلِهِ حَطَبًا فَلَمَّا نَشَرَهَا وَجَدَ الْمَالَ وَالصَّحِيفَةَ ثُمَّ قَدِمَ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ فَأَتَى بِالْأَلْفِ دِينَارٍ فَقَالَ وَاللَّهِ مَا زِلْتُ جَاهِدًا فِي طَلَبِ مَرْكَبٍ لِآتِيَكَ بِمَالِكَ فَمَا وَجَدْتُ مَرْكَبًا قَبْلَ الَّذِي أَتَيْتُ فِيهِ قَالَ هَلْ كُنْتَ بَعَثْتَ إِلَيَّ بِشَيْءٍ قَالَ أُخْبِرُكَ أَنِّي لَمْ أَجِدْ مَرْكَبًا قَبْلَ الَّذِي جِئْتُ فِيهِ قَالَ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَدَّى عَنْكَ الَّذِي بَعَثْتَ فِي الْخَشَبَةِ فَانْصَرِفْ بِالْأَلْفِ الدِّينَارِ رَاشِدًا"(¬1)، فكلا هذين الرجلين مسلم أمره لله عز وجل، كلمنهم واثق بالله، ولا يمكن لصاحب المال أن يعطيه إلا إذا
¬__________
(¬1) البخاري (2291)
كان واثقا بالله عز وجل، رضي بالله ورضي بالله كفيلا، فملا حان وقت رد المال، لم يجد سبيلا لرده، فأصبح كما قال ابن قيم الجوزية التوكل الذي هو عمل قلبي من أعظم الأسباب، فهذه المعرفة بالله هي التي جعلته يضع ذاك المال داخل الخشبة ثم يأتي إلى شاطئ البحر ويلقها ويوجه الخطاب لله عز وجل، اللهم كنت أنت الشاهد وأنت الكفيل، هذا مال فلان، فهذا التوكل ناجم عن علم بأن الله هو المتصرف في هذا الكون وأن الأمر بيده لا بيد غيره، فوصل المال إلى صاحبه إذا لابد من عودة إلى معرفة الله عز وجل، والعجب العجاب عندما تسمع في بعض الأحيان بعض الأقوال لأهل العلم وأنت تعمل على تحقيق ما قالوه فتقوم عليك الدنيا وتقعد، في رسالة الشيخ محمد بن عبد الوهاب {الأصول الثلاثة } يقول : يجب عليك تعلم أربع مسائل الأولى معرفة الله، ومعرفة النبي صلى الله عليه وسلم، ومعرفة دين الإسلام بالأدلة. اهـ
فنحن جئنا لنركز على هذا الجانب ونحققه، معرفة الله هي معرفته بربوبيته وأسمائه وصفاته، الأصل الأول من الأصول الثلاثة، لكن المشكلة، هي لما يشيع الناس بعض الأخطاء العلمية، وبعض القواعد الغير سليمة، فيصبح الإنسان إذا تكلم في ذاك الجانب فإنه يتزعزع، وهذا هو المنهج الخاطئ على الدوام، أضرب مثالا وأرجع إلى واقعنا اليوم، محمد عبدو في زمانه المصريون اتكلوا لما هجم نبليون بونبارت على مصر، فقال الصوفية منهم سيجيء عيسى عليه السلام فيحررنا، وسيجيء المهدي، فمجيء عيسى عليه السلام حق، ومجيء المهدي حق، نحن نقول لهم نعم سيجيء، لكن قبل أن يجيء، ما هو واجبنا؟ دفع العدو الصائل علينا الآن، لما كان محمد عبدو العالم وصاحب الصحوة في ذلك الزمان، جاء لإصلاح ذاك الداء الخاطئ بمرض آخر أعظم، وهو إنكار القرآن وإنكار السنة المتواترة، فقال أما نزول عيسى فهو الإصلاح العيسوي وليس عيسى الذي يأتي، وأما قضية المهدي فأحاديثها ضعيفة ولا يعول عليها، أراد أن يصلح مرضا فعاد بعد ذلك على السنة، فإذا دعا الأشاعرة إلى جزئية من جزئيات توحيد الربوبية، فلماذا ينكرون علينا دعوتنا إلى توحيد الربوبية، لعلها كلمة قالها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تبارك وتعالى، في معرض تأصيل لأن كلامه في توحيد الربوبية كثير جدا، قال: قاله المشركون ولم ينفعهم فمن ذلك أصبح توحيد الربوبية لا ينفع لما تكلن في مقامات أخرى في جزئية التوكل وفي جزئية الثقة بالله، لابد من العودة إلى توحيد الربوبية. اهـ
إذا هذه الحياة التي نحن فيها والله لا سبيل للتغلب عليها إلا بمعرفة الله عز وجل أولا وتحقيق العبادة التي هي من أفعالنا، ولهذا كنا نقول دائما وأبدا، ونحن نؤكد هذا، وهو عندما يرسخ في أذهان الناس شيء خاطئ فإنه سيفسد، اعلموا أنه سيلحق ضررا كبيرا على المسلمين، فمثل هذه المسائل التي تظهر من حين لآخر، في العالم، إذا لم نواجهها بالعقيدة والإيمان، والله مستحيل أن نواجهها بشيء آخر، وهذا دوما، في الشرع علاج لكل الأمراض، قال صلى الله عليه وسلم:" مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً"(¬1)، "إن هو إلا وحي يوحى"(¬2)، فكل داء له دواء، لأنه قال:" وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ"(¬3)، كنت قد ذكرت مسألة تشابه هذه في سنة تسعة وتسعين، سويت محاضرة ـ وكان قد بدأ الكلام حول الأزمة الاقتصادية، وأخذ الناس منحا مادياـ فقلت: لابد الآن من علاج لهذه المسألة،
أولا: إفشاء العلم بين الناس، كما قال عمر بن عبد العزيز:افشوا العلم ولتجلسوا لتعلموا من لا يعلم.
ثانيا: ربط الناس بعلمائهم " فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ"(¬4).
ثالثا: لابد من عقيدة لمواجهة هذه الأزمة التي يتكلمون عنها، ليعلم الإنسان أن ما يصيبه في هذا الكون، ما هو إلا ابتلاء من عند الله عز وجل لا غير.
¬__________
(¬1) البخاري (5678)
(¬2) النجم (4)
(¬3) الإسراء (82)
(¬4) الأنبياء (7)
بعدها إذا علم أن هذه الحياة هي دار ابتلاء، وأن الله يبتلي بالغنى كما يبتلي بالفقر، ثمة اعلم أنك لا تخشى لا السرقة ولا أي شيء مما نحن نعيشه اليوم أين كلهم أرادوا أن يكونوا أغنى الأغنياء، ثم إنهم ما أرادوا أن يمسهم الابتلاء في أي جانب من الجوانب، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام وهو يوجه الخطاب لهذه الأمة في باب الرزق ونحن نتكلم عنه، وحتى تدركوا مجال العقيدة ودورها في إصلاح الواقع الذي نعيشه:"إن روح القدس نفث في روعي:إن نفسا لا تموت حتى تستكمل رزقها فاتقوا الله و أجملوا في الطلب، و لا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعاصي الله ، فإن الله لا يدرك ما عنده إلا بطاعته"(¬1)، فيجب علاج ما يحل بهذه الأمة، من الكتاب والسنة، وإذا ابتعدنا عن الكتاب والسنة ضيعنا.
والله أسأل أن يوفق الجميع لما يحب ويرضى
¬__________
(¬1) السلسلة الصحيحة (2866)


تفريـــغ الأخ عبد الحـــافظ
__________________
قال ابن تيمية:"و أما قول القائل ؛إنه يجب على [العامة] تقليد فلان أو فلان'فهذا لا يقوله [مسلم]#الفتاوى22_/249
قال شيخ الإسلام في أمراض القلوب وشفاؤها (ص: 21) :
(وَالْمَقْصُود أَن الْحَسَد مرض من أمراض النَّفس وَهُوَ مرض غَالب فَلَا يخلص مِنْهُ إِلَّا الْقَلِيل من النَّاس وَلِهَذَا يُقَال مَا خلا جَسَد من حسد لَكِن اللَّئِيم يبديه والكريم يخفيه).
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 02-08-2011, 09:20 PM
عمربن محمد بدير عمربن محمد بدير غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: الجزائر
المشاركات: 12,045
Lightbulb مُنسق [الجزء الاول]

ويخوفونك بالذين من دونه (الجزء الأول)

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله، وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. {يأيها الذين أمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} {يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا} {يأيها الذين أمنوا اتقوا الله وقولوا قولا ...
__________________
قال ابن تيمية:"و أما قول القائل ؛إنه يجب على [العامة] تقليد فلان أو فلان'فهذا لا يقوله [مسلم]#الفتاوى22_/249
قال شيخ الإسلام في أمراض القلوب وشفاؤها (ص: 21) :
(وَالْمَقْصُود أَن الْحَسَد مرض من أمراض النَّفس وَهُوَ مرض غَالب فَلَا يخلص مِنْهُ إِلَّا الْقَلِيل من النَّاس وَلِهَذَا يُقَال مَا خلا جَسَد من حسد لَكِن اللَّئِيم يبديه والكريم يخفيه).
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 02-08-2011, 09:47 PM
أبو أويس السليماني أبو أويس السليماني غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 2,750
افتراضي

جزاك الله خيرا أخي عمر على نقولك النّافعة .
و قد استفدنا كثيرا منها .
و بارك الله في الشيخ الجزائري : أبو عبد الباري العيد الشريفي و حفظه الله و متعه بالصحة و العافية في جوّ الإيمان و العمل .
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 02-08-2011, 09:52 PM
عمربن محمد بدير عمربن محمد بدير غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: الجزائر
المشاركات: 12,045
Lightbulb

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو أويس السليماني مشاهدة المشاركة
جزاك الله خيرا أخي عمر على نقولك النّافعة .
و قد استفدنا كثيرا منها .
و بارك الله في الشيخ الجزائري : أبو عبد الباري العيد الشريفي و حفظه الله و متعه بالصحة و العافية في جوّ الإيمان و العمل .
بوركت مشرفنا العزيز ..
ونفع الله بكم
فتعليقاتكم بهية ..
ونفع الله بعلوم مشايخنا ..
ووفقنا للعمل الصالح المخلص في ظل الإيمان والحياة الإيمانية التي يذكرنا بها شيخنا على الدوام .
وهو الجانب العملي من العقيدة ..
__________________
قال ابن تيمية:"و أما قول القائل ؛إنه يجب على [العامة] تقليد فلان أو فلان'فهذا لا يقوله [مسلم]#الفتاوى22_/249
قال شيخ الإسلام في أمراض القلوب وشفاؤها (ص: 21) :
(وَالْمَقْصُود أَن الْحَسَد مرض من أمراض النَّفس وَهُوَ مرض غَالب فَلَا يخلص مِنْهُ إِلَّا الْقَلِيل من النَّاس وَلِهَذَا يُقَال مَا خلا جَسَد من حسد لَكِن اللَّئِيم يبديه والكريم يخفيه).
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 02-20-2011, 09:46 PM
عبد المالك العاصمي عبد المالك العاصمي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2011
المشاركات: 412
افتراضي

ويخوفونك بالذين من دونه (الجزء الأول)


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله، وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

{يأيها الذين أمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون}

{يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا}

{يأيها الذين أمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما}



أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.

من حين إلى حين نتناول بعض القضايا، التي تكون عاجلة لعلاجها، وإن كانت من الأمور التي تناولناها سابقا، لكن لابد من مراجعة هذه القضايا وضبطها، وما دفعني إلى الكلام حول هذا الموضوع، هو أني في يوم من الأيام كنت أتدارس في قضية في مجلس أخوي مع بعض أهل الطب حول هذه اللحوم الموجودة على الساحة، أيهما أفضل لحم الضأن أو البقر، ولحم الضأن كما ينقل إلينا أن فيها كلسترول، وغير ذلك، فلما كان التناول بهذه الصيغة، وبهذه الصورة، وكان أحد أهل الاختصاص بيننا، وكعادتي في مثل هذه القضايا، أرجع الأمر إلى العقيدة أولا وأخيرا، فقلت لهم قبل الكلام على هذه الجزئية ـ هذه اللحوم وما فيها من كلسترول وغير ذلك ـ لعلي أعود فأقول كلمة هي أعظم من ذلك، والتي ستزيل الإشكال بعدها مرة واحدة، فقلت: إذا كان الله تبارك وتعالى، هو الذي شرع ما شرع من أحكام، أباح للمسلم عند الضرورة أكل الميتة، وكان قبل ذلك قد حرمها، هذا التحريم يدل على أمر موجود فيها، وهذا الأمر هو معلوم عند الجميع وهو في قوله عز وجل:{ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ}(1)، يعني مادامت هذه الميتة محرمة، فليس هناك أي شك عند كل مسلم صاحب إيمان، ألاَّ يعتقد أن فيها خبث، مادامت محرمة، إذا فيها خبث، فهذا الذي حرم هذا الخبيث، هو الذي أباحه، إذا هذا الأمر قائم على أن الله تبارك وتعالى هو خالق كل شيء ومالكه، فإذا غاب هذا الجانب العقدي الإيماني، فلابد من أن يبقى التخوف من أكل الميتة، عندما يريد الإقدام عليها في حال الضرورة، قال المولى عز وجل:{ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}(2)، { وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَواتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا}(3)، يعني هو المتصرف في كل ما بين السماوات والأرض، خاضع لأمره، لا يعزب عن أمره مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، هذه الرؤية العقدية الإيمانية هي التي تجعل الإنسان يقدم على الأشياء التي كانت خبيثة، لأن الله الذي حرمه لما فيه من الخبث قد أذن له بأخذه، فما كان فيه من خبث، سيزال بإذن الله تبارك وتعالى، ولهذا قال تبارك وتعالى مبينا لنا تصرفه في هذا الكون:{ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ}(4)، يعني منقادين، عرض الأمانة على السماوات والأرض، ماذا كان منهما؟ ليدرك الإنسان أن هذه المخلوقات تسبح بحمد ربها تخضع لأمر ربها {فأبين أن يحملنها وأشفقن منها}(5)هي ليست مخلوقات مُسَيَّبَة، وإنما هي خاضعة لأمر الله، ولهذا قال تعالى مبينا مدى خضوع هذه المخلوقات له وخشيتها له:{لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}(6)، هذا كله يجعل المسلم في راحة تامة من هذا الكون، إذا كان عبدا لله، متى حقق عبوديته لله فإنه سيعيش في اطمئنان وفي راحة تامة، ولهذا لما كان الرسول صلى الله عليه وسلم على جبل أحد وتحرك أحد، ماذا كان منه صلى الله عليه وسلم يرسل له خطابا، فيقول له"اسكن أحد" من أين جاء هذا الأصل، لعلمه أن الله هو المتصرف فيه لا يتحرك كما يريد وكما يشاء فقال له "اسكن أحد ما عليك نبي وصديق وشهيدان"(7) فما كان من أحد إلا أن يسكن، هذه العقيدة التي يجب أن نعيش بها في هذا الكون، لما خرج يوشع للجهاد في سبيل الله ومالت الشمس للغروب، وفي شريعته لا حق له الجهاد بعد غروب الشمس، وهو يريد القتال في ذلك الوقت، فما كان منه إلا أن يقول تلك المقولة العظيمة ويخاطب الشمس مباشرة "إنك مأمورة وأنا مأمور"(8)، ما معنى إنك مأمورة وأنا مأمور، معنى ذلك أن دورانك في الأرض، أشعتك التي تخرجينها من الأرض، إنك مأمورة، فلا يتغير مما أنت عليه من شيء إلا بعد إذن من الله عز وجل، وهكذا في الكون كله، لأنه على علم بأن الله هو المتصرف في هذا الكون، لما قال إبراهيم عليه الصلاة السلام لمن ادعى الربوبية، :{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ} ماذا قال ذاك العفريت {قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ }{قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}(9)، إن كنت حقيقة ربا متصرفا في هذا الكون فعليك أن تعكس السنة الكونية التي أجراها الله تعالى، ولهذا الذي يعكسها هو ربها، ولهذا كلما غربت الشمس تستأذن، أين تفعل ذلك، لا علم لنا في أي نقطة في أي جهة في أي مدار، إلا أنها تسجد تحت عرش الرحمن وتستأذن في الخروج، فلا تتحرك إلا من بعد أن يأذن لها الله تبارك وتعالى، حتى يأتي اليوم الموعود، فتستأذن في الخروج فيأمرها أن تسير على عكس ما كانت عليه، فتخرج من مغربها، ولهذا كان ذاك الخطاب من ذاك النبي إلى الشمس مباشرة، "إنك مأمورة وأنا مأمور" توقفي، فما كان منها إلا أن تتوقف، هذا فيه دلالة على أن الله هو المتصرف، فكذلك كل أمر من الأمور في هذا الكون يخضع لأمره سبحانه وتعالى، إذا رسخ هذا المعتقد نفس الإنسان، فلا يخشى بعد ذلك شيئا، ما دام أننا قلنا هذا في هذه الجزئية، في هذا الأمر، وقد أَقْدَمْتَ عليها بسم الله، كل ما فيها لأن الذي حرمها هو الذي أذن لك، فالإقدام الأول لو كان لك ما يسعك من الأكل ثم تقدم عليها، فإنه سيصيبك الضرر، لأنك أقدمت عليها باسمك، والآن تقدم عليها باسم الله، ولهذا ماذا قال عبيد بن الجراح، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَمَّرَ عَلَيْنَا أَبَا عُبَيْدَةَ نَتَلَقَّى عِيرًا لِقُرَيْشٍ وَزَوَّدَنَا جِرَابًا مِنْ تَمْرٍ لَمْ يَجِدْ لَنَا غَيْرَهُ فَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ يُعْطِينَا تَمْرَةً تَمْرَةً، - قَالَ - فَقُلْتُ كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ بِهَا قَالَ نَمَصُّهَا كَمَا يَمَصُّ الصَّبِيُّ ثُمَّ نَشْرَبُ عَلَيْهَا مِنَ الْمَاءِ فَتَكْفِينَا يَوْمَنَا إِلَى اللَّيْلِ وَكُنَّا نَضْرِبُ بِعِصِيِّنَا الْخَبَطَ ثُمَّ نَبُلُّهُ بِالْمَاءِ فَنَأْكُلُهُ قَالَ وَانْطَلَقْنَا عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ فَرُفِعَ لَنَا عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ كَهَيْئَةِ الْكَثِيبِ الضَّخْمِ فَأَتَيْنَاهُ فَإِذَا هي دَابَّةٌ تُدْعَى الْعَنْبَرَ قَالَ: قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَيْتَةٌ ثُمَّ قَالَ لاَ بَلْ نَحْنُ رُسُلُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَفِى سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدِ اضْطُرِرْتُمْ فَكُلُوا قَالَ فَأَقَمْنَا عَلَيْهِ شَهْرًا وَنَحْنُ ثَلاَثُ مِائَةٍ حَتَّى سَمِنَّا قَالَ وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا نَغْتَرِفُ مِنْ وَقْبِ عَيْنِهِ بِالْقِلاَلِ الدُّهْنَ وَنَقْتَطِعُ مِنْهُ الْفِدَرَ كَالثَّوْرِ - أَوْ كَقَدْرِ الثَّوْرِ - فَلَقَدْ أَخَذَ مِنَّا أَبُو عُبَيْدَةَ ثَلاَثَةَ عَشَرَ رَجُلاً فَأَقْعَدَهُمْ في وَقْبِ عَيْنِهِ وَأَخَذَ ضِلَعًا مِنْ أَضْلاَعِهِ فَأَقَامَهَا ثُمَّ رَحَلَ

أَعْظَمَ بَعِيرٍ مَعَنَا فَمَرَّ مِنْ تَحْتِهَا وَتَزَوَّدْنَا مِنْ لَحْمِهِ وَشَائِقَ فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ « هُوَ رِزْقٌ أَخْرَجَهُ اللَّهُ لَكُمْ فَهَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ فَتُطْعِمُونَا ». قَالَ فَأَرْسَلْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْهُ فَأَكَلَهُ.( 10)ذاك الأكل منهم وهي ميتة، قبل أن يبلغهم حل ميتة البحر، أكلوا وادهنوا لمدة تسعة عشر يوما تقريبا، حتى بدنوا، من أين جاءت هذه البَدَانَة، لو كانت ميتة خبيثة لأصبحت وبالا وخطرا عليهم، لأنهم أقدوا عليها باسم الله، قال الراوي في إحدى الروايات"حتى ثابت إلينا أجسامنا وألواننا" يعني ادهنوا بها حتى تغيرت ألوانهم، على هذا لما قال المولى عز وجل:{ويحل لكم الطيبات} معنى ذلك أن كل ما أحله الله فهو طيب، هذا الخطاب موجه للإنسان العادي الذي لم تتغير هيأته، أما إذا طرأ على الإنسان شيء في جسده كمرض أو غير ذلك، فتلك أمور أخرى، لأهل الاختصاص القول فيها، قد يكون شيئا طيبا، فيتناوله الإنسان فيلحق به ضررا، كيف ذلك، هناك شيء تغير عند هذا الإنسان في جسمه فكان سببا في إلحاق الضرر به، أما الطيب فيبقى بإذن الله طيبا، فكيف نقول في قوله تعالى :{يحل لكم الطيبات} نقول هذه المقولة أن فيها من كلسترول وغير ذلك، فقلت لهم نعود مادام بنينا هذا على هذا المعتقد وكل أمر نعيش به لابد أن يكون مآله إلى المعتقد، فهذه التحاليل الطبية التي وصلت إلينا، بأن اللحوم الحمراء فيها كلسترول، علما أن إبراهيم عليه السلام قد دعا لهذا اللحم "فَجَاءَ إِبْرَاهِيمُ بَعْدَمَا تَزَوَّجَ إِسْمَاعِيلُ يُطَالِعُ تَرِكَتَهُ فَلَمْ يَجِدْ إِسْمَاعِيلَ فَسَأَلَ امْرَأَتَهُ عَنْهُ فَقَالَتْ خَرَجَ يَبْتَغِي لَنَا ثُمَّ سَأَلَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ فَقَالَتْ نَحْنُ بِشَرٍّ نَحْنُ فِي ضِيقٍ وَشِدَّةٍ فَشَكَتْ إِلَيْهِ قَالَ فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرَئِي عَلَيْهِ السَّلَامَ وَقُولِي لَهُ يُغَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِهِ فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ كَأَنَّهُ آنَسَ شَيْئًا فَقَالَ هَلْ جَاءَكُمْ مِنْ أَحَدٍ قَالَتْ نَعَمْ جَاءَنَا شَيْخٌ كَذَا وَكَذَا فَسَأَلَنَا عَنْكَ فَأَخْبَرْتُهُ وَسَأَلَنِي كَيْفَ عَيْشُنَا فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّا فِي جَهْدٍ وَشِدَّةٍ قَالَ فَهَلْ أَوْصَاكِ بِشَيْءٍ قَالَتْ نَعَمْ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ السَّلَامَ وَيَقُولُ غَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِكَ قَالَ ذَاكِ أَبِي وَقَدْ أَمَرَنِي أَنْ أُفَارِقَكِ الْحَقِي بِأَهْلِكِ فَطَلَّقَهَا وَتَزَوَّجَ مِنْهُمْ أُخْرَى فَلَبِثَ عَنْهُمْ إِبْرَاهِيمُ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أتَاهُمْ بَعْدُ فَلَمْ يَجِدْهُ فَدَخَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ فَسَأَلَهَا عَنْهُ فَقَالَتْ خَرَجَ يَبْتَغِي لَنَا قَالَ كَيْفَ أَنْتُمْ وَسَأَلَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ فَقَالَتْ نَحْنُ بِخَيْرٍ وَسَعَةٍ وَأَثْنَتْ عَلَى اللَّهِ فَقَالَ مَا طَعَامُكُمْ قَالَتْ اللَّحْمُ قَالَ فَمَا شَرَابُكُمْ قَالَتْ الْمَاءُ قَالَ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي اللَّحْمِ وَالْمَاءِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ يَوْمَئِذٍ حَبٌّ وَلَوْ كَانَ لَهُمْ دَعَا لَهُمْ فِيهِ"(11) فتلك الحياة التي كانوا يعيشونها كلها لحم، وقد دعا لهم بالبركة، فالأمر الذي لابد للإنسان إذا أراد أن ينظر في هذه القضايا، هذه التحاليل التي وصلتنا عن طريق أولئك الكفرة، هي تحاليل أجريت على لحومهم، ولحومهم كلها ميتة، وأنا أتكلم في المجلس مع الطبيب، فيخبرني أن بعض الأطباء السوريين قد لأجروا تحاليل على اللحوم، فأول ما أخذوا شاة، فقال الذابح لها بسم الله، الله أكبر، ثم أخذوا شريحة وأدخلوها للمخبر، ثم جاءوا بشاة ثانية ونحروها بدون ذكر اسم الله عليها، ثم أدخلوا شريحة منها إلى المخبر، ثم جاءوا للثالثة وصعقوها، ثم أدخلوا شريحة منها إلى المخبر، فسبحان الله يقول إن التحاليل الأولى لم يرد فيها وأي شيء، الثانية فيها بعض الأشياء لكنها قليلة، ولهذا ماذا قال نبيكم،عن عائشة ولم يذكرا عن حماد ومالك عن عائشة أنهم قالوا يا رسول الله إن قوما حديثو عهد بالجاهلية يأتون بلحمان لا ندري أذكروا اسم الله عليها أم لم يذكروا أفنأكل منها فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم "سموا الله وكلوا"(12)، وهذا راجع إلى صلة الإنسان بالله تعالى، وقد كان من جملة الحاضرين، أطباء كفار يراقبون مجريات هذه الحقائق، لأن هذا المصدر مصدر رباني، أنظروا إلى التداوي، ماذا قال النبي في التداوي، يعني في هذا المضمار ما هو شائع عند الكفار، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:" ما مررت ليلة أسري بي بملإ إلا قالوا يا محمد مر أمتك بالحجامة"(13)، لما فيها من شفاء، الآن في ألمانيا، فتحوا مستشفيات خاصة بالحجامة، هذا يدل على أن القضية قضية ارتباط الإنسان بربه سبحانه، ولما كانت صلتنا بربنا هي أعظم وأعز شيء في حياتنا، يأبى أعداء الله إلا أن يفصلوا ويجعلوا بيننا وبين ربنا حاجزا، يبعدوننا عن صلتنا بربنا، ولهذا قال الله تبارك وتعالى لنبيه والخطاب موجه إلينا بالتبعية{ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ}(14)، والآية جاءت في الأصنام{ إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ}(15)، لكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، كما قال:{وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}(16)، فقد نزلت في بني إسرائيل، فقال عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه وأرضاه خشيت على نفسي والله تبارك وتعالى يقول :{وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}، إذا {بالذين من دونه} من أصنام ومما يخاف، يعني كل شيء من دمن الله يبثون الرعب في قلوبنا به، قالوا اللحوم فيها كذا، الاحتباس الحراري، ألف ونزا الخنازير،هذا كله تخويف بغير الله عز وجل، قال تعالى في الآية الأخرى:{ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}(17)، فكل من يخوف المؤمنين بغير الله اعلم أن ذلك وحي من الشيطان، لإبعاد المؤمنين عن الرحمن، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لاَ يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يُخَوِّفُ بِهِمَا الأساس نقول: عِبَادَهُ فَإِذَا كُسِفَا فَافْزَعُوا إِلَى الصَّلاَةِ"(18)، لأنهما لا يتحركان إلا تحت نظام رباني حكيم، لكن من حين إلى آخر يأتي الأمر منه سبحانه عز وجل بأن يحصل مثل هذا، وبإذن منه، ليعود الناس إليه ويخشوه، ولهذا قال عليه السلام "فافزعوا إلى الصلاة"، وأمر الصحابة بالاستغفار والصدقة في مثل ذلك الحال، يعني الهروب إلى الله عز وجل ليصرف، فيدخل النبي صلى الله عليه و سلم في الصلاة فلا يفرغ منها حتى تخرج من تلك الهيئة، لكن الآن أصبحت الآية الربانية، ظاهرة طبيعية، لا ننكر أن هناك نظام فلكي وتفسيرات مادية، لكن هذا لا يخرج عن تصرف الله في هذا الكون، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه و سلم أنها قالت:"كان النبي صلى الله عليه و سلم إذا عصفت الريح قال اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به وأعوذ بك من شرها وشرما فيها وشر ما أرسلت به، قالت: وإذا تخيلت السماء تغير لونه، وخرج ودخل، وأقبل وأدبر، فإذا مطرت سري عنه، فعرفت ذلك في وجهه، قالت عائشة فسألته فقال: لعله يا عائشة كما قال قوم عاد {فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا} (19)

قال تعالى:{ بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ}(20)، لهذا نريد من الإنسان دائما أن تكون حياته مرتبطة بالله، فكل حركة وكل سكون في هذا الكون هو بأمره سبحانه عز وجل، وآيات من آياته {وما نرسل بالآيات إلا تخويفا}(21)أي ليخوف الناس ليعودوا إليه، لكن الكفار! {ويخوفونك بالذين من دونه}(22) يخوفونك بأن الأرض تزلزل ... ـ لا ضير أن الأمر كذلك من الناحية العلمية المادية ـ أما نحن فندرك أنه هو المتصرف في هذا الكون، فلا يخرج هذا الكون عما هو عليه إلا من بعد إذنه، إذا فـ {يخوفونك بالذين من دونه} أصل هذا التأصيل، المجتمعات اليوم تتكلم على الاحتباس الحراري، وفرضوا على الدول التي تنتج البترول غرامات ليأكلوا أمول المسلمين، والهدف من هذا كله ، هو أن يصرفوا المسلمين عن الاتصال بالله عز وجل، لأنهم يعلمون علم يقين أن هذا الدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، إذا تمسك به أهله سار الكون على أحسن نظام، وأصبحوا هم القوة المسيطرة على الكون،أحب من أحب وكره من كره، فلابد من صرف المسلمين عن التوجه إلى لله، ولهذا فقد أمد الله الفئة المؤمنة بشيء ما أعطاه للكفار، أعطاها التصرف في هذا الكون بطاعة الله عز وجل لا بغيرها، لأنهم حققوا العبودية له، وهذا التحقيق للعبودية لله عز وجل يحدث خيرا، وبين سبحانه عز وجل أن ما يحدث من فساد، ليس الاحتباس الحراري ولا أي شيء كان، وإنما سببه الأول والأخير هو الذنوب والمعاصي، من أجل ذلك بقي المجتمع المسلم على ما هو عليه من ترك لطاعة الله عصيان لأوامره تعالى، لأن القضية قضية احتباس حراري، ولكن إذا علمنا أنها آيات من آيات الله، فإن ذلك يدفعنا للمحاسبة والرجوع إلى الله، قال تعالى{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيالنَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}(22) قال بعض أهل العلم ومن آثار الذنوب والمعاصي أنها تحدث في الأرض أنواعًا من الفساد في المياه والهواء والزرع والثمار والمساكن، قال تعالى:{ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (23) قال مجاهد رحمه الله "إذا ولي الظالم سعى بالظلم والفساد فيحبس بذلك القطر فيهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد ثم قرأ ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ثم قال أما والله ما هو بحركم هذا ولكن كل قرية على ماء جار فهو بحر" وقال عكرمة "ظهر الفساد في البر والبحر أما إني لا أقول لكم بحركم هذا ولكن كل قرية على ماء" وقال قتادة أما البر فأهل العمود وأما البحر فأهل القرى والريف قلت وقد سمي الله تعالى الماء العذب بحرا فقال هو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج وليس في العالم بحر حلو واقفا وإنما هي الأنهار الجارية والبحر المالح هو الساكن فتسمى القرى التي على المياه الجارية باسم تلك المياه وقال ابن زيد " ظهر الفساد في البر والبحر قال الذنوب قلت أراد أن الذنب سبب الفساد الذي ظهر وإن أراد أن الفساد الذي ظهر هو الذنوب نفسها فيكون قوله ليذيقهم بعض الذي عملوا لام العاقبة والتعليل وعلى الأول فالمراد بالفساد والنقص والشر والآلام التي يحدثها الله في الأرض بمعاصي العباد فكل ما أحدثوا ذنبا أحدث لهم عقوبة كما قال بعض السلف كل ما أحدثتم ذنبا أحدث الله لكم من سلطانه عقوبة والظاهر والله أعلم إن الفساد المراد به الذنوب وموجباتها ويدل عليه قوله تعالى ليذيقهم بعض الذي عملوا فهذا حالنا وإنما أذاقنا الشيء اليسير من أعمالنا فلو أذاقنا كل أعمالنا لما ترك على ظهرها من دابة ومن تأثير معاصي الله في الأرض ما يحل بها من الخسف والزلازل ويمحق بركتها وقد مر رسول الله على ديار ثمود فمنعهم من دخول ديارهم إلا وهم باكون ومن شرب مياههم ومن الاستسقاء من أبيارهم حتى أمر أن لا يعلف العجين الذي عجن بمياههم لنواضح الإبل لتأثير شؤم المعصية في الماء وكذلك شؤم تأثير الذنوب في نقص الثمار وما ترى به من الآفات وقد ذكر الإمام أحمد في مسنده في ضمن حديث قال وجدت في خزائن بعض بني أمية حنطة الحبة بقدر نواة التمرة وهي في صرة مكتوب عليها كان هذا ينبت في زمن من العدل وكثير من هذه الآفات أحدثها الله سبحانه وتعالى بما أحدث العباد من الذنوب )(24)هذا يدل على أن هذه التأثيرات حقيقتها الذنوب لا غير، كما جعل للطاعة سببا للخير جعل للمعصية آثارا سلبية، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم ليتأكد هذا المعنى القرآني:" يا معشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المئونة وجور السلطان عليهم ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم"(25)معنى هذا أن هذا الفساد الذي نراه اليوم من أوبئة وأمراض حادثة لم يعرفها أسلافنا، حقيقتها الذنوب والمعاصي، لآن الله تعالى يسلط على عباده بسبب الذنوب والمعاصي ما يسلط عليهم من خلقه وجنده، وبسبب التطفيف، مجرد هذه المعصية، تصاب الأمة بمنع المطر من السماء وشدة المعاش، ثانيا:جور السلطان، أنظر إلى نتائج هذه الذنوب والمعاصي، حتى لا نلوم غيرنا، فالقضية ليست احتباس حراري كما يظنون، الإشكالية في تشخيص الداء، هم الآن يخرجوننا عن إصلاح ما يجب إصلاحه لاستقامة الأمور، فيصرفوننا الآن إلى التخويف بغير الله، إذا إنتبهوا جيدا لهذه القضايا، إذا لم نشخص الأمر جيدا ضعنا وضيعنا من معنا، إذا لابد من العودة إلى النظر الصحيح لهذه الأمور، ولهذا قال تعالى عن الكفار{ويخوفونك بالذين من دونه}(26)، أنظر ماذا قال تعالى عند كلامه عن ملك السماوات و الأرض:{ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}(27)

يعني ملكه نافذ في السماوات و الأرض لأنه على كل شيء قدير، ليس له الملك فقط ولا يملك التصرف، بل هو على كل شيء قدير، أي لا يصرف ولا يزيل ملكه للسماوات والأرض أحد، قال تعالى :{ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ بْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ بْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَواتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}(28)، فالله تبارك وتعالى بهذه الآية يزيل أي فكرة من ذهن الإنسان، بأن هناك غيره يتصرف في هذا الكون ..... يتبع



ـــــــــــــــــــــــ

1- الأعراف (157)

2- آل عمران (189)

3- المائدة (17)

4- فصلت (11)

5- الأحزاب (72)

6- الحشر (21)

7- البخاري (3124)

8- البقرة (258)

9- مسلم (5109)

10- البخاري (3364)

11- صحيح سنن أبي داود (2453)

12- صحيح ابن ماجة (3470)

13- الزمر (36)

14- هود (54)

15- النساء (29)

16- آل عمران (175)

17- البخاري (993) وأبو داود (1179) وغيرهما واللفظ لأبي داود

18-رواهمسلم

19- الأحقاف (24)

20- الإسراء (59)

21- الزمر (36)

22- الروم(41)

23- الأنوار الساطعات للشيخ عبد العزيز السلمان ج (2) ص(425)

24- التفسير القيم لابن القيم ج (2) ص(84)

25- السلسلة الصحيحة (4009)

26- الزمر (36)

27- آل عمران (189)

28- المائدة (17)
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 02-27-2011, 01:55 PM
عمربن محمد بدير عمربن محمد بدير غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: الجزائر
المشاركات: 12,045
Lightbulb

ويخوفونك بالذين من دونه (الجزء الثاني) الخميس, 24 فبراير 2011 11:10
ويؤكدهذا في الآية الأخرى:{أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُالسَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّوَلاَ نَصِيرٍ}(1)، فبعد ملك الله للسماوات والأرض، إلى أين تفر، { مَالَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ} تنتصرون به أويتولاكم، إذا لابد من الرجوع إليه، قال تعالى:{ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَالْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ، الَّذِيلَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْيَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُتَقْدِيرًا}(2)، حتى لا نخاف الذين من دونه، لأنهم ادعوا له الولد وادعواله الشريك، فهو ينفي ذلك ويقول:{ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْلَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا}أي بتقدير منه ومادعانا للكلام على هذا الموضوع هو هذا البعد العقدي، مثل هذا الفراغالعقدي، وخاصة جانب الجهل بالله عز وجل، وعدم معرفة المسلمين بربهم، فهذهالمسائل قائمة على معرفة الإنسان بربه وهذا قال تعالى{ويخوفونكبالذين من دونه} فقد وجدوا سبيلا لإبعادنا عن ربنا فخوفونا بغير ذلك، بمايحدث في الكون كما سماها عز وجل:{وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّاتَخْوِيفًا}(3)، ليردنا إليه فأصبحت هذه الآيات كارثة، ما معنى كارثة،معنى ذلك عندما ترى واقعة من الوقائع تمر، مياه جارفة، زلازل ...، موقعهذه الكوارث على زعمهم ظالم، والمولى عز وجل عليم حكيم، يضع الشيء فينصابه وفي مكانه، وسبحان الله من منا يرى الزلزال ولا يهتز كيانه من هذاالأمر فكأنه نوع من المساس في جانب الباري سبحانه عز وجل، لضعف معرفتهبربه، لضعف إيمانه يهتز كيانه في الداخلي، أما من كان عارفا بالله فيعلمعلم يقين أن الله عز وجل لا يحدث أمرا من الأمور إلا لحكمة بالغة، لأنالرؤية التي نرى بها نحن رؤية بشرية قاصرة، أما الرؤية الربانية فلا يعلمهاإلا هو وما قصة موسى مع الخضر عنكم ببعيد، وسبحان الله تبدأ القصة بأمرعظيم، تبدأ بنقر الطير في الماء فيقول الخضر لموسى ما علمي وعلمك يا موسى ـهذا الذي من أجله أنت رحلت، وهذا الذي أرسلت به وخصك الله به من علم (رسالة كاملة من عند الله) وهذا ما اختصصت به وجئتني من أجله وتركت الرسالةلتتعلم مني ـ من علم الله إلا كما نقص هذا العصفور في هذا البحر(4)، اللهأكبر، إذا في كل أمر من الأمور إذا بدا أنه بخلاف ما يجب أن يكون ـ لضعفإيمان أو لعدم تدبر أو لسهو أو لغفلة ـ فراجع نفسك، في كل أمر من الأمورالتي تطرأ عليك أو على غيرك، وانسب التقصير لنفسك، وسلم لله واعلم أنه لايفعل شيئا إلا لحكمة بالغة، فلما بدأ بتكسير السفينة، ماذا قال موسى مماأوتيه من شرع ، هذا منكر، هم فعلوا فيهم الخير فحملوهم عليها ثم يقابلونبكسر السفينة، {قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَشَيْئًا إِمْرًا}، ماذا قال له الخضر، {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْتَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا}، ثم ساروا حتى أدركوا العلام فقتله، بالنسبةإلينا نحن ورؤيتنا البشرية القاصرة هو منكر، في نهاية المطاف، قال له الآنسأخبرك بالأمور على صورتها الحقيقية كما هي عند الله تعالى، وهذا تقريبلجريان القدر فينا والرؤية البشرية القاصرة والحكمة الربانية الكاملة، فلمابدأ يكلمه عن كل أمر من الأمور،أماالسفينة فكان يأخذ كل سفينة، فكسرت بعضها لينجو كلها، وأما الغلام فسيكونكافرا ويلحق بأهله من المتاعب والمشاق ما يلحق، أما الجدار فكذا وكذا،فالآن تبينت الأمور، إذا هذا الأمر، لا يصل المسلم إلى هذه الدرجة منالتسليم لله عز وجل فيما يجريه عليه من قضاء وقدر إلا بمعرفته بربوبيتهوأسمائه وصفاته فيتحقق بعد ذلك كمال التوكل والثقة بما عند الله تباركوتعالى، وسبحان الله عز وجل كما قلتها وسأقولها دائما وأبدا، سيظل من يعيشمع القرآن وستظل السنة هما الحديان والموجهان، وسبحان الله في هذه الأياموقعت عندي خصومة بين طرفين تنازعا على منزل ثم ظهر الحق لأحدهما واعترفالثاني به ووعد بإعادته له، فقلت في نفسي، إن هذا الرجل في سعة وفي خير، لوفتح علينا فتح الله عليه، فإذا بي أصلي العشاء فقرأت سورة الضحى ، وما كنتقاصدا والله، قرأت تلقائيا، فإذا بي أقرأ {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًافَآوَى، وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى، وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى}(5)،إلى أين يا عبد الله، تتعلق بالبشر وما عنهم هو من عند الله، فثق بخزائنهالملأى، فقلت والله سيظل الكتاب والسنة هما الهاديان والحاديان والموجهان،فكأنما الثلج سقط على قلبي واسترحت بعدها راحة تامة، هذا هو العيش مع الله،وهذا هو حقيقة التوحيد، هذا كله لأبين أن حقيقة هذه المعرفة بالله أينتوصل الإنسان في حياته العلمية العملية،
فالبعدعن السنة والبعد عن العيش بالكتاب والسنة والجهل بالله عز وجل هو الذييوصل الإنسان إلى مثل هذا التخوف من الآيات الكونية ولهذا يقول عليه الصلاةوالسلام، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أربع فيأمتي من أمر الجاهلية لن يدعهن الناس : النياحة و الطعن في الأحساب والعدوى: أجرب بعير فأجرب مائة بعير، من أجرب البعير الأول ؟! والأنواء: مطرنا بنوء كذا و كذا"(6)ويقول في الحديث الثاني:"لا يعدي شيء شيئا لايعدي شيء شيئا ( ثلاثا ) . فقام أعرابي فقال : يا رسول
اللهإن النُقبة تكون بمشفر البعير أو بعجبه فتشمل الإبل جربا؟ قال: فسكت ساعةفقال : ما أعدى الأول؟ لا عدوى و لا صفر و لا هامة ، خلق الله كل نفس فكتبحياتها و موتها و مصيباتها و رزقها"(7)، لا يعدي شيء شيئا، هذا رد على مايتناقله أهل الجاهلية، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال هي من الجاهلية،هذه العدوى التي سرى بين الناس أنه متى كان الجرب في إنسان وخالط الآخرينتعدى ذلك للغير تلقائيا، وهذا ما يدعيه الأطباء اليوم ويعتقده كل الأطباء،وهو ما يسمونه بالمرض المعدي، فجاء النبي ليزيل فكرة العدوى الذاتية، يعنيمتى وجدت في هذا لزاما أن تنتقل إلى هذا، فقال النبي صلى الله عليه وسلمإذا كان الأمر أمر عدوى، فالأول من أعداه؟ و الجواب، أصابه الله بهذاالمرض، معنى ذلك أن الثاني كذلك قد أصابه الله بالمرض، ليست العدوى التيتنتقل بذاتها، وفي هذا المجال رسالة قيمة للدكتور البار، صاحب كتاب (خلقالإنسان بين الطب والقرآن)، كتب فيها، (العدوى بين الطب والسنة)، وأراد أنيوصل إلى
الناسصحة كلام النبي صلى الله عليه وسلم فقال في الطب، توجد حالة يسمونها[حاملالجرثومة السليم] يعني أن من الناس من تصل إليه الجرثومة التي هي سبب هذاالمرض، لكن يعطيه الله تبارك وتعالى من المناعة بحيث لا تؤثر فيه، ثمينقلها لغيره، فبهذا التفسير أصبحت العدوى بهذا المفهوم الموجود اليوم غيرسليم، وإنما هي بإذن الله عز وجل لا غير، يعني أن هذا الهلع وهذا التخويفكله ليبعدونا عن الله عز وجل ويزيلوا عنا الثقة بالله، ولهذا قال صلى اللهعليه وسلم "لا عدوى و لا صفر و لا هامة ، خلق الله كل نفس فكتب حياتها وموتها و مصيباتها و رزقها"(8)، هذا ما يجعلنا نعزز ثقتنا بالله عز وجل،ومع هذا فقد قال صلى الله عليه وسلم:"فر من المجذوم كما تفر منالأسد"(9)لا يرد صحيح على مريض، هذا ليس المقصود من وراء ذلك عدم الإصابةبالداء، أو غير ذلك، وإنما هي حمية للعقيدة أكثر من كل شيء، ولهذا في واقعةالطاعون لما أراد الصحابة غزو بلد فوجدوا فيها الطاعون فاختلفوا في نهايةالمطاف كان الرأي رأي مسلمة الفتح وهو عدم الدخول حافظا على الصحابة وغيرذلك "فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَكَانَ مُتَغَيِّبًا فِيبَعْضِ حَاجَتِهِ فَقَالَ إِنَّ عِنْدِي فِي هَذَا عِلْمًا سَمِعْتُرَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِذَاسَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ وَإِذَا وَقَعَبِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ قَالَفَحَمِدَ اللَّهَ عُمَرُ ثُمَّ انْصَرَفَ"(10)، هذه تسمى الحمية حتى لا يقعبإذن الله المرض، وحتى لا يقع الإنسان إذا هذه البلدة وأصابه شيء فيقولأصابتني عدوى ولا يعزو ذلك إلى الله تعالى، فيصبح يرى أن العدوى أصابته وأنالمرض أصابه ولا يجعل ذلك من قدر الله فيعود علىنفسه باللائمة، وهذه من نعم الله علينا أن خصنا بأشياء ولله الحمد والمنةوأعطانا النبي صلى الله عليه وسلم ما يكفينا من جرعات لدفع مثل هذه المصائبهذه الجرعات هي جرعات إيمانية عقدية ولهذا يقول الله تبارك وتعالى لنبيهوللمؤمنين:{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَمِنَ الْمُؤْمِنِينَ}(11)، معنى هذا أن الله كافيك، وكافي من اتبعك منالمؤمنين، حسبك أي كافيك، ويقول:{ وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَفَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِوَبِالْمُؤْمِنِينَ}(12)، أي حتى إذا أرادوا خيانتك، فإن حسبك الله، أيكافيك ودافع شرهم عنك، ويقول تعالى:{الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّالنَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًاوَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}(13)، ويقولتعالى:{ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}(14)، أي كافيهيهمه، أي يجعل له هماً وغماً، ولهذا قال تعالى:{ فَسَيَكْفِيكَهُمُاللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}(15)، وقال تعالى:{أَلَيْسَ اللَّهُبِكَافٍ عَبْدَهُ}(16)، ولهذا نجد في مثل هذه المواطن، أين تزعزعالإيمانيات وتبلغ القلوب الحناجر، ثمة لابد من العودة إلى الإيمانوالعقيدة، فلا يدفع الشرور عنا إلا باللجوء إليه سبحانه وتعالى، ولهذا يقولللمؤمنين في رد شر الكافرين عنهم:{ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَايَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا}(17)، هذا الجانب العملي، هذا الجانبالعقدي، هذا اللجوء إلى الله هو الذي يدفع شر الشرور، لأن فيه العودة إلىالله عز وجل، وفيه الثقة بالله عز وجل، ففي قوله تعالى:{ لَا يَضُرُّكُمْكَيْدُهُمْ شَيْئًا} أصبحت القضية بين الله وبينهم، وتصبح أدنى الأسباب مناهي الواقية، ولهذا في غزوة بدر لما التقى الجمعان ألف مدججة بالسلاح معثلاث مائة واثنا عشر غير مستعدة للقتال حتى قال المولى عز وجل{وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ}(18)، فيتلكاللحظة، وقف أكبر الناس المختصين في ينظرون كيف يقف هؤلاء الشرذمة أمام هذاالجيش العرمرم المدجج بالسلاح، بحثوا عن سبيل وعن سبب، فما وجدوا إلا أنقالوا كما قال المولى عز وجل: { إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ}(19)، اعلموا جيدا أنالشيء الذي نجابه به الكفار هو ديننا، وأول شيء في ديننا هو معرفتنا بربنا،في تلك اللحظة تكفل الله عز وجل بهم في قوله تعالى:{ إِذْ تَسْتَغِيثُونَرَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَالْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ}(20) أعطاهمألفا من الملائكة وفي الآية الأخرى زادهم خمسة آلاف من الملائكة، فالجانبالذي نحتاجه لرد المصائب، هو العودة إلى الله لأن الأمر بيده لهذا قلت إنالله تعالى يعطي لهذه الأمة ما يدفعون به كل الشرور عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ عَلَى حِرَاءٍ هُوَوَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِىٌّ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُفَتَحَرَّكَتِ الصَّخْرَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- "اهْدَأْ فَمَا عَلَيْكَ إِلاَّ نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ"(21)قوة جاءت من معرفة النبي بأن اله هو المتصرف، ولهذا لما استل الرجل السيفوقال له يا محمد من يمنعك مني في تلك اللحظة لا وجود إلا لتوحيد الربوبية،في تلك اللحظة لابد أن توحيد الربوبية وتحقيقه وأن الله هو المتصرف فيالكون ولا حركة ولا سكون إلا من بعد إذنه سبحانه وتعالى، قال الله(22)فسقطالسيف من يد الرجل ولهذا عن أَنَسٍ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَعِدَ أُحُدًاوَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ فَرَجَفَ بِهِمْ فَقَالَاثْبُتْ أُحُدُ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌوَشَهِيدَانِ"(23)، ومن الجرعات الإيمانية التي يعطيها المولى عز وجل لدفعهذه المصائب التي تحل بنا من حين إلى آخر، عن أبان بن عثمان قال سمعت عثمانيعني ابن عفان يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من قال بسمالله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليمثلاث مرات لم تصبه فجأة بلاء حتى يصبح ومن قالها حين يصبح ثلاث مرات لمتصبه فجأة بلاء حتى يمسي"(24)، يعني متى قال الإنسان هذه الكلمات فإنه لنيصيبه شيء إلا أن يصيبه قبل قولها، وهذا يصبح تقصير منه، ولهذا جاء تمامالحديث "وقال فأصاب أبان بن عثمان الفالج فجعل الرجل الذي سمع منه الحديثينظر إليه فقال له ما لك تنظر إلي فوالله ما كذبت على عثمان ولا كذب عثمانعلى النبي صلى الله عليه وسلم ولكن اليوم الذي أصابني فيه ما أصابني غضبتفنسيت أن أقولها." كأن الرجل أراد أن يقول لأبان ها أنت قد قلت الدعاء وقدأصابك ما أصابك، فأخبره أبان بما أخبره وواثق مما يقول، قال له إياك أن تشكفيما أخبرتك عن الرسول صلى اله عليه وسلم، لا تصيبه فجأة بلاء ولا يضرهشيء، لأنه قال بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماءوهو السميع العليم، قال صاحب مشكاة المصابيح: لم تفجأه فاجئة بلاء حتىالليل ، ومن قالها حين يمسي لم تفجأه فاجئة بلاء حتى يصبح إن شاء الله )) يعني من قال ذلك في الصباح يحفظه الله من كل ضرر مفاجئ حتى يغيب الشمس ،ومن قالها في المساء يحفظه الله كذلك حتى يطلع الفجر ، وفي شرح السنة (( لمتفجأه فاجئة حتى يمسي ... وحتى يصبح)) . قالالقاري : وفي الغايتين أعني حتى يصبح و حتى يمسي إيماء إلى أن ابتداءالحفظ من الفجاءة والمضرة عقب قول القائل في أي : جزأ من أجزاء الليل أوالنهار بل وفي سائر أثناءهما،(25)يعني المقصود هذا إذا أنت تخلفت أو سهوتعن قولها، ثم ذكرت بعد زمن فإنه سينفعك قولها بإذن الله منذ قولك إياها،فإذا أصابك شيء فاعلم أنك لم تقلها من قبل، فلكونك تخلفت عن قولها أصبت،فكل مسلم قد أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم لقاحا يعصمه من كل بلاء، ولاتخشى من عواقبه، عن خَوْلَةَ بِنْتَ حَكِيمٍ السُّلَمِيَّةَ قالت سَمِعْتُرَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ:" مَنْ نَزَلَ مَنْزِلاًثُمَّ قَالَ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَاخَلَقَ. لَمْ يَضُرُّهُ شيء حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِذَلِكَ"(26). كان فيه ما كان، إذا أنت نزلت ذلك المنزل فقل تلك الكلماتفإنه لهن يضرك شيء، عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه قال سمعت رجلا من أسلم قالكنت جالسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجل من أصحابه فقال يارسول الله لدغت الليلة فلم أنم حتى أصبحت قال:"ماذا" قال:عقرب، قال:"أماإنك لو قلت حين أمسيت أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم تضرك إنشاء الله"(27) وفيرواية للإمام أحمد: قال سهيل: "فكان أهلنا قد تعلموها فكانوا يقولونهافلدغت جارية منهم فلم تجد لها وجعا"(28)، حمية ربانية، لكن الإشكالية لماتركنا هذا الجانب العقدي، أنظر كيف حمانا شرعنا، هذا عند وجود الداء، وبعدوجود الداء كذلك بإذن الله عز وجل، هذه تسمى حمية ربانية للمسلم، وما هيإلا تعاويذ يقولها، وبعد قولها فلن يلحق به مكروه، ولا ضر، لأنه لجأ إلى ربهذه المخلوقات جميعا، لذلك نقول دائما وأبدا لابد من الرسوخ في معرفة اللهعز وجل، هذا الشيء والله لا تدركه حتى ترسخ قدمك في معرفو الله عز وجل،بربوبيته وأسمائه وصفاته، قال تعالى:" وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِفَهُوَ حَسْبُهُ" بمعنى كافيه، يوم الخندق، كيف كانت الأوضاع؟ كانت معركةبالمنظار البشري خسارة، أحاط المشركون بالمدينة واليهود من الجهة الأخرى،لكن ثم كان التوكل "هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهمإلا إيمانا وتسليما" ماذا كانت النتيجة؟ ماذا قال المولى عز وجل؟ في هذهالغزوة بالذات وفي آخر لحظة يسلم أحد المشركين، فيخبئ بين المشركين وبيناليهود، هذه الأولى، في اللحظات الحرجة، أنظر كيف يقذف الله الإيمان في قلبهذا الرجل، قال تعالى:" فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْتَرَوْهَا"(29)، فأخذوا جيشهم وهربوا، فلابد أن تعود هذه الثقة بالله عزوجل التي هي أصل حياتنا، ولن تكون إلا بمعرفة الله عز وجل، عَنْ أَبِيهُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُعَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ ذَكَرَ رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ سَأَلَبَعْضَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يُسْلِفَهُ أَلْفَ دِينَارٍ فَقَالَائْتِنِي بِالشُّهَدَاءِ أُشْهِدُهُمْ فَقَالَ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًاقَالَ فَأْتِنِي بِالْكَفِيلِ قَالَ كَفَى بِاللَّهِ كَفِيلًا قَالَصَدَقْتَ فَدَفَعَهَاإِلَيْهِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَخَرَجَ فِي الْبَحْرِ فَقَضَى حَاجَتَهُثُمَّ الْتَمَسَ مَرْكَبًا يَرْكَبُهَا يَقْدَمُ عَلَيْهِ لِلْأَجَلِالَّذِي أَجَّلَهُ فَلَمْ يَجِدْ مَرْكَبًا فَأَخَذَ خَشَبَةً فَنَقَرَهَافَأَدْخَلَ فِيهَا أَلْفَ دِينَارٍ وَصَحِيفَةً مِنْهُ إِلَى صَاحِبِهِثُمَّ زَجَّجَ مَوْضِعَهَا ثُمَّ أَتَى بِهَا إِلَى الْبَحْرِ فَقَالَاللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ تَسَلَّفْتُ فُلَانًا أَلْفَدِينَارٍ فَسَأَلَنِي كَفِيلَا فَقُلْتُ كَفَى بِاللَّهِ كَفِيلًا فَرَضِيَبِكَ وَسَأَلَنِي شَهِيدًا فَقُلْتُ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا فَرَضِيَبِكَ وَأَنِّي جَهَدْتُ أَنْ أَجِدَ مَرْكَبًا أَبْعَثُ إِلَيْهِ الَّذِيلَهُ فَلَمْ أَقْدِرْ وَإِنِّي أَسْتَوْدِعُكَهَا فَرَمَى بِهَا فِيالْبَحْرِ حَتَّى وَلَجَتْ فِيهِ ثُمَّ انْصَرَفَ وَهُوَ فِي ذَلِكَيَلْتَمِسُ مَرْكَبًا يَخْرُجُ إِلَى بَلَدِهِ فَخَرَجَ الرَّجُلُ الَّذِيكَانَ أَسْلَفَهُ يَنْظُرُ لَعَلَّ مَرْكَبًا قَدْ جَاءَ بِمَالِهِ فَإِذَابِالْخَشَبَةِ الَّتِي فِيهَا الْمَالُ فَأَخَذَهَا لِأَهْلِهِ حَطَبًافَلَمَّا نَشَرَهَا وَجَدَ الْمَالَ وَالصَّحِيفَةَ ثُمَّ قَدِمَ الَّذِيكَانَ أَسْلَفَهُ فَأَتَى بِالْأَلْفِ دِينَارٍ فَقَالَ وَاللَّهِ مَازِلْتُ جَاهِدًا فِي طَلَبِ مَرْكَبٍ لِآتِيَكَ بِمَالِكَ فَمَا وَجَدْتُمَرْكَبًا قَبْلَ الَّذِي أَتَيْتُ فِيهِ قَالَ هَلْ كُنْتَ بَعَثْتَإِلَيَّ بِشَيْءٍ قَالَ أُخْبِرُكَ أَنِّي لَمْ أَجِدْ مَرْكَبًا قَبْلَالَّذِي جِئْتُ فِيهِ قَالَ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَدَّى عَنْكَ الَّذِيبَعَثْتَ فِي الْخَشَبَةِ فَانْصَرِفْ بِالْأَلْفِ الدِّينَارِرَاشِدًا"(30)، فكلا هذين الرجلين مسلم أمره لله عز وجل، كلمنهم واثقبالله، ولا يمكن لصاحب المال أن يعطيه إلا إذا كانواثقا بالله عز وجل، رضي بالله ورضي بالله كفيلا، فملا حان وقت رد المال،لم يجد سبيلا لرده، فأصبح كما قال ابن قيم الجوزية التوكل الذي هو عمل قلبيمن أعظم الأسباب، فهذه المعرفة بالله هي التي جعلته يضع ذاك المال داخلالخشبة ثم يأتي إلى شاطئ البحر ويلقها ويوجه الخطاب لله عز وجل، اللهم كنتأنت الشاهد وأنت الكفيل، هذا مال فلان، فهذا التوكل ناجم عن علم بأن اللههو المتصرف في هذا الكون وأن الأمر بيده لا بيد غيره، فوصل المال إلى صاحبهإذا لابد من عودة إلى معرفة الله عز وجل، والعجب العجاب عندما تسمع في بعضالأحيان بعض الأقوال لأهل العلم وأنت تعمل على تحقيق ما قالوه فتقوم عليكالدنيا وتقعد، في رسالة الشيخ محمد بن عبد الوهاب {الأصول الثلاثة } يقول : يجب عليك تعلم أربع مسائل الأولى معرفة الله، ومعرفة النبي صلى الله عليهوسلم، ومعرفة دين الإسلام بالأدلة. اهـ
فنحنجئنا لنركز على هذا الجانب ونحققه، معرفة الله هي معرفته بربوبيته وأسمائهوصفاته، الأصل الأول من الأصول الثلاثة، لكن المشكلة، هي لما يشيع الناسبعض الأخطاء العلمية، وبعض القواعد الغير سليمة، فيصبح الإنسان إذا تكلم فيذاك الجانب فإنه يتزعزع، وهذا هو المنهج الخاطئ على الدوام، أضرب مثالاوأرجع إلى واقعنا اليوم، محمد عبده في زمانه المصريون اتكلوا لما هجمنبليون بونبارت على مصر، فقال الصوفية منهم سيجيء عيسى عليه السلامفيحررنا، وسيجيء المهدي، فمجيء عيسى عليه السلام حق، ومجيء المهدي حق، نحننقول لهم نعم سيجيء، لكن قبل أن يجيء، ما هو واجبنا؟ دفع العدو الصائلعلينا الآن، لما كان محمد عبدو العالم وصاحب الصحوة في ذلك الزمان، جاءلإصلاح ذاك الداء الخاطئ بمرض آخر أعظم، وهو إنكار القرآن وإنكار السنةالمتواترة، فقال أما نزول عيسى فهو الإصلاح العيسوي وليس عيسى الذي يأتي،وأما قضية المهدي فأحاديثها ضعيفة ولا يعول عليها، أراد أن يصلح مرضا فعادبعد ذلك على السنة، فإذا دعا الأشاعرة إلى جزئية من جزئيات توحيد الربوبية،فلماذا ينكرون علينا دعوتنا إلى توحيد الربوبية، لعلها كلمة قالها شيخالإسلام ابن تيمية رحمه الله تبارك وتعالى، في معرض تأصيل لأن كلامه فيتوحيد الربوبية كثير جدا، قال: قاله المشركون ولم ينفعهم فمن ذلك أصبحتوحيد الربوبية لا ينفع لما تكلن في مقامات أخرى في جزئية التوكل وفي جزئيةالثقة بالله، لابد من العودة إلى توحيد الربوبية. اهـ
إذاهذه الحياة التي نحن فيها والله لا سبيل للتغلب عليها إلا بمعرفة الله عزوجل أولا وتحقيق العبادة التي هي من أفعالنا، ولهذا كنا نقول دائما وأبدا،ونحن نؤكد هذا، وهو عندما يرسخ في أذهان الناس شيء خاطئ فإنه سيفسد، اعلمواأنه سيلحق ضررا كبيرا على المسلمين، فمثل هذه المسائل التي تظهر من حينلآخر، في العالم، إذا لم نواجهها بالعقيدة والإيمان، والله مستحيل أننواجهها بشيء آخر، وهذا دوما، في الشرع علاج لكل الأمراض، قال صلى اللهعليه وسلم:" مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُشِفَاءً"(31)، "إن هو إلا وحي يوحى"(32)، فكل داء له دواء، لأنه قال:" وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌلِلْمُؤْمِنِينَ"(33)، كنت قد ذكرت مسألة تشابه هذه في سنة تسعة وتسعين،سويت محاضرة ـ وكان قد بدأ الكلام حول الأزمة الاقتصادية، وأخذ الناس منحامادياـ فقلت: لابد الآن من علاج لهذه المسألة:
أولا: إفشاء العلم بين الناس، كما قال عمر بن عبد العزيز:افشوا العلم ولتجلسوا لتعلموا من لا يعلم.
ثانيا: ربط الناس بعلمائهم " فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ"(34)
ثالثا:لابد من عقيدة لمواجهة هذه الأزمة التي يتكلمون عنها، ليعلم الإنسان أن مايصيبه في هذا الكون، ما هو إلا ابتلاء من عند الله عز وجل لا غير بعدهاإذا علم أن هذه الحياة هي دار ابتلاء، وأن الله يبتلي بالغنى كما يبتليبالفقر، ثمة اعلم أنك لا تخشى لا السرقة ولا أي شيء مما نحن نعيشه اليومأين كلهم أرادوا أن يكونوا أغنى الأغنياء، ثم إنهم ما أرادوا أن يمسهمالابتلاء في أي جانب من الجوانب، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام وهو يوجهالخطاب لهذه الأمة في باب الرزق ونحن نتكلم عنه، وحتى تدركوا مجال العقيدةودورها في إصلاح الواقع الذي نعيشه:"إن روح القدس نفث في روعي:إن نفسا لاتموت حتى تستكمل رزقها فاتقوا الله و أجملوا في الطلب، و لا يحملنكماستبطاء الرزق أن تطلبوه بمعاصي الله ، فإن الله لا يدرك ما عنده إلابطاعته"(35)، فيجب علاج ما يحل بهذه الأمة، من الكتاب والسنة، وإذا ابتعدناعن الكتاب والسنة ضيعنا.
والله أسأل أن يوفق الجميع لما يحب ويرضى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ
1- البقرة 170
2- الفرقان 1-2
3- الإسراء 59
4- البخاري 4725
5- الضحى 6-8
6- السلسلة الصحيحة 735
7- السلسلة الصحيحة 1152
8- السلسلة الصحيحة 783
9- متفق عليه البخاري(5729) ومسلم (5915)
10- الأنفال (64)
11- الأنفال (62)
12- آل عمران (173)
13- الطلاق (3)
14- البقرة 137
15- الزمر 36
16- آل عمران 120
17- الأنفال 7
18- الأنفال 49
19- الأنفال 9
20- مسلم (6400)
21- البخاري (2910)
22- البخاري (3675)
23- صحيح سنن أبي داود (5088)
24- مشكاة المصابيح ج: 8 ص: 280
25- صحيح مسلم (7053)
26- صحيح سنن أبي داود (3898)
27- مسند الإمام أحمد (7885)
28- الأحزاب (9)
29- البخاري (2291)
30- البخاري (5678)
31- النجم (4)
32- الإسراء (82)
33- الأنبياء (7)
34- السلسلة الصحيحة (2866)
__________________
قال ابن تيمية:"و أما قول القائل ؛إنه يجب على [العامة] تقليد فلان أو فلان'فهذا لا يقوله [مسلم]#الفتاوى22_/249
قال شيخ الإسلام في أمراض القلوب وشفاؤها (ص: 21) :
(وَالْمَقْصُود أَن الْحَسَد مرض من أمراض النَّفس وَهُوَ مرض غَالب فَلَا يخلص مِنْهُ إِلَّا الْقَلِيل من النَّاس وَلِهَذَا يُقَال مَا خلا جَسَد من حسد لَكِن اللَّئِيم يبديه والكريم يخفيه).
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 05-10-2012, 01:42 PM
أبو سلمى رشيد أبو سلمى رشيد غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: الجــــــــــــزائـــــر
المشاركات: 2,576
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذا هو التسجيل الصوتي
http://www.safeshare.tv/w/CcjEXEnKSh
__________________
https://www.facebook.com/abbsalma
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:04 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.